لو حلف لا يشم بفتح الشين المعجمة وحكى ضمها الريحان بفتح الراء حنث بشم الضميران وهو بفتح الضاد المعجمة وإسكان الياء التحتية وضم الميم الريحان الفارسي لانطلاق الاسم عليه حقيقة وإن شم الورد والياسمين لم يحنث لأنه مشموم لا ريحان ومثله البنفسج والنرجس والزعفران ولو حلف على ترك ( 4 / 343 ) المشموم حنث بذلك دون المسك والكافور والعنبر لأنها طيب لا مشموم ولو حلف على الورد والبنفسج لم يحنث بدهنهما و " لو حلف لا يأكل هذه الثمرة " المعينة " فاختلطت بتمر فأكله إلا تمرة " .
قال الصيمري أو أكل الغراب مثلا منه واحدة " لم يحنث " لاحتمال أن تكون المتروكة هي المحلوف عليها والأصل براءة ذمته من الكفارة والورع أن يكفر لاحتمال أنها غير المحلوف عليها فإن علم أنه أكلها أو أكل الكل حنث .
قال القفال ويحنث بآخر تمرة يأكلها حتى لو كان الحلف بالطلاق فالعدة من حينئذ لا من وقت اشتغاله بالأكل .
تنبيه : .
كلامه يوهم أنه لو أكله إلا بعض تمرة أنه يحنث وليس مرادا فلو ذرها لعلم منها حكم ترك جميع التمرة من باب أولى .
أو .
حلف " ليأكلنها " أي التمرة المعينة " فاختلطت " بتمر كله " لم يبر إلا بالجميع " لاحتمال أن تكون المتروكة هي المحلوف عليها .
أما إذا لم تخلط به كله كأن وقعت في جانب من الصبرة فأكل ذلك الجانب بر كما قاله الإمام ويقاس على ذلك ما إذا كانت التمرة متميزة عن أكثر التمر وهناك قليل يشبهها بر بأكل جميع ما يشبهها والضابط حصول اليقين بأكلها " أو " حلف " ليأكلن هذه الرمانة فإنما يبر بجميع حبها " لتعلق يمينه بالجميع ولهذا لو قال لا آكلها فترك منها حبة لم يحنث " أو " حلف " لا يلبس هذين الثوبين " وأطلق " لم يحنث بأحدهما " لأن الحلف عليهما فإن نوى أن لا يلبس منهما شيئا حنث بأحدهما كما نص عليه في الأم .
ولو أتى بواو العطف بدلا عن التثنية كما لو قال لا ألبس هذا الثوب وهذا الثوب كان الحكم كذلك " فإن لبسهما معا " أي في مدة واحدة " أو مرتبا " بأن لبس أحدهما ثم قلعه ثم لبس الآخر " حنث " لوجود المحلوف عليه .
تنبيه : .
قد استعمل المصنف معا للاتحاد في الزمان وفاقا لثعلب وغيره لكن الراجح عند ابن مالك خلافه وقد مرت الإشارة إلى ذلك في كتاب الجراح .
أو .
قال في حلفه أنه " لا ألبس هذا ولا هذا حنث بأحدهما " لأنهما يمينان حتى لو حنث في أحدهما بقيت اليمين منعقدة على فعل الآخر حتى إذا وجد كفر أخرى لأن إدخال حرف العطف وتكرير لا بينهما يقتضي ذلك .
ويخالف ما لو حذف لا فإنه لا يحنث إلا بالجميع كما مر لتردده بين جعلهما كالشيء الواحد والشيئين والأصل براءة الذمة وعدم الحنث فإذا أدخل لا فلا بد من فائدة وليس إلا إفراد كل منهما باليمين فحملت عليه ولذا قال النحاة إن النفي بلا لنفي كل واحد .
ودونها لنفي المجموع .
فروع لو حلف لا يلبس شيئا فلبس درعا وهي من الحديد مؤنثة عند الجمهور وحكى أبو عبيدة و الجوهري فيها التذكير والتأنيث هذا في درع الرجل وأما درع المرأة فمذكر باتفاق أو جوشنا بفتح الجيم والشين المعجمة أو خفا أو نعلا وهي مؤنثة أو خاتما أو قلنسوة أو نحوها من سائر ما يلبس حنث لصدق الاسم بذلك .
وفرق بعضهم بين الدرع والجوشن بأن الأول سابغ كله والثاني إلى نصف الفخذ وإلى نصف العضد وإن حلف لا يلبس ثوبا حنث بقميص ورداء وسراويل وجبة وقباء ونحوها مخيطا كان أو غيره من قطن وكتان وصوف وإبريسم سواء لبسه بالهيئة المعتادة أم لا بأن ارتدى أو اتزر بالقميص أو تعمم بالسراويل لتحقق اسم اللبس والثوب لا بالجلود والقلنسوة والحلي لعدم اسم الثوب .
