طواف الزيارة الافاضة .
مسألة : قال : ثم يزور البيت فيطوف به سبعا وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج ثم يصلي ركعتين إن كان مفردا أو قارنا .
وجملة ذلك أه إذا رمى ونحر وحلق وأفاض إلى مكة طاف طواف الزيارة لأنه يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى ويسمى طواف الإفاضة لأنه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة وهو ركن للحج لا بتم إلا به لا نعلم فيه خلافا ولأن الله D قال : وليطوفوا بالبيت العتيق قال ابن عبد البر هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء وفيه عند جميعهم قال الله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } و [ عن عائشة قالت : حججنا مع النبي A فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي A منها ما يريد الرجل من أهله فقلت : يا رسول الله إنها حائض قال : أحابستنا هي ؟ قالوا : يا رسول الله أنها قد أفاضت يوم النحر قال : اخرجوا ] متفق عليه فدل على أن هذا الطواف لا بد منه وأنه حابس لمن لم يأت به ولأن الحج أحد النسكين فكان الطواف ركنا كالعمرة .
فصل : ولهذا الطواف وقتان وقت فضيلة ووقت أجزاء فأما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق لقول جابر في صفة حج النبي A ويم النحر فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر وفي حديث عائشة الذي ذكر فيه حيض صفية قالت : فأفضنا يوم النحر وقال ابن عمر : [ أفاض النبي A يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر ] متفق عليهما فإن أخره إلى الليل فلا بأس فإن ابن عباس وعائشة رويا أن النبي A أخر الطواف الزيارة إلى الليل رواهما أبو داود و الترمذي وقال في كل واحد منهما حديث حسن وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر وبهذا قال الشافعي وقال أ [ و حنيفة : أوله طلوع الفجر من يوم النحر وآخره آخر أيام النحر وهذا مبني على أول وقت الرمي وقد مضى الكلام فيه محدود فإنه وقته فاحتج بأنه نسك يفعل في الحج فكن آخره محدودا كالوقوف والرمي والصحيح أن آخر وقته غير محدود فإنه متى أتى به صح بغير خلاف وإنما الخلاف في وجوب الدم فيقول : إنه طاف فيما بعد أيام النحر طوافا بفواته وليس كذلك الطواف فإنه متى أتى به صح .
فصل : وصفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم سوى أنه ينوي به طواف الزيارة ويعينه بالنية ولا رمل فيه ولا اضطباع قال ابن عباس إن النبي A لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه والنية شرط في هذا الطواف وهذا قول إسحاق وابن القاسم صاحب مالك و ابن المنذر وقال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي : يجزئه وإن لم ينو الفرض الذي عليه .
ولنا قول النبي A : [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] ولأن النبي A سماه صلاة والصلاة لا تصح إلا بالنيات اتفاقا .
مسألة : قال : ثم قد حل من كل شيء .
يعني إذا طاف للزيارة بعد الرمي والنحر والحلق حل له كل شيء حرمه الإحرام وقد ذكرنا أنه لم يكن بقي عليه من المحظورات سوى النساء فهذا الطواف حلل له النساء قال ابن عمر : لم يحل النبي A من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر فأفاض بالبيت ثم حل من كل شيء حرمه وعن عائشة مثله متفق عليهما ولا نعلم خلافا في حصول الحل بطواف الزيارة على الترتيب الذي ذكر الخرقي وأنه كان قد سعى مع طواف القدوم وإن لم يكن سعى لم يحل حتى يسعى إن قلنا أن السعي ركن وإن قلنا هو سنة فهل يحل قبله على وجهين أحدهما : يحل لأن لم يبق عليه شيء من واجباته والثاني : لا يحل لأنه من أفعال الحج فيأتي به في إحرام الحج كالسعي في العمرة فإنما خص الخرقي المفرد والقارن بهذا لكونهما سعيا مع طواف القدوم والمتمتع لم يسع .
مسألة : قال : وإن كان متمتعا فيطوف بالبيت سبعا وبالصفا والمروة سبعا كما فعل بالعمرة ثم يعود فيطوف طوافا ينوي به الزيارة وهو قوله D { وليطوفوا بالبيت العتيق } .
فأما الطواف الأول الذي ذكره الخرقي هاهنا فهو طواف القدوم لأن المتمتع لم يأت به قبل ذلك والطواف الذي طافه في العمرة كان طوافها ونص أحمد على أنه مسنون للمتمتع في رواية الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله C فإذا رجع أعني المتمتع كم يطوف ويسعى ؟ قال : يطوف ويسعى لحجه ويطوف طوافا آخر للزيارة - عاودناه في هذا غير مرة فثبت عليه وكذلك الحكم في القارن والمفرد إذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر ولا طافا للقدوم فإنهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة نص عليه أحمد أيضا واحتج بما روت عائشة قال : فطاف الذين أهلوا بالعمرة وبين الصفا والمروة ثم حلوا فطافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا منى لحجهم وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا فحمل أحد قول عائشة على أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم ولأنه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع فلم يكن تعين طواف الزيارة مسقطا له كتحية المسجد عند دخوله قبل التلبس بصلاة الفرض ولم أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي بل المشروع طواف واحد للزيارة كم دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد ولأنه لم ينقل عن النبي A ولا عن أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ولا أمر به النبي A أحدا وحديث عائشة دليل على هذا فإنها قالت : طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منة لحجهم وهذا هو طواف الزيارة ولم تذكر طوافا آخر ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة الذي هو ركن الحج لا يتم الحج إلا به وذكرت ما يستغني عنه وعلى كل حال فما ذكرت إلا طوافا واحدا فمن أين يستدل به على طوافين ؟ وأيضا فإنه لما حاضت قرنت الحج إلى العمرة بأمر النبي A ولم تكن طافت للقدوم ولا أمرها به النبي A وقد ذكر الخرقي في موضع آخر في المرأة إذا حاضت فخشيت فوات الحج أهلت بالحج وكانت قارنة ولم يكن عليها قضاء طواف القدوم ولأن طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب لشرع في حق المعتبر طواف للقدوم مع طواف العمرة ولأنه أول قدومه إلى البيت فهو به أولى من المتمتع الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به وفي الجملة أن هذا الطواف المختلف فيه ليس بواجب وإنما الواجب طواف واحد وهو طواف الزيارة وهو في حق المتمتع كهو في حق القارن والمفرد في أنه ركن الحج لا يتم إلا به ولا بد من تعيينه فلو نوى به طواف الوداع أو غيره لم يجزه