وهو بذال معجمة ساكنة وحكي فتحها .
لغة الوعد بخير أو شر و شرعا الوعد بخير خاصة قاله الروياني و الماوردي .
وقال غيرهما التزام قربة لم تتعين كما يعلم مما يأتي وذكره المصنف عقب الأيمان لأن كلا منهما عقد يعقد المرء على نفسه تأكيدا لما التزمه ولأنه يتعلق بالنذر كفارة ككفارة اليمين في الجملة .
والأصل فيه آيات كقوله تعالى " وليوفوا نذورهم " وقوله تعالى " يوفون بالنذر " وأخبار كخبر البخاري من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وخبر مسلم لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم .
تنبيه : .
اختلفوا هل النذر مكروه أو قربة نقل الأول عن النص وجزم به المصنف في مجموعه لخبر الصحيحين أنه A نهى عنه وقال إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل ونقل الثاني عن القاضي و المتولي و الغزالي وهو قضية قول الرافعي النذر تقرب فلا يصح من الكافر وقول المصنف في مجموعه في كتاب الصلاة النذر عمدا في الصلاة لا يبطلها في الأصح لأنه مناجاة لله تعالى .
فهو يشبه قوله سجد وجهي للذي خلقه وصوره .
قال في المهمات ويعضده النص وهو قوله تعالى " وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه " أي يجازى عليه والقياس وهو أنه وسيلة إلى القربة وللوسائل حكم المقاصد وأيضا فإنه يثاب عليه ثواب الواجب كما قاله القاضي الحسين وهو يزيد على النفل سبعين درجة كما في زوائد الروضة في النكاح عن حكاية الإمام والنهي محمول على من ظن أنه لا يقوم بما التزمه أو أن للنذر تأثيرا كما يلوح به الخبر أو على المعلق بشيء .
وقال الكرماني المكروه التزام القربة إذ ربما لا يقدر على الوفاء .
وقال ابن الرفعة الظاهر أنه قربة في نذر التبرر دون غيره اه " .
هذا أوجه .
وأركان النذر ثلاثة ناذر وصيغة ومنذور .
وسكت المصنف عن الأولين أما الناذر فيشترط فيه التكليف والإسلام والاختيار ونفوذ التصرف فيما بنذره فلا يصح من غير مكلف كصبي ومجنون لعدم أهليتهما للالتزام إلا السكران فإنه يصح منه وإن كان غير مكلف عند المصنف كما مر بيانه في كتاب الطلاق لصحة تصرفه ولا يصح من كافر لعدم أهليته للقربة أو التزامها وإنما صح وقفه وعتقه ووصيته وصدقته من حيث إنها عقود مالية ( 4 / 355 ) لا قربة ولا مكره لخبر رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولا ممن لا ينفذ تصرفه فيما ينذره كنذر السفيه القرب المالية لعينيه كعتق هذا العبد ويصح من المحجور عليه بسفه أو فلس في القرب البدنية ولا حجر عليهما في الذمة فيصح نذرهما المالي فيهما لأنهما إنما يؤديان بعد فك الحجر عنهما ويصح نذر الرقيق المال في ذمته ولو بغير إذن سيده كما اقتضاه كلامهم .
فإن قيل ينبغي أن لا يصح كما قاله ابن الرفعة كما لا يصح ضمانه في ذمته بغير إذن سيده .
أجيب بأن المغلب في النذر حق الله تعالى إذ لا يصح إلا في قربة بخلاف الضمان والأصح انعقاد نذره الحج .
قال ابن الرفعة ويشبه أن غير الحج كذلك وأما الصيغة فيشترط فيها لفظ يشعر بالتزام فلا ينعقد بالنية كسائر العقود وتنعقد بإشارة الأخرس المفهمة وينبغي كما قال شيخنا انعقاده بكناية الناطق مع النية .
قال الأذرعي وهو أولى بالانعقاد بها مع البيع .
وهو .
