بفتح الهمزة جمع يمين .
وأصلها في اللغة اليد اليمين وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا يأخذ كل واحد منهم بيمين صاحبه وسمي العضو باليمين لوفور قوته .
قال تعالى " لأخذنا منه باليمين " أي بالقوة .
ولما كان الحلف يقوي الحنث على الوجود أو العدم سمي يمينا وقيل لأنها تحفظ الشيء على الحالف كما تحفظه اليد .
وفي الاصطلاح تحقيق أمر غير ثابت ماضيا كان أو مستقبلا نفيا أو إثباتا ممكنا كحلفه ليدخلن الدار أو ممتنعا كحلفه ليقتلن الميت صادقة كانت أو كاذبة مع العلم بالحال أو الجهل به وخرج بالتحقيق لغو اليمين فليست يمينا كما سيأتي وبغير ثابت الثابت كقوله والله لأموتن أو لا أصعد السماء لتحققه في نفسه فلا معنى لتحقيقه ولأنه لا يتصور فيه الحنث وفارق انعقادها بما لا يتصور فيه البر كحلفه ليقتلن الميت بأن امتناع الحنث لا يخل بتعظيم اسم الله تعالى وامتناع البر يخل به فيحوج إلى التفكير ويكون أيضا للتأكيد والأصل في الباب قبل الإجماع آيات كقوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " الآية وقوله " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " وأخبار منها أنه A كان يحلف لا ومقلب القلوب رواه البخاري وقوله والله لأغزون قريشا ثلاث مرات ثم قال في الثالثة إن شاء الله رواه أبو داود واليمين والقسم والإيلاء والحلف ألفاظ مترادفة .
تنبيه : .
أهمل المصنف ضابط الحالف استغناء بما سبق منه في الطلاق والإيلاء وهو غير كاف والأضبط أن يقال مكلف مختار قاصد فلا تنعقد يمين الصبي والمجنون ولا المكره ولا يمين اللغو .
ثم شرع فيما تنعقد اليمين به فقال " لا تنعقد إلا بذات الله تعالى أو صفة له " بأن يحلف بما مفهومه الذات أو الصفة فالذات " كقوله والله " يجر أو نصب أو رفع سواء تعمد ذلك أم لا والصفة كقوله " ورب العالمين " أي مالك المخلوقات لأن كل مخلوق علامة على وجود خالقه " والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده " أي بقدرته يصرفها كيف يشاء " وكل اسم مختص به سبحانه وتعالى " غير ما ذكر كالإله ومالك يوم الدين والذي أعبده أو أسجد له لأن الأيمان معقودة بمن عظمت حرمته ولزمت طاعته وإطلاق هذا مختص بالله تعالى فلا تتعد بالمخلوقات كوحق النبي وجبريل والملائكة والكعبة وفي الصحيحين إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت والحلف بذلك مكروه وما روى الحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي A قال من حلف بغير الله فقد كفر وروي فقد أشرك حمل على من اعتقد فيما حلف به من التعظيم ما يعتقده في الله تعالى " ولا يقبل قوله " في هذا القسم ( 4 / 321 ) لم أرد به اليمين " لأنها لا تحمل غيره وما جزم به هنا من صراحة هذه الألفاظ وأنه إن نوى غير اليمين لم يقبل هو المعروف لكن ذكرا عند حروف القسم فيما لو قال والله لأفعلن كذا ونوى غير اليمين أنه يقبل ظاهرا على المذهب وهذا هو المعتمد ويحمل كلامه هنا أنه لا يقبل منه إرادة غير الله تعالى ظاهرا ولا باطنا لأن اليمين بذلك لا تحتمل غيره وإنما قبل منه هنا إرادة غير اليمين بخلاف الطلاق والإيلاء والعتاق لتعلق حق غيره به ولأن العادة جرت بإجراء لفظ اليمين بلا قصد بخلاف هذه الثلاثة فدعواه فيها تخالف الظاهر فلا يقصد فإن كان ثمة قرينة تدل على قصد اليمين لم يصدق ظاهرا " .
فائدة : .
