القاعدة الثانية و الثلاثون الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة .
و لهذا لا يتصرف القاضي مع وجود الولي الخاص و أهليته .
و لو أذنت للولي الخاص أن يزوجها بغير كفء ففعل صح أو للحاكم لم يصح في الأصح .
و للولي الخاص استيفاء القصاص و العفو على الدية و مجانا و ليس للإمام العفو مجانا .
و لو زوج الإمام لغيبة الولي و زوجها الولي النائب بآخر في وقت واحد و ثبت ذلك بالبينة قدم الولي إن قلنا : إن تزويجه بطريق النيابة عن الغائب و إن قلنا : أنه بطريق الولاية فهل يبطل كما لو زوج الوليان معا أو تقدم ولاية الحاكم لقوة ولايته و عمومها كما لو قال الولي : كنت زوجتها في الغيبة فإن نكاح الحكم يقدم كما صرحوا به تردد فيه صاحب الكفاية و الأصح : أن تزويجه بالنيابة بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد .
فعلى هذا يقدم نكاح الولي .
ضابط .
الولي : قد يكون وليا في المال و النكاح كالأب و الجد .
و قد يكون في النكاح فقط كسائر العصبة و كالأب فيمن طرأ سفهها .
و قد يكون في المال فقط كالوصي .
قال السبكي : مراتب الولايات أربعة .
فائدة .
قال السبكي : مراتب الولايات أربعة : .
الأولى : ولاية الأب و الجد و هي شرعية بمعف أن الشارع فوض لهما التصرف في مال الولد لوفور شفقتهما و ذلك وصف ذاتي لهما فلو عزلا أنفسهما لم يعزلا بالإجماع لأن المقتضى للولاية : الأبوة و الجدودة و هي موجودة مستمرة لا يقدح العزل فيها لكن إذا امتنعا من التصرف تصرف القاضي و هكذا ولاية النكاح لسائر العصبات .
الثانية : و هي السفلى : الوكيل تصرفه مستفاد من الإذن مقيد بامتثال أمر الموكل فلكل منهما العزل و حقيقته : أنه فسخ عقد الوكالة أو قطعه و الوكالة عقد من العقود قابل للفسخ و اختلف الأصحاب فيما إذا كانت بلفظ الإذن هل هي عقد فيقبل الفسخ أو إباحة فلا تقبله ؟ لأن الإباحة لا ترتد لرد و المشهور : الأول .
و في الفرق بين الوكالة و الإذن غموض .
الثالثة : الوصية و هي بين المرتبتين فإنها من جهة كونها تفويضا تشبه الوكالة .
و من جهة كون الموصي لا يملك التصرف بعد موته و إنما جوزت وصيته للحاجة لشفقته على الأولاد و علمه بمن هو أشفق عليهم تشبه الولاية و أبو حنيفة لاحظ الثاني فلم يجوز له عزل نفسه و الشافعي لاحظ الأول فجوز له عزل نفسه على المشهور من مذهبه و لنا وجه كمذهب أبي حنيفة .
الرابعة : ناظر الوقف يشبه الوصي من جهة كون ولايته ثابتة بالتفويض و يشبه الأب من جهة أنه ليس لنيره تسلط على عزله و الوصي يتسلط الموصي على عزله في حياته بعد التفويض : بالرجوع عن الوصية و من جهة أنه يتصرف في مال الله تعالى فالتفويض أصله أن يكون منه و لكنه أذن فيه للواقف فهي ولاية شرعية و من جهة أنه إما منوط بصفة كالرشد و نحوه و هي مستمرة كالأبوة و إما منوط بذاته كشرط النظر لزيد و هو مستمر فلا يفيد العزل كما لا يفيد في الأب بخلاف الوكيل و الوصي فإنه يقطع ذلك العقد أو يرفعه .
قال : فلذلك أقول : إن الذي شرط له الواقف النظر معينا أو موصوفا بصفة .
إذا عزل نفسه لا ينفذ عزله لنفسه لكن إن امتنع من النظر أقام الحاكم مقامه و إن لم نجد ذلك مصرحا به في كلام الأصحاب إلا ابن الصلاح .
قال في فتاويه : لو عزل الناظر نفسه فليس للواقف نصب غيره فإنه لا نظر له بل ينصب الحاكم ناظرا و هذا يوهم أنه إذا عزل نفسه انعزل و يمكن تأويله .
قال : و يوضح ذلك أن شرط النظر من الواقف : إما تمليك أو توكيل فإن كان توكيلا لم يصح أن يكون توكيلا عنه لأنه لا نظر له فكيف يوكل ؟ و لأنه لو كان وكيلا عنه لجاز له عزله و هو لو عزله لم ينفذ و لا عن الموقوف عليه للأمرين فلم يبق إلا أنه تمليك أو توكيل عن الله تعالى أو إثبات حق في الوقف ابتداء فإن رقبة الموقوف تنتقل إلى الله تعالى و لابد لها من متصرف و اعتبر الشارع حكم الواقف في الصرف و في تعيين المتصرف و هو الناظر فعلم أن استحقاق الناظر النظر بالشرط كاستحقاق الموقوف عليه الغلة و الموقوف عليه لو أسقط حقه من الغلة لم يسقط فكذلك إسقاط النظر .
ثم إن جعلناه تمليكا منه حسن اشتراط القبول باللفظ كسائر التمليكات و إن جعلناه استخلافا عن الله تعالى لم يشترط .
قال : و يحتمل أن لا يشترط أيضا على التمليك لأنه ليس بعقد مستقل بل وصف في الوقف كسائر شروطه .
قال : و هذا هو الأقوى .
قال : بل أزيد أنه لو رد لا يرتد بخلاف الوقف على معين حيث يرتد بالرد لما قلناه : من أن النظر ليس مستقلا بل و صفت في الوقف تابع له كسائر شروطه : إلا أنا لا نضره بإلزام النظر بل إن شاء نظر و إن شاء لم ينظر فينظر الحاكم .
قال : ثم هذا كله إذا كان المشروط له النظر معينا أما إذا كان موصوفا فينبغي أن لا يشترط القبول قطعا كالأوقاف العامة .
ثم قال : فإن قيل : النظر حق من الحقوق فيتمكن صاحبه من إسقاطه فإن كل من ملك شيئا له أن يخرجه عن ملكه عينا كان أو منفعة أو دينا فكيف لا يتمكن الناظر من إسقاط حقه من النظر ؟ .
فالجواب : أن ذاك فيما هو في حكم خصلة واحدة و حق النظر في كل وقت يتجدد بحسب صفة فيه و هو الرشد مثلا إن علقه الواقف بها أو بحسب ذاته إن شرطه له بعينه فلا يصح إسقاطه كما لو أسقط الأب أو الجد حق الولاية من مال ولده أو التزويج و نحوه انتهى كلام السبكي ملخصا من كتابه تسريح الناظر في انعزال الناظر