فصل : والمعتدة ضربان : متوفي عنها زوجها وغير متوفي فالمتوفى عنها إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل وإن كانت حائلا فعدتها أربعة أشهر وعشر .
العدة اسم لمدة معدودة تتربص فيها المرأة ليعرف براءة رحمها وذلك يحصل بالولادة تارة وبالأشهر أو الأقراء أخرى ولا شك أن المعتدة على ضربين متوفى عنها زوجها وغيرها فالمتوفي عنها زوجها تارة تكون حاملا وتارة تكون حائلا فإن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل بشروط نذكرها فيما بعد في عدة الطلاق ولا فرق بين أن يتعجل أو يتأخر قال الأئمة الأربعة : وظاهر الآية يقتضي وجوب الاعتداد بالمدة وإن كانت حاملا لكن ثبت أن سبيعة الأسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر فقال رسول الله A : [ حللت فانكحي من شئت ] أخرجه البخاري وغيره وعن عمر Bه قال : [ لو وضعت وزوجها على السرير حلت ] ثم لا فرق في عدة الحمل بين الحرة والأمة وإن كانت حائلا أو حاملا بحمل لا يجوز أن يكون منه اعتدت الحرة بأربعة أشهر وعشر لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } أخرجت الحامل منه بدليل فبقي ما عدا ذلك على عمومه وأما الحامل من غيره فلا يمكن الاعتداد به ثم لا فرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة وذات الأقراء وغيرها ولا فرق بين زوجة الصبي والممسوح وغيرهما وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن واعلم أن عدة الوفاة تختص بالنكاح الصحيح فلو نكحت فاسدا ومات قبل الدخول فلا عدة وإن دخل ثم مات أو فرق بينهما اعتدت للدخول كما تعتد عن الشبهة والله أعلم قال : .
وغير المتوفي عنها زوجها إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل وإن كانت حائلا من ذوات الحيض فعدتها بالأقراء وهي الإطهار وإن كانت صغيرة أو آيسة فعدتها ثلاثة أشهر .
هذا هو الضرب الثاني وهو عدة غير المتوفى عنها زوجها ولا شك أنها أصناف : إما ذات حمل وإما ذات أقراء وإما ذات أشهر الصنف الأول ذات الحمل وعدتها بوضع الحمل لعموم قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } لكن للاعتداد بذلك شرطان : أحدهما كون الولد منسوبا إلى من العدة منه إما ظاهرا وإما احتمالا كالمنفي باللعان فإذا لاعن حاملا ونفى الولد الذي هو حمل انقضت عدتها بوضعه لإمكان كونه منه أما إذا لم يمكن كونه منه بأن مات صبي لا ينزل وامرأته حامل فلا تنقضي عدتها بوضع الحمل على المذهب والخصي الذي يبقى ذكره كالفحل في لحوق الولد على المذهب فتنقضي العدة منه بوضعه سواء فيه عدة الطلاق أو الوفاء وأما من جب ذكره وبقي أنثياه فيلحقه الولد فتعتد امرأته عن الوفاء بوضع الحمل ولا يلزمها عدة الطلاق لعدم الدخول والله أعلم .
