بيع الربوي مضمونا إلى غيره بربوي من جنسه أو ما كان مشتملا على جنسين من أصله .
فصل : وإن باع شيئا فيه الربا بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه كمد ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين أو باع شيئا محلى بجنس حليته فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة والمذهب أنه لا يجوز ذلك نص على ذلك أحمد في مواضع كثيرة وذكره قدماء الأصحاب قال ابن أبو موسى : في السيف المحلى بالمنطقة والمراكب المحلاة بجنس ما عليها لا يجوز قولا واحد وروي هذا عن سالم ابن عبد الله و القاسم بن محمد و شريح و ابن سيرين وبه قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور وعن أحمد رواية أخرى تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه فإن مهنا نقل عن أحمد في بيع الزبد باللبن يجوز إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وروى حرب قال : قلت لأحمد دفعت دينارا كوفيا ودرهما وأخذت دينارا شاميا وزنهما سواء لكن الكوفي أوضع قال : لا يجوز إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضه وكذلك روى عنه محمد بن أبي حرب الجرجرائي وروي الميموني أنه سأله لا يشتري السيف والمنطقة حتى يفصلها ؟ فقال : لا يشتريها حتى يفصلها إلا أن هذا أهون من ذلك لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر يفصله وفيه غير النوع الذي يشتري به فإذا كان من فضل الثمن إلا أن من ذهب إلى ظاهر القلادة لا يشتريه حتى يفصله قيل له فما تقول أنت ؟ قال : هذا موضع نظر وقال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن الدراهم المسيبية بعضها صفر وبعضها فضة بالدراهم ؟ قال : لا أقول فيه شيئا قال أبو بكر : روى هذه المسألة عن أبي عبد الله خمسة عشر نفسا كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز حتى يفصل إلا الميموني ونقل مهنا كلاما آخر وقال حماد بن أبي سليمان و أبو حنيفة : يجوز هذا كله إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه وقال الحسن : لا بأس ببيع السيف المحل بالفضة بالدراهم وبه قال الشعبي و النخعي واحتج من أجاز ذلك بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة لم يحمل على الفساد لأنه لو اشترى لحما من قصاب جاز مع احتمال كونه غير ميتة ولكن وجب حمله على أنه مذكى تصحيحا للعقد ولو اشترى من إنسان شيئا جاز مع احتمال كونه غير ملكه ولا إذن له في بيعه تصحيحا للعقد أيضا وقد أمكن التصحيح ههنا بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل .
ولنا ما [ روى فضالة بن عبيد قال : أتي النبي A بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي A : لا حتى تميز بينهما قال : فرده حتى ميز بينهما ] رواه أبو داود وفي لفظ رواه مسلم قال : [ فأمر رسول الله A بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله A : الذهب بالذهب وزنا بوزن ] ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه فإذا اختلفت القيمة اختلفت ما يأخذه من العوض بيانه أنه إذا اشترى عبدين قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة كان ثمن أحدهما ثلثها فلو رد أحدهما بعيب رده بقسطه من الثمن ولذلك إذا اشترى شقصا وسيفا بثمن أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن فإذا فعلنا هذا فيمن باع درهما ومدا قيمته درهمان بمدين قيمتهما ثلاثة حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مد والمد الذي مع الدرهم في مقابلة مد وثلث فهذا إذا تفاوتت القيم ومع التساوي يجهل ذلك لأن التقويم ظن وتخمين والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه في باب الربا ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرص وقولهم يجب تصحيح العقد ليس كذلك بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد ولذلك لو باع بثمن وأطلق وفي البلاد نقود بطل ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه أما إذا اشترى من إنسان شيئا فإنه يصح لأن الظاهر أنه ملكه لأن اليد دليل الملك وإذا باع لحما فالظاهر أنه مذكى لأن المسلم في الظاهر لا يبيع الميتة .
فصل : فأما إن باع نوعين مختلفي القيمة من جنس بنوع واحد من ذلك الجنس كدينار مغربي ودينار سابوري بدينارين مغربيين أو دينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو قراضتين أو حنطة حمراء وسمراء ببيضاء أو تمرا برنيا ومعقليا بابرحيمي فإنه يصح قال أبو بكر وأومأ إليه أحمد واختار القاضي أبو يعلى أن الحكم فيها كالتي قبلها وهو مذهب مالك و الشافعي لأن العقد يقتضي انقسام الثمن على عوضه على حسب اختلافه في قيمته كما ذكرنا وروي عن أحمد منع ذلك في النقد وتجويزه في الثمن نقله أحمد بن القاسم لأن الأنواع في غير الأثمان يكثر اختلافهما ويشق تمييزها فعفي عنها بخلاف الأثمان .
ولنا قول النبي A : [ الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل ] وهذا يدل على إباحة البيع عند وجود المماثلة المراعية وهي المماثلة في الموزون وزنا وفي المكيل كيلا ولأن الجودة ساقطة في باب الربويات فيما قوبل بجنسه فيما لو اتحد النوع في كل واحد من الطرفين فكذلك إذا اختلفا واختلاف القيمة ينبني على الجودة والرداءة ولأنه باع ذهبا بذهب متساويا في الوزن فصح كما لو اتفق النوع وإنما يقسم العوض على المعوض فيما يشتمل على جنسين أو في غير الربويات بدليل ما لو باع نوعا يشتمل على جيد ورديء .
