جمع طعام أي بيان ما يحل أكله وشربه منها وما يحرم إذ معرفة أحكامها من المهمات لأن في تناول الحرام الوعيد الشديد فقد ورد في الخبر أي لحم نبت من حرام فالنار أولى به .
والأصل فيها قوله تعالى " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما " الآية وقوله تعالى " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " أي ما تستطيبه النفس وتشتهيه ولا يجوز أن يراد الحلال لأنهم سألوه عما يحل لهم فكيف يقول أحل لكم الحلال " .
فائدة : .
اسم الطيب يقع على أربعة أشياء الحلال ومنه " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات " والطاهر ومنه " فتيمموا صعيدا طيبا " وما لا أذى فيهم كقولهم هذا يوم طيب وما تستطيبه النفس كقولهم هذا طعام طيب .
حيوان البحر .
وهو ما لا يعيش إلا في الماء وعيشه خارجه كعيش المذبوح منه ما ليس له رئة كأنواع السمك ومنه ما له رئة كالضفدع فإنها تجمع بين الماء والهواء " .
فائدة : .
روى القزويني عن ابن عمر Bهما أن النبي A قال إن الله خلق في الأرض ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر .
وقال مقاتل بن حيان لله تعالى ثمانون ألف عالم أربعون ألفا في البحر وأربعون ألفا في البر .
السمك منه .
أي ما هو بصورته المشهورة " حلال كيف مات " حنف أنفه أو بسبب ظاهر كصدمة حجر أو ضربة صياد أو انحسار ماء راسبا كان أو طافيا لقوله تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه " أي مصيده ومطعومه وقال جمهور الصحابة طعامه ما طفا على وجه الماء وإلى هذا يشير قوله A هو الطهور ماؤه الحل ميتته والصحيح في حديث العنبر أنهم وجدوه بشاطىء البحر ميتا فأكلوا منه وقدموا منه إلى النبي A فأكل منه نعم إن انتفخ الطافي بحيث يخشى منه السقم يحرم للضرورة قاله الجويني و الشاشي .
تنبيه : .
كلام المصنف قد يوهم توقف الحل على موته وليس مرادا وقد مر في الصيد والذبائح أنه يحل بلع سمكة حية وأنه يحل قلي صغار السمك من غير أن يشق جوفه ويعفى عما فيه وأنه لو وجد سمكة في جوف سمكة ( 4 / 298 ) حل أكلها إلا أن تكون قد تغيرت فيحرم لأنها صارت كالقيء .
وكذا غيره .
أي السمك مما ليس على صورته المشهورة كخنزير الماء وكلبه حلال " في الأصح " المنصوص لإطلاق الآية والحديث المارين وعن أبي بكر Bه كل دابة تموت في البحر فقد ذكاها الله لكم " وقيل لا " يحل لأنه لا يسمى سمكا والأول يقول يسماه وعلى الأول لا يشترط فيه الذكاة لأنه حيوان ولا يعيش إلا في الماء .
تنبيه : .
كلام المصنف صريح في انقسام حيوان البحر إلى سمك وغيره وهو مخالف لتصحيح الروضة وأصلها أن السمك يقع على جميعها ولهذا أولت قول المصنف منه ما هو بصورته المشهورة وقوله وكذا غيره مما ليس على صورته المشهورة ويشهد له قول الروضة ما ليس على صورة السمك المشهورة .
وقيل إن أكل مثله في البر .
كالبقر والغنم " حل " أكله ميتا " وإلا " بأن لم يؤكل مثله في البر " فلا " يحل " ككلب وحمار " اعتبارا لما في البحر بما في البر ولأن الاسم يتناوله فأجرى عليه حكمه فعلى هذا الوجه ما لا نظير له في البر يحل لحديث العنبر المشهور في الصحيح أما إذا ذبح ما أكل شبهه في البر فإنه يحل جزما ولو كان يعيش في البر والبحر لأنه حينئذ كحيوان البر وحيوان البر يحل مذبوحا فمحل الخلاف إذا أكل ميتا كما قدرته " وما يعيش في بر وبحر كضفدع " بكسر الضاد مع فتح الدال وكسرها بخطه ويجوز فتح الضاد مع كسر الدال وضمها مع فتح الدال وكنيته أبو المسيح وهو من الحيوان الذي لا عظم له " وسرطان " ويسمى أيضا عقرب الماء وكنيته أبو بحر " وحية " ويطلق على الذكر والأنثى ودخلت الهاء للوحدة لأنه واحد من جنسه كدجاجة وعقرب وترسة وهي اللجأة وسلحفاة بضم السين وفتح اللام وبمهملة ساكنة وتمساح " حرام " للسمية في الحية والعقرب وللاستخباث في غيرهما ولأن التمساح يتقوى بنابه وقضيته تحريم القرش بكسر القاف ويقال له اللخم بفتح اللام والخاء المعجمة لكن أجاب المحب الطبري تبعا لابن الأثير في النهاية بحله وهو الظاهر وفي تحريم النسناس بكسر النون وجهان أوجههما كما جرى عليه ابن المقري التحريم وهو على خلقة الناس قاله القاضي أبو الطيب وغيره وقال الجوهري وهو جنس من الخلق يثب على رجل واحدة .
وقال المسعودي له عين واحدة يخرج من الماء ويتكلم ومتى ظفر بالإنسان قتله يوجد في جزائر الصين ينقر كما ينقر الطير وفي المحكم أنه سبع من أخبث السباع .
تنبيه : .
قد يفهم كلامه أن الحية التي لا تعيش إلا في الماء حلال لكن صرح الماوردي بتحريمها هي وغيرها من ذوات السموم البحرية .
قال المصنف في مجموعه قلت الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر تحل ميتته إلا الضفدع ويحمل ما ذكره الأصحاب أو بعضهم من السلحفاة والحية والنسناس على غير ما في البحر اه " .
ويوافقه قول الشامل بعد نقله نصوص الحل .
قال أصحابنا أو بعضهم يحل جميع ما فيه إلا الضفدع للنهي عن قتله اه " .
والنهي هو ما صح عن ابن عمر أنه قال لا تقتلوا الضفادع فإن نعيقها تسبيح وقال بعض الفقهاء إنما حرم لأنه كان جار الله في الماء الذي كان عليه العرش قبل خلق السموات والأرض وظاهر كما قال شيخنا أنه على هذا تستثنى ذوات السموم أيضا .
قال ابن قاسم ومما عمت به البلوى أكل الدنيلس في مصر والسرطان في الشام اه " .
أما السرطان فقد تقدم الكلام فيه وأما الدنيلس فعن ابن عبد السلام وعلماء عصره أنه يحل أكله وهذا هو الظاهر لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه وعن ابن عبد السلام أنه أفتى بتحريمه .
قال الزركشي وهو الظاهر لأنه أصل السرطان لتولده منه وقال الدميري لم يأت على تحريمه دليل وما نقل عن ابن عبد السلام لم يصح فقد نص الشافعي على أن حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه يؤكل لعموم الآية والاخبار .
وحيوان البر يحل منه الأنعام .
وهي الإبل والبقر والغنم وإن اختلفت أنواعها لقوله تعالى " أحلت لكم بهيمة الأنعام " " والخيل " ولا واحد له من لفظه كقوم وقيل مفرده خائل لا فرق في ذلك بين العربية وغيرها عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل وفيهما عن أسماء رضى الله عنها قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله A وأكلناه ونحن بالمدينة .
وأما خبر خالد في النهي عن أكل لحوم الخيل فقال الإمام أحمد وغيره منكر وقال أبو داود منسوخ والاستدلال على التحريم بقوله تعالى " لتركبوها لخبر الصحيحين عن جابر نهى رسول الله ( 4 / 299 ) A يوم خيبر وزينة " ولم يذكر الأكل مع أنه في سياق الامتنان مردود كما ذكره البيهقي وغيره فإن الآية مكية بالاتفاق ولحوم الحمر إنما حرمت يوم خيبر سنة سبع بالاتفاق فدل على أنه لم يفهم النبي A ولا الصحابة في الآية تحريما لا للحمر ولا لغيرها فإنها لو دلت على تحريم الخيل دلت على تحريم الحمر وهم لم يمنعوا منها بل امتدت الحال إلى يوم خيبر فحرمت وأيضا الاقتصار على ركوبها والتزين بها لا يدل على نفي الزائد عليهما وإنما خصهما بالذكر لأنهما معظم المقصود من الخيل كقوله تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " لأنه معظم مقصوده وقد أجمعوا على تحريم شحمه ودمه وسائر أجزائه .
وبقر وحش .