الشرط الثاني أن تضع الحمل بتمامه فإن كان الحمل توءمين فلا بد من وضعهما ولا تنقضي العدة بخروج بعض الولد لو بقي البعض متصلا كان أو منفصلا وطلق لحقه الطلاق ولو مات وورثه ثم متى انفصل الولد بتمامه انقضت العدة حيا كان أو ميتا ولا تنقضي بإسقاط العلقة والدم وإن سقطت مضغة نظر إن ظهر فيها شئ من صورة الآدمي كيد أو أصبع أو ظفر أو غيرها فتنقضي العدة وإن لم يظهر شئ من صورة الآدمي لكل أحد لكن قال القوابل : فيه صورة خفية وهي بينة لنا وإن خفيت على غيرنا فتقبل شهادتهن ويحكم بانقضاء العدة وسائر الأحكام وإن لم تكن صورة ظاهرة ولا خفية يعرفها القوابل إلا أنهن قلن : إنه أصل آدمي ولو بقي لتصور وخلق فالنص أن العدة تنقضي به وهو المذهب وإن كانت لا تجب به غرة على النص ولا يثبت به الاستيلاد لأن المراد من العدة براءة الرحم وقد حصلت والأصل براءة الذمة من العدة وأمومة الولد إنما تثبت تبعا للولد ولو شكت القوابل في أنه لحم آدمي أم لا لم يثبت شئ من هذه الأحكام بلا خلاف ولو اختلف الزوج وهي فقالت : كان السقط الذي وضعته مما تنقضي به العدة وأنكر الزوج وضع السقط فالقول قلوها بيمينها لأنها مأمونة في العدة والله أعلم .
النوع الثاني ذات الأقراء والأقراء جمع قرء بفتح القاف ويقال بضمها قال النووي : وزعم بعضهم : أنه بالفتح للطهر وبالضم للحيض ويقعان على الطهر والحيض في اللغة على الصحيح والصحيح أنه حقيقة فيهما وقيل إنه حقيقة في الطهر مجاز في الحيض واختلف في المراد بالطهر هنا والأظهر أنه المحتوش بدمين وقيل إنه مجرد الانتقال من الطهر إلى الحيض والمذكور في أول الطلاق أنه لو قال : للتي لم تحض قط : أنت طالق في كل قرء طلقة تطلق في الحال على ما قاله الأكثرون وفيه مخالفة للمذكور هنا قال الرافعي : ويجوز أن يجعل ترجيحهم للوقوع في تلك الصورة لمعنى يخصها لا لرجحان القول بأن الطهر هو الانتقال إذا عرفت هذا فلو طلقها وقد بقي من الطهر بقية حسبت تلك البقية قراء سواء كان جامعها في تلك البقية أم لا فإذا حاضت ثم طهرت ثم حاضت ثم طهرت ثم شرعت في الحيض انقضت عدتها على الأظهر لأن الظاهر أنه دم الحيض وقيل لا بد من مضي يوم وليلة فعلى الأظهر لو انقطع الدم لدون يوم وليلة ولم يعد حتى مضت خمسة عشر يوما تبينا أن العدة لم تنقض ثم لحظة رؤية الدم أو اليوم والليلة هل هما من نفس العدة أم يتبين بهما الإنقضاء وليستا من العدة ؟ وجهان : أصحهما الثاني فإن جعلناه من العدة صحت فيه الرجعة ولا يصح نكاحها لأجنبي فيه وإلا انعكس الحكم والله أعلم .
النوع الثالث من لم تر دما : إما لصغر أو اياس أو بلغت سن الحيض ولم تحض فعدة هؤلاء بالأشهر قال الله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } يعني كذلك قال أبي بن كعب Bه : أول ما نزل من العدة { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فارتاب ناس في عدة الصغار والآيسات فأنزل الله تعالى { واللائي يئسن } الآية واختلف في سن الاياس : فالأشهر أنه اثنان وستون سنة وقيل ستون وقيل خمسون وقيل تسعون قال السرخسي : ورأينا امرأة حاضت لتسعين وبم يعتبر اياسها ؟ قيل باياس أقاربها من الأبويهن لتقاربهن في الطبع ونص عليه الشافعي ورجحه الرافعي في المحرر وقيل نساء عصباتها كمهر المثل فعلى المرجح لو اختلفن فهل يعتبر أقلهن أو أكثرهن ؟ فيه خلاف وقيل يعتبر اياس جميع النساء أي أقصى اياسهن لتحقيق الاياس وهذا هو الأصح عند النووي وغيره وإليه ميل الأكثرين كما قاله الرافعي قال إمام الحرمين : ولا يمكننا طواف العالم وإنما المراد بما بلغنا خبره وقيل المعتبر سن الاياس غالبا لا أقصاه وعلى الوجهين هل المعتبر نساء زمانها أم نساء أي زمن كان ؟ الذي في الإبانة والتتمة وتعليق القاضي حسين الأول وغيرهم لم يتعرضوا إلى ذلك وقيل يعتبر اياس نساء بلدها لأن للأهوية تأثيرا فلو اختلفت عادتهن اعتبرنا أقصاهن والله أعلم .
