على الشهادة وأدائها " تقبل الشهادة على الشهادة " لعموم قوله تعالى ( 4 / 453 ) وأشهدوا ذوي عدل منكم " ولدعاء الحاجة إليها لأن الأصل قد يتعذر ولأن الشهادة حق لازم فيشهد عليها كسائر الحقوق لأنها طريق تظهر الحق كالإقرار فيشهد عليها .
لكنها إنما تقبل " في غير عقوبة " لله تعالى وغير إحصان كالأقارير والعقود والفسوخ والرضاع والولادة وعيوب النساء سواء فيه حق الآدمي وحق الله تعالى كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة وهلال رمضان للصوم وذي الحجة للحج .
وفي .
إثبات " عقوبة لآدمي على المذهب " كالقصاص وحد القذف .
أما العقوبة لله تعالى كالزنا وشرب الخمر فلا يقبل فيها الشهادة على الشهادة على الأظهر .
وخرج منها قول في عقوبة الآدمي ودفع التخريج بأن حق الله تعالى مبني على التخفيف بخلاف حق الآدمي فلذلك عبر المصنف فيه بالمذهب .
وأما الإحصان فيمن ثبت زناه فكالحد فلا يقبل فيه الشهادة على الشهادة على الأصح كما حكاه الرافعي عن ابن القاص .
تنبيه : .
يفهم من منع ثبوت إحصان من ثبت زناه منع ثبوت بلوغه لأنه يؤول إلى العقوبة وكذا بقية ما يعتبر في الإحصان .
قال البلقيني وكذا لا تقبل الشهادة على الشهادة بلعان الزوج إذا أنكرته المرأة لم يترتب عن لعانه من إيجاد الحد على المرأة إذا لم تلعن وكذا الشهادة على الشهادة بانتقاض عهد الذمي ليخير الإمام فيه بين أمور فيها القتل والشهادة على الشهادة على الإمام باختيار القتل وعلى الحاكم الذي حكم بقتل من نزل على حكمه من الرجال المكلفين وعلى الحاكم بإيجاد الحد على الزاني .
فرع يجوز إشهاد الفرع .
على شهادته كما يفهم من إطلاق المتن وصرح به الصيمري وغيره .
وتحملها .
أي الشهادة له أسباب ثلاثة السبب الأول ما ذكره بقوله " بأن يسترعيه " الأصل أي يلتمس منه رعاية الشهادة وحفظها لأن الشهادة على الشهادة نيابة فاعتبر فيه الإذن .
فيقول .
الأصل للفرع " أنا شاهد بكذا " أي بأن لفلان على فلان كذا " وأشهدك " على شهادتي أو أشهدتك على شهادتي .
أو .
يقول " أشهد على شهادتي " أو إذا شهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد به .
قال في أصل الروضة ولا يشترط أن يقول في الاسترعاء أشهدك على شهادتي وعن شهادتي لكنه أتم فقوله أشهدك على شهادتي تحميل وقوله وعن شهادتي إذن في الأداء كأنه قال أدها عني .
تنبيه : .
ليس استرعاء الأصل شرطا كما يفهم كلامه بل متى صح الاسترعاء لم يختص التحمل بالمسترعي بل له ولمن سمع ذلك أن يشهد على الشهادة المذكورة .
وأفهم كلامه أنه يشترط لفظ الشهادة وهو كذلك فلا يكفي أعلمك وأخبرك بكذا ونحوهما كما لا يكفي في أداء الشهادة عند القاضي .
السبب الثاني ما ذكره بقوله " أو " بأن " يسمعه ويشهد عند قاض " أن لفلان على فلان كذا فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه كما أن للقاضي ذلك قبل الحكم لأنه إنما شهد عند القاضي بعد تحقيق الوجوب .
السبب الثالث ما ذكره بقوله " أو " بأن يسمعه " يقول أشهد أن لفلان على فلان ألفا عن ثمن مبيع أو غيره " كقرض فإذا بين سبب الشهادة جاز لمن سمعه أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه لأن إسناده إلى السبب يرفع احتمال الوعد والتساهل .
وفي هذا .
السبب الأخير " وجه " أنه لا يكفي لاحتمال التوسع فيه وحكاه الإمام عن الإكثرين وصححه البلقيني .
تنبيه : .
كلامه يشعر بأن ما قبل الأخير وهو الشهادة عند قاض لا خلاف فيه وليس مرادا بل فيه وجه بعدم الكفاية أيضا .
