واختصت من بين الكفارات بكونها مخيرة في الابتداء مرتبة في الانتهاء والصحيح في سبب وجوبها عند الجمهور الحنث واليمين معا " يتخير " المكفر " في كفارة اليمين بين عتق " فيها " كالظهار " أي كعتق رقبة كفارته بالصفة السابقة في بابه من كونها رقبة مؤمنة بلا عيب يخل بعمل أو كسب " و " بين " إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد حب " أو غيره " من غالب قوت بلده " كالفطرة كما مر في كتاب الكفارات وصرح به جماعة هنا " و " بين " كسوتهم بما يسمى كسوة " مما يعتاد لبسه " كقميص أو عمامة أو إزار " أو رداء أو طيلسان .
أو منديل بكسر الميم قال في الروضة والمراد به المعروف الذي يحمل في اليد أو مقنعة أو جبة أو قباء أو درع من صوف ونحوه وهو قميص لا كم له ووقع لبعض الشراح أن الدرع يكفي وهو سهو " لا خف وقفازين " ومكعب وهو المداس ونعل " ومنطقة " بكسر الميم وقلنسوة وهي بفتح القاف واللام ما يغطى به الرأس ونحو ذلك مما لا يسمى كسوة كدرع من حديد ويجزىء فرو ولبدا عتيد في البلد لبسهما ولا يجزىء التبان وهو سروال قصير لا يبلغ الركبة ولا الخاتم والتكة .
والعرقية .
ووقع في شرح المنهج لشيخنا أنها تكفي ورد بأن القلنسوة لا تكفي كما مر وهي شاملة لها وحمله شيخي على التي تجعل تحت البرذعة وهو وإن كان بعيدا أولى من مخالفته للأصحاب " ولا يشترط صلاحيته " أي ما ذكر من الكسوة " للمدفوع إليه فيجوز سراويل صغير لكبير لا يصلح له و " يجوز " قطن وكتان وحرير " وشعر وصوف منسوج كل منها " لامرأة ورجل " لوقوع اسم الكسوة على ذلك " ولبيس " بفتح اللام بعدها موحدة مكسورة بمعنى ملبوس " لم تذهب قوته " فإن ذهبت بحيث صار مسحقا لم يجز ولا بد مع بقاء قوته من كونه غير منخرق .
ولا يجزىء جديد مهلهل النسج إذا كان لبسه لا يدوم إلا بقدر ما يدوم لبس الثوب البالي لضعف النفع به ولا يجوز نجس العين من الثياب ويجزىء المتنجس وعليه أن يعلمهم ( 4 / 328 ) بنجاسته ويجوز ما غسل ما لم يخرج عن الصلاحية كالطعام العتيق لانطلاق الكسوة عليه وكونه يرد في البيع لا يؤثر في مقصودها كالعيب الذي لا يضر بالعمل في الرقيق ويندب أن يكون الثوب جديدا خاما كان أو مقصور الآية " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " ولو أعطى عشرة ثوبا طويلا لم يجزه بخلاف ما لو قطعه قطعا قطعا ثم دفعه إليهم قاله الماوردي وهو محمول على قطعة تسمى كسوة وخرج بقول المصنف عشرة مساكين ما إذا أطعم خمسة وكسا خمسة فإنه لا يجزىء كما لا يجزىء إعتاق نصف رقبة وإطعام خمسة .
ويستثنى من إطلاقه التخيير للعبد وسيأتي كلامه والمحجور عليه بسفه أو فلس فلا يكفر بالمال بل بالصوم كالمعسر فإن لم يصم حتى فك عنه الحجر لم يجزه مع اليسار ومن مات وعليه كفارة فالواجب أن يخرج من تركته أقل الخصال قيمة ومع ذلك فلا تخيير إلا إن استوت قيمتها " فإن عجز عن " كل واحد من " الثلاثة " المذكورة " لزمه صوم ثلاثة أيام " لقوله تعالى " فكفارته إطعام عشرة مساكين " الآية .
تنبيه : .
المراد بالعجز أن لا يقدر على المال الذي يصرفه في الكفارة كمن يجد كفايته وكفاية من تلزمه مؤنته فقط ولا يجد ما يفضل عن ذلك .
قالا ومن له أن يأخذ من سهم الفقراء والمساكين من الزكاة والكفارات له أن يكفر بالصوم لأنه فقير في الأخذ فكذا في الإعطاء وقد يملك نصابا ولا يفي دخله بخرجه فتلزمه الزكاة وله أخذها والفرق بين البابين أنا لو أسقطنا الزكاة خلا النصاب عنها بلا بدل والتكفير بالمال له بدل وهو الصوم .
ولا يجب تتابعها في الأظهر .
لإطلاق الآية .
