فصل : والمتروك من الصلاة ثلاثة أشياء : فرض وسنة وهيئة : فالفرض لا ينوب عنه سجود السهو بل إن ذكره والزمان قريب أتى به وبنى عليه وسجد للسهو .
سجود السهو مشروع للخلل الحاصل في الصلاة : سواء في ذلك صلاة الفرض أو النفل وفي قول لا يشرع في النفل ثم ضابط سجود السهو : إما بارتكاب شيء منهي عنه في الصلاة كزيادة قيام أو ركوع أو سجود أو قعود في غير محله على وجه السهو أو ترك مأمور به كترك ركوع أو سجود أو قيام أو قعود واجب أو ترك قراءة واجبة أو تشهد واجب وقد فات محله فإنه يسجد للسهو بعد تدارك ما تركه ثم إن تذكر ذلك وهو في الصلاة أتى به وتمت صلاته وإن تذكره بعد السلام نظر إن لم يطل الزمان تدارك ما فاته وسجد للسهو وإن طال استأنف الصلاة من أولها ولا يجوز البناء لتغير نظم الصلاة بطول الفصل وفي ضبط طول الفصل قولان للشافعي : الأظهر ونص عليه في الأم أنه يرجع فيه إلى العرف والقول الآخر ونص عليه في البوطي أن الطويل ما يزيد على قدر ركعة ثم حيث جاز البناء فلا فرق بين أن يتكلم بعد السلام ويخرج من المسجد ويستدبر القبلة وبين أن لا يفعل ذلك هذا هو الصحيح ثم هذا عند تيقن المتروك : أما إذا سلم من الصلاة وشك هل ترك ركنا أو ركعة فالمذهب الصحيح أنه لا يلزمه شيء وصلاته ماضية على الصحة لأن الظاهر أنه أتى بها بكمالها وعروض الشك كثير لا سيما عند طول الزمان فلو قلنا بتأثير الشك لأدى إلى حرج ومشقة ولا حرج في الدين وهذا بخلاف عروض الشك في الصلاة فإنه يبني على اليقين ويعمل بالأصل كما ذكره الشيخ من بعد فإذا شك في أثناء الصلاة هل صلى ثلاثا أم أربعا أخذ باليقين وأتى بركعة ولا ينفعه غلبة الظن أنه صلى أربعا ولا أثر للإجتهاد في هذا الباب ولا يجوز العمل فيه بقول الغير ولو كان المخبرون كثيرين وثقات بل يجب عليه أن يأتي بما شك فيه حتى لو قالوا له : صليت أربعا يقينا وهو شاك في نفسه لا يرجع إليهم والأصل في ذلك قول النبي A [ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان ] رواه مسلم ثم هذا في حق الامام والمنفرد أما المأموم فلا يسجد إذا سها خلف امامه ويتحمل الامام سهوه حتى لو ظن أن الامام سلم فسلم ثم بان له أنه لم يسلم فسلم معه فلا سجود عليه لأنه سها في حال اقتدائه ولو تيقن المأموم في تشهده أنه ترك الركوع أو الفاتحة مثلا من ركعة ناسيا أو شك في ذلك فإذا سلم الإمام لزمه أن يأتي بركعة ولا يسجد للسهو : لأنه شك في حال الاقتداء ولو سمع المأموم المسبوق صوتا فظنه سلام الامام فقام ليتدارك ما شك في حال الاقتداء ولو سمع المأموم المسبوق صوتا فظنه سلام الامام فقام ليتدارك ما عليه وكان عليه ركعة مثلا فأتى بها وجلس ثم علم أن الامام لم يسلم وتبين خطأ نفسه لم يعتد بتلك الركعة لأنها مفعولة في عير محلها لأن وقت التدارك بعد انقطاع القدوة فإذا سلم الامام قام وأتى بالركعة ولا يسجد للسهو لبقاء حكم القدوة ولو سلم الامام بعدما قام فهل يجب عليه أن يعود إلى القعود لأن قيامه غير مأذون فيه أم يجوز له أن يمضي في صلاته ؟ وجهان أصحهما في شرح المهذب والتحقيق وجوب العود والله أعلم قال : .
والمسنون لا يعود إليه بعد التلبس بغيره لكنه يسجد للسهو .
