النيابة عن الميت وحج الولد عن والديه .
فصل : ويستناب من يحج عنه حيث وجب عليه أما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه وبهذا قال الحسن وإسحاق ومالك في النذر وقال عطاء في الناذر إن لم يكن نوى مكانا فمن ميقاته واختاره ابن المنذر وقال الشافعي فيمن عليه حجة الإسلام يستأجر من يحج عنه من الميقات لأن الإحرام لا يجب من دونه .
ولنا أن الحج واجب على الميت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه لأن القضاء يكون على وفق الأداء كقضاء الصلاة والصيام وكذلك الحكم في حج النذر والقضاء فإن كان له وطنان استنيب من أقربهما فإن وجب عليه الحج بخراسان ومات ببغداد أو وجب عليه ببغداد فمات بخراسان فقال أحمد : بحج عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته ويحتمل أن يحج عنه من أقرب المكانين لأنه لو كان حيا في أقرب المكانين لم يجب عليه الحج من أبعد منه فكذلك نائبه فإن أحج عنه من دون ذلك فقال القاضي : إن كان دون مسافة القصر أجزأه لأنه في حكم القريب وإن كان أبعد لم يجزئه لأنه لم يؤد الواجب بكماله ويحتمل أن يجزئه فيكون مسيئا كمن وجب عليه الإحرام من الميقات فأحرم من دونه .
فصل : فإن خرج للحج فمات في الطريق حج عنه من حيث مات لأنه أسقط بعضما وجب عليه فلم يجب ثانيا وكذلك إن مات نائبه استنيب من حيث مات لذلك ولو أحرم بالحج ثم مات صحت النيابة عنه فيما بقي من النسك سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره نص عليه ولأنها عبادة تدخلها النيابة فإذا مات بعد فعل بعضها قضى عنه باقيها كالزكاة .
فصل : فإن لم يخلف تركة تفي بالحج من بلده حج عنه من حيث تبلغ وإن كان عليه دين لآدمي تحاصا ويؤخذ للحج حصته فيحج بها من حيث يبلغ وقال أحمد في رجل أوصى أن يحج عنه ولا تبلغ النفقة قال : يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته وهذا لقول النبي A : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] ولأنه قدر على أداء بعض الواجب فلزمه كالزكاة وعن أحمد ما يدل على أن الحج يسقط لأنه قال في رجل أوصى بحجة واجبة ولم يخلف ما يتم به حجة : هل يحج عنه من المدينة أو من حيث تتم الحجة ؟ فقال : ما يكون الحج عندي إلا من يحث وجب عليه وهذا تنبيه على سقوطه عمن عليه دين لا تفي تركته به وبالحج فإنه إذا أسقطه مع عدم المعارض فمع المعارض بحق الآدمي المؤكد أولى وأحرى ويحتمل أن يسقط عمن عليه دين وجها واحدا لأن حق الآدمي المعين أولى بالتقديم لتأكده وحقه حق الله تعالى مع أنه لا يمكن اداؤه على الوجه الواجب .
فصل : وإن أوصى بحج تطوع فلم يف ثلثه بالحج من بلده حج به من حيث بلغ أو يعان به في الحج نص عليه وقال : التطوع ما يبالي من أين كان ويستناب عن الميت ثقة لأقل ما يوجد إلا أن يرضى الورثة بزيادة أو يكون قد أوصى بشيء فيجوز ما أوصى به ما لم يزد على الثلث .
فصل : يستحب أن يحج الإنسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين ل [ أن النبي A أمر ابا رزين فقال : حج عن أبيك واعتمر ] و [ سألت امرأة رسول الله A عن أبيها : مات ولم يحج قال : حجي عن أبيك ] ويستحب البداية بالحج عن الأم إن كان تطوعا أو واجبا عليهما نص عليه أحمد في التطوع لأن الأم مقدمة في البر قال أبو هريرة : [ جاء رجل إلى رسول الله A فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أبوك ] رواه مسلم و البخاري وإن كان الحج واجبا على الأب دونها بدأ به لأنه واجب فكان أولى من التطوع وروى زيد بن أرقم قال : [ قال رسول الله A : من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار ] وعن جابر قال : [ قال رسول الله A : من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته وكان له فضل عشر حجج ] روى ذلك كله الدارقطني .
مسألة : قال : ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه رد ما أخذ وكانت الحجة عن نفسه .
وجملة ذلك أنه ليس لمن لم يحج حجة الإسلام أن يحج عن غيره فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام وبهذا قال الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وقال أبو بكر عبد العزيز : يقع الحج باطلا ولا يصح ذلك عنه ولا عن غيره وروي ذلك عن ابن عباس لأنه لما كان من شرط طواف الزيارة تعيين النية فمتى نواه لغيره ولم ينو لنفسه لم يقع عن نفسه وقال الحسن وإبراهيم وأيوب السختياني وجعفر بن محمد ومالك وأبو حنيفة : يجوز أن ينجح عن غيره من لم يحج عن نفسه وحكي عن أحمد مثل ذلك وقال الثوري : إن كان يقدر على الحج عن نفسه حج عن نفسه وإن لم يقدر على الحج عن نفسه حج عن غيره واحتجوا بأن الحج مما تدخله النيابة لجاز أن يؤديه عن غيره من لم يسقط فرضه عن نفسه كالزكاة .
ولنا ما روى ابن عباس [ أن رسول الله A سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة فقال رسول الله A : من شبرمة ؟ قال : قريب لي قال : هل حججت قط ؟ قال : لا قال : فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة ] رواه الإمام أحمد و أبو داود و ابن ماجة وهذا لفظه ولأنه حج عن غيره قبل الحج عن نفسه فلم يقع عن الغير كما لو كان صبيا ويفارق الزكاة فإنه يجوز أن ينوب عن الغير وقد بقي عليه بعضها وههنا لا يجوز أن يحج عن الغير من شرع في الحج قبل إتمامه ولا يطوف عن غيره من لم يطف عن نفسه إذا ثبت هذا فإن عليه رد ما أخذ من النفقة لأنه لم يقع الحج عنه فأشبه ما لو لم يحج