ومن كان منزله أو قريته دون الميقات ومن لم يكن على طريقه ميقات .
مسألة : قال : ومن كان منزله دون الميقات فميقاته من موضعه .
يعني إذا كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات كان ميقاته مسكنه هذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول مالك و طاوس و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وعن مجاهد قال : يهل من مكة ولا يصح فإن النبي A قال في حديث ابن عباس : [ فمن كان دونهن مهله من أهله ] وهذا صريح والعمل به أولى .
فصل : إذا كان مسكنه قرية فالأفضل أن يحرم من أبعد جانبيها وإن أحرم من أقرب جانبيها جاز وهكذا القول في المواقيت التي وقتها رسول الله A إذا كانت قرية والحلة كالقرية فيما ذكرنا وإن كان مسكنه منفردا فميقاته مسكنه أو حذوه وكل ميقات فحذوه بمنزلته ثم إن كان مسكنه في الحل فإحرامه منه للحج والعمرة معا وإن كان في الحرم فإحرامه للعمرة من الحل ليجمع بين الحل والحرم كالمكي وأما الحج فينبغي أن يجوز له الإحرام من أي الحرم شاء كالمكي .
مسألة : قال : ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم .
وجملة ذلك أن من سلك طريقا من ميقاتين فإنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو إلى طريقه أقرب لما روينا أن أهل العراق قالوا لعمر : أن قرنا جور عن طريقنا فقال : انظروا حذوها من طريقكم فوقت لهم ذات عرق ولأن هذا مما يعرف بالاجتهاد والتقدير فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة .
فصل : فإن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط فأحرم من بعد بحيث يتقين أنه لم يجاوز الميقات إلا محرما لأن الإحرام قبل الميقات جائز وتأخيره عنه لا يجوز فالاحتياط فعل ما لا شك فيه ولا يلزمه الإحرام حتى يعلم أنه قد حاذاه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك فإن أحرم ثم علم بعد أنه قد جاوز ما يحاذيه من المواقيت غير محرم فعليه دم وإن شك في أقرب الميقاتين إليه فالحكم في ذلك على ما ذكرنا في المسألة قبلها وإن كانتا متساويتين في القرب إليه أحرم من حذو أبعدهما .
مسألة : قال : وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها ممن أراد حجا أو عمرة .
وجملة ذلك أن من سلك طريقا فيها ميقات فهو ميقاته فإذا حج الشامي من المدينة فمر بذي الحليفة فهي ميقاته وإن حج من اليمن فميقاته يلملم وإن حج من العراق فميقاته ذات عرق وهكذا كل من مر على ميقات غير ميقات بلده صار ميقاتا له سأل أحمد عن الشامي يمر بالمدينة يريد الحج : من أين يهل ؟ قال : من ذي الحليفة قيل : فإن بعض الناس يقول : يهل من ميقاته من الجحفة فقال : سبحان الله أليس يروي ابن عباس [ عن النبي A : هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ] وهذا قول الشافعي و إسحاق وقال أبو ثور في الشامي يمر بالمدينة له أن يحرم من الجحفة وهو قول أصحاب الرأي وكانت عائشة إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة وإذا أرادت العمرة أحرمت من الجحفة ولعلهم يحتدون بأن النبي A وقت لأهل الشام الجحفة .
ولنا قول النبي A : [ فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ] ولأنه ميقات فلم يجز تجاوزه بغير إحرام لمن يريد انسك كسائر المواقيت وخبرهم أريد به من لم يمر على ميقات آخر بدليل ما لو مر بميقات غير ذي الحليفة لم يجز له تجاوزه بغير إحرام بغير خلاف وقد روى سعيد عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن رسول الله A وقت لمن ساحل من أهل الشام الجحفة ولا فرق بين الحج والعمرة في هذا لقول النبي A : [ فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد حجا أو عمرة ]