لو كان الدين للوارث فهل يسقط منه بقدر ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين لو كان لأجنبي .
مسألة .
وقعت في أيام ابن عدلان و ابن اللبان و ابن القماح و السبكي و السنكاوي و ابن الكتاني و ابن الأنصاري و ابن البلفيائي .
و هي : ما لو كان الدين للوارث فهل يسقط منه بقدر ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين لو كان لأجنبي ؟ حتى لو كان جائزا و الدين بقدر التركة سقط كله لا .
فأفتى جماعة : بأن لا سقوط و بأنه اخذ التركة إرثا و الدين باق في ذمة الميت لأن التركة دخلت في ملكه بمجرد الموت إذ الدين لا يمنع الإرث فلا يثبت له في ملكه شيء .
و أفتى جماعة بالسقوط و قالوا : إنه يؤثر في نقصان مجموع المأخوذ فيكون أخذ قدر الدين عن دينه لا إرثا و الباقي إرث .
و هؤلاء استندوا إلى تقديم الدين على الإرث مع القول بأنه يمنع الإرث .
و أفتى السبكي بالسقوط و عدم التأثير بالنقصان و ألف في ذلك كتابا سماه : منية الباحث عن دين الوارث و لخصه في فتاويه .
فقال : يسقط من دين الوارث ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين لو كان لأجنبي و هو نسبة إرثه من الدين إن لم يزد الدين على التركة و مما يلزم الورثة أداؤه منه إن زاد و يرجع على بقية الورثة ما يجب أداؤه من على قدر حصصهم .
و قد يقضي الأمر إلى التقاص إذا كان الدين لوارثين فإذا كان الوارث جائزا أو لا دين لغيره و دينه مسا و للتركة أو أقل سقط و إن زاد سقط مقدارها و يبقى الزائد و يأخذ التركة في الأحوال إرثا و يقدر أنه أخذها دينا لأن جهة الملك أقوى و لا يتوقف على شيء وجهة الدين تتوقف على إقباض أو تعويض و هما متعذران لأن التركة ملكه .
لكنا نقدر أحدهما و إلا لما برئت ذمة الميت تقديرا محضا لا و جود له .
و لو كان مع الدين الحائز دين أجنبي قدرنا الدينين الأجنبيين فما خص دين الوارث سقط و استقر نظيره كدينارين له و دينار لأجنبي و التركة ديناران فله دينار و ثلث إرثا و سقط نظيره و بقي له في ذمة الميت ثلثا دينار و يأخذ الأجنبي ثلثي دينار و يبقى له ثلث دينار .
و لو كان الوارث اثنين لأحدهما ديناران و لآخر دينار فلصاحب الدينارين من ديناره الموروث ثلثاه و من دينار أخيه ثلثه و الثلث الباقي من ديناره مقاصص به أخاه فيجتمع له دينار و ثلث و لأخيه ثلثان و مجموعهما ديناران و هو اللازم لهما لأن الذي يلزم الورثة أداؤه أقل الأمرين : من الدين و مقدار التركة .
و لو كان زوجة و أخ و التركة أربعون و الصداق عشرة فلها عشرة إرثا و سبعة و نصف من نصيب الأخ دينا و سقط لها ديناران و نصف نظير ربع إرثها ازدحم عليه جهتا الارث و الدين .
و لو قلنا : بأن السبعة و نصفا من أصل التركة لسقط ربعها المختص بها و هلم جرا إلى أن لا يبقى شيء و لأنه لو عاد له ثلاثة أرباع الأثنين و نصف لكان بغير سبب و لزاد إرثه و نقص إرثها عما هو لها .
و قد بان بهذا : أنه لا يختلف المأخوذ و سواء أعطيت الدين أو لا أم بعد .
و الحاصل لها على التقديرين سبعة عشر و نصف .
و الطريق الأول : هو الذي عليه عمل الناس و هو أوضح و أسهل يتمشى على قول من يقول : إن التركة لا تنتقل قبل وفاء الدين .
و الطريق الثاني : أدق و هو مبني على أن التركة تنتقل قبل وفاء الدين و هو الصحيح .
و يترتب عليه : أنه لا يجوز لها أن تدعي و لا تحلف إلا على النصف و الربع و كذا لا تتعوض و لا تقبض و لا تبرئ إلا من ذلك .
قال : و أما ما زاد على قدر التركة فلا يسقط و من تخيل ذلك فهو غالط .
فإن قلت : ما ادعيته من السقوط لابد فيه من الاستناد إلى شيء من كلام الأصحاب و إلا فقد ظن بعض الناس أن بالسقوط يتفاوت المأخوذ و ظن آخرون أن لا سقوط أصلا .
قلت : أما من ظن أن لا سقوط أصلا فكلامه متجه إذا قلنا : التركة لا تنتقل .
فإن قلنا بالانتقال فلا .
و أما من ظن التفاوت فليس بشيء .
و أما كلام الأصحاب الدال على ما قلناه ففي موضعي .
أحدهما : في الجراح إذا خلف زوجته حاملا و أخا لأب و عبدا فجنى عليها .
فأجهضت .
قالوا : يسقط من حق كل واحد من الغرة ما يقابل ملكه لأنه لا يثبت للإنسان على ملكه حق .
و ذكروا طريقين في كيفية السقوط .
أحدهما : طريقة الإمام و الرافعي : أنه يسقط نصيب الأخ كله لأنه أقل من ملكه و من نصيب الأم ما يقابل ملكها و هو الربع و يبقى لها نصف سدس الغرة يرجع به على الأصح .
و أصحهما طريقة الغزالي : أنه يسقط من حقها من الغرة ربعه لأنه المقابل لملكها و من حقه ثلاثة أرباعه و يبقى لها سدس الغرة و لها عليه نصف سدسها و الواجب في الفداء أقل الأمرين و ربما لا تفي حصتها بأرشها و تفي حصته بأرشه فإذا سلمت و تعطل عليه ما زاد ولم يتعطل عليها .
مثاله : الغرة ستون و قيمة العبد عشرون و سلما ضاع عليه خمسة و صار له خمسة و لها خمسة عشر .
الموضع الثاني .
في الاجارة .
آجر دارا من ابنه بأجرة قبضها و استنفقها و مات عقب ذلك عنه و عن ابن آخر و قلنا تنفسخ الإجارة في نصيب المستأجر فمقتض الانفساخ فيه الرجوع بنصف الأجرة يسقط منه نسبة إرثه و هو الربع و يرجع على أخيه بالربع في هذين الموضعين يؤخذ ما ذكرناه من السقوط انتهى كلام السبكي في فتاويه