" موجبه " بكسر الجيم خمسة أمور : .
أحدها : " موت " المسلم غير شهيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجنائز فاستغنى بذلك عن ذكره هنا لكن يرد على مفهومه السقط الذي لم تظهر أمارات حياته وظهر خلقه فإنه يجب غسله مع أنه لا يوصف بالموت - على القول الأصح في تعريفه - لأن الموت عدم الحياة ويعبر عنه بمفارقة الروح الجسد . وقيل : عدم الحياة عما ( 1 / 69 ) من شأنه الحياة . وقيل : عرض يضادها لقوله تعالى : ( خلق الموت والحياة ) . ورد بأن المعنى : قدر والعدم مقدر . فإن قيل : عدم الموت من الموجبات مشكل لأنه إن كان المراد الغسل ولو مع خلوه عن النية لزم أن يعدوا من تنجس جميع بدنه أو بعضه واشتبه ولم يعدوه وإن أريد الغسل الذي تجب فيه النية لزم خروج الميت فإنه لا يجب في غسله نية على الأصح . أجيب بجوابين : .
أحدهما : أن المراد الشق الأول والكلام في الغسل عن الأحداث فخرج من على بدنه نجاسة ودخل غسل الميت على رأي أنه عن حدث . والثاني : أن المراد الشق الأول ومنع عد تنجس البدن من الموجبات لأن الواجب إنما هو إزالة النجاسة حتى لو فرض كشط جلده حصل المقصود . " .
و " ثانيها : " حيض " لقوله تعالى : ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) أي الحيض ولخبر البخاري : أنه A قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ) . " .
و " ثالثها : " نفاس " لأنه دم حيض مجتمع . ويعتبر مع خروج كل منهما وانقطاعه القيام إلى الصلاة أي أو نحوها كما في الرافعي و " التحقيق " وإن صحح في " المجموع " أن موجبه الانقطاع فقط . وظاهر قول المصنف بعد ذلك : " وجنابة بدخول حشفة إلخ " أن الموجب الإيلاج أو الإنزال ويجري ذلك في دم الحيض والنفاس والمعتمد الأول . فإن قيل : هل لهذا الخلاف ثمرة فقهية ؟ قال إمام الحرمين : لا . وقال غيره : نعم وهي فيما إذا قال لزوجته : إن وجب عليك غسل فأنت طالق وذكر له فوائد أخر لكن على ضعف .
ورابعها ما ذكره بقوله : " وكذا ولادة " ولو علقة أو مضغة " بلا بلل في الأصح " لأنه مني منعقد ولأنه لا يخلو عن بلل غالبا فأقيم مقامه كالنوم مع الخارج وتفطر به المرأة على الأصح في " التحقيق " وغيره بخلاف ما لو ألقت يدا أو رجلا أو نحو ذلك فإنه لا يجب عليها الغسل ولا تفطر به أي بل تتخير بين الغسل والوضوء فيما يظهر . " .
و " خامسها : " جنابة " لقوله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) . وتحصل لآدمي حي فاعل أو مفعول به " بدخول حشفة " ولو بلا قصد أو كان الذكر أشل أو غير منتشر " أو قدرها " من مقطوعها " فرجا " ولو غير مشتهى كأن كان من بهيمة أو ميتة أو دبر ذكر أو كان على الذكر خرقة ملفوفة ولو غليظة أما في فرج المرأة فلقوله A : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل ) رواه مسلم . وأما الأخبار الدالة على اعتبار الإنزال كخبر : ( إنما الماء من الماء ) فمنسوخة . وأجاب ابن عباس Bهما بأن معناه : أنه لا يجب الغسل بالاحتلام إلا أن ينزل وذكر الختان جرى على الغالب فيجب الغسل بجميع ما ذكر لأنه جماع في فرج . وليس المراد بالتقاء الختانين انضمامهما لعدم إيجابه الغسل بالإجماع بل تحاذيهما يقال : التقى الفارسان إذا تحاذيا وإن لم ينضما وذلك إنما يحصل بإدخال الحشفة في الفرج إذ الختانان محل القطع في الختان وختان المرأة فوق مخرج البول ومخرج البول فوق مدخل الذكر .
ولو أولج حيوان قرد أو غيره في آدمي ولا حشفة له فهل يعتبر إيلاج كل ذكره أو إيلاج قدر حشفة معتدلة ؟ قال الإمام : فيه نظر موكول إلى رأي الفقيه ا . ه . وينبغي اعتماد الثاني .