وهو أشبه شيء بالمعز الأهلية وقرونها صلاب جدا تمنع بها عن نفسها " وحماره " أي الوحش لأنهما من الطيبات ولما في الصحيحين أنه A قال في الثاني كلوا من لحمه وأكل منه .
وقيس به الأول ولا فرق في حمار الوحش بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه كما أنه لا فرق في تحريم الأهلي بين الحالين " وظبي " وظبية بالإجماع " وضبع " بضم الموحدة بخطه ويجوز سكونها اسم للأنثى لأنه A قال يحل أكله رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه وما زال الناس يأكلونها بين الصفا والمروة من غير نكير ولأن نابها ضعيف لا تتقوى ولا تعيش به وهو من أحمق الحيوان لأنه يتناوم حتى يصاد .
قال الدميري ومن عجيب أمرها أنها تحيض وتكون سنة ذكرا وسنة أنثى ويقال للذكر ضبعان " وضب " لأنه أكل على مائدته A بحضرته ولم يأكل منه فقيل له أحرام هو قال لا ولكنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه رواه الشيخان وخبر النهي عنه إن صح محمول على التنزيه وهو حيوان للذكر منه ذكران وللأنثى فرجان لا تسقط أسنانه إلى أن يموت " وأرنب " بالتنوين بخطه وفي بعض الشروح بلا تنوين لمنع صرفه وهو واحد الأرانب وحيوان شبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة يطأ الأرض على مؤخر قدميه لأنه بعث بوركها إلى النبي A فقبله وأكل منه رواه البخاري ولم يبلغ أبا حنيفة ذلك فحرمها محتجا بأنها تحيض كالضبع وهي محرمة عنده أيضا " وثعلب " بمثلثة أوله لأنه لا يتقوى بنابه ولأنه من الطيبات وكنيته أبو الحصين والأنثى ثعلبة وكنيتها أم هويل " ويربوع " لأن العرب تستطيبه ونابه ضعيف وأوجب فيه عمر Bه على المحرم إذا قتله جفرة وهو حيوان يشبه الفأر قصير اليد طويل الرجلين أبيض البطن أغبر الظهر بطرف ذنبه شعرات ووقع للدميري في شرحه قصير اليدين والرجلين " وفنك " بفتح الفاء والنون لأن العرب تستطيبه وهو حيوان يؤخذ من جلده الفرو للينه وخفته " وسمور " بفتح المهملة وضم الميم المشددة وهو حيوان يشبه السنور لأن العرب تستطيب ذلك وهما نوعان من ثعالب الترك .
تتمة يحل أيضا القنفذ بالذال المعجمة والوبر بإسكان الموحدة دويبة أصغر من الهر كحلاء العين لا ذنب لها والدلدل وهو بإسكان اللام بين الدالين المهملتين المضمومتين دابة قدر السخلة ذات شوك طوال يشبه السهام وفي الصحاح أنه عظيم القنافذ وابن عرس وهو دويبة رقيقة تعادي الفأر تدخل جحره وتخرجه وجمعه بنات عرس والحواصل جمع حوصلة ويقال له حوصل وهو طائر أبيض أكبر من الكركي ذو حوصلة عظيمة يتخذ منها فرو ويكثر بمصر ويعرف بها بالبجع .
والفاقم بضم القاف الثانية دويبة يتخذ جلدها فروا وذلك لأن ما ذكر من الطيبات .
ويحرم بغل .
للنهي عن أكله في خبر أبي داود بإسناد على شرط مسلم ولتولده بين حلال وحرام فإنه متولد بين فرس وحمار أهلي فإن كان الذكر فرسا كان شديد الشبه بالحمار أو حمارا كان الذكر شديد الشبه بالفرس فإن تولد بين فرس وحمار وحشي أو بين فرس وبقر حل بلا خلاف " وحمار أهلي " وإن توحش للنهي عنه في خبر الصحيحين ( 4 / 300 ) وكنيته أبو زياد وكنية الأنثى أم محمود " وكل ذي " أي صاحب " ناب من السباع " وهو كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه ما يعدو على الحيوان ويتقوى بنابه " و " ذي " مخلب " بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة أي ظفر " من الطير " للنهي عن الأول في خبر الصحيحين وعن الثاني في خبر مسلم فذو الناب " كأسد " وذكر له ابن خالويه خمسمائة اسم وزاد علي بن جعفر عليه مائة اسم وثلاثين اسما " ونمر " بفتح النون وكسر الميم وبإسكان الميم مع ضم النون وكسرها حيوان معروف أخبث من الأسد سمي بذلك لتنمره واختلاف لون جسده يقال تنمر فلان أي تنكر وتغير لأنه لا يوجد غالبا إلا غضبان معجب بنفسه ذو قهر وسطوات عتيدة ووثبات شديدة إذا شبع نام ثلاثة أيام ورائحة فيه طيبة " وذئب " بالهمز وعدمه حيوان معروف يلتحم عند السفاد كالكلب وهو موصوف بالانفراد والوحدة وكنيته أبو جعدة والأنثى ذيبة ومن طبعه أنه لا يعود إلى فريسة شبع منها وينام بإحدى عينيه والأخرى يقظى حتى تكتفي العين النائمة من النوم ثم يفتحها وينام بالأخرى ليحترس باليقظى ويستريح بالنائمة وفيه حاسة للشم يشم الشيء من فرسخ وإذا جاء الشتاء دخل وكره ولا يخرج منه حتى يطيب الهواء فإذا جاع مص أصابع يديه ورجليه فيندفع عنه بذلك الجوع ويخرج أسمن ما كان ويسفد الذكر الأنثى مضطجعة على الأرض وتضع جروها قطعة لحم غير مميز الجوارح فلا تزال تلحسه حتى تتميز أعضاؤه .
ودب .
بضم الدال المهملة وكنيته أبو حيد والأنثى دبة " وفيل " وجمعه فيلة وأفيال وكنيته أبو العباس والفيل المذكور في القرآن كنيته أبو العباس واسمه محمود والذكر ينزو إذا تم له خمس سنين وتحمل الأنثى لسنتين وهو صاحب حقد ولسانه مقلوب ولولا ذلك لتكلم ويخاف من الهرة خوفا شديدا وفيه من الفهم ما يقبل به التأديب والتعليم ويمر كثيرا والهند تعظمه لما اشتمل عليه من الخصال المحمودة " وقرد " وجمه قردة وقرود وهو حيوان قبيح مليح ذكي سريع الفهم تلد الأنثى في البطن الواحد العشرة والاثني عشر وهو يشبه الإنسان في غالب حالاته فإنه يضحك ويضرب ويتناول الشيء بيده ويأنس بالناس والذكر شديد الغيرة على الإناث ومن ذي الناب الكلب والخنزير والفهد بفتح الفاء وكسرها مع كسر الهاء وإسكانها والببر بباءين موحدتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وهو ضرب من السباع يعادي الأسد من العدو لا من المعاداة ويقال له الفرانق بضم الفاء وكسر النون شبيه بابن آوى " و " ذي المخلب نحو " باز " من أشد الحيوان وأضيقه خلقا وهو مذكر ويقال في التثنية بازان وفي الجمع بزاة " وشاهين " هو فارسي معرب " وصقر ونسر " بفتح النون ويقال بتثليثها " وعقاب " وكنيته أبو الحجاج .
تنبيه : .
دخل في ذلك جميع جوارح الطير لاستخبائها خلافا ل مالك حيث قال يكره وجعل المصنف الصقر قسما للبازي والشاهين وأنكره في تحرير التنبيه لأنه لا يقال للبزاة والشواهين وغيرها صقور .
وأجاب بأنه من ذكر الخاص بعد العام ويجاب عنه هنا بما أجاب .
ويستثنى من المخلب الضبع والثعلب واليربوع .
وكذا ابن آوى .
بالمد بعد الهمز وهو فوق الثعلب ودون الكلب طويل المخالب فيه شبه من الذئب وشبه من النعث وسمي بذلك لأنه يأوي إلى عواء أبناء جنسه ولا يعوي إلا ليلا إذا استوحش وبقي وحده وصياحه يشبه صياح الصبيان " وهرة وحش " يحرمان " في الأصح " .
أما ابن آوى فلأنه مستخبث وله ناب يعدو به ويأكل الميتة ووجه حله أن نابه ضعيف وأما الهرة فلأنها تعدو بنابها فتشبه الأسد ووجه حلها أنها حيوان ينقسم إلى أهلي ووحشي فيحل الوحش منه ويحرم الأهلي كالحمار .
