فصل : في حد السارق وتقطع يد السارق بست شرائط : أن يكون بالغا عاقلا .
السرقة بفتح السين وكسر الراء هي أخذ مال الغير على وجه الخفية وإخراجه من حرزه وهي موجبة للقطع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } والأخبار تأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى ثم للقطع شروط منها ما هو معتبر في السارق ومنها ما هو معتبر في المسروق أما السارق فيشترط أن يكون بالغا عاقلا مختارا سواء كان مسلما أو ذميا أو مرتدا فلا قطع على صبي ولا مجنون ولا مكره للحديثين المشهورين ولو سرق المعاهد لم يقطع في الأصح ولو سرق مسلم مال معاهد فهل يقطع ؟ فيه قولان مبنيان على قطع المعاهد بسرقة مال المسلم فإن قطع قطع وإلا فلا والله أعلم قال : .
وأن يسرق نصابا قيمته ربع دينار من حرز مثله .
يشترط في المال المسروق أن يكون نصابا وهو ربع دينار من الذهب الخالص الضروب فلا قطع فيما دونه واحتج له بما روت عائشة Bها أن النبي A قال : [ لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا ] رواه البخاري ومسلم واللفظ له والمراد ربع دينار مصكوك فلو سرق سبيكة وزنها ربع مثقال ولا تساوي ربع دينار مصكوك لم يقطع على الأصح في الروضة صححه تبعا لتصحيح امام الحرمين وغيره وصحح جماعة أنه يقطع ولو سرق مصوغا يساوي ربع دينار ووزنه أقل لم يقطع في الأصح ويجري الوجهان في ربع دينار قراضة لا تساوي ربع دينار مصكوك ولو سرق شيئا قيمته ربع دينار مصكوك قطع بلا خلاف قاله الإمام والدينار يعادل اثني عشر درهم وربعه ثلاثة دراهم وهو نصاب السرقة ولهذا قطع رسول الله A سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم ولا فرق بين أن يعتقد السارق أنه أخذ نصابا أم لا وكان في نفس الأمر يعدل نصابا : فلو سرق فلوسا في ظنه أنها لا تعدل نصابا فكانت دنانير قطع لأنه سرق نصابا وظنه خطأ ولو عكس بأن سرق ما يظنه دنانير فكانت فلوسا لا تعدل ربع دينار فلا قطع ولو سرق جبة لا تعدل درهما فكان فيها ما يبلغ نصابا من دينار أو غيره ولم يشعر به قطع في الأصح ثم هذا إذا كان المسروق مالا أما ما ليس بمال كالكلب والسرجين وجلود الميتة ونحوها لم يقطع به لأنها ليست بمال والله أعلم .
فرع فلو سرق شخص آلة لهو كالطنبور والمزمار والرباب ونحوها من الآلات الخبيثة وكذا الأصنام نظر إن لم يبلغ مفضل تلك الآلة نصابا فلا قطع وإن بلغ نصابا فهل يقطع ؟ فيه خلاف : الراجح في الروضة : أنه يقطع لأنه مال يقوم على متلفه فأشبه ما لو سرق مفصلا وقيل لا يقطع بحال وصححه في المحرر قلت : وهو قوي واختاره الإمام أبو الفرج الرازي وامام الحرمين لأنه آلة محرمة يجب اتلافها لأنها غير محترمة ولا محرزة كالخمر وكل أحد مأمور بإفسادها ويجوز الهجوم على المساكن لكسرها وإبطالها ولا يجوز امساكها ويجب اتلافها فهي كالمغصوب سرق من حرز الغاصب ثم هذا إذا قصد السرقة بإخراجها أما إذا قصد أن يشهد تغييرها وافسادها فلا قطع على المذهب المقطوع به ولو سرق آنية ذهب أو فضة ففي المهذب والتهذيب أنه يقطع قال الرافعي : والوجه ما قاله العمراني أنه يبنى على جواز اتخاذها إن جوزنا قطع وإلا فلا كالملاهي والله أعلم وكما يشترط كون المسروق نصابا يشترط كونه محرزا فلا يقطع فيما ليس بمحرز للنص ويختلف الحرز بإختلاف الأموال لأنه A فرق في الحديث بينهما والرجوع في ذلك إلى العرف لأن الحرز لم يرد فيه ضابط من جهة الشرع ولا له في اللغة ضابط وإذا كان لا ضابط له شرعا ولغة رجعنا فيه إلى العرف كما في القبض في البيع والاحياء في الموات وغيرهما قال الماوردي : فعلى هذا قد يكون الشئ حرزا في وقت دون وقت لأن الزمان لا يبقى على حال قال الأصحاب : والاصطبل حرز للدواب وإن كانت غالية الأثمان دون الثياب قلت : وهذا الاطلاق فيه نظر لأن في كثير من المدن الاصطبل أحرز من كثير البيوت فينبغي الرجوع إلى عرف المحلة والله أعلم قال الأصحاب : وصفة الدار وعرصتها حرز للأواني وثياب البذلة أي الخدمة دون الحلي والنقود لأن العادة احرازها في المخازن والثياب النفيسة تحرز في الدور وبيوت الخان والأسواق المنعة والمتبن حرز للتبن وكل شئ بحسبه حتى لو سرق الكفن من القبر قطع على المذهب المقطوع به لأنه حرز مثله والله أعلم .
