حصار الجمار .
مسألة : قال : ويأخذ حصى الجمار من طريقة أو من مزدلفة .
إنما يستحب ذلك لئلا يشتغل عند قدومه بشيء قبل الرمي فإن الرمية تحته له كما أنا الطواف تحية المسجد فلا يبدأ بشيء قبله وكان ابن عمر يأخذ الحصى من جمع وفعله سعيد بن جبير وقال : كانوا يتزودون الحصى من جمع واستحبه الشافعي وعن أحمد قال : خذ الحصى من حيث شئت وهو قول عطاء و ابن المنذر وهو أصح إن شاء الله تعالى لأن الله تعالى ل [ أن ابن عباس قال : قال رسول الله A غداة العقبة وهو على ناقته : القط لي حصى فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل يقبضهن في كفه ويقول : أمثال هؤلاء فارموا ثم قال : أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ] رواه ابن ماجة وكان ذلك بمنى ولا خلاف في إنه يجزئه أخذه من حيث كان والتقاط الحصى ألوى من تكسيره لهذا الخبر ولأنه لا يؤمن في التكسير أن يطير إلى وجهه شيء يؤذيه ويستحب أن تكون الحصيات كحصى الخذف لهذا الخبر ولقول جابر في حديه : كل صحة منها مثل حصى الخذف وروى سليمان بن عمرو الأحوص عن أمه قالت : [ قال رسول الله A : يا أيها الناس إذا رأيتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف ] رواه أبو داود قال الأثرم : يكون أكبر من الحمص ودون البندق وكان ابن عمر يرمي بمثل بعر الغنم فإن رمى بحجر كبير فقد روي عن أحمد أنه قال : لا تجزئه حتى يأتي بالحصى على ما فعل النبي A وذلك لأن النبي A أمر بهذا القدر ونهى عن تجاوزه والأمر يقتضى الوجوب والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأن الرمي بالكبير ربما آذى من يصيبه وقال بعض أصحابنا : يجزئه مع تركه للسنة لأنه قد رمى بالحجر وكذلك الحكم في الصغير .
فصل : ويجزئ الرامي بكل ما يسمى حصا وهي الحجارة الصغر سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر من المرمر أو البرام أو المرور وهو الصوان أو الرخام أو الكذان أو حجر السمن وهو قول مالك و الشافعي وقال القاضي : لا يجزئه الرخام ولا البرام والكذان ويقتضي قوله أن لا يجزئ المرو ولا حجر المسن وقال أبو حنيفة : يجوز بالطين والمدر وما كان من جنس الأرض ونحوه قال الثوري وروي عن سكينة بنت الحسين أنه رمت الجمرة ورجل يناولها الحصا وتكبر مع كل حصاة وسقطت حصاة فرمت بخاتمها .
ولنا أن النبي A رمى بالحصا وأرم بالرمي مثل حصى الخذف فلا يتناول غير الحصى ويتناول جميع أنواعه فلا يجوز تخصيصه بغير دليل ولا إلحاق غيره به لأنه موضع لا يدخل القياس فيه .
فصل : إن رمي بحجر أخذ من المرمى لم يجزه وقال الشافعي : يجزئه لأنه حصى فيدخل في العموم .
ولنا [ أن النبي A أخذ من غير المرمى وقال : خذوا عني مناسككم ] ولأنه لو جاز الرمي بما رمى به لما احتاج أحد إلى أخذ الحصى من غير مكان ولا تكسره والإجماع على خلافه ولأن ابن عباس قال : ما يقبل منها يرفع وإن رمى بخاتم فضة حجرا لم يجزه في أحد الوجهين لأنه تبع والرمي بالمتبوع لا التابع .
مسألة : قال : والإستحباب أن يغسله .
اختلف عن أحمد في ذلك فروي عنه أنه مستحب لأنه روي عن ابن عمر أنه غسله وكان طاوس يفعله وكان ابن عمر يتحرى سنة النبي A وعن أحمد أنه لا يستحب وقال : لم يبلغنا أن النبي A وهذا صحيح وهو قول عطاء و مالك وكثير من أهل العلم فإن النبي A لما لقطت له الحصيات وهو راكب على بعيره يقبضهن في يده لم يغسلهن ولا أمر بغسلهن ولا فيه معنى يقتضبه فإن رمى بحجر نجس أجزأه لأنه حصاة ويحتمل أن لا يجزئه لأنه يؤذي به العبادة فاعتبرت طهارته كحجر الاستجمار وتراب التيمم وإن غسله ورمى به أجزأه وجها واحدا .
وعدد الحصى سبعون حصاة يرمي منها بسبع يوم النحر وسائرها في أيام منى والله أعلم