واحترز بالوحشية عن الأهلية فإنها حرام أيضا على الصحيح ففي الحديث أنها سبع وقيل تحل لضعف نابها .
تنبيه : .
قال الدميري لو قال المصنف وهرة وحذف لفظ وحش لكان أشمل وأخصر انتهى .
وقد يتعذر عنه باختلاف التصحيح كما علم من التقرير وإن أوهم كلامه الجزم بحرمتها .
وأما ابن مقرض وهو بضم الميم وكسر الراء ( 4 / 301 ) وبكسر الميم وفتح الراء الدلق بفتح اللام فلا يحرم لأن العرب تستطيبه ونابه ضعيف وهذا ما جرى عليه ابن المقري وهو مقتضى كلام الرافعي والذي نقله في أصل الروضة عن تصحيح الأكثرين وما صححه المصنف في مجموعه من تحريمه لأنه ذو ناب غلطه فيه الإسنوي وغيره وهو دويبة أكهل اللون طويل الظهر أصغر من الفأر يقتل الحمام ويقرض الثياب .
وأما النمس الذي يأوي الخراب من الدور ونحوها فهو نوع من القردة فيحرم لأنه يفترس الدجاج فهو كابن آوى .
ويحرم .
أكل " ما ندب قتله " لإيذائه " كحية " ويقال للذكر والأنثى " وعقرب " اسم للأنثى ويقال للذكر عقربان بضم العين والراء " وغراب أبقع " وهو الذي فيه سواد وبياض وتقييد المصنف به يوهم حل غيره وسيأتي الكلام عليه " وحدأة " بوزن عنبة " وفأرة " بالهمز وكنيتها أم خراب وجمعها فأر بالهمز " وكل سبع " بضم الباء " ضار " بالتخفيف أي عاد والبرغوث بضم الباء والزنبور بضم الزاي والبق والقمل لخبر الصحيحين خمس تقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور وفي رواية لمسلم والغراب الأبقع والحية بدل العقرب وفي رواية لأبي داود والترمذي ذكر السبع العادي مع الخمس وقيس بهن الباقي لإيذائها ولأن الأمر بقتل ما ذكر إسقاط لحرمته ومنع من اقتنائه ولو أكل لجاز اقتناؤه واستثنى من عموم تحريم ما أمر بقتله البهيمة المأكولة اللحم إذا وطئها الآدمي فإنه يحل أكلها على الأصح كما ذكر في باب الزنا مع الأمر بقتلها .
تنبيه : .
احترز بالضاري عن نحو الضبع والثعلب مما نابه ضعيف فهذه المذكورات إنما ندب قتلها لإيذائها كما مر إذ لا نفع فيها وما فيه نفع ومضرة لا يستحب قتله لنفعه ولا يكره لضرره ويكره قتل من لا ينفع ولا يضر كالخنافس جمع خنفساء بضم الفاء أفصح من فتحها والجعلان بكسر الجيم ويقال له أبو جعران وهو دويبة معروفة تسمى الزعقوق تعض البهائم في فرجها فتهرب وهي أكبر من الخنفساء شديدة السواد في بطنها لون حمرة للذكر قرنان والرخم والكلب غير العقور الذي لا منفعة فيه مباحة .
وكذا رخمة .
وهي طائر يشبه النسر في الخلفة وكنيتها أمم قيس لخبث غذائها " وبغاثة " بتثليث الموحدة وبالمعجمة والمثلثة لأنها كالحدأة وهو طائر أبيض بطيء الطيران أصغر من الحدأة له مخلب ضعيف .
تنبيه : .
يحرم أيضا النهاس بسين مهملة طائر صغير ينهس اللحم بطرف منقاره وأصل النهس أكل اللحم بطرف الأسنان وأما النهش بالمعجمة فهو الأكل بجميعها فتحرم الطيور التي تنهس كالسباع التي تنهش لاستخبائها .
والأصح حل غراب زرع .
وهو أسود صغير يقال له الزاغ وقد يكون محمر المنقار والرجلين لأنه مستطاب يأكل الزرع فأشبه الفواخت والثاني نظر إلى أنه غراب .
وأما ما عدا الأبقع وغراب الزرع فأنواع أحدها العقعق ويقال له القعقع وهو ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب قصير الجناح عيناه يشبهان الزئبق صوته العقعقة كانت العرب تتشاءم بصوته .
ثانيها الغداف الكبير ويسمى الغراب الجبلي لأنه لا يسكن إلا الجبال فهذان حرامان لخبثهما ثالثها الغداف الصغير وهو أسود رمادي اللون وهذا قد اختلف فيه فقيل يحرم كما صححه في أصل الروضة وجرى عليه ابن المقري للأمر بقتل الغراب في خبر مسلم وقيل بحله كما هو قضية كلام الرافعي وهو الظاهر وقد صرح بحله البغوي و الجرجاني و الروياني وعلله بأنه يأكل الزرع واعتمده الإسنوي و البلقيني .
و .
الأصح " تحريم ببغا " بفتح الموحدتين وتشديد الثانية ومنهم من يسكنها وبغين معجمة وبالقصر طائر أخضر .
وهو المعروف بالدرة بضم الدال المهملة وتشديد الراء المفتوحة له قوة على حكاية الأصوات وقبول التلقين .
قال ابن مطرف ولا يعرف لها اسم ذكر من لفظها " و " يحرم " طاووس " وهو طائر في طبعه العفة وحب الزهو بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه وهو مع حسنه يتشاءم به ووجه تحريمه وما قبله خبثهما .
والثاني يمنع ذلك ( 4 / 302 ) تتمة يحرم أيضا ملاعب ظله هو طائر يسبح في الجو مرارا كأنه ينصب على طائر والضبوع وهو بضاد معجمة مضمومة يقع على الذكر والأنثى يقول في صياحه صدا أو قياد فيختص بالذكر وكنية الأنثى أم الحراب وأم الصبيان ويقال لها غراب الليل وتحريم هذه الثلاثة لاستخباثها .
وتحل نعامة .
بالإجماع ولأن الصحابة Bهم قضوا فيها إذا قتلها المحرم ببدنة وكنيتها أم البيض وليست بطائر عند المتكلمين في طبائع الحيوان ولو كانت تبيض ولها جناح وريش " و " يحل " كركي " قطعا وما أوهمه كلام العبادي من جريان الخلاف فيه شاذ وهو طائر كبير معروف كنيته أبو نعيم وفي طبعه التحارس بالنوبة في الليل وإذا كبر أبواه عالهما ولا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه ويعلق الأخرى وإذا وضعهما وضعهما وضعا خفيفا مخافة أن تخسف الأرض به " و " يحل طير الماء وهو أنواع منها " بط " بفتح أوله " وأوز " بكسر أوله وفتح ثانيه لأنهما من الطيبات .
تنبيه : .
عطفه على البط يقتضي تغايرهما وفسر الجوهري وغيره الإوز بالبط .
وقال الدميري في شرحه البط هو الإوز الذي لا يطير .
تنبيه : .
جميع طيور الماء حلال لأنها من الطيبات إلا اللقلق وهو طير طويل العنق يأكل الخبائث ويصف فلا يحل لاستخباثه .
وروي كل ما رف ودع ما صف .
و .
يحل " دجاج " بالإجماع وهو بتثليث أوله والفتح أفصح يقع على الذكر والأنثى والواحدة دجاجة وليست الهاء للتأنيث وحله بالإجماع سواء إنسيه ووحشيه ولأنه A أكله رواه الشيخان .
و .
يحل " حمام " بسائر أنواعه لأنه من الطيبات ويقع على الذكر والأنثى الواحدة حمامة وليست الهاء فيها للتأنيث " وهو " عند الجوهري نقلا عن العرب ذوات الأطواق كالفواخت والمقاري وعند المصنف ك الشافعي نقلا عن الأزهري " وكل ما عب " أي شرب الماء من غير تنفس بأن شرب جرعة بعد جرعة من غير مص " وهدر " أي رجع الصوت .
تنبيه : .
جمع بينهما تبعا للمحرر .
وقال في الروضة في جراء الصيد أنه لا حاجة إلى وصفه بالهدير مع العب فإنهما متلازمان ولهذا اقتصر الشافعي Bه على العب ويحل الورشان وهو بفتح الواو والراء ذكر القمري وقيل طائر متولد بين الفاختة والحمامة ويحل القطا جمع قطاة وهو طائر معروف والحجل بالفتح جمع حجلة وهو طائر على قدر الحمام كالقطا أحمر المنقار والرجلين ويسمى دجاج البر وهذه الثلاثة قال في الروضة أنها أدرجت في الحمام .
و .