فرع سرق شخص طعاما في وقت القحط والمجاعة فإن كان يوجد عزيزا بثمن غال قطع وإن كان لا يوجد ولا يقدر عليه فلا قطع وعلى هذا يحمل ما جاء عن عمر Bه لا قطع في عام المجاعة والله أعلم قال : .
لا ملك له فيه ولا شبهة في مال المسروق منه .
يشترط لوجوب القطع أن يكون المسروق مملوكا لغير السارق فلا قطع على من سرق مال نفسه من يد غيره كيد المرتهن والمستأجر والمستعير والمودع وعامل القراض والوكيل وكذا الشريك وهو قول الشيخ [ لا ملك له فيه ] وإذا كان لا قطع في المال المشترك فلا قطع فيما هو محض ملكه أولى ولو سرق ما اشتراه من يد البائع في زمن الخيار أو بعده فلا قطع وإن سرق معه مالا آخر فإن كان قبل أداء الثمن قطع وإن كان بعده فلا قطع على الراجح كمن سرق من دار اشتراها ولو سرق شيئا وهب له بعد القبول وقبل القبض فالصحيح أنه لا قطع بخلاف ما لو أوصى له بشئ فسرقه قبل موت الموصي فإنه يقطع وإن سرقه بعد موت الموصي وقبل القبول بني على أن الملك في الوصية بماذا يحصل ؟ إن قلنا بالموت لم يقطع وإلا قطع ولو أوصى للفقراء بمال فسرقه فقير بعد موته لم يقطع كسرقة مال بيت المال وأن سرقة غني قطع والله أعلم وقول الشيخ [ لا شبهة له في مال المسروق ] احترز به عما إذا سرق مالا له فيه شبهة أي للسارق وفيه صور : منها سرق من يستحق النفقة بالبعضية كالأب من مال ولده وبالعكس فلا قطع ولو سرق أحد الزوجين مال الآخر إن لم يكن محرزا فلا قطع وإلا فثلاثة أوجه الراجح القطع لعموم الآية والفرق بينه وبين نفقة الأقارب أنها لأجل إحياء النفوس فأشبه نفسه ونفقة الزوجة معاوضة فأشبه الإجارة وقيل لا تقطع لأنها تستحق النفقة من ماله ويقطع الزوج إذا لا نفقة له فلا شبهة وقيل غير ذلك .