نعم إن كان من ناحية يعتادون لبس الجلود ثيابا فيشبه كما قال الأذرعي أنه يحنث بها ولا يحنث بوضع الثوب على رأسه ولا بافتراشه تحته ولا بتدثره لأن ذلك لا يسمى لبسا وإنما حرم افتراش الحرير لأنه نوع استعمال فكان كسائر أنواع الاستعمال .
وإن حلف على رداء أنه لا يلبسه ولم يذكر الرداء في يمينه بل قال لا ألبس هذا الثوب فقطعه قميصا ولبسه حنث لأن اليمين على لبسه ثوبا فحمل على العموم كما لو حلف لا يلبس قميصا منكرا أو معرفا كهذا القميص فارتدى أو اتزر به حنث لتحقق اسم اللبس والقميص .
وقد مر نظيره في الحلف على لبس الثوب لا إن ارتدى أو اتزر به بعد فتقه لزوال اسم القميص فلو أعاده على هيئته الأولى فكالدار ( 4 / 344 ) المعادة بنقضها وقد مر حكمها ولو قال لا ألبس هذا الثوب وكان قميصا أو رداء فجعله نوعا آخر كسراويل حنث بلبسه لتعلق اليمين بعين ذلك الثوب إلا أن ينوي ما دام بتلك الهيئة أو لا ألبس هذا القميص أو الثوب قميصا فارتدى به أو اتزر أو تعمم لم يحنث لعدم صدق الاسم بخلاف ما لو قال لا ألبسه وهو قميص وإن حلف لا يلبس حلية فلبس خاتما أو مخنقة لؤلؤ وهي بكسر الميم وتخفيف النون مأخوذة من الخناق بضم الخاء وتخفيف النون والمخنق بفتح الخاء والنون المشددة موضع المخنقة من العنق أو تحلى بالحلي المتخذ من الذهب والفضة والجواهر ولو منطقة محلاة وسوارا وخلخالا ودملجا سواء أكان الحالف رجلا أو امرأة حنث لأن ذلك يسمى حليا ولا يحنث بسيف محلى لأنه ليس حليا ويحنث بالخرز والسبج بفتح المهملة والموحدة والجيم وهو الخرز الأسود وبالحديد والنحاس إن كان من قوم يعتادون التحلي بها كأهل السودان وأهل البوادي وإلا فلا كما يؤخذ من كلام الروياني .
ولو حلف لا يلبس خاتما فجعله في غير خنصره من أصابعه حنثت المرأة دون الرجل كما جزم به ابن الرفعة وتبعه ابن المقري في روضه وقيل يحنث مطلقا .
قال الأذرعي وهو الراجح لوجود حقيقة اللبس وصدق الاسم .
قال والظاهر أنه لا فرق بين لبسه في الأنملة العليا أو الوسطى أو السفلى .
أو .
حلف " ليأكلن ذا الطعام غدا فمات قبله " أي الغد " فلا شيء عليه " لأنه لم يبلغ زمن البر والحنث " وإن مات أو تلف الطعام " أو بعضه " في الغد " في المسألتين " بعد تمكنه من أكله حنث " لأنه فوت البر على نفسه باختياره " و " إن تلف " قبله " أي التمكن ففي حنثه " قولان كمكره " أظهرهما عدم الحنث لأن فوت البر ليس باختياره .
تنبيه : .
حيث قالوا قولي المكره أرادوا به ما إذا حلف باختياره ثم أكره على الحنث .
أما إذا أكره على الحلف لا يحنث قطعا وشمل قول المصنف قبله صورتين الأولى ما إذا تلف قبل الغد والثانية ما إذا تلف بعده وقبل التمكن والأولى لا يحنث فيها قطعا والثانية فيها الخلاف المذكور فيحمل كلامه عليها ومحل ما ذكره في صورة الموت إذا لم يكن بقتله نفسه فإن قتل نفسه حنث كما قاله البلقيني .
وفي صورة التلف إذا لم ينسب إلى تقصير في تلفه فلو أتلفته هرة أو صغير مثلا مع إمكان دفعه فلم يدفعه حنف كما يؤخذ من قوله " وإن أتلفه " أو بعضه " بأكل أو غيره قبل الغد " عالما عامدا مختارا " حنث " لأنه فوت البر باختياره .
تنبيه : .
