مسألة وفصول : زكاة المغصوب والمسروق والمجحود والضال وحكم الأسير والمرتد .
فصل : والغنيمة يملك الغانمون أربعة أخماسها بانقضاء الحرب فان كانت جنسا واحدا تجب فيه الزكاة كالأثمان والسائمة ونصيب كل واحد منهم منها نصاب فعليه زكاته اذا انقضى الحول ولا يلزمه اخراج زكاته قبل قبضه لما ذكرنا في الدين على المليء واذا كان دون النصاب فلا زكاة فيه إلا أن تكون سائمة أربعة أخماسها تبلغ النصاب فتكون خلطة ولا تضم إلى الخمس لأنه لا زكاه فيه فان كانت الغنيمة أجناسا كابل وبقر وغنم فلا زكاة على واحد منهم لأن للإمام أن يقسم بينهم قسمة بحكم فيعطي كل واحد منهم من أي أصناف المال شاء تم ملكه على شيء معين بخلاف الميراث .
مسألة : قال : واذا غصب مالا زكاه اذا قبضه لما مضى في احدى الروايتين عن أبي عبد الله والرواية الأخرى قال ليس هو كالدين الذي متى قبضه زكاه وأحب إلي أن يزكيه .
قوله : اذا غصب مالا أي إذا غصب الرجل مالا فالمفعول الأول المرفوع مستتر في الفعل والمال هو المفعول الثاني فكذلك نصيبه وفي بعض النسخ واذا غصب ماله وكلاهما صحيح والحكم في المغصوب والمسروق والمجحود والضال واحد وفي جميعه روايتان احداهما لا زكاة فيه نقلها الأثرم و الميموني ومتى عاد صار كالمستفاد يستقبل به حولا وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي في قديم قوليه : لأنه مال خرج عن يده وتصرفه وصار ممنوعا منه فلم يلزمه زكاته كمال المكاتب والثانية عليه زكاته لأن ملكه عليه تام فلزمته زكاته كما لو نسي عند من أودعه أو كما لو أسر أو حبس وحيل بينه وبين ماله وعلى كلتا الروايتين لا يلزمه اخراج زكاته قبل قبضه وقال مالك : اذا قبضه زكاه لحول واحد لأنه كان في ابتداء الحول في يده ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد وليس هذا بصحيح لأن المانع من وجوب الزكاة اذا وجد في بعض الحول يمنع كنقص النصاب .
فصل : وإن كان المغصوب سائمة معلوفة عند صاحبها وغاصبها فلا زكاة فيها لفقدان الشرط وإن كانت سائمة عندهما ففيها الزكاة على الرواية التي تقول بوجوبها في المغصوب وإن كانت معلوفة عند صاحبها سائمة عند غاصبها ففيها وجهان : أحدهما لا زكاة عليه لأن صاحبها لم يرض بأسامتها فلم تجب عليه الزكاة بفعل الغاصب كما لو رعت من غير أن يسيمها والثاني عليه الزكاة لأن السوم يوجب الزكاة من المالك فأوجبها من الغاصب كما لو كانت سائمة عندها وكما لو غصب بذرا فزرعه وجب العشر فيما خرج منه وإن كانت سائمة عند مالكها معلوفة عند غاصبها فلا زكاة فيها لفقدان الشرط وقال القاضي : فيه وجه آخر أن الزكاة تجب فيها لأن العلف محرم فلم يؤثر في الزكاة كما لو غصب أثمانا فصاعها حليا لم تسقط الزكاة عنها بصياغته قال أبو الحسن الآمدي : هذا هو الصحيح لأن العلف انما أسقط الزكاة لما فيه من المؤنة وههنا لا مؤنة عليه .