يحل كل " ما على شكل عصفور " بضم أوله بخطه وحكي فتحها سمي بذلك لأنه عصى وفر وكنيته أبو يعقوب والأنثى عصفورة لأنه من الطيبات " وإن اختلف لونه ونوعه كعندليب " بفتح العين والدال المهملتين وبينهما نون وآخره موحدة بعد تحتانية وهو الهزار " وصعوة " بفتح الصاد وسكون العين المهملتين صغار العصافير المحمرة الرأس " وزرزور " وهو بضم الزاي طائر من نوع العصفور سمي بذلك لزرزرته أي تصويته ونغر بضم النون وفتح المعجمة عصفور صغير أحمر الأنف .
وبلبل بضم الباءين .
وكذا الحمرة بضم الحاء المهملة وتشديد الميم المفتوحة .
قال الرافعي ويقال إن أهل المدينة يسمون البلبل النغرة والحمرة .
ولا .
يحل ما نهي عن قتله وهو أمور منها " خطاف " بضم الخاء وتشديد الطاء وجمعه خطاطيف ويسمى زوار الهند ويعرف عند الناس بعصفور الجنة لأنه زهد فيما في أيديهم من الأقوات .
قال الدميري ومن عجيب أمره أن عينه تقلع فتعود ولا يفرخ في عش عتيق حتى يطينه بطين جديد .
وأما الخفاش ويقال له الوطواط فقطع الشيخان بتحريمه مع جزمهما في محرمات الإحرام بوجوب قيمته إذا قتله المحرم أو في الحرم مع تصريحهما بأن ما لا يؤكل لا يجب ضمانه والمعتمد ما هنا .
وظاهر كلامهما أن الخطاف والخفاش متغايران واعترضا بأن الخفاش والخطاف واحد وهو الوطواط كما قاله أهل اللغة وأجيب بأن كلاهما ليس باعتبار اللغة بل باعتبار العرف ففي تهذيب الأسماء واللغات أن الخطاف عرفا ( 4 / 303 ) وهو طائر أسود الظهر أبيض البطن يأوي البيوت في الربيع وأما الوطواط وهو الخفاش فهو طائر صغير لا ريش له يشبه الفأرة يطير بين المغرب والعشاء ولهذا أفردهما الفقهاء بالذكر وإن أطلق اللغويون اسم أحدهما على الآخر .
ومنها هدهد وصرد وهو بالحروف المهملة طائر فوق العصفور يصيد العصافير " ونمل " وكنيته أبو مشغول والواحدة نملة وكنيتها أم مارن سميت نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها .
قال الخطابي إن النهي الوارد في قتل النمل المراد به النمل السليماني وهو الكبير .
أما الصغير ففي الاستقصاء نقلا عن إيضاح الصيمري أنه لا يحرم قتله لأنه مؤذ وذكره البغوي أيضا ووافق عليه في المجموع " ونحل " وهو ذباب العسل والواحدة نملة " وذباب " بضم أوله المعجم وكنيته أبو جعفر وهو أجهل الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة وضرب الله به المثل في القرآن وهو أصناف كثيرة " و " لا تحل " حشرات " بفتح الشين المعجمة صغار دواب الأرض وصغار هوامها الواحدة حشرة بالتحريك " كخنفساء " بضم الخاء وفتح ثالثه أشهر من ضمه وبالمد وكنيتها أم الفسو وهي أنواع منها بنات وردان وحمار قبان والصرصار وتحرم ذوات السموم والإبر والوزغ بأنواعها لاستخباثها ولأنه A أمر بقتلها ووقع في الرافعي أنه نهى عن قتلها ونسب لسبق القلم .
ويحرم سام أبرص وهو كبار الوزغ والعضاه .
وهي بالعين المهملة والضاد المعجمة دويبة أكثر من الوزغ واللحكا بضم اللام وفتح الحاء المهملة دويبة كأنها سمكة ملساء مشربة بحمرة توجد في الرمل فإذا أحست بالإنسان دارت بالرمل وغاصت فيه " ودود " جمع دودة وجمع الجمع ديدان وهو أنواع كثيرة تدخل فيها الأرضة ودود القز والدود الأخضر يوجد على شجر الصنوبر ودود الفاكهة وتقدم حل أكل دود الخل والفاكهة معه .
تنبيه : .
استثنى من الحشرات القنفذ وأم حبين بمهملة مضمومة وموحدة مفتوحة ونون في آخره والوبر والضب واليربوع ومرت الإشارة إلى بعض ذلك .
وكذا .
لا يحل " ما تولد من مأكول وغيره " كمتولد بين كلب وشاة إذا تحققنا ذلك بأن رأينا كلبا نزا على شاة فولدت سخلة تشبه الكلب فلو لم نر ذلك وولدت سخلة تشبه الكلب .
قال البغوي لا تحرم لأنه قد يحصل الخلق على خلاف صورة الأصل وعن القاضي حسين نحوه ومن المتولد بين مأكول وغيره السبع بكسر السين المهملة فإنه متولد بين الذئب والضبع فيه شدة الضبع وجراءة الذئب أسرع من الريح عدوا كثير الوثبات والبغل لتولده بين فرس وحمار أهلي كما مر والزرافة وهي بفتح الزاي وضمها كما حكاهما الجوهري وقال بعضهم الضم من لحن العوام وبتحريمها جزم صاحب التنبيه .
وقال المصنف في المجموع أنه لا خلاف فيه ومنع ابن الرفعة التحريم وحكي أن البغوي أفتى بحلها واختاره السبكي وحكاه عن فتاوى القاضي وتتمة التتمة .
وقال الأذرعي وهو الصواب نقلا ودليلا ومنقول اللغة أنها متولدة بين مأكولين من الوحش واقتضى كلام ابن كج نسبته للنص .
وقال الزركشي ما في المجموع سهو وصوابه العكس اه " .
وهذا الخلاف يرجع فيه إلى الوجود إن ثبت أنها متولدة بين مأكولين فما يقوله هؤلاء ظاهر .
لكن ظاهر كلام الشيخ في التنبيه أنها مما يتقوى بنابه واعترض بأنها لا تتقوى بنابها وإن الشيخ لم يرها وظن أنها تتقوى به كسائر السباع .
وقيل إن الذي في التنبيه الزراقة بالقاف وهو حيوان يتقوى بنابه غير الذي يسمى الزرافة .
قال السبكي وهذا ليس بشيء .
وما .
أي والحيوان الذي " لا نص فيه " من كتاب أو سنة أو إجماع لا خاص ولا عام بتحريم ولا تحليل ولا ورد فيه أمر بقتله ولا بعدمه " إن استطابه أهل يسار " أي ثروة وخصب " و " أهل " طباع سليمة من " أكثر " العرب " سكان بلاد أو قرى " في حال رفاهية حل وإن استخبثوه فلا " يحل لأن الله تعالى أناط الحل بالطيب والتحريم بالخبيث وعلم بالعقل أنه لم يرد ما يستطيبه ويستخبثه كل العالم لاستحالة اجتماعهم على ذلك عادة لاختلاف طبائعهم فتعين أن يكون المراد بعضهم والعرب بذلك أولى لأنهم أولى الأمم إذ هم المخاطبون أولا ولأن الدين عربي .
وخرج ( 4 / 304 ) بأهل اليسار المحتاجون وبسليمة أجلاف البوادي الذين يأكلون ما دب ودرج ممن غير تمييز فلا عبرة بهم وبحال الرفاهية حال الضرورة فلا عبرة بها .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف أنه لا بد من أخبار جمع منهم والظاهر كما قال الزركشي الاكتفاء بخبر عدلين ويرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه فإن استطابته فحلال أو استخبثته فحرام والمراد به ما لم يسبق فيه كلام العرب الذين كانوا في عهده A فمن بعدهم فإن ذلك قد عرف حاله واستقر أمره فإن اختلفوا في استطابته اتبع الأكثر فإن استووا فقريش لأنهم قطب العرب فإن اختلفت ولا ترجيح أو شكوا أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب اعتبرنا أقرب الحيوان شبها به صورة أو طبعا أو طعما فإن استوى الشبهان أو لم يوجد ما يشبهه فحلال لآية " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما " ولا يعتمد فيه شرع من قبلنا لأنه ليس شرعا لنا فاعتماد ظاهر الآية المقتضية للحل أولى من استصحاب الشرائع السالفة واندفع بما قرت به كلام المصنف اعتراض البلقيني فإنه قال إن أراد نص كتاب أو سنة لم يستقم فقد حكم بحل الثعلب وتحريم الببغا والطاووس وليس فيها نص كتاب ولا سنة أو قول عالم فقول العالم ليس دليلا يعتمد وإن أريد نص كتاب أو سنة أو نص الشافعي أو أحد من أصحابه فهو بعيد لأن هذا لا يطلق عليه نص في اصطلاح الأصوليين .