قضية كلامه أنه يحنث في الحال لتحقق اليأس وهو وجه والأصح أنه لا يحنث حتى يأتي الغداء كما قطع به ابن كج وعلى هذا هل حنثه بمضي زمن إمكان الأكل من الغد أو قبيل غروب الشمس وجهان أصحهما الأول كما قاله البغوي والإمام وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كان معسرا يكفر بالصوم فيجوز له أن ينوي صوم الغد عن كفارته على قضية كلام المصنف دون الأصح .
وإن تلف .
الطعام بنفسه " أو أتلفه أجنبي " قبل الغد " فكمكره " لما مر والأظهر فيه عدم الحنث " أو " قال مخاطبا لشخص له عليه حق والله " لأقضين حقك عند رأس الهلال " أو معه أو مع الاستهلال أو عنده أو عند رأس الشهر أو مع رأسه أو أول الشهر " فليقض " الحق المحلوف عليه " عند غروب الشمس آخر الشهر " الذي قبله لوقوع هذا اللفظ على أول جزء من الليلة الأولى من الشهر ويعرف إما برؤية الهلال أو العدد لكن لفضة عند أو مع تقتضي المقارنة .
قال الرافعي وذكر الإمام و الغزالي أن هذا لا يكاد يقدر عليه فإما أن يتسامح فيه ويقنع بالممكن أو يقال التزم محالا فيحنث بكل حال وهذا لا ذاهب إليه اه " .
وظاهر كلامهم الأول كما يؤخذ من كلام المصنف الآتي " فإن قدم " قضاء الحق على غروب الشمس " أو مضى بعد الغروب ( 4 / 345 ) قدر إمكانه " أي قضاء الحق " حنث " لتفويته البر باختياره وكذا لو مضى زمن الشروع ولم يشرع مع الإمكان ولا يتوقف على مضي زمن القضاء كما صرح به الماوردي فينبغي أن يعد المال ويترصد ذلك الوقت فيقضيه فيه .
تنبيه : .
قد ذكر الشيخان فيما لو قال لأقضين غدا ونوى أنه لا يؤخره عن الغد أنه لا يحنث بقضائه قبله فيجيء مثله هنا فيستثنى هذا من قول المصنف فإن قدم .
ولو قال الحالف أردت بقولي عند إلى ففي قبوله وجهان مختار الإمام و الغزالي منهما القبول فيجوز له حينئذ تقديم القضاء عليه .
وإن شرع في الكيل .
أو الوزن أو العد " حينئذ " أي عند غروب الشمس أو في مقدمة القضاء كحمل الكيل أو الميزان ولو عبر بها كان أولى لفهم الشروع في غيرها بطريق أولى " ولم يفرغ " من توفية الحق الموزون أو المكيل مع تواصل الكيل أو الوزن أو نحوه كما يشير إليه كلام الماوردي و ابن الصباغ " لكثرته إلا بعد مدة لم يحنث " لأنه أخذ في القضاء عند ميقاته فإن حصلت فترات لا يعد الكيل أو نحوه فيها متواصلا حنث حيث لا عذر .
تنبيه : .
لو حمل الحق إليه حين الغروب ومنزله بعيد لا يصل إليه حتى تمضي الليلة لم يحنث كما قال الماوردي ولو شك في الهلال فأخر القضاء عن الليلة الأولى وبان كونها من الشهر لم يحنث كالمكره وانحلت اليمين كما قاله ابن المقري ولو رأى الهلال بالنهار بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة كما مر في كتاب الصوم فلو أخر القضاء إلى الغروب لم يحنث كما قاله الصيدلاني .
أو .
حلف " لا يتكلم فسبح " الله تعالى أو حمده أو هلله أو كبره وكذا لو دعا .
قال القاضي أبو الطيب بما لا يتعلق بخطاب الآدمي " أو قرأ قرآنا " في الصلاة أو خارجها ولو كان عليه حدث أكبر " فلا حنث " بذلك لانصراف الكلام إلى كلام الآدميين في محاوراتهم ولو حلف لا يسمع كلاما يحنث بسماعه ذلك من نفسه ولو قرأ من التوراة الموجودة اليوم أو الإنجيل لم يحنث للشك في أن الذي قرأه مبدل أو لا ويؤخذ منه أنه يحنث بما يعلمه مبدلا كأن قرأ جميع التوراة والإنجيل ولا يحنث بكلام النفس ولو تكلم مع نفسه من غير أن يخاطب أحدا أو صلى وسلم في صلاته قال في الكافي يحتمل وجهين أصحهما الحنث لأنه كلام حقيقة ويحنث بكل ما يعدونه مخاطبة للناس فلو حلف لا يسلم على زيد مثلا " أو لا يكلمه فسلم عليه " وسمع كلامه كما قاله البغوي .
قالا ولو كان سلام الصلاة " حنث " أما عدم السلام عليه فقد مر وأما عدم كلامه فلأن السلام عليه نوع من الكلام ويؤخذ من ذلك أنه لا بد من قصده بالسلام فلو قصد التحلل فقط أو أطلق لم يحنث كما بحثه بعض المتأخرين وهو الظاهر بل قال الأذرعي الراجح المختار الذي دلت عليه قواعد الباب والعرف الظاهر أنه لا يحنث به لأنه لا يقال كلمه أصلا بخلاف السلام مواجهة خارج الصلاة ولو سبق لسانه بذلك لم يحنث كما قاله ابن الصلاح وبحث ابن الأستاذ عدم قبول ذلك منه في الحكم وهو ظاهر حيث لا قرينة هناك تصدقه .
واعتبر الماوردي و القفال المواجهة أيضا فلو تكلم بكلام فيه تعريض له ولم يواجهه كيا حائط ألم أقل لك كذا لم يحنث والمراد بالكلام الذي يحنث به اللفظ المركب ولو بالقوة كما بحثه الزركشي .
تنبيه : .
لو كلمه وهو مجنون أو مغمى عليه وكان لا يعلم بالكلام لم يحنث وإلا حنث وإن لم يفهمه كما نقله الأذرعي عن الماوردي ونقل عنه أيضا أنه لو كلمه وهو نائم بكلام يوقظ مثله حنث وإلا فلا لو كلمه وهو بعيد منه فإن كان بحيث يسمع كلامه حنث وإلا فلا سمع كلامه أم لا .
وإن كاتبه أو راسله أو أشار إليه بيد أو غيرها .
بعين أو رأس " فلا " حنث عليه بذلك " في الجديد " حملا للكلام على الحقيقة بدليل صحة النفي عن ذلك فيقال ما كلمه ولكن كاتبه أو راسله وفي التنزيل " فلن أكلم اليوم إنسيا " " فأشارت إليه " وفي القديم نعم حملا للكلام على الحقيقة والمجاز ويدل له قوله تعالى " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا ( 4 / 346 ) فاستثنى الوحي والرسالة من التكلم فدل على أنها منه وقوله تعالى " ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " فاستثنى الرمز من الكلام فدل على أنه منه ومنهم من قطع بالجديد وحمل ما نقل عن القديم على ما إذا نوى في يمينه المكاتبة والمراسلة قاله الرافعي وهو صريح في أنه عند النية يحنث قطعا وهو واضح ووجهه أن المجاز تجوز إرادته بالنية .
تنبيه : .
قضية إطلاق المصنف الإشارة يقتضي أنه لا فرق فيها بين إشارة الناطق والأخرس وهو كذلك وإنما أقيمت إشارة الأخرس في المعاملات مقام النطق للضرورة كذا ذكره الرافعي وتعقب بما في فتاوى القاضي من أن الأخرس لو حلف لا يقرأ القرآن فقرأه بالإشارة حنث وبما مر في الطلاق من أنه لو علقه بمشيئة ناطق فخرس وأشار بالمشيئة طلقت وأجيب عن الأول بأن الخرس موجود فيه قبل الحلف بخلافه في مسألتنا وعن الثاني بأن الكلام مدلوله اللفظ فاعتبر بخلافه المشيئة وإن كانت تؤدى باللفظ .
تنبيه : .
قد مر في كتاب القسم والنشوز أن هجران المسلم فوق ثلاثة أيام حرام إلا لمصلحة فإذا كاتبه أو راسله ارتفع الهجران إذا كان ذلك في حال الغيبة أو كانت المواصلة بينهما قبل الهجران بهما وتضمنت في الحالين الألفة بينهما لا إن كان فيهما إيذاء وإيحاش فلا يرتفع بهما الإثم ولا إن كان ذلك في حال الحضور ولم تكن المواصلة بينهما قبل الهجران بذلك .
ولو قرأه .
الحالف " آية أفهمه " أي المحلوف على عدم كلامه " بها مقصوده " نحو " ادخلوها بسلام آمنين " عند طرق المحلوف عليه الباب " وقصد قراءة " فقط أو مع إفهامه " لم يحنث " لأنه لم يكلمه " وإلا " بأن قصد إفهامه فقط أو أطلق " حنث " لأنه كلمه ونازع البلقيني في حال الإطلاق .
واعتمد عدم الحنث ومثل هذا ما لو فتح على إمامه أو سبح لسهوه فيأتي فيه التفصيل المذكور .
وإن فرق بعضهم بأن ذلك من مصالح الصلاة بخلاف قراءة الآية .
فروع لو حلف لا يقرأ حنث بما قرأ ولو بعض آية أو ليتركن الصوم أو الحج أو الاعتكاف أو الصلاة حنث بالشروع الصحيح في كل منها وإن فسد بعده لأنه يسمى صائما وحاجا ومعتكفا ومصليا بالشروع لا بالشروع الفاسد لأنه لم يأت بالمحلوف عليه لعدم انعقاده إلا في الحج فيحنث به وصورة انعقاد الحج فاسدا أن يفسد عمرته ثم يدخل الحج عليها فإنه ينعقد فاسدا وتصويره بأن يحرم به مجامعا إنما يأتي على وجه مرجوح إذ الأصح عدم انعقاده كما مر في بابه أو لا أصلي صلاة حنث بالفراغ منها ولو من صلاة فاقد الطهورين ونحوها مما يجب قضاؤها عملا بنيته ولا يحنث بسجود تلاوة وشكر وطواف لأنها لا تسمى صلاة قال الماوردي و القفال ولا يحنث بصلاة جنازة لأنها غير متبادرة عرفا .
وقضية كلام ابن المقري أنه يحنث بصلاة ركعة واحدة وكلام الروياني يقتضي أنه إنما يحنث بصلاة ركعتين فأكثر وهذا أوجه كما لو نذر أن يصلي صلاة أو لا يصلي خلف زيد فحضر الجمعة فوجده إماما ولم يتمكن من صلاة جمعة غير هذه موجب عليه أن يصلي خلفه لأنه ملجأ إلى الصلاة بالإكراه الشرعي وهل يحنث أو لا الظاهر الأول كما بحثه بعض المتأخرين كما حلف لا يصوم فأدرك رمضان فإنه يجب عليه الصوم ويحنث أو لا يؤم زيدا فصلى زيد خلفه ولم يشعر به لم يحنث فإن شعر به وهو في فريضة وجب عليه إكمالها وهل يحنث أو لا فيه ما مر .
أو لا مال له .
وأطلق " حنث بكل نوع وإن قل " وزاد على المحرر قوله " حتى ثوب بدنه " لصدق اسم المال عليه .
تنبيه : .
قضية قوله بكل نوع أنه لا فرق بين المنافع والأعيان وهو قضية تقسيم المال إلى أعيان ومنافع لكن قال الرافعي لو كان يملك منفعة بوصية أو إجارة لم يحنث على الصحيح لأن المفهوم من لفظ المال عند الإطلاق الأعيان اه " .
وقضية قوله وإن قل أنه لا فرق بين المتمول وغيره .
لكن قيده البلقيني بالمتمول واستظهره الأذرعي وهو الظاهر وقوله وثوب مجرور بحتى عطفا على المجرور قبله وشرط جمع من النحويين في عطفها على ( 4 / 347 ) المجرور إعادة عامل الجر وعليه فينبغي أن يقول حتى يثوب .
و .
حتى " مدبر " له " و " رقيق له " معلق عتقه بصفة " أما مدبر مورثه الذي تأخر عتقه بصفة كدخول دار أو الذي أوصى مورثه بإعتاقه فلا يحنث به لعدم ملكه " و " حتى " ما وصى به " الحالف من رقيق وغيره " ودين حال " ولو على معسر أو لم يستقر كالأجرة قبل انقضاء مدة الإجارة وكذا على جاحد ولا بينة على الأصح في الروضة " وكذا " دين " مؤجل " يحنث به " في الأصح " لأنه ثابت في الذمة يصح الإبراء منه والاعتياض عنه وتجب الزكاة فيه .
واستثنى البلقيني من الحنث بالدين الحال والمؤجل أخذا من التعليل بوجوب الزكاة دينه على مدين مات ولم يخلف تركة ودينه على مكاتبه أفلا يحنث بهما ولو كان له مال غائب أو ضال أو مغصوب أو مسروق وانقطع خبره هل يحنث به أو لا وجهان .
أحدهما يحنث لأن الأصل بقاء الملك فيها والثاني لا يحنث لأن بقاءها غير معلوم ولا يحنث بالشك .
قال شيخنا وهذا أوجه ويحنث بمستولدته لأنه يملك منافعها وأرش جناية عليها " لا مكاتب " كتابة صحيحة فلا يحنث به " في الأصح " لأنه لا يملك ما ذكر فهو كالخارج عن ملكه والثاني يحنث لأنه عبد ما بقي عليه درهم .