وورد على حصره الأسباب فيما ذكره صور منها ما إذا سمعه يؤدي عند المحكم كما قاله القاضي والإمام ولم يفصلا بين أن يقول بجواز التحكيم أو لا وبه صرح الفوراني و البغوي وجرى عليه الشيخان لأنه لا يشهد عنده إلا وهو جازم بما يشهد به .
وينبغي كما قال ابن شهبة الاكتفاء بأداء الشهادة عند أمير أو وزير ( 4 / 454 ) بناء على تصحيح المصنف وجوب أدائها عنده على ما مر لأن الشاهد لا يقدم على ذلك عند الوزير إلا وهو جازم بثبوت المشهود به قال البلقيني وكذا إذا شهد عند الكبير الذي دخل في القضية بغير تحكيم ويجوز تحمل الشهادة على المقر وإن لم يسترعه وعلى الحاكم إذا قال في محل حكمه حكمت بكذا وإن لم يسترعه وألحق به البغوي إقراره بالحكم .
ومنها لو كان حاكما أو محكما فشهدا عنده ولم يحكم جاز له أن يشهد على شهادتهما لأنه إذا جاز لغيره أن يشهد عليهما بذلك فهو أولى .
ولا يكفي .
جزما " سماع قوله " أي الأصل " لفلان على فلان كذا أو أشهد بكذا أو عندي شهادة بكذا " ونحو ذلك من صور الشهادة التي في معرض الأخبار لاحتمال أن يريد أن له عليه ذلك من جهة وعد وعده إياه ويشير بكلمة على إلا أن مكارم الأخلاق تقتضي الوفاء بها .
وليبين .
الشاهد " الفرع عند الأداء " للشهادة " جهة التحمل " فإن استرعاه الأصل قال أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وإن لم يسترعه بين أنه شهد عند القاضي أو المحكم أو أنه أسند المشهود به إلى سببه ليكون مؤديا لها على الوجه الذي تحملها به فيعرف القاضي صحتها وفسادها إذ الغالب على الناس الجهل بجهة التحمل .
فإن لم يبين .
جهة التحمل كقوله أشهد على شهادة فلان بكذا " ووثق القاضي بعلمه " بمعرفة شرائط التحمل " فلا بأس " بذلك لحصول الغرض به ولكن يندب أن يسأله بأي سبب ثبت هذا المال وهل أخبرك به الأصل أو لا ونازع البلقيني في الاكتفاء بذلك وقال إنه مخالف لإطلاق الأصحاب .
ثم شرع المصنف C تعالى في صفة شاهد الأصل وما يطرأ عليه فقال " ولا يصح التحمل على شهادة " شخص " مردود الشهادة " بفسق أو غيره كرق لأنه غير مقبول الشهادة .
تنبيه : .
شمل إطلاقه ما لو ردت شهادته مطلقا أو بالنسبة لتلك الواقعة كما لو شهد فردت شهادته ثم أعادها فلا يصح تحملها وإن كان كاملا في غيرها لأنه لو أعادها بنفسه لم تقبل وهو ظاهر " ولا تحمل النسوة " أي لا تقبل شهادتهن على شهادة غيرهن وإن كانت الأصول أو بعضهم نساء وكانت الشهادة في ولادة أو رضاع أو مال لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل لا ما شهد به .
تنبيه : .
لم يصرح في المحرر بهذه المسألة .
وقال المصنف في الدقائق ليست بزيادة محضة فإنها تفهم من قول المحرر قبل هذا أن ما ليس المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال غالبا لا يثبت إلا برجلين انتهى .
ولا يصح أيضا تحمل الخنثى المشكل فإن بانت ذكورته صح تحمله .
ولو تحمل فرع واحد عن أصل فيما يثبت بشاهد ويمين فأراد ذو الحق أن يحلف مع هذا الفرع لم يجز لأن شهادة الأصل لا تثبت بشاهد ويمين ولو شهد على أصل واحد فرعان فله الحلف معهما قاله الماوردي .
فإن مات الأصل أو .
حدث به مانع لا يقدح كأن " غاب أو مرض لم يمنع " ذلك " شهادة الفرع " أي أداءها لأنه محلها كما سيأتي بشرطه وذكر هنا توطئة لما بعده " وإن حدث " بالأصل مانع قادح وهو " ردة أو فسق أو عداوة " أو نحو ذلك " منعت " هذه القوادح وما أشبههما شهادة الفرع لأن هذه الأمور لا تهجم دفعة واحدة بل الفسق يورث الريبة فيما تقدم والردة تشعر بخبث في العقيدة والعداوة بضغائن كانت مستكنة وليس لمدة ذلك ضبط فيعطف إلى حالة التحمل .