التورية في الأيمان نافعة والعبرة فيها بنية الحالف إلا إذا استحلفه القاضي بغير الطلاق والعتاق كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الدعاوى وهي وإن كان لا يحنث بها لا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق المستحق بالإجماع فمن التورية أن ينوي باللباس الليل وبالفراش والبساط الأرض وبالأوتاد الجبال وبالسقف والبناء السماء وبالآخرة آخرة الإسلام وما ذكرت فلانا أي ما قطعت ذكره وما عرفته ما جعلته عريفا وما سألته حاجة أي شجرة صغيرة وما أكلت له دجاجة أي كبة من غزل ولا فروجة أي دراعة ولا في بيتي فرس أي صغار الإبل ولا حصير أي الملك وما له عندي جارية أي سفينة وما عندي كلب أي مسمار في قائم السيف وكل هذا يجمعه قوله A إن في المعاريض لمندوحة من الكذب .
وقال عمر رضي الله تعالى عنه في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب .
قال ابن عباس Bهما ما أحب بمعاريض الكلام حمر الوحش .
وقد حكى عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه كان له جارية يطؤها سرا من أهله فوطئها ليلة وأراد أن يغتسل وكره أن يعلم أهله فقال إن مريم بنت عمران عليها السلام كانت تغتسل في مثل هذه الليلة فلم يبق في منزله أحد إلا اغتسل واغتسل هو معهم وكانت مريم تغتسل كل ليلة وكان إبراهيم النخعي قد خط في بيته مسجدا فإذا جاء من لا يريد دخوله عليه قال للجارية قولي هو في المسجد وحضر سفيان الثوري مجلس النهدي فحلف له أنه يعود إليه ثم نهض وترك نعله كالناسي له ثم رجع من ساعته فأخذه وخرج فلم يره بعدها .
وما انصرف إليه سبحانه .
وتعالى " عند الإطلاق " ويصرف إلى غيره مقيدا " كالرحيم والخالق والرازق " والجبار والمتكبر والقاهر والقادر والحق " والرب تنعقد به اليمين " سواء أقصده سبحانه وتعالى أم أطلق لأن الإطلاق ينصرف إليه تعالى " .
فائدة : .
الألف واللام في هذه الصفات ونحوها ليست للعموم ولا للعهد بل للكمال .
قال سيبويه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذا هي في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة والعليم أي الكامل في معنى العلم وكذا تتمة الأسماء .
إلا أن يريد .
الحالف " غيره " تعالى فيقبل ولا يكون يمينا لأنه قد يستعمل في حق غيره مقيدا كرحيم القلب وخالق الكذب ورازق الجيش .
قال تعالى " وتخلقون إفكا " وقال " فارزقوهم منه " ورب الإبل " وما استعمل فيه " تعالى " وفي غيره " استعماله " سواء كالشيء والموجود " وكالسميع والبصير " والعالم " بكسر اللام " والحي " والغني والكريم " ليس بيمين إلا بنية " لأنها لما استعملت فيه وفي غيره سواء أشبهت كنايات الطلاق فإن نواه تعالى فهو يمين بخلاف ما إذا أراد بها غيره أو أطلق " والصفة " الذاتية " كوعظمة الله " تعالى " وعزته وكبريائه وكلامه وعلمه وقدرته ومشيئته يمين " بشرط أن يأتي بالظاهر بدل المضمر في الستة لأنها صفات لم يزل سبحانه وتعالى موصوفا بها فأشبهت الأسماء المختصة به وهذه الأربعة الأخيرة من الصفات التي جملتها عند الأشاعرة ثمانية مجموعة في قول الناظم حياة وعلم قدرة وإرادة كلام وإبصار وسمع مع البقا ( 4 / 322 ) .
تنبيه : .
قد علم بما فسر به الصفة أن المراد بالاسم جميع أسماء الله تعالى الحسنى التسعة والتسعين سواء المشتق من صفات ذاته كالسميع والبصير والعالم والقادر والمشتق من صفات الفعل كالخالق والرازق والفرق بين صفتي الذات والفعل أن الأولى ما استحقه في الأزل والثانية ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل يقال عالم في الأزل ولا يقال رزق في الأزل إلا توسعا باعتبار ما يؤول إليه الأمر .
إلا أن ينوي .
أي يريد " بالعلم المعلوم " كما يقال اغفر لنا علمك فينا أي معلومك به " وبالقدرة المقدور " كما يقال انظر لقدرة الله أي مقدورة فلا يكون يمينا في المسألتين ويكون كأنه قال ومعلوم الله ومقدور الله لأن اللفظ محتمل وما جزم به من أن عظمة الله صفة هو المعروف وبني عليه بعضهم منع قولهم سبحان من تواضع كل شيء لعظمته قال لأن التواضع للصفة عبادة لها ولا يعبد إلا الذات ومنع القرافي ذلك وقال الصحيح أن عظمة الله لمجموع من الذات والصفات فالمعبود مجموعهما .