أي النذر " ضربان " أحدهما " نذر لجاج " بفتح أوله بخطه وهو التمادي في الخصومة وسمي بذلك لوقوعه حال الغضب ويقال له يمين اللجاج والغضب ويمين الغلق ونذر الغلق بفتح الغين واللام والمراد به ما خرج مخرج اليمين بأن يقصد الناذر منع نفسه أو غيرها من شيء أو يحث عليه أو يحقق خيرا أو غضبا بالتزام قربة " كان كلمته " أي زيدا مثلا أو إن لم أكلمه أو إن لم يكن الأمر كما قلته " فلله علي " أو فعلي " عتق أو صوم " أو نحوه كصدقة وحج وصلاة " وفيه " عند وجود المعلق عليه " كفارة يمين " لقوله A كفارة النذر كفارة يمين رواه مسلم .
ولا كفارة في نذر التبرر قطعا فتعين أن يكون المراد به اللجاج وروى ذلك عن عمر و عائشة و ابن عباس و ابن عمر و حفصة و أم سلمة Bهم " وفي قول " يجب على الناذر في " ما التزم " لقوله A من نذر وسمى فعليه ما سمى ولأنه التزم عبادة عند مقابلة شرط فتلزمه عند وجوده " وفي قول أيهما " أي الأمرين " شاء " أي الناذر فيختار واحدا منهما من غير توقف على قوله اخترت حتى لو اختار معينا منهما لم يتعين وله العدول إلى غيره " قلت " هذا " الثالث " كما قال الرافعي في الشرح " أظهر ورجحه العراقيون " بل لم يورد أبو الطيب منهم غيره " والله أعلم " لأنه يشبه النذر من حيث أنه التزام قربة واليمين من حيث المنع ولا سبيل إلى الجمع بين موجبيهما ولا إلى تعطيلهما فوجب التخيير .
تنبيه : .
قضية قول المصنف فلله علي عتق أو صوم أن نذر اللجاج لا بد فيه من التزام قربة وبه صرح في المحرر لكن الصحيح في أصل الروضة فيما لو قال إن دخلت الدار فلله علي أن آكل الخبز في صور اللجاج وأنه يلزمه كفارة يمين لكن هنا إنما يلزمه كفارة يمين فقط لأنه إنما يشبه اليمين لا النذر لأن المعلق غير قربة ومثل بالعتق والصوم ليفهم أنه لا فرق في الملتزم بين المالي والبدني والعتق لا يحلف به إلا على وجه التعليق والالتزام كقوله إن فعلت كذا فعلي عتق فتجب الكفارة ويتخير بينها وبين ما التزمه فلو قال العتق يلزمني لا أفعل كذا ولم ينو التعليق لم يكن يمينا فلو قال إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق العبد قطعا أو قال والعتق أو والطلاق بالجر لا أفعل كذا لم تنعقد يمينه ولا حنث عليه إن فعله وتعبيره بأو ليس بقيد بل لو عطف بالواو فقال إن كلمته فلله علي صوم وعتق وحج وأوجبنا الكفارة فواحدة على المذهب أو الوفاء بما التزمه لزمه الكل .
ولو قال إن دخلت .
الدار " فعلي كفارة يمين أو " كفارة " نذر لزمته كفارة بالدخول " في الصورتين وهي كفارة يمين .
أما الأولى فبالاتفاق تغليبا لحكم اليمين وأما الثانية فلخبر مسلم السابق .
واحترز بقوله فعلي كفارة يمين عما إذا قال فعلي يمين فإنه يكون لغوا على الأصح لأنه لم يأت بصيغة النذر ولا الحلف وليست اليمين مما يلتزمه في الذمة .
تنبيه : .
قوله أو نذر معطوف على يمين كما قدرت كفارة في كلامه ولا يصح أن يكون معطوفا على كفارة كما توهمه بعضهم نبه عليه شيخنا في شرح منهجه فإنه لو قال فعلي نذر صح ويتخير بين قربة وكفارة يمين ونص ( 4 / 356 ) البويطي يقتضي أنه لا يصح ولا يلزمه شيء فلو كان ذلك في نذر التبرر كأن قال إن شفي الله مريضي فعلي نذر أو قال ابتداء فلله علي نذر لزمه قربة من القرب والتعيين إليه كما ذكره البلقيني .
و .
الضرب الثاني " نذر تبرر " وهو تفعل من البر سمي بذلك لأن الناذر طلب به البر والتقرب إلى الله تعالى وهو نوعان كما في المتن .