فرع ولدت امرأة ولم تر حيضا قط ولا نفاسا فهل تعتد بالاشهر أم هي كمن انقطع حيضها بلا سبب ؟ وجهان الصحيح الاعتداد بالأشهر لدخولها في قوله تعالى { واللائي لم يحضن } قال الأذرعي : قال الرافعي في آخر العدد عن فتاوى البغوي : إن التي لم تحض قط إذا ولدت ونفست تعتد بثلاثة أشهر ولا يجعلها النفاس من ذوات الأقراء فجزم البغوي بهذا ولم يذكر الرافعي هناك خلافه والله أعلم قال : .
والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها .
المطلقة قبل الدخول بها إن لم تحصل خلوة فلا عدة عليها بلا خلاف بل بالاتفاق وإن طلقها بعد الخلوة بها سواء باشرها فيما دون الفرج أم لا ففيه قولان : الأظهر أنه لا عدة عليها قوله تعالى { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ولأن البراءة متحققة وقيل تجب العدة لقول عمر وعلي Bهما : إذا أغلق باب وأرخى سترا فلها الصداق كاملا وعليها العدة واعلم أن زوجة المجبوب الذكر الباقي الانثيين لا عدة عليها إن كانت حائلا لاستحالة الإيلاج وإن كانت حاملا لحقه الولد وعليها العدة وزوج الممسوح لا عدة عليها بناء على الأصح أن الولد لا يلحقه والله أعلم قال : .
وعدة الأمة كعدة الحرة في الحمل وبالاقراء تعتد بقرءين وبالشهور عن الوفاة بشهرين وخمس ليال وعن الطلاق بشهر ونصف .
الأمة المطلقة إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل لعموم قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ولأن الحمل لا يتبعض فأشبه قطع السرقة وإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت بقرءين لقوله A : [ يطلق العبد طلقتين وتعتد الأمة حيضتين ] وهو مخصص لعموم الآية ولأنه على النصف في القسم والحد إلا أنه لا يمكن تنصيف القرء فكمل الثاني كما كمل طلاق العبد بثنتين ولأن استبراء الزوجة الحرة بثلاثة أقراء لكمالها بالحرية والعقد واستبراء الأمة الموطوءة بالملك بحيضة لنقصانها برقها فكان استبراء الأمة المنكوحة بينهما لوجود العقد دون الحرية وإن كانت من ذوات الأشهر ففيها ثلاثة أقوال : أحدها ثلاثة أشهر لعموم الآية ولأنه أقل زمن تظهر فيه أمارات الحمل من التحرك وكبر البطن فإذا لم يظهر ذلك علمت البراءة والثاني شهران بدلا عن القرءين كما كانت الأشهر الثلاثة للحرة بدلا عن الأقراء والثالث شهر ونصف لتجري على الصحة في التنصيف كعدة الوفاء وهذا هو الأصح وبه جزم الشيخ واعلم أن أم الولد والمكاتبة والمبعضة كالقنة فيما ذكرنا والله أعلم .
فرع إذا طلقت الزوجة الأمة وعتقت في أثناء العدة فهل تعتد عدة الإماء أم الحرائر ؟ فيه أقوال : أحدهما تتم عدة الإماء إعتبارا بحال وجوب العدة والثاني تتم عدة الحرائر احتياطا للعدة والثالث إن كانت رجعية تممت عدة الحرائر لأنها كالزوجة ولهذا لو مات عنها انتقلت إلى عدة الوفاة وإن كانت بائنا أتمت عدة أمة لأنها كالأجنبية والله أعلم قال :