قتل المحرم للحيوان المؤذي والأهلي .
مسألة : قال : وله أن يقتل الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور وكل ما عدا عليه أو آذاه ولا فداء عليه .
هذا قول أكثر أهل العلم منهم الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن النخعي أنه منع قتل الفأرة والحديث صريح في حل قتلها فلا يعول على ما خالفه والمراد بالغراب الأبقع وغراب البين وقال قوم لا يباح من الغربال إلا الأبقع خاصة لأنه قد روي : [ خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب والعقور والحدأة ] رواه مسلم وهذا يقيد المطلق في الحديث الآخر ولا يمكن حمله على العموم بدليل أن المباح من الغربال لا يحل قتله .
ولنا ما روت عائشة قالت : [ أمر رسول الله A بقتل خمس فواسق في الحرم الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور ] وعن ابن عمر [ أن رسول الله A قال : خمس من الدواب ليس على المحرم جناح في قتلهن ] وذكر مثل حديث عائشة متفق عليهما وفي لفظ لمسلم في حديث ابن عمر : [ خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام ] وهذا عام في الغراب وهو أصح من الحديث الآخر ولأن غراب البين محرم الأكل بعدو على أموال الناس فلا وجه لإخراجه من العموم وفارق ما أبيح أكله فإنه مباح ليس هو في معنى ما أبيح قتله فلا يلزم من تخصيصه تخصيص ما ليس في معناه وقول الخرقي وكل ما عدا عليه وآذاه يحتمل أنه أراد ما يبدأ المحرم فيعدوا عليه في نفسه أو ماله فهذا لا جناح على قاتله سواء كان من جنس طبعه الأذى أو لم يكن قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السبع إذا بدأ المحرم فقتله لا شيء عليه ويحتمل أنه أراد ما كان طبعة الأذى والعدوان وإن لم يوجد منه أذى في الحال قال مالك : الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فعلى هذا يباح لك ما فيه أذى للناس في أنفسهم أو في أموالهم مثل سباع البهائم كلها المحرم أكلها وجوارح الطير كالبازي والعقاب والصقر والشاهين ونحوها والحشرات المؤذية والزنبور والبق والبعوض والبراغيث والذباب وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي : يقتل ما جاء في الخبر والذئب قياسا عليه .
ولنا أن الخبر نص من كل جنس على صورة من أدناه تنبيها على ما هو أعلى منها ودلالة على ما كان في معناها فنصه على الحدأة والغراب تنبيه على البازي ونحوه وعلى الفأرة تنبيه على الحشرات وعلى العقرب تنبيه على الحياة وعلى الكلب العقور تنبيه على السباع التي هي أعلى منه ولأن ما لا يضمن بمثله ولا بقيمته لا يضمن كالحشرات .
فصل : وما لا يؤذي بطبعه ولا يؤكل كالرخم والديدان فلا أثر للحرم ولا للإحرام فيه ولا جزاء فيه أن قتله وبهذا قال الشافعي وقال مالك : يحرم قتلها وإن قتلها فداها وكذلك لك سبع لا يعدو على الناس وإذا وطئ الذباب والنمل أو الذر أو قتل الزنبور تصدق بشيء من الطعام .
ولنا أن الله تعالى إنما أوجب الجزاء في الصيد وليس هذا بصيد قال بعض أهل اللغة : الصيد ما جميع ثلاثة أشياء فيكون مباحا وحشيا ممتنعا ولأنه لا مثل له ولا قيمة والضمان إنما يكو بأحد هذين الشيئين وروى عن عمر أنه قرد بعيره بالسقيا وهو محرم ومعناه أنه نزل القراد عنه ورماه وهذا قول جابر بن زيد عطاء وروي أن ابن عباس قال لعكرمة وهو محرم : قرد البعير فكره ذلك فقال : قم فانحره فنحره فقال له ابن عباس لا أم لك كم قتلت فيها من قراد وحملة وحمنانة ؟ يعني كبار القراد رواه كله سعيد .
فصل : ولا تأثير للإحرام لا للحرم في تحريم شيء من الحيوان الأهلي كبهيمة الأنعام ونحوها لأنه ليس بصيد وإنما حرم الله تعالى الصيد وقد كان النبي A يذبح البدن في إحرامه في الحرم يتقرب إلى الله سبحانه بذلك وقال : أفضل الحج العج والثج يعني إسالة الدماء بالذبح والنحر وليس في هذا اختلاف