ليلة القدر وفضلها وقتها وما كان يفعله رسول الله في العشر الأخير .
فصل : ليلة القدر وهي ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة قال الله تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر } قيل معناه العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها القدر و [ قال النبي A : من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ] متفق عليه وقيل إنما سميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة وزرق وبركة يروى ذلك عن ابن عباس قال الله تعالى : { فيها يفرق كل أمر حكيم } وسماها مباركة فقال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين } وهي ليلة القدر بدليل قوله سبحانه : إنا أنزلناه في ليلة القدر وقال تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } يروى أن جبريل نزل به من بيت العزة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل به على النبي A نجوما في ثلاث وعشرين سنة وهي باقية لم ترفع لما [ روى أبو ذر قال : قلت يا رسول الله ليلة القدر رفعت مع الأنبياء أو هي باقية إلى يوم القيامة ؟ قال : باقية إلى يوم القيامة قلت في رمضان أو في غيره ؟ قال : في رمضان فقلت في العشر الأول أو الثاني أو الآخر ؟ فقال : في العشر الآخر ] واكثر أهل العلم على أنها في رمضان وكان ابن مسعود يقول من يقم الحول يصبها يشير إلى أنها في السنة كلها وفي كتاب الله تعالى ما يبين أنها في رمضان لأن الله أخبر أنه أنزل القرآن في ليلة القدر وأنه أنزله في رمضان فيجب أن تكون ليلة القدر في رمضان لئلا يتناقض الخبران ولأن النبي A ذكر أنها في رمضان في حديث أبي ذر وقال [ التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر ] متفق عليه وقال أبو كعب : والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان ولكنه كره أن يخبركم فتتكلوا إذا ثبت هذا فإنه يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأواخر آكد وفي ليالي الوتر منه آكد وقال أحمد هي في العشر الأواخر في وتر من الليالي لا يخطئ إن شاء الله كذا روي [ عن النبي A قال : اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين ] وروى سالم عن أبيه قال : [ قال رسول الله A : أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ] متفق عليه وقالت عائشة : [ كان رسول الله A إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ] متفق عليه وقالت كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها وقال علي Bه [ أن النبي A كان يوقظ أهله في العشر الأواخر ] وقالت عائشة : [ كان رسول الله A يجاوز في العشر الأواخر من رمضان ] وفي لفظ للبخاري : [ تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان ] وكل هذه الأحاديث صحيحة .
فصل : واختلف أهل العلم في ارجى هذه الليالي فقال أبي بن كعب وعبد الله بن عباس هي ليلة سبع وعشرين قال زر بن حبيش قلت لأبي بن كعب : أما علمت أبا المنذر أنها ليلة سبع وعشرين ؟ قال : بلى أخبرنا رسول الله A أنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع فعددنا وحفظنا والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان وأنها ليلة سبع وعشرين ولكنه كره أن يخبركم فتتكلوا قال الترمذي : هذا حديث صحيح وروى أبو ذر في حديث فيه طول [ أن النبي A لم يقم في رمضان حتى بقي سبع فقام بهم حتى مضى نحو من ثلث الليل ثم قام بهم في ليلة خمس وعشرين حتى مضى من شطر الليل حتى كانت ليلة سبع وعشرين فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس قال فقام بهم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور ] متفق عليه وحكي عن ابن عباس أنه قال سورة القدر ثلاثون كلمة السابعة والعشرون منها : هي وروى أبو داود بإسناده عن معاوية عن النبي A في ليلة القدر قال ليلة سبع وعشرين وقيل آكدها ليلة ثلاث وعشرين لأنه روي عن النبي A أن عبد الله بن أنس سأله فقال [ يا رسول الله إني أكون ببادية يقال لها الوطاة وإني بحمد الله أصلي بهم فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها في المسجد فأصليها فيه فقال : انزل ليلة ثلاثة وعشرين فصليها فيه وإن أحببت أن تستتم آخر هذا الشره فافعل وإن أحببت فكف ] فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح كانت دابته ببات المسجد رواه أبو داود مختصرا وقيل آكدها ليلة أربع وعشرين لأنه روي [ عن النبي A أنه قال : ليلة القدر أول ليلة من السبع الأواخر ] وروي عن بعض الصحابة أنه قال لم نكن نعد عددكم هذا وإنما كما نعد من آخر الشهر يعني أن السابعة والعشرين هي أول ليلة من السبع الأواخر وروى أبو ذر قال : [ صمنا مع رسول الله A شهر رمضان فلم يقم بنا حتى كانت ليلة سبع بقيت فقام بنا نحوا من ثلث الليل ثم لم يقم ليلة ست فلما كانت ليلة خمس قام بنا النبي A نحوا من نصف الليل فقلنا يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة فقال : الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة فلما كانت ليلة ثلاث قام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح فقلت وما الفلاح ؟ قال السحور وأيقظ في تلك الليلة أهله ونساءه وبناته ] رواه سعيد وقيل آكدا ليلة إحدى وعشرين لما روى أبو سعيد [ عن النبي A أنه قال : أريت ليلة القدر ثم انسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر وإني رأيت أني أسجد في صبيحتها في ماء وطين قال : فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد وكان من جريد النخل فأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله A يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهته ] وفي حديث في صبيحة إحدى وعشرين متفق عليه قال الترمذي : قد روي أنها ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ليلة خمس وعشرين وليلة سبعة وعشرين وليلة تسع وعشرين وآخر ليلة وقال أبو قلابة إنها تنتقل في ليالي العشر قال الشافعي : كان هذا عندي والله أعلم أن النبي A كان يجب على نحو ما يسأل فعلى هذا كانت في السنة التي رأى أبو سعيد النبي A يسجد في الماء والطين إحدى وعشرين وفي السنة التي أمر عبد الله بن أنيس ليلة ثلاث وعشرين وفي السنة التي رأى أبي ابن كعب علامتها ليلة سبع وعشرين وقد ترى علامتها في غير هذه الليالي قال بعض أهل العلم أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في طلبها ويجدوا في العبادة في الشهر كله طمعا في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في ويم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كله واخفى اسمه الأعظم في الأسماء ورضاه في الطاعات ليجتهدوا في جميعها وأخفى الأجل وقيام الساعة ليجد الناس في العمل حذرا منها .
فصل : فأما علامتها فالمشهور فيها ما ذكره أبي كعب [ عن النبي A أن الشمس تطلع من صبيحتها بيضاء لا شعاع لها ] وفي بعض الأحاديث بيضاء مثل الطست وروي [ عن النبي A أنه قال : بلجة سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها ] .
فصل : ويستحب أن يجتهد فيها في الدعاء فيها بما روي [ عن عائشة أنها قالت يا رسول إن وافقتها بم أدعو قال : قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ]