وبيان إلحاقه النسب بغيره وذكر المصنف بعض أحكامه في بابي العدة واللقيط .
و القائف لغة متتبع الآثار والجمع قافة كبائع وباعة .
و شرعا من يلحق النسب بغيره عند الاشتباه بما خصه الله تعالى به من علم ذلك .
والأصل في الباب خبر الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي النبي A مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا عليهما قطيفة قد غطيا بها رؤسهما وقد بدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فإقراره A على ذلك يدل على أن القافة حق .
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه فلو لم يعتبر قوله لمنعه من المجازفة وهو A لا يقر على خطأ ولا يسر إلا بالحق اه " .
وسبب سروره A بما قاله مجزز أن المنافقين كانوا يطعنون في نسب أسامة لأنه كان طويلا أسود أفنى الأنف وكان زيد قصيرا بين السواد والبياض أخنس الأنف وكان طعنهم مغيظة له A إذ كانا حبيه فلما قال المدلجي ذلك وهو لا يرى إلا أقدامهما سر به نقله الرافعي عن الأئمة .
وقال أبو داود إن زيدا كان أبيض .
وروى ابن سعد أن أسامة كان أحمر أشقر وزيد مثل الليل الأسود .
وروى مالك أن عمر دعا قائفين في رجلين تداعيا مولودا وشك أنس في مولود له فدعا له قائفا رواه الشافعي رضي الله تعالى عنه .
وبقولنا قال مالك و أحمد وخالف أبو حنيفة وقال لا اعتبار بقول القائف .
وهو محجوج بما مر .
وفي عجائب المخلوقات عن بعض التجار أنه ورث من أبيه مملوكا أسود شيخا قال فكنت في بعض أسفاري راكبا على بعير والمملوك يقوده فاجتاز بنا رجل من بني مدلج فأمعن فينا نظره ثم قال ما أشبه الراكب بالقائد قال فرجعت إلى أمي فأخبرتها بذلك فقالت إن زوجي كان شيخا كبيرا ذا مال ولم يكن له ولد فزوجني بهذا المملوك فولدتك ثم فكني واستلحقك .
وكانت العرب تلحق بالقيافة وتفخر بها وتعدها من أشرف علومها وهي الفراسة غرائز في الطباع يعان عليها المجبول ويعجز عنها المصروف عنها .
وللقائف شروط شرع المصنف في ذكرها بقوله " شرط القائف " أي شروطه " مسلم " فلا يقبل من كافر " عدل " فلا يقبل من فاسق لأنه حاكم أو قاسم .
تنبيه : .
كان الأولى أن يقول إسلام وكذا ما بعده فيأتي المصدر لأن الشرط هو الإسلام لا الشخص ومر التنبيه على ذلك في كتاب القضاء .
وعبارة المحرر أن يكون مسلما وهو حسن .
وأهمل المصنف كونه بصيرا ناطقا وانتفاء العداوة عن الذي ينفيه عنه وانتفاء الولاء عمن يلحقه به فلو عبر بأهلية الشهادة كما في الروضة لكان أخصر وأعم ( 4 / 489 ) لكن قال البلقيني ولا أمنع قيافة الأخرس إذا فهم إشارته كل واحد وفي المطلب اشتراط كونه سميعا .
ورده البلقيني وهو ظاهر .
مجرب .
بفتح الراء بخطه في معرفة النسب لحديث لا حكم إلا ذو تجربة حسنه الترمذي وكما لا يولى القضاء إلا بعد معرفة علمه بالأحكام .
وفسر المحرر التجربة بأن يعرض عليه ولو في نسوة ليس فيهن أمه ثم مرة أخرى ثم مرة أخرى كذلك في نسوة فيهن أمه .
فإن أصاب في الكل فهو مجرب .
فإن قيل لم حذف المصنف هذا مع أن فيه حكمين أحدهما أنه لا بد من التجربة ثلاثا والثاني أنه لا بد أن يكون العرض مع أمه وقد تعجب من حذقه لذلك أجيب بأن الحكم الأول منازع فيه فقد قال الإمام لا معنى لاعتبار الثلاث بل المعتبر غلبة الظن بأن قوله عن خبرة لا عن اتفاق وهذا قد يحصل بدون الثلاث اه " .
وهذا نظير ما رجحوه في تعليم جارحة الصيد .
وأما الحكم الثاني فإن ذكر الأم مع النسوة ليس للتقييد بل للأولوية إذ الأب مع الرجال كذلك وكذا سائر العصبة والأقارب عند فقدهما .
وقال في الروضة كأصلها كيفية التجربة أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة هي فيهن فيصيب في الكل .
واستشكله البارزي بأن المجرب قد يعلم ذلك فلا تبقى فائدة في الثلاثة الأول وقد يصيب في الرابعة اتفاقا فلا يؤثر بالتجربة والأولى أن يعرض مع صنف ولد الواحد منهم أو في بعض الأصناف ولا يخص به الرابعة فإذا أصاب في الكل قبل قوله بعد ذلك وينبغي أن يكتفي بثلاث مرات اه " .
وقد مر أن الإمام يعتبر غلبة الظن فمتى حصلت عمل بما في الروضة أو بما قاله البارزي .
والأصح .
في الروضة الصحيح " اشتراط حر ذكر " كالقاضي .
والثاني لا كالمفتي " لا " اشتراط " عدد " فيكفي قول الواحد كالقاضي والقاسم .
والثاني يشترط كالمزكي والمقوم .
ولو كونه مدلجيا .
أي من بني مدلج وهم رهط مجزز المدلجي بل يجوز كونه من سائر العرب والعجم لأن القيافة نوع من العلم فمن تعلمه عمل به وفي سنن البيهقي أن عمر Bه كان قائفا يقوف .
والثاني يشترط لرجوع الصحابة Bهم إلى بني مدلج في ذلك دون غيرهم وقد خص الله تعالى جماعة بنوع من المناصب والفضائل كما خص قريشا بالإمامة .
ثم أشار المصنف لمسألتين يعرض الولد فيهما على القائف بقوله " فإذا تداعيا " أي شخصان أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكرا ولدا " مجهولا " صغيرا لقيطا كان أو غيره حيا أو ميتا لم يتغير ولم يدفن " عرض عليه " أي القائف ولو بعد موت أحد المتداعيين فمن ألحقه به لحقه كما مر في باب كتاب اللقيط .
والمجنون كالصبي قال البلقيني وكذا لو كان مغمى عليه أو نائما أو سكران سكرا يعذر فيه فلو كان غير المعذور لم يعرض لأنه بمنزلة الصاحي ولو انتسب إلى هذه الحالة عمل به .
تنبيه : .
قضية إطلاقه أنه لا فرق بين أن يكون لأحدهما عليه يد أو لا والأشبه بالمذهب كما قال الرافعي تفصيل ذكره القفال في اللقيط وهو أنه إن كان في يده عن النقاط لم يؤثر وإلا قدم صاحب اليد إن قدم استلحاقه وإلا فوجهان قال الزركشي أصحهما يستويان فيعرض على القائف .
وكذا لو اشتركا .
أي رجلان " في وطء " لامرأة " فولدت ولدا ممكنا " أي من كل " منهما وتنازعاه " أي ادعاه كل منهما أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكر ولم يتخلل بين الوطأين حيضة كما سيأتي فإنه يعرض على القائف ولو كان بالغا مكلفا كما جزم به الماوردي .
ثم بين الاشتراك في الوطء في صور بقوله " بأن وطئا امرأة بشبهة " كأن وجدها كل منهما في فراشه فظنها زوجته أو أمته " أو " بأن وطىء شريكان أمة " مشتركة لهما أو وطىء زوجته وطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد أو " وطىء " أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرىء واحد منهما " فإنه يعرض على القائف .
وقال أبو حنيفة يلحق الولد في هذه الصور بها ولا اعتبار بقوله القائف بما تقدم وبقوله تعالى " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " ولو كان له أبوان لكان له قلب إلى كل منهما وبأن الولد لا ينعقد من ماء شخصين لأن الوطء لا بد أن يكون على التعاقب وإذا اجتمع ماء المرأة وانعقد الولد منه حصلت عليه غشاوة تمنع من اختلاط ( 4 / 490 ) ماء الثاني بماء الأول كما نقل عن إجماع الأطباء .
تنبيه : .
قول المصنف في وطء ظاهره اشتراط تغييب الحشفة قال البلقيني وليس هذا بمعتبر عندي في هذا المكان بل لو لم تدخل الحشفة كلها وأنزل داخل الفرج كان كالوطء وكذا الإنزال خارج الفرج بحيث دخل الماء في الفرج .
واستدخال الماء وقوله بأن وطئا بشبهة أو مشتركة لهما هو من عطف الخاص على العام لأن وطء المشتركة شبهة ويشترط فيها أن يقع الوطئان في طهر فلو تخلل بينهما حيضة فهو للثاني ولا يغني عن ذلك ذكره له بعد لأنه لا يمكن عوده لجميع الصور لتعذر ذلك في بعضها .
وكذا لو وطىء .
بشبهة كما في المحرر " منكوحة " لغيره نكاحا صحيحا وولدت ممكنا منه ومن زوجها يعرض على القائف " في الأصح " فيلحق من ألحقه به منهما ولا يتعين الزوج للإلحاق بل الموضع موضع الاشتباه .
والثاني يلحق بالزوج لقوة فراشه .
وعلى الأول لا بد من إقامة بينة على الوطء ولا يكفي اتفاق الزوجين والواطىء عليه لأن للمولود حقا في النسب واتفاقهما ليس بحجة عليه فإن قامت بينة به عرض على القائف ويعرض بتصديقه إن بلغ وإن لم تقم بينة لأن الحق له وعلى هذا فيقيد كلام المتن بإقامة بينة الوطء أو تصديق الولد المكلف .
تنبيه : .
لو ألقت سقطا عرض على القائف قال الفوراني إذا ظهر فيه التخطيط دون ما لم يظهر .
وفائدته فيما إذا كانت الموطوءة أمة وباعها أحدهما من الآخر بعد الوطء والاستبراء في أن البيع هل يصح وأمية الولد عمن تثبت وفي الحرة أن العدة تنقضي به عمن كان منهما .
فإذا ولدت .
تلك الموطوءة في المسائل المذكورة " لما بين ستة أشهر وأربع سنين " وكذا " من وطأيهما وادعياه " أي الولد " عرض عليه " أي القائف فيلحق من ألحقه به منهما .
تنبيه : .
قوله وادعياه ليس بشرط بل لو ادعاه أحدهما وسكت الآخر أو نكل كان الحكم كذلك كما مر .
فإن تخلل بين وطأيهما حيضة فللثاني .
من الواطئين للولد لأن الحيض أمارة ظاهرة في حصول البراءة عن الأول فينقطع تعلقه عنه وإذا انقطع عن الأول تعين للثاني لأن فراشه لم ينقطع بعد وجوده .
ولا فرق بين أن يدعيه الأول أم لا اللهم " إلا أن يكون الأول " منهما " زوجا في نكاح صحيح " والثاني منهما واطئا بشبهة أو في نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء والإمكان حاصل بعد الحيضة فإن كان الأول زوجا في نكاح فاسد انقطع تعلقه لأن المرأة لا تصير فراشا في النكاح الفاسد إلا بحقيقة الوطء .
وسواء فيهما .
أي المتنازعين فيما ذكر " اتفقا إسلاما وحرية " بكونهما مسلمين حرين " أم لا " كمسلم وذمي وحر وعبد لأن النسب لا يختلف .
وهذا تفريع على صحة استلحاق العبد وهو الأظهر فلو ادعاه مسلم وذمي وأقام الذمي بينة تبعه نسبا ودينا كما لو أقامها المسلم أو لحقه بإلحاق القائف أو بنفسه كما بحثه شيخنا تبعا نسبا لا دينا لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه فلا يحضنه لعدم أهليته لحضانته .
أو ادعاه حر وعبد وألحقه القائف بالعبد أو لحقه به بنفسه كما بحثه شيخنا لحقه في النسب وكان حرا لاحتمال أنه ولد من حرة .
تنبيه : .
لو عدم القائف بدون مسافة القصر أو أشكل عليه الحال بأن تحير أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما وقف الأمر حتى يبلغ عاقلا ويختار الانتساب إلى أحدهما بحسب الميل الذي يجده ويحبس ليختار إن امتنع من الانتساب إلا إن لم يجد ميلا إلى أحدهما فيوقف الأمر ولا يقبل رجوع قائف إلا قبل الحكم بقوله ثم لا يقبل قوله في حقه لسقوط الثقة بقوله ومعرفته وكذا لا يصدق لغير الآخر إلا بعد مضي إمكان تعلمه مع امتحان له بذلك .
خاتمة لو استلحق مجهولا نسبه وله زوجة فأنكرته زوجته لحقه عملا بإقراره دونها لجواز كونه من وطء شبهة أو زوجة أخرى وإن ادعته والحالة هذه امرأة أخرى وأنكره زوجها وأقام زوج المنكرة بينتين تعارضتا فيسقطان ( 4 / 491 ) ويعرض على القائف فإن ألحقه بها لحقها وكذا زوجها على المذهب المنصوص كما قاله الإسنوي خلافا لما جرى عليه ابن المقري أو بالرجل لحقه وزوجته .
فإن لم يقم واحد منهما بينة فالأصح كما قال الإسنوي أنه ليس ولد الواحدة منها ولا يسقط حكم قائف بقول قائف آخر .
ولو ألحقه قائف بالأشباه الظاهرة وآخر بالأشباه الخفية كالخلق وتشاكل الأعضاء فالثاني أولى من الأول لأن فيها زيادة حذق وبصيرة .
ولو ألحق القائف التوأمين باثنين بأن ألحق أحدهما بأحدهما والآخر بالآخر بطل قوله حتى يمتحن ويغلب على الظن صدقه فيعمل بقوله كما لو ألحق الواحد باثنين .
ويبطل أيضا قول قائفين اختلفا في الإلحاق حتى يمتحنا ويغلب على الظن صدقهما .
ويلغو انتساب بالغ أو توأمين إلى اثنين فإن رجع أحد التوأمين إلى الآخر قبل ويؤمر البالغ بالانتساب إلى أحدهما ومتى أمكن كونه منهما عرض على القائف وإن أنكره الآخر أو أنكراه لأن للولد حقا في النسب فلا يثبت بالإنكار من غيره وينفقان عليه إلى أن يعرض على القائف أو ينتسب ويرجع بالنفقة من لم يلحقه الولد على من لحقه إن أنفق بإذن الحاكم ولم يدع الولد ويقبلان له الوصية التي أوصى له بها في مدة التوقف لأن أحدهما أبوه ونفقة الحامل على المطلق فيعطيها لها ويرجع بها على الآخر إن ألحق الولد بالآخر .
فإن مات الولد قبل العرض على القائف عرض عليه ميتا لا إن تغير أو دفن .
وإن مات مدعيه عرض على القائف مع أبيه أو أخيه ونحوه من سائر العصبة