مسألة وفصلان : الغنى المشترط لوجوب زكاة الفطر .
مسألة : قال : واذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته .
وجملة ذلك أن صدقة الفطر واجبة على من قدر عليها ولا يعتبر في وجوبها نصاب وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية و الشعبي و عطاء و ابن سيرين و الزهري و مالك و ابن مبارك و الشافعي و أبو ثور وقال أصحاب الرأي : لا تجب الا على من يملك مائتي درهم أو ماقيمته نصاب فاضل عن مسكنه لقول رسول الله A : [ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ] والفقير لا غنى له فلا تجب عليه ولأنه تحل له الصدقة فلا تجب عليه كمن لا يقدر عليها .
ولنا ما روى ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله A قال : [ أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح - أو قال بر - عن كل انسان صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقير ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى ] وفي رواية أبي داود : [ صاع من بر أو قمح عن كل اثنين ] ولأنه حق مال لا يزيد بزيادة المال فلا يعتبر وجوب النصاب فيه كالكفارة ولا يمتنع أن يؤخذ منه ويعطى لمن وجب عليه العشر والذي قاسوا عليه عاجز فلا يصح القياس عليه وحديثهم محمول على زكاة المال .
فصل : وإذا لم يفضل إلا صاع أخرجه عن نفسه لقوله عليه السلام : [ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ] ولأن الفطرة تنبني على النفقة فكما يبدأ بنفسه في النفقة فكذلك في الفطرة فان فضل آخر أخرجه عن امرأته لأن نفقتها آكد فان نفقتها تجب على سبيل المعاوضة مع اليسار والاعسار ونفقة الاقارب صلة تجب مع اليسار دون الاعسار فان فضل آخر أخرجه عن رقيقه لوجوب نفقتهم في الاعسار وقال ابن عقيل : يحتمل تقديم الرقيق على الزوجة لأن فطرته متفق عليها وفطرتها مختلف فيها وان فضل آخر أخرجه عن ولده الصغير لأن نفقته منصوص عليها ومجمع عليها وفي الوالد والولد الكبير وجهان احدهما يقدم الولد لأنه كبعضه والثاني الوالد لأنه كبعض والده وتقدم فطرة الأم على فطرة الأب لأنها مقدمة في البر بدليل [ قول النبي A للاعرابي لما سأله : من أبر ؟ قال : أمك قال ثم من قال : أمك قال ثم من ؟ قال : أمك قال ثم من قال : ثم أباك ] ولأنها ضعيفة عن الكسب ويحتمل تقديم فطرة الأب لقول النبي A : [ أنت ومالك لأبيك ] ثم بالجد ثم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات في الميراث ويحتمل تقديم فطرة الولد على فطرة المرأة لما روى أبو هريرة قال : [ أمر رسول الله A بالصدقة فقام رجل فقال : يا رسول الله عندي دينار قال : تصدق به على نفسك قال عندي آخر قال : تصدق به على ولدك قال عندي آخر قال : تصدق به على زوجتك قال عندي آخر قال : تصدق به على خادمك قال عندي آخر قال أنت أبصر ] فقدم الولد في الصدقة عليه فكذلك في الصدقة عنه ولأن الولد كبعضه فيقدم كتقديم نفسه ولأنه اذا ضيع ولده لم يجد من ينفق عليه فيضيع والزوجة إذا لم ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من يمونها من زوج أو ذي رحم ولأن نفقة الزوجة على سبيل المعاوضة فكانت أضعف في استتباع الفطرة من النفقة الواجبة على سبيل الصلة لأن وجوب العوض المقدر لا يقتضي وجوب زيادة عليه يتصدق بها عمن له العوض ولهذا لم تجب فطرة الأخير المشروط له مؤنته بخلاف القرابة فانها كما اقتضت صلته بالانفاق عليه اقتضت صلته بتطهيره باخراج الفطرة عنه .
فصل : فان لم يقضل الا بعض صاع فهل يلزمه اخراجه ؟ على روايتين .
إحداهما : لا يلزمه اختارها ابن عقيل لأنها طهرة فلا تجب على من لا يملك جميعها كالكفارة .
والثانية : يلزمه إخراجه لقول النبي A : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] ولأنها طهرة فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء ولأن الجزء من الصاع يخرج عن العبد المشترك فجاز أن يخرج عن غيره كالصاع