أما المكاتب كتابة فاسدة فيحنث به ولا يحنث بموقف عليه ولا باستحقاق قصاص فلو كان قد عفا عن القصاص بمال حنث فإن نوى نوعا من المال اختص به ولو حلف لا ملك له حنث بمغصوب منه وآبق ومرهون لا بزوجة إن لم يكن له نية وإلا فيعمل بنيته ولا بزيت نجس أو نحوه لأن الملك زال عنه بالتنجس كموت الشاة أو حلف أن لا عبد له لم يحنث بمكاتبه كتابة صحيحة تنزيلا للكتابة منزلة البيع " أو " حلف " ليضربنه فالبر " بكسر الموحدة بخطه في يمينه يتعلق " بما يسمى ضربا " فلا يكفي وضع اليد عليه ورفعها " ولا يشترط " فيه " إيلام " لصدق الاسم بدونه إذ يقال ضربه فلم يؤلمه بخلاف الحد والتعزير لأن المقصود منهما الزجر " إلا أن يقول " أو ينوي " ضربا شديدا أو نحوه كمبرح فيشترط فيه " الإيلام للتنصيص عليه ولا يكفي الإيلام وحده كوضع حجر ثقيل عليه .
قال الإمام ولا حد يقف عنده في تحصيل البر ولكن الرجوع إلى ما يسمى شديدا وهذا يختلف لا محالة باختلاف حال المضروب .
قال ابن شهبة وليست هذه المسألة في الشرحين والروضة " وليس وضع سوط عليه " أي المحلوف على ضربه " و " لا " عض و " لا " خنق " بكسر النون بخطه مصدر خنقه عصر عنقه " و " لا " نتف شعر " بفتح عينه " ضربا " فلا يبر الحالف على ضرب زيد مثلا بهذه المذكورات لأن ذلك لا يسمى ضربا عرفا ويصح نفيه عنه " قيل ولا لطم " وهو ضرب الوجه بباطن الراحة " و " لا " وكز " وهو الضرب باليد مطبقة .
قال تعالى " فوكزه موسى فقضى عليه " أي لا يسمى كل منهما ضربا والأصح يسمى ومثل ذلك الرفس واللكم والصفع لأنه يقال ضربه بيده وبرجله وإن تنوعت أسماء الضرب .
تنبيه : .
يبر الحالف بضرب السكران والمغمى عليه والمجنون لأنهم محل للضرب لا بضرب الميت لأنه ليس محلا له .
أو ليضربنه مائة سوط أو .
مائة " خشبة فشد مائة " مما حلف عليه من السياط أو الخشب " وضربه بها ضربة " واحدة بر لوجود المحلوف عليه ولا تكفي السياط عن الخشب وعكسه " أو " ضربه " بعثكال " بكسر العين وبالمثلثة أي عرجون " عليه " أي العثكال " مائة شمراخ " بكسر أوله بخطه " بر " الحالف " إن علم إصابة الكل " من الشماريخ بأن عاين إصابة كل واحد منها بالضرب بأن بسطها واحدا بعد واحد كالحصير " أو تراكم بعض " منها " على بعض فوصله " أي المضروب بها " ألم الكل " أي ثقله فإنه يبر تعالى " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " فإن الضغط هو الشماريخ أيضا وإن حال الثوب أو غيره مما لا يمنع ( 4 / 348 ) تأثر البشرة بالضرب لقوله القائمة على الساق ويسمى العثكال وهذا وإن كان شرع من قبلنا فقد ورد في شرعنا تقريره في قصة الزاني الضعيف كما قدمناها في باب الزنا وفي ذلك خلاف هل هو شرع لنا أو لا وقدمت الكلام على ذلك في باب الجعالة وغيره .
تنبيه : .
اقتضى كلامه أنه يبر في قولهمائة سوط بالعثكال وصوبه الإسنوي ولكن الأصح كما في الروضة كأصلها أنه لا يبر بذلك لأنه لا يسمى سياطا وإنما يبر بسياط مجموعة بشرط علمه إصابتها بدنه على ما مر واقتضى كلامه أيضا أن تراكم بعضها على بعض مع الشد كيف كان يحصل به ألم الثقل ولكن صوره الشيخ أبو حامد و الماوردي وغيرهما بأن تكون مشدودة الأسفل محلولة الأعلى واستحسن .
قلت ولو شك في إصابة الجميع بر على النص والله أعلم .
