فصل : والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يعوله .
فصل : والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام لقول النبي A : [ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول ] متفق عليه وان تصدق بما ينقص عن كفاية من تلزمه مؤنته ولا كسب له أثم لقول النبي A : [ كفى بالمرء إثما أن يضيع من يمون ] ولأن نفقة من يمونه واجبة والتطوع نافلة وتقديم النفل على الفرض غير جائز فان كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم فأراد الصدقة بجميع ماله وكان ذا مكسب أو كان واثقا من نفسه يحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألة فحسن [ لأن النبي A سئل عن أفضل الصدقة فقال : جهد من مقل الى فقير في السر ] وروي عن عمر Bه قال : [ أمرنا رسول الله A أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت : اليوم أسبق أبا بكر ان سبقته يوما فجئته بنصف مالي فقال رسول الله A : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : أبقيت لهم مثله فأتاه أبو بكر بكل ما عنده فقال له : ما أبقيت لأهلك ؟ قال الله ورسوله فقلت لا أسابقك الى شيء بعده أبدا ] فهذا كان فضيلة في حق أبي بكر الصديق Bه لقوة يقينه وكمال إيمانه وكان أيضا تاجرا ذا مكسب فانه قال حين ولي : قد علم الناس أن كسبي لم يكن ليعجز عن مؤنة عيالي أو كما قال Bه : فان لم يوجد في المتصدق أحد هذين كره لما روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال : [ كنا عند رسول الله A اذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله A ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال : مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فقال : مثل ذلك فأعرض عنه رسول الله A ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله A فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته وقال رسول الله A : يأتي أحدكم بما يملك ويقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ] فقد نبه النبي A على المعنى الذي كره من أجله الصدقة بجميع ماله وهو أن يستكف الناس أي يتعرض لهم للصدقة أي يأخذها ببطن كفه يقال تكفف واستكف إذا فعل ذلك وروى النسائي أن [ النبي A أعطى رجلا ثوبين من الصدقة ثم حث على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه فقال النبي A : ألم تروا الى هذا دخل بهيئة بذة فأعطيته ثوبين ثم قلت تصدقوا فطرح أحد ثوبيه خذ ثوبك وانتهره ] ولأن الانسان إذا أخرج جميع ماله لا يأمن فتنة الفقر وشدة نزاع النفس إلى ما خرج منه فيندم فيذهب ماله ويبطل أجره ويصير كلا على الناس ويكره لمن لا صبر له على الاضافة أن ينقص نفسه من الكفاية التامة .
والله أعلم