أحدهما نذر المجازاة وهو المعلق بشيء " بأن يلتزم " الناذر " قربة إن حدثت " له " نعمة أو ذهبت " عنه " نقمة كإن شفي مريضي " أو ذهب عني كذا " فلله علي أو فعلي كذا " من عتق أو صوم أو نحوه " فيلزمه ذلك إذا حصل المعلق عليه " لقوله تعالى " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " وقد ذم الله أقواما عاهدوا ولم يوفوا فقال " ومنهم من عاهد الله " الآية وللحديث المار من نذر أن يطيع الله فليطعه .
تنبيه : .
أطلق المصنف النعمة وخصصها الشيخ أبو محمد بما يحصل على نذور فلا يصح في النعم المعتادة كما لا يستحب سجود الشكر لها .
قال الإمام ووافقه طائفة من الأصحاب لكن القاضي الحسين طرده في كل مباح وهو أفقه اه " .
وخرج بالحدوث استمرار النعمة وهو قياس سجود الشكر كما قاله الزركشي وهذا يؤيد ما قاله الشيخ أبو محمد .
ويجوز تقديم المنذور على حصول المعلق عليه إن كان ماليا كما قالاه في الباب الثاني من أبواب الأيمان وإن كانا صححا عدم الجواز في باب تعجيل الزكاة .
فرع لو نذر شيئا .
إن شفى الله مريضه فشفي ثم شك هل نذر صدقة أو عتقا أو صلاة أو صوما قال البغوي في فتاويه يحتمل أن يقال عليه الإتيان بجميعها كمن نسي صلاة من الخمس ويحتمل أن يقال يجتهد بخلاف الصلاة لأنا تيقنا هناك وجوب الكل عليه فلا يسقط إلا باليقين وهنا تيقنا أن الجميع لم يجب عليه إنما وجب شيء واحد واشتبه فيجتهد كالأواني والقبلة اه " .
وهذا أوجه .
ثم شرع في النوع الثاني من الضرب الثاني بقوله " وإن لم يعلقه " الناذر " بشيء كلله " أي كقوله ابتداء الله " على صوم أو حج أو غير ذلك لزمه " ما التزمه " في الأظهر " لعموم الأدلة المتقدمة والثاني لا لعدم العوض .
تنبيه : .
لو علق النذر بمشيئة الله تعالى أو مشيئة زيد لم يصح وإن شاء زيد لعدم الجزم اللائق بالقرب .
نعم إن قصد بمشيئة الله التبرك أو وقع حدوث مشيئة زيد نعمة مقصودة كقدوم زيد في قوله إن قدم زيد فعلي كذا فالوجه الصحة كما صرح به الأذرعي في الأولى وشيخنا في الثانية " .
فائدة : .
الصيغة إن احتملت نذر اللجاج ونذر التبرع رجع فيها إلى قصد الناذر فالمرغوب فيه تبرر والمرغوب عنه لجاج وضبطوا ذلك بأن الفعل إما طاعة أو معصية أو مباح والالتزام في كل منها تارة يتعلق بالإثبات وتارة بالنفي فالإثبات في الطاعة كقوله إن صليت فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن وفقني الله للصلاة فعلي كذا واللجاج بأن يقال له صل فيقول لا أصلي وإن صليت فعلي كذا والنفي في الطاعة كقوله وقد منع من الصلاة إن لم أصل فعلي كذا لا يتصور إلا لجاجا فإنه لا يبر في ترك الطاعة والإثبات في المعصية كقوله وقد أمر بشرب الخمر إن شربت الخمر فعلي كذا يتصور لجاجا فقط والنفي في المعصية كقوله إن لم أشرب الخمر فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن عصمني الله من الشرب فعلي كذا واللجاج بأن يمنع من الشرب فيقول إن لم أشرب فعلي كذا يريد إن أعانني الله على كسر شهوتي فعلي كذا وفي الإثبات كقوله إن أكلت كذا فعلي كذا يريد إن يسر الله لي فعلي كذا .
واللجاج في النفي كقوله وقد منع من أكل الخبز إن لم آكله فعلي كذا وفي الإثبات كقوله وقد أمر بأكله وإن أكلته فعلي كذا .
ثم شرع في الركن الثالث وهو المنذور وبين حكمه بقوله " ولا يصح نذر معصية " كالقتل والزنا وشرب الخمر لحديث لا نذر في معصية الله تعالى رواه مسلم ولخبر البخاري المار من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن ( 4 / 357 ) نذر أن يعصي الله فلا يعصه فلا تجب كفارة إن حنث "