عملا بالظاهر وهو الإصابة لإطلاق الآية ولكن الورع أن يكفر عن يمينه لاحتمال تخلف بعضها وفرقوا بينه وبين ما لو حلف ليدخلن الدار اليوم إلا أن يشاء زيد فلم يدخل ومات زيد ولم تعلم مشيئته حيث يحنث على النص بأن الضرب سبب ظاهر في الانكباس .
والمشيئة لا أمارة عليها والأصل عدمها وخرج قول كل منهما في الآخر .
تنبيه : .
الشك هنا مستعمل في حقيقته وهو استواء الطرفين فإن ترجح عدم إصابة الكل فمقتضى كلام الأصحاب كما في المهمات عدم البر .
أو .
حلف " ليضربنه مائة مرة لم يبر بهذا " المذكور من المائة المشدودة ومن العثكال لأنه جعل العدد للضربات وكذا لو قال مائة ضربة على الأصح لأن الجميع يسمى ضربة واحدة وهل يشترط التوالي في ذلك أو لا وظاهر كلام الإمام الأول وابن الصلاح الثاني وهو أوجه " أو " قال لغريمه والله " لا أفارقك حتى استوفي " حقي منك " فهرب " منه غريمه " ولم يمكنه اتباعه " لمرض أو غيره " لم يحنث " لعذره بخلاف ما إذا أمكنه ولم يتبعه " قلت الصحيح " أخذا من الرافعي في الشرح " لا يحنث إذا أمكنه اتباعه " ولم يتبعه وإن أذن له " والله أعلم " لأنه حلف على فعل نفسه فلا يحنث بفعل غيره والمراد بالمفارقة ما يقطع خيار المجلس ووجه مقابله أنه بالمقام مفارق " وإن فارقه " الحالف مختارا ذاكرا لليمين " أو " لم يفارقه بل " وقف حتى ذهب " غريمه " وكانا ماشيين " وهذه مزيدة على المحرر " أو أبرأه " الحالف من الحق " أو احتال " به " على غريم " للغريم أو أحال هو به على غريمه " ثم فارقه أو أفلس " أي ظهر أن غريمه مفلس " ففارقه ليوسر " وفي المحرر إلى أن يوسر " حنث " في المسائل الخمس لوجود المفارقة في الأوليين ولتفويته في الثالثة البر باختياره وفي الرابعة والخامسة الحوالة .
وإن قلنا هي استيفاء فليست استيفاء حقيقة وإنما هي كالاستيفاء في الحكم اللهم إلا أن ينوي أن لا يفارقه وذمته مشغولة بحقه فحينئذ ينبغي الأمر على ما قصده ولا يحنث قاله المتولي وأما في الأخيرة فلوجود المفارقة وإن كان تركه واجبا كما لو حلف لا يصلي الفرض فصلى .
فإنه يحنث وإن كانت الصلاة واجبة فإن ألزمه الحاكم بمفارقتها فعلى قولي المكره والأصح لا حنث .
واحترز بقوله وكانا ماشيين عما إذا كانا ساكنين وابتدأ الغريم بالمشي فلا يحنث .
لأن الحادث المشي وهو فعل الغريم .
تنبيه : .
لو استوفى من وكيل غريمه أو من متبرع به وفارقه حنث إن كان قال منك وإلا فلا حنث .
فإن قال لا تفارقني حتى أستوفي منك حقي أو حتى توفيني حقي ففارقه الغريم عالما مختارا حنث الحالف وإن لم يختر فراقه لأن اليمين على فعل الغريم وهو مختار في المفارقة فإن نسي الغريم الحلف أو أكره على المفارقة ففارق فلا حنث إن كان ( 4 / 349 ) ممن يبالي بتعليقه كنظيره في الطلاق نبه على ذلك الإسنوي .
ولو فر الحالف منه لم يحنث وإن أمكنه متابعته لأن اليمين على فعله فإن قال لا نفترق حتى أستوفي منك حقي حنث بمفارقة أحدهما الآخر عالما مختارا وكذا إن قال لافترقنا حتى أستوفي منك لصدق الافتراق بذلك فإن فارقه ناسيا أو مكرها لم يحنث .
وإن استوفى .
الحالف حقه من غريمه " وفارقه فوجده " أي ما استوفاه " ناقصا " نظرت " إن كان من جنس حقه لكنه أردأ " منه " لم يحنث " بذلك لأن الرداءة لا تمنع من الاستيفاء .
تنبيه : .
ظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون الأرش قليلا فلا يتسامح بمثله أو كثيرا وهو كذلك وإن قيده في الكفاية بالأول .
وإلا .