تنبيه : .
لو حدث الفسق أو الردة بعد الشهادة وقبل الحكم امتنع الحكم وهذا مما يلغز به فيقال عدلان شهدا بشيء عند القاضي وقبلت شهادتهما ثم امتنع عليه الحكم بشهادتهما لفسق غيرهما ولا أثر لحدوث ذلك بعد القضاء ( 4 / 455 ) كذا في الروضة وأصلها قال البلقيني وهو مقيد في الفسق والردة بأن لا يكون في حد لآدمي أو قصاص لم يستوف فإن وجد بعد الحكم وقبل الاستيفاء لم يستوف كالرجوع بخلاف حدوث العداوة بعد الحكم أو قبله وبعد الأداء فإنه لا يؤثر .
وجنونه .
أي الأصل إذا كان مطبقا وخرسه وعماه " كموته " فتقبل شهادة الفرع " على الصحيح " لأن ذلك لا يوقع ريبة في الماضي .
والثاني يمنع كالفسق .
تنبيه : .
كالجنون الإغماء إلا أن يكون المغمى عليه حاضرا فلا يشهد الفرع بل ينتظر زوال الإغماء لقرب زواله قاله الإمام وأقره .
قال الرافعي وقضيته أن يلحق به كل مرض يتوقع قرب زواله .
قال المصنف والصواب الفرق لبقاء أهلية المريض بخلاف المغمى عليه انتهى .
واعترضه الأذرعي بأنه إذا انتظرنا إفاقة المغمى عليه مع عدم أهليته فانتظار المريض الأهل أولى بلا شك .
ولو تحمل فرع فاسق .
أو كافر " أو عبد أو صبي فأدى وهو كامل " بعدالة في الأول وإسلام في الثاني وحرية في الثالث وبلوغ في الرابع " قبلت " حينئذ شهادته على الصحيح كالأصل إذا تحمل وهو ناقص ثم أدى بعد كماله .
تنبيه : .
لا بد من عدد الفرع ولو كانت الشهادة مما يقبل فيها الواحد كهلال رمضان .
ويكفي شهادة اثنين .
فرعين " على الشاهدين " الأصليين كما لو شهدا على مقرين .
والمراد أن يشهد كل من الفرعين على كل من الأصلين ولا يكفي واحد على هذا وواحد على الآخر قطعا وإن أوهم كلامه خلافه ولا يكفي أيضا أصل شهد مع فرع على الأصل الثاني لأن من قام بأحد شطري البينة لا يقوم بالآخر ولو مع غيره .
تنبيه : .
يكفي شاهدان على رجل وامرأتين لأنهما مقام رجل .
وفي قول .
صححه جمع " يشترط لكل رجل أو امرأة " من الأصول " اثنان " لأن شهادتهما على واحد قائمة مقام شهادته فلا تقوم مقام شهادة غيره .
وشرط .
شهادة الفرع في " قبولها تعذر أو تعسر الأصيل بموت أو عمى " لا تسمع معه شهادة الأعمى .
وهذان مثالان للتعذر ومثلهما الجنون المطبق والخرس الذي لا يفهم فلو قال كالموت كان أولى .
أو مرض يشق حضوره .
مشقة ظاهرة بأن يجوز لأجله ترك الجمعة وخوف من غريم وسائر أعذار الجمعة كما في أصل الروضة لأنها جوزت للحاجة .
قال الزركشي وما ذكر من ضابط المرض هنا نقله في أصل الروضة عن الإمام و الغزالي وهو بعيد نقلا وعقلا وبين ذلك ثم قال على أن إلحاقه سائر أعذار الجمعة بالمرض لا يمكن القول به على الإطلاق فإن أكل ماله ريح كريهة عذر في الجمعة ولا يقول أحد هنا بأن أكل شهود الأصل ذلك سوغ سماع الشهادة على شهادتهم .
وسبقه إلى ذلك الأذرعي .
وقد يقال المراد من ذلك ما يشق معه الحضور .
أو غيبة لمسافة عدوة وقيل .
لمسافة " قصر " لأن ما دونها في حكم البلد .
تنبيه : .
قوله لمسافة عدوى نسب فيه إلى سبق القلم وصوابه فوق مسافة العدوى كما هو في المحرر والروضة وغيرهما فإن المسوغ لشهادة الفرع غيبة الأصل فوق مسافة العدوى .