فصل : وإن باع ما فيه الربا بغير جنسه ومعه من جنس ما بيع به إلا أنه غير مقصود كدار مموه سقفها بالذهب جاز لا أعلم فيه خلافا وكذلك لو باع دارا بداره مموه سقف كل واحدة منها بذهب أو فضة جاز لأن ما فيه الربا غير مقصود بالبيع فوجوده كعدمه وكذلك لو اشترى عبدا له مال فاشترط ماله وهو من جنس الثمن جاز إذا كان المال غير مقصود ولو اشترى عبدا بعبد واشترط كل واحد منهما مال العبد الذي اشتراه جاز إذا لم يكن ماله مقصودا لأنه غير مقصود بالبيع فأشبه التمويه في السقف ولذلك لا تشترط رؤيته في صحة البيع ولا لزومه وإن باع شاة ذات لبن بلبن أو عليها صوف بصوف أو باع لبونا بلبون وذات صوف بمثلها ففيه وجهان أحدهما : الجواز اختاره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وسواء كانت الشاة حية أو مذكاة لأن ما فيه الربا غير مقصود فلم يمنع كالدار المموه سقفها والثاني : المنع وهو مذهب الشافعي لأنه باع مال الربا بأصله الذي فيه منه أشبه الحيوان باللحم والفرق بينهما أن اللحم في الحيوان مقصود بخلاف اللبن ولو كانت الشاة محلوبة اللبن جاز بيعها بمثلها وباللبن وجها واحدا لأن اللبن لا أثر له ولا يقابله شيء من الثمن فأشبه الملح في الشيرج والخبز والجبن وحبات الشعير في الحنطة ولا نعلم فيه أيضا خلافا وكذلك لو كان اللبن المنفرد من غير جنس لبن الشاة جاز بكل حال ولو باع نخلة عليها تمر بتمر أو بنخلة عليها تمر ففيه أيضا وجهان أحدهما : الجواز اختاره أبو بكر لأن التمر غير مقصود بالبيع والثاني : لا يجوز ووجه الوجهين ما ذكرناه في المسألة قبلها واختار القاضي أنه لا يجوز وفرق بينها وبين الشاة ذات اللبن بكون الثمرة يصح إفراده كالسيف المحلى يباع بجنس حليته وما لا يمنع وإن جاز إفراده كمال العبد .
فصل : وإن باع جنسا فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه غير مقصود فذلك ينقسم أقساما أحدها : أن يكون غير المقصود يسيرا لا يؤثر في كيل ولا وزن كالملح فيما يعمل فيه وحبات الشعير في الحنطة فلا يمنع لأنه يسير لا يخل بالتماثل وكذلك لو وجد في أحدهما دون الآخر لم يمنع لذلك ولو باع ذلك بجنس غير المقصود الذي معه مثل أن يبيع الخبز بالملح جاز لأن وجود ذلك كعدمه الثاني : أن يكون غير المقصود كثيرا إلا أنه لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر والزبيب ودبس التمر فهذا يجوز بيع الشيء منه بمثله ويتنزل خلطه منزلة رطوبته لكونه من مصلحته فلا يمنع من بيعه بما يماثله كالرطب بالرطب ولا يجوز بيعه بما ليس فيه خلط كبيع خل العنب بخل الزبيب لإفضائه إلى التفاضل فجرى مجرى بيع التمر بالرطب ومنع الشافعي ذلك لكل إلا بيع الشيرج بالشيرج لكون الماء لا يظهر في الشيرج الثالث : أن يكون غير مقصود كثيرا وليس من مصلحته كاللبن المشوب بالماء والأثمان المغشوشة بغيرها فلا يجوز بيع بعضها ببعض لأن خلطه ليس من مصلحته وهو يخل بالتماثل المقصود فيه وإن باعه بجنس غير المقصود كبيع الدينار المغشوش بالفضة بالدراهم احتمل الجواز لأنه يبيعه بجنس غير مقصود فيه فأشبه بيع اللبن بشاة فيها لبن ويحتمل المنع بناء على الوجه الآخر في الأصل وإن باع دينارا مغشوشا بمثله والغش فيهما متفاوت أو غير معلوم المقدار لم يجز لأنه يخل بالتماثل المقصود وإن علم التساوي في الذهب والغش الذي فيهما خرج على الوجهين أولاهما الجواز لأنهما تماثلا في المقصود وفي غيره ولا يقضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة لكون الغش غير مقصود فكأنه لا قيمة له .
فصل : ولو دفع إليه درهما فقال : أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم وبنصفه فلوسا أو حاجة أخرى جاز لأنه اشترى نصفا بنصف وهما متساويان فصح كما لو دفع إليه درهمين وقال : بعني بهذا الدرهم فلوسا وأعطني بالآخر نصفين وإن قال : أعطني بهذا الدرهم نصفا وفلوسا جاز أيضا لأن معناه بذلك ولأن ذلك لا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة فإن قيمة النصف الذي في الدرهم كقيمة النصف الذي مع الفلوس يقينا وقيمة الفلوس كقيمة النصف الآخر سواء .
فصل : وما كان مشتملا على جنسين بأصل الخلقة كالتمر الذي اشتمل على النوى وما عليه والحيوان المشتمل على لحم وشحم وغيره وأشباه ذلك فهذا إذا قوبل بمثله جاز بيعه به ولا نظر إلى ما فيه فإن النبي A أجاز بيع التمر بالتمر والحيوان بالحيوان وقد علم اشتمالهما على ما فيهما ولو باع ذلك بنوع غير مقصود فيه كبيع التمر الذي فيه النوى بالنوى ففيه عن أحمد روايتان قد ذكرناهما فيما مضى فأما العسل قبل تصفيته فقال أصحابنا : لا يجوز بيع بعضه ببعض لاشتماله على عسل وشمع وذلك بفعل النحل فأشبه السيف المحلى