تنبيه : .
ظاهر كلامه تخصيص الاستثناء بهاتين الصفتين العلم والقدرة دون ما قبلهما من الصفات إذ يتخيل فيها مثل هذا الاحتمال وهو وجه جزم به كثيرون والأصح كما في الشرحين والروضة عدم الفرق لأنه قد يقال عاينت عظمة الله وكبرياءه ويشير إلى أفعاله سبحانه وتعالى وقد يراد بالجلال والعزة والكبرياء ظهور أثرها على المخلوقات وبالكلام الحروف والأصوات الدالة عليه وقد قال تعالى " فأجره حتى يسمع كلام الله " وإنما يسمع الأصوات .
ولو قال .
الحالف في يمينه " وحق الله " بالجر " فيمين " إن نوى اليمين قطعا وكذا إن أطلق في الأصح لغلبة استعماله في اليمين فنزل الإطلاق عليه قال المروزي ومعناه وحقية الإلهية لأن الحق ما لا يمكن جحوده فهو في الحقيقة اسم من أسماء الله تعالى .
وقال غيره حق الله هو القرآن .
قال تعالى " وإنه لحق اليقين " والحلف بالقرآن يمين في صورة الإطلاق فكذا ما نحن فيه " إلا أن يريد " بالحق " العبادات " التي أمر الله بها فلا يكون يمينا قطعا لأن العبادات حق لله تعالى علينا وليست صفة له تعالى فإن رفع الحق أو نصبه فكناية لتردده بين استحقاق الطاعة والإلهية فليس بيمين إلا بنية ولو حلف المسلم بآية منسوخة من القرآن أو بالتوراة أو الإنجيل انعقدت يمينه وتنعقد اليمين بقوله وكتاب الله أو قرآن الله كما نقلاه عن البغوي وأقراه .
قالا وقال إبراهيم المروزي وكذا لو قال والقرآن أو المثبت في المصحف إلا أن يريد بالقرآن الخطبة أو الصلاة وبقوله المصحف إلا أن يريد الورق أو الجلد " .
فائدة : .
قال ابن الرفعة يقتضي كلام المحاملي و الماوردي و ابن الصباغ و الروياني أن الحلف بالطالب الغالب يمين صريحة لأن فيها تنبيه : ا على استجلاب منافعه واستدفاع مضاره قال وسماعي من أقضى القضاة الجمال يحيى بن الحسين خليفة الحكم العزيز بمصر أن الحلف بذلك لا يشرع وكان يذكر أنه نقله عن أئمة المذهب ويوجهه بأن الله تعالى وإن كان طالبا غالبا فأسماؤه تعالى توقيفية ولم ترد تسميته بذلك اه " .
قال الدميري وكان الجمال يحيى من صدور الشافعية نائبا عن قاضي القضاة ابن رزين قال له يوما قاضي القضاة لو أردت عزلتك قال لا تطيق ذلك قال ولم قال كنا يوما عند الفقيه أبي طاهر فحصلت له حالة فقال من له حاجة يذكرها فقلت أنا أريد أن أكون نائب حكم ولا يعزلني أحد فقال لك ذلك .
قال الخطابي وما جرت به عادة الحكام من تغليظ الأيمان وتوكيدها إذا حلفوا الرجل أن يقولوا بالله الطالب الغالب المدرك المهلك لا يجوز أن يطلق في حقه تعالى ذلك ولو جاز أن يعد ذلك في أسمائه وصفاته لجاز في أسمائه المخزي والمضل لأنه قال " وإن الله مخزي الكافرين " وقال " كذلك يضل الله من يشاء " " حروف القسم " ثلاثة " باء " موحدة " وواو وتاء " فوقانية لاشتهارها فيه شرعا وعرفا " كبالله ووالله وتالله " لأفعلن كذا وزاد المحاملي والشيخ أبو حامد على الثلاثة الألف نحو الله بدل الهمزة وسيأتي كناية والأصل الباء الموحدة ثم الواو ثم التاء الفوقية كما ذكرها المصنف كذلك لإبدال التاء الفوقية من الواو والواو من الباء الموحدة كما ذكره الزمخشري ولدخولها على المضمر كالمظهر تقول حلفت بك وبه لأفعلن كذا والواو تختص بالمظهر " وتختص والواو بدل منها والباء بدل من الواو ضاق تصرفها عن البدل والمبدل منه فلم تدخل على شيء مما يدخلان عليه سوى اسم الله تعالى .