وإن جهل اسم حيوان سئلوا .
أي العرب عن ذلك الحيوان " وعمل بتسميتهم " له مما هو حلال أو حرام لأن المرجع في ذلك إلى الاسم وهم أهل اللسان " وإن لم يكن له اسم عندهم اعتبر بالأشبه " به من الحيوان في الصورة أو الطبع أو الطعم في اللحم فإن تساوى الشبهان أو فقد ما يشبهه حل على الأصح في الروضة والمجموع .
ولما فرغ المصنف من حكم الحيوان الحرام أخذ من حكم المكروه منه فقال " وإذا ظهر تغير لحم جلالة " من نعم أو غيره كدجاج ولو يسيرا " حرم أكله " أي اللحم كما في المحرر وبه قال الإمام أحمد لأنها صارت من الخبائث وقد صح النهي عن أكلها وشرب لبنها وركوبها كما قاله أبو داود وغيره وهي بفتح الجيم وتشديد اللام ويقال الجالة التي تأكل الجلة بفتح الجيم وهي العذرة والبعر وغيرهما من النجاسات والحكم منوط كما قال المصنف بالتغير على الأصح وقيل إن كان أكثر علفها النجاسة ثبت وإلا فلا وهو ظاهر كلام المصنف في التحرير وجزم به في تصحيح التنبيه وإطلاقه هنا التعبير يشمل الأوصاف الثلاثة وقيداه في الشرح والروضة بالرائحة .
قال الزركشي تبعا للأذرعي والظاهر أنه ليس بقيد فإن تغير الطعم أشد " وقيل يكره " لنتن لحمها " قلت الأصح يكره " كما نقله الرافعي في الشرح عن إيراد أكثرهم " والله أعلم " لأن النهي إنما هو لتغير اللحم وهو لا يوجب التحريم كما لو نتن اللحم المذكى وتروح فإنه يكره أكله على الصحيح .
تنبيه : .
قد يفهم تقييد المصنف باللحم أن غيره ليس كذلك وليس مرادا بل لا فرق بين لحمها ولبنها وبيضها في النجاسة والطهارة والتحريم والتحليل وفاقا وخلافا بل قال البلقيني ينبغي تعدي الحكم إلى شعرها وصوفها المنفصل في حياتها .
وقال الزركشي الظاهر إلحاق ولدها بها إذا ذكيت ووجد في بطنها ميتا اه " .
ويكره ركوبها بلا حائل .
فإن علفت .
علفا " طاهرا " أو متنجسا كشعير أصابه ماء نجس أو نجس العين كما هو ظاهر كلام التنبيه " فطاب " لحمها بزوال رائحته " حل " ما ذكر وإن علفت دون أربعين يوما اعتبارا بالمعنى .
وأما خبر حتى تعلف أربعين يوما والتقييد بالعلف الطاهر فجرى على الغالب وخرج بعلفت ما لو غسلت هي أو لحمها بعد ذبحها أو طبخ لحمها فزال التغير فإن الكراهة لا تزول وكذا بمرور الزمان كما قاله البغوي وقال غيره تزول قال الأذرعي وهذا ما جزم به المروزي تبعا للقاضي .
وقال شيخنا وهو نظير طهارة الماء المتغير بالنجاسة إذا زال التغير بذلك قال البلقيني وهذا في مرور الزمان على اللحم فلو مر على الجلالة أيام من غير أن تأكل طاهرا أي أو غيره كما مر حلت وإنما ذكر العلف بطاهر لأن الغالب أن الحيوان لا بد له من علف ووافقه الزركشي على ذلك ( 4 / 305 ) .
تنبيه : .
قول المصنف حل المراد زوال التحريم على الأول والكراهة على الثاني فلو قال لم يكره لكان أولى إذ الحل يجامع الكراهة إلا أن يريد حلا مستوي الطرفين .
فروع لو ربى سخلة بلبن كلبة أو خنزيرة كانت كالجلالة ولو غذى شاة نحو عشر سنين بمال حرام قال ابن عبد السلام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره لأن الأعيان لا توصف بحل ولا حرمة .
وقال الغزالي ترك الأكل من شاة علفت بعلف مغصوب من الورع ولا يحرم ترك الورع ولا تكره الثمار التي سقيت بالمياه النجسة ولا حب زرع نبت في نجاسة كزبل كما في المجموع عن الأصحاب إذ لا يظهر في ذلك أثرها وقضية ما قال الزركشي أنه متى ظهر التغير فيها كرهت ولا يكره بيض سلق بماء نجس ولو نتن اللحم أو البيض لم ينجس .
قال في المجموع قطعا ويحل أكل النقانق والشوى والهرائس كما قاله ابن عبد السلام وإن كان لا يخلو من الدم غالبا " .
فائدة : .
قيل إن الكلب إذا عض حيوانا وذبح من أكل منه كلب ولهذا قال بعضهم لا يحل أكله .
ولو تنجس .
مائع " طاهر كخل " ودهن " ودبس ذائب " بمعجمة " حرم " تناوله لحديث الفأرة المار في باب النجاسة وكذا جامد تعذر تطهيره كالذي لاقى الفأرة من السمن الجامد أو أمكن ولم يطهر كما يؤخذ من إطلاق المتنجس ويجوز أن يعلف المتنجس دابته ولو وقع في قدر طبيخ جزء من لحم آدمي ميت .
قال الغزالي لم يحل منه شيء لحرمة الآدمي وخالفه في المجموع .
وقال المختار الحل لأنه صار مستهلكا فيه ولو تحقق إصابة روث الفئران القمح عند درسه فمعفو عنه ويسن غسل الفم من أكله كما في المجموع ومرت الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة " وما كسب " أي المكسوب " بمخامرة نجس كحجامة وكنس " لنجس كزبل " مكروه " للحر تناوله ولو اكتسبه رقيق " ويسن أن لا يأكله " أو " يطعمه رقيقه " ولا يكره للرقيق وإن كسبه حر " و " يعلفه " ناضحه " وهو البعير وغيره يسقى عليه الماء وحكم سائر الدواب كذلك وذلك لأنه A سئل عن كسب الحجام فنهى عنه وقال أطعمه رقيقك وأعلفه ناضحك رواه ابن حبان وصححه الترمذي وحسنه والفرق من جهة المعنى شرف الحر ودناءة غيره وصرف النهي عن الحرمة خبر الشيخين عن ابن عباس احتجم رسول الله A وأعطى الحجام أجرته ولو كان حراما لم يعطه لأنه حيث حرم الأخذ حرم الإعطاء لأنه إعانة على معصية كأجرة الندب والنياحة إلا عند الضرورة كأن أعطى الشاعر لئلا يهجوه أو الظالم لئلا يمنعه حقه أو لئلا يأخذ منه أكثر مما أعطاه فإن الإثم على الأخذ دون المعطى .
فإن قيل يحتمل أنه A إنما أعطاه ذلك ليطعمه رقيقه وناضحه .
أجيب بأنه لو كان ذلك لبينه له A وقيس بالحجامة غيرها من كل ما تحصل به مخامرة النجاسة .
تنبيه : .
قوله أن لا يأكله يفهم جواز أن يشتري به ملبوسا أو نحوه ولا كراهة في ذلك والظاهر كما قاله الأذرعي التعميم بوجوه الإنفاق حتى التصدق به .
وقال في الذخائر إذا كان في يده حلال وحرام أو شبهة والكل لا يفضل عن حاجته .
قال بعض العلماء يخص نفسه بالحلال فإن التبعة عليه في نفسه آكد لأنه يعلمه والعيال لا تعلمه ثم قال إن الذي يجيء على المذهب أنه وأهله سواء في القوت والملبس دون سائر المؤن من أجرة حمام وقصارة ثوب وعمارة منزل وفحم تنور وشراء حطب ودهن سراج وغيرها من المؤن .
ولو غلب الحرام في يد السلطان قال الغزالي حرمت عطيته وأنكر عليه في المجموع وقال مشهور المذهب الكراهة لا التحريم مع أنه في شرح مسلم جرى على ما قاله الغزالي ولو كانت الصنعة دنيئة بلا مخامرة نجاسة كفصد وحياكة لم تكره إذ ليس فيها مخامرة نجاسة وهي العلة الصحيحة لكراهة ما مر عند الجمهور وقيل العلة دناءة الحرفة ورجحه البلقيني قال في الروضة وكره جماعة كسب الصواغ .