ومنها إذا سرق من بيت المال وفيه تفاصيل ملخصها وهو الصحيح أن يفصل : إن كان السارق صاحب حق في المسروق بأن سرق فقير من مال الصدقات أو مال المصالح فلا قطع وإن لم يكن صاحب حق فيه كالغني فإن سرق من الصدقات قطع وإن سرق من مال المصالح فلا قطع على الراجح لأنه قد يصرف ذلك في عمارة مسجد أو رباط أو قنطرة فينتفع بها الغني والفقير ولو سرق ذمي من مال المصالح قطع على الصحيح لأنه مخصوص بالمسلمين وانتفاع أهل الذمة انما هو تبع ومنها إذا سرق مستحق الدين مال المديون وفيه نص واختلاف والصحيح التفصيل فإن أخذه لا بقصد استيفاء الحق أو بقصده والمديون غير جاحد ولا مماطل قطع وإن قصده وهو جاحد أو مماطل فلا قطع ولا فرق بين أن يأخذ من جنس حقه أو من غيره على الصحيح ولو أخذ زيادة على قدر حقه فلا قطع على الصحيح لأنه إذا جاز له الدخول والأخذ لم يبق المال محرزا عنه ومنها إذا سرق العبد من مال سيده لأن له شبهة استحقاق نفقته وقال أبو ثور : يقطع لعموم الآية الكريمة والصحيح الأول ولا فرق بين القن والمدبر وأم الولد والمبعض وكذا المكاتب في الأصح وكذا عبد مكاتبه قاله الماوردي ومنها لو سرق حصر المسجد أو القناديل التي تسرج فلا قطع لأنها معدة لانتفاع الناس بخلاف ما لو سرق باب المسجد وسواريه ونحوهما فإنه يقطع وكذا لو سرق ستر الكعبة شرفها الله تعالى وهو محرز بالخياطة فالمذهب أنه يقطع وبه قطع الجمهور وهذه المسألة ومسألة بيت المال ملحقة بما ذكره الشيخ لأجل الشبهة وبقي صور تركناها خشية الاطالة تعرف مما ذكرناه والله أعلم قال : .
وتقطع يده اليمنى من الكوع فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى فإن سرق بعد ذلك عزر .
إذا ثبتت السرقة المقتضية للقطع وجب شيئان أحدهما رد المال المأخوذ إن كان باقيا أو يد له إن كان تالفا يستوي في ذلك الغني والفقير الثاني وجوب القطع فتقطع يده اليمنى أما وجوب القطع فللآية والأخبار وأما كونها اليمنى فلقراءة ابن مسعود Bه في قوله تعالى { فاقطعوا أيديهما } والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل وهي مفسرة للأيدي المذكورة في القراءة المشهورة وروي أنه E أمر به وفعله الخلفاء الأربعة بعده Bهم ومن جهة المعنى أن اليمنى أقوى فالبداءة بها أقطع في الردع وادعى القاضي أبو الطيب الاجماع على ذلك وتقطع من مفصل الكوع لأنه E [ أمر به في قطع سارق رداء صفوان ] وادعى الماوردي الاجماع على ذلك سواء كان له يسرى أم لا ولا يضاف إلى القطع التعزير وعن الفوراني أنه يعزر فإن عاد قطعت رجله اليسرى لأمره به E رواه الشافعي بسنده ولأنا لو قطعنا الرجل اليمنى لاستوفينا حد الجانبين فيضعف فيكون فيه ضم عقوبة إلى عقوبة وكذلك لم تقطع يده اليسرى لئلا يستوفى منفعة الجنس فتزداد العقوبة وتقطع من مفصل القدم كذا فعله عمر وشرط قطعها بعد اندمال اليد لئلا يفضي به توالي القطع إلى الهلاك بخلاف قطع المحاربة لأن قطعهما هناك حد واحد فإن عاد قطعت اليسرى فإن عاد قطعت اليمنى لأمره E بذلك وروى ذلك من فعل الصديق فإنه جيء برجل مقطوع اليد والرجل فقطع يده اليسرى فإن عاد بعد قطع الأربعة عزر لأن القطع ثبت بالكتاب والسنة ولم يذكر بعده شيء آخر والسرقة معصية فعزر بسببها قال في الكافي ويحبس حتى يثوب وفي الجبلي : حتى تظهر توبته وعن القديم أنه يقتل لأنه E [ أمر بقطع السارق في الأربعة وقال في الخامسة اقتلوه ] رواه أبو داود والنسائي والمذهب أنه يعزر كما ذكرناه والحديث قال النسائي : إنه منكر وقال الزهري : إن القتل منسوخ لأنه E [ رفع إليه في الخامسة فلم يقتله ] وقال الشافعي : القتل منسوخ بلا خلاف بين العلماء ولأن كل معصية أوجبت حدا لم يوجب تكرارها القتل كالزنا والقذف والله أعلم قال :