قال تعالى " تالله تفتؤ تذكر يوسف " قال ابن الخشاب إن التاء وإن التاء " الفوقية ( 4 / 323 ) بالله تعالى " لأن الباء لما كانت في الأصل في القسم ضاق تصرفها فلم تدخل إلا على اسم واحد فقد بورك لها في اختصاصها بأشرف الأسماء وأجلها فلا تدخل على غير لفظ الله أي لغة فلا يقال تربك .
وقال ابن مالك حكى الأخفش ترب الكعبة وهو شاذ .
وأما من جهة الشرع فإنه لو قال تالرحمن أو الرحيم انعقدت يمينه كما قاله البلقيني وغايته أنه استعمل شاذا فإن أراد غير اليمين قبل منه وكذا لو قال بالله بالموحدة أو والله لأفعلن كذا ونوى غير اليمين كاستعنت بالله واعتصمت أو والله المستعان لم يكن يمينا .
تنبيه : .
كان الأولى للمصنف أن يقول ويختص الله بالتاء لأن الشائع أن فعل الاختصاص إنما يدخل على المقصور في المشهور وذلك في التاء لا في الله وإن جاز دخوله عليه لأنه يدخل عليه الباء والواو وعبارته تقتضي أن الله لا يدخل عليه غير التاء وهو مدافع لكلامه السابق .
ولو .
حذف الحالف حرف القسم و " قال الله " بهمزة الاستفهام أو بدونها " ورفع أو نصب أو جر " أو سكن لأفعلن كذا " فليس بيمين إلا بنية " لها واللحن لا يمنع انعقاد اليمين على أن غير الرفع لا لحن فيه فالنصب بنزع الخافض والجر بحذقه وإبقاء عمله .
قال سيبويه ولا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله إلا في القسم والتسكين بإجراء الوصل مجرى الوقف وأما الرفع فيصح أيضا أن يكون ابتداء كلام .
تنبيه : .
أفهم كلامه أن التصريح بحرف القسم تنعقد به اليمين بلا نية سواء أرفع أم نصب أم جر وهو كذلك والخطأ في الأعراب لا يمنع صراحة اليمين بذلك ولو قال فالله بالفاء أو يالله بالياء المثناة من تحت لأفعلن كذا كان كناية وجه كونه يمينا في الثانية بحذف المنادى وكأنه قال يا قوم أو يا رجل ثم استأنف اليمين ولو قال له القاضي قل والله فقال تالله بالمثناة أو والرحمن لم يحسب يمينا لمخالفته التحليف وقضية التعليل أنه لا يحسب يمينا فيما لو قال له قل تالله بالمثناة فقال بالله بالموحدة أو قل بالله فقال والله وهو الظاهر ولو قال بالله بحذف الألف بعد اللام المشددة قال المصنف ينبغي أن لا تكون يمينا وإن نواها قال لأنها لا تكون إلا باسم الله تعالى أو صفته والقول بأن هذا لحن ممنوع لأن اللحن مخالفة صواب الإعراب بل هذه كلمة أخرى وقال ابن الصلاح ليس هو لحنا بل لغة حكاها الزجاجي وهي شائعة فينبغي أن تكون يمينا عند الإطلاق .
قال الأذرعي ولو استحضر النووي ما قاله ابن الصلاح لما قال ما قال وجزم في الأنوار بما نقله الرافعي عن الجويني والإمام والغزالي من أنها يمين إن نواها ويحمل حذف الألف على اللحن لأن الكلمة تجري كذلك على ألسنة العوام والخواص .
وهذا أوجه من كلام ابن الصلاح خلافا لبعض المتأخرين لأن البلة تكون بمعنى الرطوبة فلا يكون يمينا إلا بنية .
ولو قال أقسمت أو أقسم .