قال الرافعي لأنهم كثيرا ما يخلفون الوعد ويقعون في الربا لبيعهم المصوغ بأكثر من ( 4 / 306 ) وزنه وقيل لا يكره ورجحه الإسنوي وقد علم مما قررت به كلام المصنف أن ما في كلامه مصدرية لا موصولة إذ لو كانت موصولة لكان المعنى أن المكسوب بذلك مكروه ونفس المكسوب لا يوصف بكراهة ولا غيرها إنما تتعلق الكراهة بالكسب .
فروع أفضل ما أكلت منه كسبك من زراعة لأنها أقرب إلى التوكل ولخبر لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة ثم من صناعة لأن الكسب فيها يحصل بكد اليمين ثم من تجارة لأن الصحابة كانوا يكتسبون بها ويحرم تناول ما يضر البدن أو العقل كالحجر والتراب والزجاج والسم بتثليث السين والفتح أفصح كالأفيون وهو لبن الخشخاش لأن ذلك مضر وربما يقتل وقد قال تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " لكن قليله يحل تناوله للتداوي به إن غلبت السلامة واحتيج إليه كما في أصل الروضة ويحل أكل كل طاهر لا ضرر فيه لآية " قل من حرم زينة الله " إلا جلد ميتة دبغ فلا يحل أكله لعموم قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة " أما جلد المذكاة فيحل أكله وإن دبغ وإلا ما استقذر كالمخاط والمني لاستقذاره وإلا الحيوان الحي غير السمك والجراد كما علم مما مر في باب الصيد وفي حل أكل بيض ما لا يؤكل خلاف .
قال في المجموع وإذا قلنا بطهارته أي وهو الراجح حل أكله بلا خلاف لأنه طاهر غير مستقذر بخلاف المني ومال البلقيني إلى المنع ويحرم النبات المسكر وإن لم يطرب لإضراره بالعقل ولا حد فيه إن لم يطرب بخلاف ما إذا أطرب كما صرح به الماوردي ويجوز التداوي به عند فقد غيره مما يقوم مقامه وإن أسكر للضرورة وما لا يسكر إلا مع غيره يحل أكله وحده .
ويحل جنين وجد ميتا .
أو عيشه عيش مذبوح سواء أشعر أم لا " في بطن مذكاة " بالمعجمة سواء كانت ذكاتها بذبحها أو إرسال سهم أو كلب عليها لحديث ذكاة الجنين ذكاة أمه رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه أي ذكاتها التي أحلتها أحلته تبعا لها ولأنه جزء من أجزائها وذكاتها ذكاة لجميع أجزائها ولأنه لو لم يحل بذكاة أمه لحرم ذكاتها مع ظهور الحمل كما لا تقتل الحامل قودا .
أما إذا خرج وبه حياة مستقرة فلا يحل بذكاة أمه ولا بد أن يسكن عقب ذبح أمه ولو اضطرب في البطن بعد ذبح أمه زمانا طويلا ثم سكن لم يحل كما قاله الشيخ أبو محمد في الفروق وأقراه وإن خالف في ذلك البغوي و المروزي وقالا بالحل مطلقا .
قال الأذرعي والظاهر أن مراد الأصحاب إذا مات بذكاة أمه فلو مات قبل ذكاتها كان ميتة لا محالة لأن ذكاة الأم لم تؤثر فيه والحديث يشير إليه اه " .
وعلى هذا لو خرج رأسه ميتا ثم ذبحت أمه قبل انفصاله لم يحل وإن خالف في ذلك البغوي .
وقال البلقيني محل الحل ما إذا لم يوجد سبب يحال عليه موته فلو ضرب حاملا على بطنها وكان الجنين متحركا فسكن حتى ذبحت أمه فوجد ميتا لم يحل ولو خرج رأسه وفيه حياة مسستقرة لم يجب ذبحه حتى يخرج لأن خروج بعضه كعدم خروجه في العدة وغيرها فيحل إذا مات عقب خروجه بذكاة أمه وإن صار بخروج رأسه مقدورا عليه وشرط حله أن يخرج مضغة مخلقة فإن كان علقة لم يؤكل لأنه دم ولو لم تتخطط المضغة لم تحل بناء على عدم وجوب الغرة فيها وعدم ثبوت الاستيلاد يعني لو كانت من آدمي ولو كان للمذكاة عضو أشل حل كسائر أجزائها " ومن خاف " من عدم الأكل " على نفسه موتا أو مرضا مخوفا " أو زيادته أو طول مدته أو انقطاعه عن رفقته أو خوف ضعف عن مشي أو ركوب ولم يجد حلالا يأكله ويسمى هذا الخائف مضطرا " ووجد محرما " كميتة ولحم خنزير وطعام الغير " لزمه أكله " لأن تاركه ساع في هلاك نفسه وكما يجب دفع الهلاك بأكل الحلال .
وقد قال تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم " قال الزركشي وينبغي أن يكون خوف حصول الشين الفاحش في عضو ظاهر كخوف طول المرض كما في التيمم ولا يشترط مما يخاف منه تحقق وقوعه لو لم يأكل بل يكفي في ذلك الظن كما في الإكراه على أكل ذلك فلا يشترط فيه التيقن ولا الإشراف على الموت بل لو انتهى إلى هذه الحالة لم يحل له أكله فإنه غير مفيد كما صرح به في أصل الروضة ( 4 / 307 ) .
تنبيه : .
لو اضطرت امرأة إلى طعام وامتنع المالك من بذله إلا بوطئها زنا قال المحب الطبري لم أر فيه نقلا والذي ظهر أنه لا يجوز لها تمكينه بخلاف إباحة الميتة فإن المضطر فيها إلى نفس المحرم وتندفع به الضرورة وهذا الاضطرار ليس إلى المحرم وإنما جعل المحرم وسيلة إليه وقد لا تنتفع به الضرورة إذ قد يصر على المنع بعد وطئها .
وقيل .
لا يلزم المضطر أكل المحرم بل " يجوز " تركه وأكله كما يجوز له الاستسلام للصائل وأجاب الأول بأن الاستسلام للصائل يؤثر مهجة غيره على مهجته طلبا للشهادة وهنا بخلافه ويستثنى من ذلك علم العاصي بسفره فلا يباح له الأكل حتى يتوب .
قال الأذرعي ويشبه أن يكون العاصي بإقامته كالمسافر إذا كان الأكل عونا له على الإقامة .
وقولهم تباح الميتة للمقيم العاصي بإقامته محمول على غير هذه الصورة .
قال البلقيني وكالعاصي بسفره مراق الدم كالمرتد والحربي فلا يأكلان من ذلك حتى يسلما .
قال وكذا مراق الدم من المسلمين وهو متمكن من إسقاط القتل بالتوبة كتارك الصلاة ومن قتل في قطع الطريق قال ولم أر من تعرض له وهو متعين .
تنبيه : .
أفهم إطلاق المصنف المحرم أنه يتخير بين أنواعه كميتة شاة وحمار لكن لو كانت الميتة من حيوان نجس في حياته كخنزير وميتة حيوان طاهر في حياته كحمار وجب تقديم ميتة الطاهر كما صححه في المجموع .
قال في المهمات وهذا التفصيل الذي صححه ليس وجها ثابتا فضلا عن تصحيحه اه " .
واعترض بأنه وجه ثابت وجزم به في الحاوي .
فإن توقع .
مضطر " حلالا قريبا " أي على قرب " لم يجز " قطعا " غير سد الرمق " لاندفاع الضرورة به وقد يجد بعده الحلال ولقوله تعالى " غير متجانف لإثم " قيل أراد به الشبع .
قال الإسنوي ومن تبعه والرمق بقية الروح كما قاله جماعة وقال بعضهم إنه القوة وبذلك ظهر لك أن الشد المذكور بالشين المعجمة لا بالمهملة .
قال الأذرعي وغيره الذي نحفظه أنه بالمهملة وهو كذلك في الكتب أي والمعنى عليه صحيح لأن المراد سد الخلل الحاصل في ذلك سبب الجوع " وإلا " بأن لم يتوقع حلالا قريبا " ففي قول يشبع " أي يجوز له ذلك لإطلاق الآية ولأن له تناول قليله فجاز له الشبع لمذكى وليس المراد بالشبع أن يملأ جوفه حتى لا يجد للطعام مساغا فإن هذا حرام قطعا صرح به القاضي أبو الطيب و البندنيجي وغيرهما بل المراد كما قاله الإمام أن يأكل حتى يكسر سورة الجوع بحيث لا يطلق عليه اسم جائع " والأظهر " لا يشبع بل يجب " سد الرمق " فقط في الأصح لأنه بعده غير مضطر فلا يباح لانتفاء الشرط " إلا أن يخاف تلفا " أو حدوث مرض أو زيادته " إن اقتصر " على سد الرمق فتباح له الزيادة بل تلزمه لئلا يهلك نفسه .