وقد تقدم في الفصل قبله أن من شروط وجوب الأداء أن يدعى من مسافة العدوى فكيف يقبل فيها شهادة الفرع مع وجوب الأداء على الأصل .
وليس ما ذكر هنا تكرارا مع ما مر من أن موت الأصل وغيبته ومرضه لا يمنع شهادة الفرع لأن ذاك في بيان طريان العذر وهذا في المسوغ للشهادة .
ويستثنى من شروط الغيبة شهود التزكية فإن أصحاب المسائل تقبل شهادتهم عند القاضي على شهادة المزكي مع حضور المزكين في البلد كما ذكراه في فصل التزكية وتقدم ما فيه .
ولو شهد الفرع في غيبة الأصل ثم حضر أو قال لا أعلم أني تحملت أو نسيت أو نحو ذلك لم يحكم بها لحصول القدرة على الأصل في الأولى والريبة فيما عداها أو بعد الحكم بها لم يؤثر ولو كذب به الأصل بعد القضاء لم ينقبض .
قال ابن الرفعة ويظهر أن يجيء تغريمهم والتوقف في استيفاء العقوبة ما يأتي في رجوع الشهود بعد القضاء .
قال الأذرعي وهو ظاهر إلا أن يثبت أنه كذبه قبله فينقض ( 4 / 456 ) قال الزركشي تفقها إلا إن ثبت أنه أشهده فلا ينقض .
واستثنى الشيخان بحثا من الأعذار ما يعم الأصل والفرع كالمطر والوحل الشديد فلا تسمع معه شهادة الفرع .
قال الإسنوي أخذا من كلام ابن الرفعة وهذا باطل فإن مشاركة غيره له لا تخرجه عن كونه عذرا في حقه فلو تجشم المشقة وحضر وأدى قبلت شهادته اه " .
وقد يجاب عن كلامهما بأن المراد من لا تسمع شهادة الفرع منه أي لا تلزمه فمن تجشم المشقة منهما وحضر وأدى قبلت فإن الشيخين لا يمنعان ذلك وحيث أمكن حمل العبارة على معنى صحيح ولو مع العبد كان أولى من حمله على كونه باطلا خصوصا من عظمت مرتبته في العلم .
و .
يشترط " أن يسمي الأصول " وإن كانوا عدولا ليعرف القاضي عدالتهم ويتمكن الخصم من الجرح إن عرفه .
تنبيه : .
شمل إطلاق المصنف ما لو كان الأصل قاضيا كما لو قال أشهدني قاض من قضاء مصر أو القاضي الذي بها ولم يسمه وليس بها سواه على نفسه في مجلس حكمه .
قال الأذرعي والصواب في وقتنا وجوب تعيين القاضي أيضا لما لا يخفى .
ولا يشترط .
في شهادة الأصول " أن يزكيهم الفروع " بل لهم إطلاق الشهادة والقاضي يبحث عن عدالة الأصول ولا يلزم الفرع أن يتعرض في شهادته لصدق أصله لأنه لا يعرف بخلاف ما إذا حلف المدعي مع شاهده حيث يتعرض لصدقه لأنه يعرف .
فإن زكوهم .
وهم أهل للتعديل غير متهمين " قبل " ذلك منهم .
فإن قيل لو شهد اثنان في واقعة وزكى أحدهما الآخر فإنه لا يثبت عدالة الثاني فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن تزكية الفروع للأصول من تتمة شهادتهم ولذلك شرط بعضهم التعرض لها وهناك قام الشاهد المزكي بأحدى شطري الشهادة فلا يصح قيامه بالثاني .
ولو شهدوا .
أي الفروع " على شهادة عدلين أو عدول " يذكرونهم " ولم يسموهم لم يجز " أي لم يكف لأن القاضي قد يعرف جرحهم لو سموهم ولأنه يسد باب الجرح على الخصم .
فإن قيل كان ينبغي ذكر هذه المسألة عقب قوله وأن يسمي الأصول .
أجيب بأنه إنما أخرها ليفيد أن تزكية الفروع للأصول وإن جازت فلا بد من تعيينهم بالاسم ولو قدمه لم يكن صريحا في ذلك .
تتمة لو اجتمع أصل وفرعا أصل آخر قدم عليهما في الشهادة كما لو كان معه ماء لا يكفيه يستعمله ثم يتيمم قاله صاحب الاستقصاء