أو آليت أو أولي " أو حلفت أو أحلف بالله " الراجع لكل الصور " لأفعلن " كذا " فيمين " قطعا " إن نواها " لاطراد العرف باستعمال ذلك في اليمين لا سيما ذلك وقد نواه " أو أطلق " في الأصح لكثرة الاستعمال وقد قال تعالى " وأقسموا بالله جهد أيمانهم " " فيقسمان بالله " وقيل لا يكون ذلك يمينا لأن صلاحية أقسمت للماضي وأقسم للمستقبل وخرج بقوله بالله ما لو سكت عن ذكره فليس بيمين وإن نواه " وإن قال قصدت " بصيغة الماضي السابقة " خبرا ماضيا " أي الإخبار عن يمين ماضية " أو " أردت بصيغة المضارع السابقة " مستقبلا " أي يمينا في المستقبل " صدق باطنا " أي دين فيه قطعا حتى لا تلزمه الكفارة فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال ما يدعيه " وكذا ظاهرا على المذهب " لاحتمال ما نواه وفي قول لا وبه قطع بعضهم لظهور اللفظ في الإنشاء ( 4 / 324 ) .
تنبيه : .
محل الخلاف ما إذا لم يعلم له يمين ماضية وإلا قبل قوله في إرادتها قطعا .
ولو قال .
شخص " لغيره أقسم عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن " كذا " وأراد يمين نفسه فيمين " لاشتهاره في ألسنة حملة الشرع ويسن للمخاطب إبراره فيهما إن لم يتضمن الإبرار ارتكاب محرم أو مكروه فإن لم يبره فالكفارة على الحالف " وإلا " بأن أراد يمين المخاطب أو لم يرد يمينا بل التشفع إليه أو أطلق " فلا " يكون يمينا في الصور الثلاث لأنه لم يحلف هو ولا المخاطب ويحمل على الشفاعة في فعله ويكره السؤال بوجه الله ورد السائل به لحديث لا يسئل بوجه الله إلا الجنة وخبر من سأل بالله تعالى فأعطوه .
فروع لو حلف شخص بالله فقال آخر يمين في يمينك أو يلزمني ما يلزمك لم يلزمه شيء وإن نوى به اليمين لخلو ذلك عن اسم الله تعالى وصفة من صفاته وإن قال اليمين لازمة لي لم يلزمه شيء وإن نوى لما مر وإن قال أيمان البيعة لازمة لي وهي بيعة الحجاج فإن البيعة كانت على عهد رسول الله A بالمصافحة فلما ولى الحجاج رتبها أيمانا تشتمل على اسم الله تعالى وعلى الطلاق والعتاق والحج والصدقة لم يلزمه شيء وإن نوى لأن الصريح لم يوجد والكناية تتعلق بما يتضمن إيقاعا وأما في الالتزام فلا إلا أن ينوي الطلاق والعتاق فيلزمه لأن للكناية مدخلا فيهما ولو قال إن فعلت كذا فأيمان البيعة لازمة لي بطلاقها وعتاقها وحجها وصدقتها .
ففي التتمة أن الطلاق لا حكم له لأنه لا يصح التزامه والباقي يتعلق به الحكم إلا أنه في الحج والصدقة كنذر اللجاج والغضب .
وقول الحالف لاها الله بالمد والقصر كناية إن نوى به اليمين فيمن وإلا فلا وإن كان مستعملا في اللغة لعدم اشتهاره .
وقوله وايم الله بضم الميم أشهر من كسرها ووصل الهمزة ويجوز قطعها وأيمن الله كذلك وإنما لم يكن كل منهما يمينا إذا أطلق لأنه وإن اشتهر في اللغة وورد في الخبر لا يعرفه إلا الخواص .
وقوله لعمر الله والمراد منه البقاء والحياة كذلك وإنما لم يكن صريحا لأنه يطلق مع ذلك على العبادات .
وقوله على عهد الله وميثاقه وأمانته وذمته وكفالته كل منها كذلك .
سواء أضاف المعطوفات إلى الضمير كما مثل أم إلى الاسم الظاهر .
والمراد بعهد الله إذا نوى به اليمين استحقاقه لإيجاب ما أوجبه علينا وتعبدنا به وإذا نوى به غير العبادات التي أمرنا بها وقد فسر بها الأمانة في قوله تعالى " إنا عرضنا الأمانة " فإن نوى اليمين بالكل انعقدت يمين واحدة والجمع بين الألفاظ أكيد فلا يتعلق بالحنث فيها إلا كفارة واحدة ولو نوى بكل لفظ يمينا كان يمينا ولم يلزمه إلا كفارة واحدة كما لو حلف على الفعل الواحد مرارا .
ولو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي .
أو نصراني أو مستحل الخمر " أو بريء من الإسلام " ونحو ذلك كقوله بريء من الله أو من رسوله أو من الكعبة " فليس بيمين " لخلوه عن ذكر اسم الله تعالى وصفته ولا كفارة عليه في الحنث به والحلف بذلك معصية والتلفظ به حرام كما قاله المصنف في الأذكار هذا إذا قصد بذلك تبعيد نفسه عن ذلك المحلوف عليه أما لو قال ذلك على قصد الرضا بالتهود وما في معناه إذا فعل ذلك الفعل كفر في الحال فإن لم يعرف قصده لموت أو غيبة وتعذرت مراجعته ففي المهمات القياس تكفيره إذا عري عن القرائن الحاملة على غيره لأن اللفظ بوضعه يقتضيه وكلام الأذكار يقتضي خلافه اه " .
والأوجه ما في الأذكار .
قال في زيادة الروضة قال الأصحاب وإذا لم نكفره استحب له أن يستغفر الله تعالى ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله اه " .
ولا يحالف ذلك ما في الصحيحين من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله فإنه محمول على الندب وإن قال صاحب الاستقصاء بوجوب ذلك وتجب التوبة من كل معصية ويسن الاستغفار من كل تكلم بكلام قبيح .
ويشترط في انعقاد اليمين كون الحالف قاصدا معناه " و " حينئذ " من سبق لسانه إلى لفظها " أي اليمين " بلا قصد " لمعناها " لم تنعقد " يمينه لقوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " .
أي قصدتم بدليل الآية الأخرى " ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " ولغو اليمين كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها قول الرجل لا والله وبلى ( 4 / 325 ) والله رواه البخاري وصحح ابن حبان رفعه كأن قال ذلك في حال غضب أو لجاج أو صلة كلام .
قال ابن الصلاح والمراد بتفسير لغو اليمين بلا والله وبلى والله على البدل لا على الجمع .
أما لو قال لا والله وبلى والله في وقت واحد .
قال الماوردي كانت الأولى لغوا والثانية منعقدة لأنها استدراك فصارت مقصودة ولو حلف على شيء فسبق لسانه إلى غيره كان من لغو اليمين وجعل صاحب الكافي من لغو اليمين ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال والله لا تقوم وهو مما تعم به البلوى .
ولو ادعى سبق لسانه في إيذاء أو الحلف بطلاق أو عتق لم يقبل ظاهرا لتعلق حق الغير به .
تنبيه : .
لا حاجة لقوله بلا قصد بعد قوله ومن سبق لسانه .
وتصح .
اليمين " على ماض " كوالله ما فعلت كذا أو فعلته بالإجماع لقوله تعالى " يحلفون بالله ما قالوا " ثم إن كان عامدا فهي اليمين الغموس سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار وهي من الكبائر وتتعلق بها الكفارة خلافا للأئمة الثلاثة لقوله تعالى " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " وهو يعم الماضي والمستقبل .
وتعلق الإثم لا يمنع الكفارة كما أن الظهار منكر من القول وزور وتتعلق به الكفارة بل وفيه التعزير أيضا كما مر في فصل التعزير أنها مستثنى من قولهم يعزر كل معصية لا حد فيها ولا كفارة .
فإن جهل ففي الكفارة خلاف حنث الناسي وحيث صدق فلا شيء عليه .
والمراد بصدقه موافقة ما قصده إن احتمله اللفظ .
ولو خالف الظاهر إلا أن يحلفه حاكم فتعتبر موافقة ظاهر لفظ الحاكم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محله " و " على " مستقبل " لقوله A والله لأغزون قريشا ويستثنى ممتنع الحنث لذاته .
فإن اليمين فيه لا تنعقد كما مر أول الباب كقوله والله لأموتن أو لا أصعد السماء بخلاف ممتنع البر وتقدم الفرق بينهما فلو قيد ممتنع البر بزمن كلا أصعد السماء غدا هل يحنث في الحال حكمه حكم ما لو حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا وسيأتي " وهي " أي اليمين " مكروهة " للنهي عنها .
بقوله تعالى " ولا تجعلوا الله عرضة لاءيمانكم " أي لا تكثروا الحلف بالله لأنه ربما يعجز عن الوفاء به .
قال حرملة سمعت الشافعي يقول ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا .
تنبيه : .