تنبيه : .
يجوز له التزود من المحرمات ولو رجا الوصول إلى الحلال ويبدأ وجوبا بلقمة حلال ظفر بها فلا يجوز له أن يأكل مما ذكر حتى يأكلها لتتحقق الضرورة وإذا وجد الحلال بعد تناوله الميتة ونحوها لزمه القيء أي إذا لم يضره كما هو قضية نص الأم فإنه قال وإن أكره رجل حتى شرب خمرا أو أكل محرما فعليه أن يتقايأ إذا قدر عليه ولو عم الحرام جاز استعمال ما يحتاج إليه ولا يقتصر على الضرورة .
قال الإمام بل على الحاجة .
قال ابن عبد السلام هذا إن توقع معرفة المستحق إذ المال عند اليأس منها للمصالح العامة .
وله .
أي للمضطر " أكل آدمي ميت " إذا لم يجد ميتة غيره كما قيداه في الشرح والروضة لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت ويستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبيا فإنه لا يجوز الأكل منه جزما كما قاله إبراهيم المروزي وأقره وما إذا كان الميت مسلما والمضطر كافرا فإنه لا يجوز له الأكل منه لشرف الإسلام بل لنا وجه أنه لا يجوز أكل الميت المسلم ولو كان المضطر مسلما .
تنبيه : .
حيث جوزنا أكل ميتة الآدمي المحترم لا يجوز طبخها ولا شيها لما فيه من هتك حرمته ويتخير في غيره بين أكله نيئا ومطبوخا ومشويا .
و .
له " قتل مرتد " وأكله " و " قتل " حربي " بالغ وأكله لأنهما غير ( 4 / 308 ) معصومين وله قتل الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة ومن له عليه قصاص وإن لم يأذن الإمام في القتل لأن قتلهم مستحق وإنما اعتبر إذنه في غير حال الضرورة تأدبا معه وحال الضرورة ليس فيها رعاية أدب " لا " قتل " ذمي ومستأمن " معاهد " وصبي حربي " وحربية لحرمة قتلهم " قلت الأصح حل قتل الصبي والمرأة الحربيين للأكل والله أعلم " لأنهما ليسا بمعصومين ومنع قتلهما في غير الضرورة لا لحرمتهما بل لحق الغانمين ولهذا لا يتعلق بقتلهما الكفارة .
تنبيه : .
حكم مجانين أهل الحرب وأرقائهم وخناثاهم كصبيانهم .
قال ابن عبد السلام ولو وجد المضطر صبيا مع بالغ حربيين أكل البالغ وكف عن الصبي لما في أكله من إضاعة المال ولأن الكفر الحقيقي أبلغ من الكفر الحكمي وقضيته إيجاب ذلك فلتستثن هذه الصورة من إطلاقهم جواز قتل الصبي الحربي للأكل وكذا يقال فيما شبه بالصبي .
قال البلقيني ومحل الإباحة إذا لم نستول على الصبي والمرأة أي ونحوهما وإلا صاروا أرقاء معصومين لا يجوز قتلهم قطعا لحق الغانمين .
ولو وجد .
مضطر " طعام غائب " ولو غير محرز ولم يجد غيره " أكل " منه إبقاء لمهجته " وغرم " بدل ما أكله من قيمة في المتقوم ومثل في المثلى لحق الغائب سواء قدر على البدل أم كان عاجزا عنه لأن الذمم تقوم مقام الأعيان .
نعم تعتبر قيمة المثلى بالمفازة كما ذكروه في الماء نبه عليه الزركشي بالنسبة للممتنع ومال الصبي والمجنون إذا كان وليهما غائبا حكمه حكم مال الغائب وإن كان حاضرا فهو في مالهما كالكامل .
تنبيه : .
في وجوب الأكل والقدر المأكول الخلاف الساق واستثنى البلقيني ما إذا كان الغائب مضطرا يحضر عن قرب فليس له أكله .
أو .
طعام " حاضر مضطر " إليه " لم يلزمه بذله " بمعجمة لغيره " إن لم يفضل عنه " بل هو أحق به لحديث ابدأ بنفسك وإبقاء لمهجته .
نعم إن كان غير المالك نبيا وجب على المالك بذله له وإن لم يطلبه ويتصور هذا في زمن عيسى عليه السلام أو الخضر على القول بحياته ونبوته ولو كان في يد مضطر ميتة كان أحق بها من مضطر آخر كسائر المباحات خلافا لما في فتاوى القاضي من أن اليد لا تثبت عليها فلا يكون أحق بها .
تنبيه : .
هل المراد بما يفضل عنه عن سد الرمق أو الشبع الظاهر كما قال الزركشي الأول حفظا للمهجتين ولو وجد مضطرين ومعه ما يكفي أحدهما وتساويا في الضرورة والقرابة والصلاح .
قال الشيخ عز الدين احتمل أن يتخير بينهما واحتمل أن يقسمه عليهما اه " .
والثاني أوجه فإن كان أحدهما أولى كوالد وقريب أو وليا لله تعالى أو إماما مقسطا قدم الفاضل على المفضول ولو تساويا ومعه رغيف مثلا لو أطعمه لأحدهما عاش يوما وإن قسمه بينهما عاشا نصف يوم .
قال الشيخ عز الدين المختار قسمته بينهما ولا يجوز التخصيص .
فإن آثر .
بالمد على نفسه في هذه الحالة مضطرا " مسلما " معصوما " جاز " بل يسن وإن كان أولى به كما في الروضة لقوله تعالى " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " وهو من شيم الصالحين .
وخرج بالمسلم الكافر والبهيمة وبالمعصوم مراق الدم فيجب عليه أن يقدم نفسه على هؤلاء " أو " وجد طعام حاضر " غير مضطر " له " لزمه " أي غير المضطر " إطعام مضطر " معصوم " مسلم أو ذمي " أو نحوه كمعاهد ولو كان يحتاج إليه في ثاني الحال على الأصح للضرورة الناجزة بخلاف غير المعصوم كالحربي .
تنبيه : .
يجب إطعام البهيمة المحترمة وإن كانت ملكا لغير صاحب الطعام بخلاف غير المحترمة كالكلب العقور ولو كان للإنسان كلب مباح المنفعة جائع وشاة لزمه ذبح الشاة لإطعام الكلب ويحل أكلها للآدمي لأنها ذبحت للأكل ويجب على المضطر أن يستأذن مالك الطعام أو وليه في أخذه .
فإن امتنع .
وهو أو وليه غير مضطر في الحال من بذله بعوض لمضطر محترم " فله " أي المضطر " قهره " على أخذه وإن احتاج إليه المانع في المستقبل " وإن ( 4 / 309 ) قتله " ولا يجب قتاله كالصائل بل أولى أي إذا كان صاحب الطعام مسلما كما هو في المقيس عليه قاله الأذرعي ولأن عقل المالك أو وليه ودينه يبعثانه على الإطعام .
وهو واجب عليه فجاز أن يجعل الأمر موكولا إليه وإنما يجوز قتاله على ما يدفع ضرره به وهو ما يسد الرمق إلا أن يخشى الهلاك لأن الضرورة تتقدر بقدرها ولا يقتص منه للممتنع إن قتله ولا تؤخذ له دية ويقتص له إن قتله الممتنع لأنه لم يتعد بخلاف الممتنع فإن عجز عن أخذه منه ومات جوعا فلا ضمان على الممتنع إذا لم يحدث منه فعل مهلك لكنه يأثم .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف جواز قهر الذمي للمسلم وإن قتله وليس مرادا ولذا قال الشارح إلا إن كان مسلما والمضطر غير مسلم أي فلا يجوز له قهره ولا قتله فإن قتله فعليه ضمانه لأن الكافر لا يسلط على ميتة المسلم فالحي أولى وقد قال تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ولا يختص ما ذكره المصنف بإطعام بل لو خاف على نفسه من حر أو برد لزمه أخذ الثوب من مالكه إن لم يكن مضطرا مثله كما في التهذيب .
وإنما يلزمه .
أي المالك أو وليه إطعام المضطر " بعوض ناجز إن حضر " ذلك العوض " وإلا " بأن لم يحضر العوض " فبنسيئة " ولا يلزمه البدل مجانا ولا بدون ثمن المثل على الصحيح لأن الضرر لا يزال بالضرر .
تنبيه : .