بأن لم يكن من جنس حقه بأن كان دراهم خالصة فخرج ما أخذه مغشوشا أو نحاسا " حنث عالم " بحال المال المأخوذ قبل المفارقة للمفارقة قبل الاستيفاء " وفي غيره " أي العالم وهو الجاهل بالحال " القولان " في حنث الجاهل والناسي أظهرهما لا حنث والتعريف في القولين للعهد المذكور في باب الطلاق فقول ابن شهبة ولا عهد مقدم يحيل عليه ممنوع وإن حلف الغريم فقال والله لا أوفيك حقك فعلمه له مكرها أو ناسيا لم يحنث أو لا استوفيت حقك مني فأخذها مكرها أو ناسيا لم يحنث بخلاف ما إذا أخذه عالما مختارا وإن كان المعطي مكرها أو ناسيا " أو " حلف " لا رأى منكرا إلا رفعه إلى القاضي " أو لا رأى لقطة أو ضالة إلا رفعها إليه " فرأى " الحالف ذلك " وتمكن " من الرفع إليه " فلم يرفع " ذلك " حتى مات " الحالف " حنث " لتفويته البر باختباره ولا يلزمه المبادرة إلى الرفع بل له المهلة مدة عمره وعمر القاضي فمتى رفعه إليه بر ولا يشترط في الرفع أن يذهب إليه بل يكفي أن يكتب إليه بذلك أو يرسل رسولا بذلك فيخبره لأن القصد بذلك إخباره والإخبار يحصل بذلك .
ولو رأى المنكر بين يديه هل يكفي ذلك أو لا بد من إخباره وجهان أرجحهما الثاني كما رجحه ابن المقري .
وهل يقال مثل ذلك إذا رأى القاضي يتعاطى المنكر أو يقال مثل هذا اللفظ لا يتناول القاضي لم أر من تعرض لذلك .
ويظهر الثاني " ويحمل على قاضي البلد " عند الإطلاق لا على غيره لأن ذلك مقتضى التعريف بأل " فإن " عزل قاضي البلد وتولى غيره " فالبر " يحصل " بالرفع إلى " القاضي " الثاني " ولا عبرة بالموجود حالة الحلف لأن التعريف في الألف واللام للجنس ويشترط في رفع المنكر إلى القاضي أن يكون في محل ولايته فإن كان في غيره لم يبر إذ لا يمكنه إقامة موجبة كما قاله البغوي .
وإن كان في بلده قاضيان كفى الرفع إلى أحدهما وإن اختص كل منهما بناحية خلافا لابن الرفعة في قوله فإن اختص بذلك فينبغي أن يتعين قاضي الناحية التي فيها فاعل المنكر وهو الذي يجب عليه إجابته إذا دعاه إذ رفع المنكر إلى القاضي منوط بإخباره به كما مر لا بوجوب إجابة فاعله " أو " حلف لا رأى منكرا " إلا رفعه إلى قاض بر بكل قاض " في ذلك البلد وغيره لصدق الاسم وسواء أكان قاضيا حال اليمين أم ولي بعده لعموم اللفظ " أو " إلا رفعه " إلى القاضي فلان " وكناية عن اسم علم لمن يعقل ومعناه واحد من الناس " فرآه " أي المفكر " ثم " لم يرفعه إليه حتى " عزل " القاضي " فإن نوى ما دام قاضيا حنث إن " رأى المنكر و " أمكنه رفعه " إليه " فتركه " لتفويته البر باختياره فإن قيل هذا مخالف لقول الروضة وأصلها أنه إذا عزل لم يبر بالرفع إليه وهو معزول ولا يحنث وإن كان تمكن لأنه ربما ولي ثانيا واليمين على التراخي فإن مات أحدهما قبل أن يولي بأن الحنث .
أجيب بأن المصنف عبر هنا بدوام كونه قاضيا والديمومة تنقطع بالعزل وغفل بعض الشراح عن ذلك فأجاب بأن كلام المصنف هذا محمول على عزل اتصل بالموت " وإلا " بأن لم يمكنه رفعه إليه " فكمكره " والأظهر عدم الحنث ( 4 / 350 ) .
تنبيه : .
جعلا من صور عدم الإمكان المرض والحبس وما إذا جاء إلى باب القاضي فحجب .
وينبغي كما قال الزركشي أن يحنث إذا ما تمكن من المكاتبة والمراسلة فلم يفعل فإنهم اكتفوا بذلك كما مر .
وإن لم ينو .
ما دام قاضيا " بر بالرفع إليه بعد عزله " قطعا إن نوى عينه وذكر القضاء للتعريف وعلى الأصح إن أطلق نظر إلى التعيين ووجه مقابله النظر إلى الصفة