كان الأولى للمصنف أن يقول في الجملة كما في المحرر إذ منها ما هو معصية كما سيأتي في كلامه ومنها ما هو مباح ومنها ما هو مستحب وقد تجب " إلا في طاعة " من فعل واجب أو مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة واستثنى الرافعي اليمين الواقعة في دعوى إن كانت صدقا فإنها لا تكره .
قال المصنف C وكذا لو احتاج إليها لتوكيد كلام وتعظيم أمر فالأول كقوله A فوالله لا يمل الله حتى تملوا والثاني كقوله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وضابطه الحاجة إلى اليمين .
قال الإمام ولا تجب اليمين أصلا لا على المدعي ولا على المدعى عليه وأنكره الشيخ عز الدين .
وقال إذا كان المدعي كاذبا في دعواه وكان المدعى به مما لا يباح بالإباحة كالدماء والأبضاع فإن علم المدعى عليه أن خصمه لا يحلف إذا نكل فيتخير إن شاء حلف وإن شاء نكل وإن علم أو غلب على ظنه أنه يحلف وجب عليه الحلف فإن كان يباح بالإباحة وعلم أو ظن أنه لا يحلف فيتخير أيضا وإلا فالذي أراه وجوب الحلف دفعا لمفسدة كذب الخصم اه " .
وينبغي أن لا يجب عليه في هذه الحالة " فإن حلف على ترك واجب " كترك الصبح " أو فعل حرام " كالسرقة " عصى " بحلفه في الصورتين واستثنى البلقيني من الصورة الأولى مسألتين الأولى الواجب الذي يمكن سقوطه كالقصاص بعد الحكم به فإنه يمكن سقوطه بالعفو الثانية الواجب على الكفاية كما لو حلف لا يصلي على فلان الميت حيث لم تتعين عليه فإنه لا يعصي بهذا الحلف " ولزمه " عند عصيانه " الحنث وكفارة " لأن الإقامة على هذه الحالة معصية لخبر الصحيحين من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه .
تنبيه : .
إنما يلزمه الحنث كما قال الزركشي إذا لم يكن له طريق سواه وإلا فلا كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقا سواه كأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها لأن الغرض حاصل مع بقاء التعظيم وعصى بالحنث وعليه به الكفارة .
أو .
حلف على " ترك مندوب " كسنة الضحى " أو " على " فعل مكروه " كالتفاته بوجهه في الصلاة " سن حنثه وعليه الكفارة " لأن اليمين والإقامة عليها مكروهان لقوله تعالى " ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة " الآية وعكس مسألة ( 4 / 326 ) الكتاب لو حلف على فعل واجب أو ترك حرام أطاع باليمين نزلت في الصديق Bه وقد حلف أن لا يبر مسطحا فقال أبو بكر بلى رب وبره وأجيب عن حديث الأعرابي حيث لم ينكر عليه A في قوله والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه بأن يمينه تضمنت طاعة وهو امتثال الأمر ويحتمل أنه سبق لسانه إلى قوله لا أزيد فكان من لغو اليمين .
تنبيه : .
اختلف فيما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما فقيل مكروه لقوله تعالى " قل من حرم زينة الله " الآية وقيل طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش وقيل يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغهم للعبادة واشتغالهم بالضيق والسعة وهذا كما قال الرافعي الصواب .
أو .
على " ترك مباح " معين " أو فعله " كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب " فالأفضل " له " ترك الحنث " بل يسن لما فيه من تعظيم الله تعالى وقد قال تعالى " ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها " " وقيل " الأفضل له " الحنث " لينتفع الفقراء بالكفارة قال الأذرعي ويشبه أن محل الخلاف ما إذا لم يكن في ذلك أذى للغير فإن كان بأن حلف لا يدخل دار أحد أبويه أو أقاربه أو صديق يكره ذلك فالأفضل الحنث قطعا وعقد اليمين على ذلك مكروه بلا شك وكذا حكم الأكل واللبس .
تنبيه : .
من حلف على فعل مندوب أو ترك مكروه وكره حنثه وعليه بالحنث كفارة وقد علم بما تقرر أن اليمين لا تغير حال المحلوف عليه عما كان وجوبا وتحريما وندبا وكراهة إباحة لكن قول المتن في المباح الأفضل ترك الحنيث فيه تغير للمحلوف عليه ولذلك رجح بعضهم أن فيه التخيير بين الحنث وعدمه فيكون جاريا على القاعدة .
وله .