والثاني يجب لأن ابن مسعود قرأ ثلاثة أيام متتابعات والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل كما أوجبنا قطع يد السارق بالقراءة الشاذة في قوله " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ولأن من قاعدة الشافعي رضي الله تعالى عنه حمل المطلق على المقيد من جنسه وهو الظهار والقتل وأجاب الأول بأن آية اليمين نسخت متتابعات تلاوة وحكما فلا يستدل بها بخلاف آية السرقة فإنها نسخت تلاوة لا حكما وبأن المطلق ههنا متردد بين أصلين يجب التتابع في أحدهما وهو كفارة الظهار والقتل ولا يجب في الآخر وهو قضاء رمضان فلم يكن أحد الأصلين في التتابع بأولى من الآخر لكن قال الإمام حمل الكفارة على الكفارة أولى من حملها على قضاء رمضان " وإن غاب ماله " إلى مسافة قصر أو دونها كما يشعر به إطلاقهم وإن نازع فيه البلقيني " انتظره ولم يصم " لأنه واجد وإنما أبيح له الصوم إذا لم يجد .
فإن قيل المتمتع إذا أعسر بالدم بمكة يجزئه الصوم وإن كان له ببلده ماله فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن القدرة هناك اعتبرت بمكة فلا ينظر إلى غيرها والقدرة هنا اعتبرت مطلقا ولو كان له عبد غائب تيقن حياته جاز له إعتاقه بخلاف منقطع الخبر في الأصح " ولا يكفر عبد بمال " لعدم ملكه " إلا إذا ملكه سيده طعاما أو كسوة " ليكفر بهما أو ملكه مطلقا وأذن له في التكفير " وقلنا يملك " بالتمليك على رأي مرجوح تقدم في باب العبد فإنه يكفر بذلك .
تنبيه : .
قوله سيده يقتضي أن تمليك غير السيد لا أثر له وليس مرادا بل الخلاف فيهما سواء .
وخرج بقوله طعاما أو كسوة ما إذا ملكه رقيقا ليعتقه عن كفارته ففعل فإنه لم يقع عنها لامتناع الولاء للعبد وحكم المدبر والمعتق عتقه بصفة وأم الولد حكم العبد .
فإن قيل يرد على المصنف المكاتب فإنه يكفر بالإطعام والكسوة بإذن السيد كما صححه في تصحيح التنبيه .
أجيب بأن العبد إذا أطلق إنما يراد به القن لا سيما وقد قال وقلنا يملك والمكاتب يملك قطعا ولو أذن السيد للمكاتب في التكفير بالإعتاق فأعتق لم يجزه على المذهب كما قالاه في باب الكتابة وإن نقلا هنا عن الصيدلاني أن ذمته تبرأ بذلك .
بل يكفر بصوم .
لعجزه عن غيره ولا فرق بين كفارة اليمين والظهار في ذلك كما صرح به المرعشي وغيره " وإن ضره " الصوم لشدة حر أو طول نهار أو نحو ذلك وكان يضعف عن العمل ( 4 / 329 ) بسببه " وكان حلف وحنث بإذن سيده " في كل منهما " صام بلا إذن " وليس له منعه وإن كانت الكفارة على التراخي لصدور السبب الموجب عن إذن السيد " أو وجدا " أي الحلف والحنث " بلا إذن " منه " لم يصم إلا بإذن " منه قطعا سواء أكان الحلف واجبا أم جائزا أم ممنوعا لأنه لم يأذن في السبب وحقه على الفور والكفارة على التراخي فإن صام بلا إذن أجزأه كما لو صلى الجمعة بلا إذن فإنها تجزئه أو حج فإنه ينعقد وعدم الاعتداد به عن حجة الإسلام ولو أذن له سيده فيه إنما هو للحديث المتقدم في الحج " وإن أذن " له " في أحدهما " فقط " فالأصح اعتبار " إذن السيد له في " الحلف " فإذا حلف بإذنه وحنث بغير إذنه صام بغير إذنه لأن إذنه في الحلف إذن فيما يترتب عليه .
والثاني الاعتبار بالحنث لأن اليمين مانعة منه فليس إذنه فيها إذنا في التزام الكفارة وهذا هو الأصح كما في الشرحين والروضة في كتاب الكفارة ونقلاه عن الأكثرين وأحالا المسألة هنا على ما هناك بل قيل إن ما في المحرر سبق قلم من الحنث إلى الحلف لكن المحرر يتبع البغوي كثيرا كما استقرىء من كلامه و البغوي صحح أن الاعتبار بالحلف وخرج بيضره الصوم ما إذا لم يضره فله الصوم بغير إذن سيده وبالعبد الأمة فللسيد منعها من الصوم وإن لم تتضرر به لأن حق السيد في الاستمتاع بها ناجز " ومن بعضه حر وله مال يكفر بطعام أو كسوة " ولا يكفر بالصوم ليساره كما أنه إذا وجد ثمن الماء أو الثوب لا يجوز له أن يصلي متيمما أو عاريا " لا عتق " لأنه يستعقب الولاء المتضمن للولاية والإرث وليس هو من أهلهما .
واستثنى البلقيني من ذلك ما لو قال له مالك بعضه إذا أعتقت عن كفارتك فنصيبي منك حر قبيل إعتاقك عن الكفارة أو معه فيصح إعتاقه عن كفارة نفسه في الأولى قطعا وفي الثانية على الأصح ولو مات العبد وعليه كفارة فللسيد التكفير عنه بالمال وإن قلنا لا يملك إذ لا رق بعد الموت فهو والحر سواء في ذلك بخلاف ما قبله ولا يكفر عنه بالعتق لنقصه عن أهلية الولاء