ظاهر كلامه أنه يجب عليه أن يبيعه له نسيئة عند عدم حضور ماله وليس مرادا بل يجوز له أن يبيعه بثمن حال غير أنه لا يطالبه به في حال إعساره وفائدة الحلول جواز المطالبة عند القدرة ولا يلزمه أن يشتريه بأكثر من ثمن مثله بل ينبغي أن يحتال في أخذه منه ببيع فاسد لئلا يلزمه أكثر من قيمته كأن يقول له ابذله بعوض فإن اشتراه منه بأكثر من ثمن مثله ولو بأكثر مما يتغابن به لزمه ذلك وإن غبن في شرائه أو كان عاجزا عن أخذه منه وقهره لأنه مختار في الالتزام فكان كما لو اشتراه بثمن مثل فإن بذله له هبة لزمه قبوله أو بثمن المثل في مكانه وزمانه أو بزيادة يتغابن بمثلها ومعه ثمنه أو رضي بذمته لزمه شراؤه حتى بإزاره وصلى عاريا إلا إن خشي التلف بالبرد .
فلو أطعمه .
أي المضطر " ولم يذكر عوضا " بل سكت عنه " فالأصح لا عوض " حملا على المسامحة المعتادة في الطعام خصوصا في حق المضطر .
والثاني عليه العوض لأنه خلصه من الهلاك .
تنبيه : .
محل الخلاف إذا لم يصرح المالك بالإباحة .
قال البلقيني وكذا لو ظهرت قرينة إباحة أو تصدق فلا عوض قطعا وعلى الأول لو اختلفا في التزام عوض الطعام فقال أطعمتك بعوض فقال بل مجانا صدق المالك بيمينه لأنه أعرف بكيفية بذله .
ولا أجرة لمن خلص مشرفا على الهلاك بوقوعه في ماء أو نار أو نحوه بل يلزمه تخليصه بلا أجرة لضيق الوقت عن تقدير الأجرة فإن اتسع الوقت لتقديرها لم يجب تخليصه إلا بأجرة .
فإن قيل قد مر أنه لا يجب بذل الطعام للمضطر مجانا فهل يفرق فيه بين ضيق فلا يجب كما هنا أو لا يجب عليه إلا بعوض مطلقا خلاف نقل صاحب الشامل عن الأصحاب الأول .
وقال الأذرعي إنه الوجه .
والذي قاله القاضي أبو الطيب وغيره واختصر عليه الأصفوني و الحجازي كلام الروضة الثاني وهو الظاهر والفرق أن في إطعام المضطر بذل مال فلا يكلف بذله بلا مقابل بخلاف تخليص المشرف على الهلاك ولو أوجر المالك المضطر قهرا أو أوجره وهو مغمى عليه لزمه البذل لأنه غير متبرع بل يلزمه إطعامه إبقاء لمهجته ولما فيه من التحريض على مثل ذلك .
فإن قيل قد مر في المتن أنه لو أطعمه ولم يذكر عوضا أنه لا عوض فيكون هنا كذلك كما قاله القاضي وغيره .
أجيب بأن هذه حالة ضرورة فرغب فيها .
ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره .
الغائب " أو " وجد مضطر " محرم ميتة وصيدا " مأكولا غير مذبوح ولم يجد حلالا يذبحه " فالمذهب " يجب " أكلها " أما في الأولى فلأن إباحة الميتة للمضطر بالنص وإباحة مال الغير بالاجتهاد والنص أقوى ولأن حق الله تعالى أوسع .
وأما في الثانية فلأن فيها تحريم ذبح الصيد وتحريم أكله وفي الميتة تحريم واحد وما خف تحريمه أولى .
والثاني يأكل الطعام والصيد .
والثالث التخيير بين الاثنين في المسألتين ( 4 / 310 ) لأن الأول نجس لا ضمان فيه .
والثاني ظاهر فيه الضمان والخلاف في الأولى أوجه .
ويقال أقوال .
وفي الثانية قولان .
والثالث قول أو وجه .
وفيها طريق قاطع بالأول بناء على أن ما يذبحه المحرم من الصيد ميتة أما إذا كان مالك الطعام حاضرا وامتنع من البيع أصلا أو إلا بأكثر مما يتغابن به فإنه يجب عليه أكل الميتة في الأولى .
ويجوز له في الثانية وسن له الشراء بالزيادة إن قدر عليه .
تنبيه : .
مثل الميتة في ذلك صيد الحرم كما في الكفاية فإن ذبح المحرم الصيد أو الحلال صيد الحرم وصار ميتة فيتخير المضطر بينه وبين الميتة لأن كلا منهما ميتة ولا مرجح ولا قيمة للحمه كسائر الميتات .
وفي الصيد وطعام الغير وجوه أحدها وهو الظاهر يتعين الصيد لبناء حق الله تعالى على المسامحة .
ثانيها يتعين الطعام .
في وجوب الأكل والقدر المأكول الخلاف الساق واستثنى البلقيني ما إذا كان الغائب مضطرا يحضر عن قرب فليس له أكله .
ثالثها يتخير بينهما وإن وجد المريض طعاما له أو لغيره يضره ولو بزيادة في مرضه فله أكل الميتة دونه ويجوز للمضطر شرب البول عند فقد الماء النجس لا عند وجوده لأن الماء النجس أخف منه لأن نجاسته طارئة .
والأصح .
حيث لم يجد المضطر شيئا يأكله " تحريم قطع بعضه " جزء من فخذه " لأكله " بفتح الهمزة وسكون الكاف لأنه قد يتولد منه الهلاك " قلت " أخذا من الرافعي في الشرح " الأصح جوازه " لأنه إتلاف بعضه لاستبقاء كله فأشبه قطع اليد بسبب الأكلة " وشرطه " أي الجواز أمران أحدهما " فقد الميتة ونحوها " مما مر " و " الأمر الثاني " أن يكون الخوف في قطعه أقل " من الخوف في ترك الأكل فإن كان مثله أو أكثر حرم جزما .
فإن قيل قد تقدم في قطع السلعة الجواز عند تساوي الخطرين فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن السلعة لحم زائد على البدن وفي قطعها إزالة الشين وتوقع الشفاء ودوام البقاء فهو من باب المداواة بخلاف هذا فإن فيه إفسادا وتغييرا لبنيته .
وليس من باب المداواة .
ولهذا قيد البلقيني محل القطع هنا بما إذا لم يكن ذلك المقطوع يجوز قطعه في غير الإضرار فإن كان كالسلعة واليد المتأكلة حيث جاز قطعها فيجوز ذلك في حال الإضرار قطعا ويحرم جزما على شخص " قطعه " أي بعض نفسه " لغيره " من المضطرين لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستيفاء الكل .
تنبيه : .
هذا إذا لم يكن ذلك الغير نبيا وإلا لم يحرم بل يجب .
و .
يحرم على مضطر أيضا أن يقطع لنفسه قطعة " من " حيوان " معصوم .
والله أعلم " لما مر .
خاتمة ترك التبسط في الطعام المباح مستحب فإنه ليس من أخلاق السلف هذا إذا لم تدع إليه حاجة كقري الضيف وأوقات التوسعة على العيال كيوم عاشوراء ويومي العيد ولم يقصد بذلك التفاخر والتكاثر بل تطييب خاطر الضيف والعيال وقضاء وطرهم مما يشتهونه .
وفي إعطاء النفس شهواتها المباحة مذاهب حكاها الماوردي منعها وقهرها لئلا تطغى إعطاؤها نحيلا على نشاطها وبعثها لروحانيتها .
قال والأشبه التوسط بين الأمرين لأن في إعطاء الكل سلاطة عليه وفي منعه بلادة .
ويسن الحلو من الأطعمة وكثرة الأيدي على الطعام وإكرام الضيف والحديث الحسن على الأكل ويسن تقليله ويكره ذم الطعام إذا كان الطعام لغيره لما فيه من الإيذاء فإن كان له فلا .
وتكره الزيادة على الشبع من الطعام الحلال إذا كان الطعام له أما في طعام مضيفه فإن علم رضاه بذلك فكذلك وإلا فحرام كما مر في الوليمة ويسن أن يأكل من أسفل الصحفة ويكره من أعلاها أو وسطها .
وأن يحمد الله عقب الأكل فيقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه .
وفي البخاري أنه A كان إذا رفع مائدته قال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا كفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا برفعه بالابتداء أو الخبرية وبنصبه للاختصاص أو النداء وبجره بالبدل من الله .
وروى أبو داود بإسناد صحيح أنه A كان إذا أكل وشرب قال الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا ( 4 / 311 )