ويجنب صبي ومجنون أولجا أو أولج فيهما ويجب عليهما الغسل بعد الكمال وصح من مميز ويجزئه ويؤمر به كالوضوء .
وإيلاج الخنثى وما دون الحشفة لا أثر له في الغسل وأما الوضوء فيجب على المولج فيه بالنزع من دبره مطلقا ومن قبل أنثى .
وإيلاج الحشفة بالحائل جار في سائر الأحكام كإفساد الصوم والحج ويخير الخنثى بين الوضوء والغسل بإيلاجه في دبر ذكر لا مانع من النقض بلمسه أو في دبر خنثى أولج ذكره في قبل المولج لأنه إما جنب بتقدير ذكورته فيهما وأنوثته وذكورة الآخر في الثانية أو محدث بتقدير أنوثته فيهما مع أنوثة الآخر في الثانية فخير بينهما لما سيأتي فيمن اشتبه عليه المني بغيره .
وكذا يخير الذكر إذا أولج الخنثى في دبره ولا مانع من النقض كما هو مقتضى كلام الشيخين في باب الوضوء وإن صوب البلقيني وجوب الوضوء على الذكر وتخيير الخنثى . أما إيلاجه في قبل خنثى أو في دبره ولم يولج الآخر في قبله فلا يوجب عليه شيئا .
ولو أولج رجل في قبل خنثى فلا يجب عليهما غسل ولا وضوء لاحتمال أنه رجل فإن أولج ذلك الخنثى في واضح آخر أجنب يقينا وحده لأنه جامع أو جومع فيه بخلاف الآخرين لا جنابة عليهما وأحدث الواضح الآخر بالنزع منه .
أما لو أولج الخنثى في الرجل المولج فإن كلا منهما يجنب . ومن أولج أحد ذكريه أجنب إن كان يبول به وحده ولا أثر للآخر في نقض الطهارة إذا لم يكن على سننه فإن كان ( 1 / 70 ) على سننه أو كان يبول بكل منهما أو لا يبول بواحد منهما وكان الانسداد عارضا أجنب بكل منهما . " .
و " يحصل أيضا " بخروج مني " بتشديد الياء وسمع تخفيفها : أي مني الشخص نفسه الخارج منه أول مرة من رجل أو امرأة وإن لم يجاوز فرج الثيب بل وصل إلى ما يجب غسله في الاستنجاء . أما البكر فلا بد من بروزه إلى الظاهر كما أنه في حق الرجل لا بد من بروزه عن الحشفة والأصل في ذلك خبر مسلم : ( إنما الماء من الماء ) وخبر الصحيحين عن أم سلمة قالت : جاءت أم سليم إلى رسول الله A فقالت : إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ قال : ( نعم إذا رأت الماء ) .
أما الخنثى المشكل إذا خرج المني من أحد فرجيه فلا غسل عليه لاحتمال أن يكون زائدا مع انفتاح الأصلي فإن أمنى منهما أو من أحدهما وحاض من الآخر وجب عليه الغسل .
ولا فرق في وجوب الغسل بخروج المني بين أن يخرج " من طريقه المعتاد " وإن لم يكن مستحكما " وغيره " أي ومن غيره إذا كان مستحكما مع انسداد الأصلي وخرج من تحت الصلب فالصلب هنا كالمعدة في باب الحدث فيفرق بين الانسداد العارض والخلقي كما فرق هناك . هذا هو المعتمد كما صوبه في " المجموع " وإن أوهمت عبارة المصنف خلاف ذلك .
والصلب إنما يعتبر للرجل كما قاله في " المهمات " أما المرأة فما بين ترائبها وهي عظام الصدر قال تعالى : ( يخرج من بين الصلب والترائب ) أي صلب الرجل وترائب المرأة .
فإن خرج غير المستحكم من غير المعتاد كأن خرج لمرض فلا يجب الغسل به بلا خلاف كما في " المجموع " عن الأصحاب ولا بخروج مني غيره منه ولا بخروج منيه منه بعد استدخاله . " .
ويعرف " المني " بتدفقه " بأن يخرج بدفعات قال تعالى : ( من ماء دافق ) وسمي منيا لأنه يمنى أي يصب . " .
أو لذة " بالمعجمة " بخروجه " مع فتور الذكر وانكسار الشهوة عقبه وإن لم يتدفق لقلته أو خرج على لون الدم . " .