وقد تقدم أن الصلاة تشتمل على أركان وأبعاض وهيئات : فالأركان ما لا بد منها ولا تصح الصلاة بدونها جميعا وأما الأبعاض وهي التي سماها الشيخ سننا وليست من صلب الصلاة فتجبر بسجود السهو عند تركها سهوا بلا خلاف وكذا عند العمد على الراجح لوجود الخلل الحاصل في الصلاة بسبب تركها بل العمد أشد خللا فهو أولى بالسجود وهذه الأبعاض ستة : التشهد الأول والقعود له والقنوت في الصبح وفي النصف الأخير من شهر رمضان والقيام له والصلاة على النبي A في التشهد الأول والصلاة على الآل في التشهد الأخير والأصل في التشهد الأول ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن بحينة أن النبي A [ ترك التشهد الأول ناسيا فسجد قبل أن يسلم ] وإذا شرع السجود له شرع لقعوده لأنه مقصود ثم قسنا عليهما القنوت وقيامه لأن القنوت ذكر مقصود في نفسه شرع له محل مخصوص وهذا في قنوت الصبح ورمضان أما قنوت النازلة فلا يسجد له على الأصح في التحقيق والفرق تأكد ذينك بدليل الاتفاق على أنهما مشروعان بخلاف النازلة وأما الصلاة على النبي A في التشهد الأول فلأنه ذكر يجب الاتيان به في الجلوس الأخير فيسجد لتركه في التشهد الأول قياسا على التشهد وعلل الغزالي اختصاص السجود بهذه الأمور لأنها من الشعائر الظاهرة المخصوصة بالصلاة وقوله المسنون لا يعود إليه بعد التلبس بغيره كما إذا قام من التشهد الأول أو ترك القنوت وسجد فلو ترك التشهد الأول وتلبس بالقيام ناسيا لم يجز له العود إلى القعود فإن عاد عامدا عالما بتحريمه بطلت صلاته لأنه زاد قعودا وإن عاد ناسيا لم تبطل وعليه أن يقوم عند تذكره ويسجد للسهو وإن كان جاهلا بتحريمه فالأصح أنه كالناسي هذا حكم المنفرد والامام وأما المأموم فإذا تلبس إمامه بالقيام فلا يجوز له التخلف عنه لأجل التشهد فإن فعل بطلت صلاته ولو انتصب مع الامام ثم عاد الامام إلى القعود لم يجز للمأموم أن يعود معه فإن عاد الامام عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته وإن كان ناسيا أو جاهلا لم تبطل ولو قعد المأموم فانتصب الامام ثم عاد الامام إلى القعود لزم المأموم القيام لأنه توجه على المأموم القيام بانتصاب الامام ولو قعد الامام للتشهد الأول وقام المأموم ناسيا فالصحيح وجوب العود إلى متابعة الامام فإن لم يعد بطلت صلاته هذا كله فيمن انتصب قائما أما إذا انتهض ناسيا وتذكر قبل الانتصاب فقال الشافعي والأصحاب : يرجع إلى التشهد والمراد من الانتصاب فهل يسجد للسهو ؟ قولان الاظهر في أصل الروضة أنه لا يسجد وإن صار إلى القيام أقرب وصححه في التحقيق وقال في شرح المهذب : إنه الأصح عند الجمهور والذي في المحرر أنه إذا صار إلى القيام أقرب سجد وإلا فلا وتبعه النووي في المنهاج وقال الرافعي في الشرح الصغير : إن طريقة التفصيل أظهر قال الإسنائي : الفتوى على ما في شرح المهذب لموافقته الأكثرين هذا كله إذا ترك التشهد الأول ونهض ناسيا أما إذا تعمد ذلك ثم عاد قبله لم تبطل والله أعلم ولو ترك الامام القنوت إما لكونه لا يراه كالحنفي أو نسي فإن علم المأموم أنه لا يلحقه في السجود فلا يقنت وإن علم أنه لا يسبقه قنت وقد أطلق الرافعي والغزالي أنه لا بأس بما يقرؤه من القنوت إذا لحقه عن قرب وأطلق القاضي حسين أن من صلى الصبح خلف من صلى الظهر وقنت تبطل صلاته قال ابن الرفعة : ولعلة مصور بحالة المخالفة وهو الظاهر والله أعلم قال : .
والهيئة لا يعود إليها بعد تركها ولا يسجد للسهو عنها وإذا شك في عدد ما أتى به من الركعات بنى على اليقين وهو الأقل ويسجد له سجود السهو ومحله قبل السلام وهو سنة .
الهيئات هي الأمور المسنونة غير الأبعاض كالتسبيح وتكبير الانتقالات والتعوذ ونحوه فلا يسجد لها بحال تركها عمدا أو سهوا لأنها ليست أصلا فلا تشبه الأصل بخلاف الأبعاض ووجه ذلك أن سجود السهو زيادة في الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف وورد في بعض الأبعاض وقسنا عليه ما هو في معناه لتأكده وبقي ما عداه على الأصل فلو فعله ظانا جوازه بطلت صلاته إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية قاله البغوي وقيل يسجد لترك التسبيح في الركوع والسجود وقيل يسجد لترك السورة وقيل يسجد لكل مسنون وأما إذا شك في عدد الركعات فقد تقدم الكلام عليه وأما كون السجود قبل السلام وبعد التشهد فللاخبار ولأن سببه وقع في الصلاة فأشبه سجود التلاوة وأما كونه سنة فلقوله A [ كانت الركعة والسجدتان نافلة ] ولأنه بدل ما ليس بواجب والله أعلم