ولنا أن السوم شرط لوجوب الزكاة ولم يوجد فلم تجب الزكاة كنقص النصاب والملك وقوله إن العلف محرم غير صحيح وانما المحرم الغصب وانما العلف تصرف منه في ماله باطعامها اياه ولا تحريم فيه ولهذا لو علفها عند مالكها لم يحرم عليه وما ذكره الآمدي من خفة المؤنة غير صحيح فان الخفة لا تعتبر بنفسها وانما تعتبر بمظنها وهي السوم ثم يبطل ما ذكراه بما اذا كانت معلوفة عندهما جميعا ويبطل ما ذكره القاضي بما اذا علفها مالكها علفا محرما أو أتلف شاة من النصاب فانه محرم وتسقط به الزكاة وأما اذا غصب ذهبا فصاغه حليا فلا يشبه ما اختلفنا فيه فان العلف فات به شرط الوجوب والصياغة لم يفت بها شيء وانما اختلف في كونها مسقطة بشرط كونها مباحة فاذا كانت محرمة لم يوجد شرط الاسقاط ولأن المالك لو علفها علفا محرما لسقطت الزكاة ولو صاغها صياغة محرمة لم تسقط فافترقا ولو غصب حليا مباحا فكسره أو ضربه دراهم أو دنانير وجبت فيه الزكاة لأن المسقط للزكاة زال فوجبت الزكاة ويحتمل أن لا تجب كما لو غصب معلوفة فأسامها ولو غصب عروضا فاتجر فيها لم تجب فيها الزكاة لأن نية التجارة شرط ولم توجد من المالك وسواء كانت للتجارة عند مالكها أو لم تكن لأن بقاء النية شرط ولم ينو التجارة بها عند الغاصب ويحتمل أن تجب الزكاة اذا كانت للتجارة عند مالكها واستدام النية لأنها لم تخرج عن ملكه بغصبها وإن نوى بها الغاصب القنية وكل موضع أوجبنا الزكاة فعلى الغاصب ضمانها لأنه نقص حصل في يده فوجب عليه ضمانه كتلفه .
فصل : اذا ضلت واحدة من النصاب أو أكثر أو غصبت فنقص النصاب فالحكم فيه كما لو ضل جميعه أو غصب لكن إن قلنا بوجوب الزكاة فعليه الاخراج عن الموجود عنده واذا رجع الضال أو المغصوب أخرج عنه كما لو رجع جميعه .
فصل : وإن أسر المالك لم تسقط عنه الزكاة سواء حيل بينه وبين ماله أو لم يحل لأن تصرفه في ماله نافذ يصح بيعه وهبته وتوكيله فيه .
فصل : وإن ارتد قبل مضي الحول وحال الحول وهو مرتد فلا زكاة عليه نص عليه لأن الاسلام شرط لوجوب الزكاة فعدمه في بعض الحول يسقط الزكاة كالملك والنصاب وإن رجع إلى الاسلام قبل مضي الحول استأنف حولا لما ذكرنا قال أحمد : اذا أسلم المرتد وقد حال على ماله الحول فان المال له ولا يزكيه حتى يستأنف به الحول لأنه كان ممنوعا منه فأما إن ارتد بعد الحول لم تسقط الزكاة عنه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : تسقط لأن من شرطها النية فسقطت بالردة كالصلاة .
ولنا أنه حق مال فلا يسقط بالردة كالدين وأما الصلاة فلا تسقط أيضا لكن لا يطالب بفعلها لأنها لا تصح منه ولا تدخلها النيابة فاذا عاد وجبت عليه والزكاة تدخلها النيابة ولا تسقط بالردة كالدين ويأخذها الامام من الممتنع وكذا ههنا يأخذها الامام من ماله كما يأخذها من المسلم الممتنع فان أسلم بعد أخذها لم يلزمه اداؤها لأنها سقطت عنه بأخذها كما تسقط بأخذها من المسلم الممتنع ويحتمل أن لا تسقط لأن الزكاة عبادة فلا تحصل من غير نية وأصل هذا ما لو أخذها الامام من المسلم الممتنع وقد ذكر في غير هذا وان أخذها غير الامام أو نائبه لم تسقط عنه لأنه لا ولاية له عليه فلا يقوم مقامه بخلافه نائب الامام وإن أداها في حال ردته لم تجزه لأنه كافر فلا تصح منه كالصلاة