أو ريح عجين " لحنطة أو نحوها أو طلع كما في " المحرر " " رطبا أو " ريح " بياض بيض " لدجاج أو نحوه " جافا " وإن لم يلتذ ولم يتدفق كأن خرج باقي منيه بعد غسله أما إذا خرج من قبل المرأة مني جماعها بعد غسلها فلا تعيد الغسل إلا إن قضت شهوتها فإن لم يكن لها شهوة كصغيرة أو كان ولم تنقض كنائمة لا إعادة عليها .
فإن قيل إذا قضت شهوتها لم يتيقن خروج منيها ويقين الطهارة لا يرتفع بظن الحدث إذ حدثها وهو خروج منيها غير متيقن وقضاء شهوتها لا يستدعي خروج شيء من منيها كما قاله في " التوشيح " . أجيب : بأن قضاء شهوتها منزل منزلة نومها في خروج الحدث فنزلوا المظنة منزلة المئنة .
وخرج بقبل المرأة ما لو وطئت في دبرها فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل لم يجب عليها إعادة الغسل كما علم مما مر .
و " رطبا " و " جافا " حالان من المني . " .
فإن فقدت الصفات " المذكورة في الخارج " فلا غسل " عليه لأنه ليس بمني . فإن احتمل كون الخارج منيا أو غيره كودي أو مذي تخير بينهما على المعتمد فإن جعله منيا اغتسل أو غيره توضأ وغسل ما أصابه لأنه إذا أتى بمقتضى أحدهما بريء منه يقينا والأصل براءته من الآخر ولا معارض له بخلاف من نسي صلاة من صلاتين حيث يلزمه فعلهما لاشتغال ذمته بهما جميعا والأصل بقاء كل منهما . وقيل : يلزمه العمل بمقتضى كل منهما احتياطا قياسا على ما قالوه في الزكاة من وجوب الاحتياط بتزكية الأكثر ذهبا وفضة في الإناء المختلط منها إذا جهل قدر كل منهما . وصححه المصنف في رؤوس المسائل وقال في " المجموع " : إنه الذي يظهر رجحانه .
وأجاب الأول : بمنع القياس : لأن اليقين ثم ممكن بسبكه بخلافه هنا . وحيث أوجبنا الوضوء أو اختاره لزمه الترتيب وغسل ما أصابه وإذا اختاره أحدهما وفعله اعتد به فإن لم يفعله كان له الرجوع عنه وفعل الآخر إذ لا يتعين عليه باختياره . وإذا اختار أنه مني لا يحرم عليه قبل اغتساله ما يحرم على الجنب من المكث في المسجد وغيره للشك في الجنابة كما أفتى به شيخي قال : ولهذا من قال بوجوب الاحتياط بفعل مقتضى الحدثين لا يوجب عليه غسل ما أصاب ثوبه لأن الأصل طهارته . " .
والمرأة كرجل " بضم الجيم وإسكانها فيما مر من حصول الجنابة بالطريقين المارين ولو ( 1 / 71 ) استدخلت ذكرا مقطوعا أو قدر الحشفة منه لزمها الغسل كما في " الروضة " ومقتضاه أنه لا فرق بين استدخاله من رأسه أو أصله أو وسطه بجمع طرفيه .
قال الإسنوي : وفي ذلك نظر ا . ه . والظاهر كما قال شيخي : أن المعول على الحشفة حيث وجدت .
ومقتضى التشبيه أن منيها يعرف بالخواص المذكورة وهو قول الأكثرين . وقال إمام الحرمين و الغزالي : لا يعرف إلا بالتلذذ . وقال ابن الصلاح : لا يعرف إلا بالتلذذ والريح وجزم به المصنف في " شرح مسلم " . وقال السبكي : إنه المعتمد و الأذرعي : إنه الحق . والمعتمد الأول ويؤيده - كما قال ابن الرفعة - : قول المختصر : " وإذا رأت المرأة الماء الدافق " .
فرع : .
لو رأى في فراشه أو ثوبه ولو بظاهره منيا لا يحتمل أنه من غيره لزمه الغسل وإعادة كل صلاة لا يحتمل خلوها عنه ويستحب إعادة كل صلاة احتمل خلوها عنه لا إعادة الغسل فإنه لا تسن إعادته كما سيأتي .
وإن احتمل كونه من آخر نام معه في فراشه مثلا فإنه يستحب لهما الغسل والإعادة .
ولو أحس بنزول المني فأمسك ذكره فلم يخرج منه شيء فلا غسل عليه - كما علم مما مر - وصرح به في " الروضة "