أي الحالف " تقديم كفارة بغير صوم " من عتق أو إطعام أو كسوة " على حنث جائز " واجب أو مندوب أو مباح لقوله A فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح .
ولأنه حق مالي وجب بسببين فجاز تعجيله بعد وجود أحدهما كالزكاة قبل الحول لكن الأولى أن لا يكفر حتى يحنث خروجا من خلاف أبي حنيفة واحترز بقوله على حنث عن تقديمها على اليمين فإنه يمتنع بلا خلاف وكذا مقارنتها لليمين كما لو وكل من يعتق عنها مع شروعه في اليمين .
أما الصوم فيمتنع تقديمه على الحنث على الصحيح لأنه عبادة بدنية فلم يجز تقديمها على وقت وجوبها بغير حاجة كصوم رمضان واحترز بغير حاجة عن الجمع بين الصلاتين " قيل و " له تقديمها على حنث " حرام " كالحنث بترك واجب أو فعل حرام " قلت هذا " الوجه " أصح والله أعلم " من مقابله وهو المنع الذي جرى عليه في المحرر وعلله بأنه يتطرق به لارتكاب محظور والتعجيل رخصة فلا تليق بالعاصي لأن الحظر في الفعل ليس من حنث اليمين لأن المحلوف عليه حرام قبل اليمين وبعدها فالتكفير لا يتعلق به استباحة .
تنبيه : .
إذا قدم الكفارة على الحنث ولم يحنث استرجع كالزكاة قاله الدارمي .
ولو قدم العتق اشترط في إجزائه بقاء العتيق حيا مسلما إلى الحنث فلو مات أو ارتد قبله لم يجزه ولو أعتق عبدا عن كفارته ومات قبل حنثه كأن عتقه تطوعا كما صرح به البغوي في فتاويه .
فروع لو قال أعتقت عبدي عن كفارتي إن حنثت فحنث أجزأه وإن قال إن حلفت لم يجزه ولو قال إن حنثت غدا فعبدي حر عن كفارتي فإن حنث غدا عتق وأجزأه عنها وإلا فلا .
ولو قال أعتقته عن كفارتي إن حنثت فبان حانثا عتق وأجزأه عنها وإلا فلا .
نعم إن حنث بعد ذلك أجزأه عنها ولو قال إن حلفت وحنثت فبان ( 4 / 327 ) حاله لم يجزه قاله البغوي للشك في الحلف .
و .
له تقديم " كفارة ظهار " بغير صوم كما مر من عتق أو إطعام " على العود " في الظهار لأنه أحد السببين والكفارة منسوبة إليه كما أنها منسوبة إلى اليمين وصوروا التقديم على العود بما إذا ظاهر من رجعية ثم كفر ثم راجعها وبما إذا طلق بعد الظهار رجعيا ثم كفر ثم راجع .
أما إذا أعتق عقب الظهار عنه فهو تكفير مع العود لا قبله لأن اشتغاله بالعتق عود واحترز بقوله على العود عن تقديمها على الظهار فلا يجوز جزما " و " له تقديم كفارة " قتل على الموت " منه بعد حصول الجرح وتقديم جزاء الصيد قبل الموت وبعد الجرح لأنه بعد وجود السبب ولا يجوز تقديمها على الجرح " و " له أيضا تقديم كفارة على " منذور مالي " على المعلق عليه كأن قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق رقبة أو أتصدق بكذا فيجوز تقديمه على الشفاء كالزكاة يجوز تقديمها على الحول وما صححاه في أصل الروضة والمجموع في تعجيل الزكاة من أنه لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي عتق رقبة فأعتق قبل الشفاء أنه لا يجوز .
قال البلقيني هو غير معتمد والجاري على قاعدة الشافعي في تعجيل الزكاة وكفارة اليمين المالية وزكاة الفطر الجواز اه " .
وخرج بالمالي البدني كالصوم فلا يجوز تقديمه على المشروط .
تتمة لا يجوز تقديم كفارة الجماع في رمضان أو الحج أو العمرة عليه وكذا تقديم فدية الحلق واللبس والطيب عليها .
ويشترط في انعقاد اليمين كون الحالف قاصدا معناه " و " حينئذ " من سبق لسانه إلى لفظها " أي اليمين " بلا قصد " لمعناها " لم تنعقد " يمينه لقوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " .
نعم إن جوزت هذه الثلاثة لعذر كمرض جاز تقديمها لوجود السبب