وتسمى الموادعة والمعاهدة والمسالمة والمهادنة وهي لغة المصالحة .
و شرعا مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره سواء فيهم من يقر على دينه ومن لم يقر وهي مشتقة من الهدون وهو السكون والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى " براءة من الله ورسوله " الآية .
وقوله تعالى " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " ومهادنته A قريشا عام الحديبية كما رواه الشيخان .
وهي جائزة لا واجبة بأربعة شروط الأول ما أشار إليه بقوله " عقدها لكفار أقليم " كالروم والهند " يختص بالإمام أو نائبه فيها " أي عقد الهدنة لما فيها من الخطر .
والإمام أو نائبه هو الذي يتولى الأمور العظام وهو أعرف بالمصالح من الآحاد وأقدر على التدبير منهم كما قال الماوردي .
ولا يقوم إمام البغاة مقام إمام الهدنة في ذلك .
تنبيه : .
قد علم من منع عقدها من الآحاد لأهل إقليم منع عقدها للكفار مطلقا من باب أولى .
وقد صرح في المحرر بالأمرين جميعا فإن تعاطاها الآحاد لم يصح لكن لا يغتالون بل يبلغون المأمن لأنهم دخلوا على اعتقاد صحة أمانه .
و .
عقدها " لبلدة " أي كفارها " يجوز لوالي الأقليم " لتلك البلدة كما في الروضة وأصلها لتفويض مصلحة الإقليم إليه ولاطلاعه على مصالحه ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك والمفسدة فيه قليلة لو أخطأ .
وأفهم قوله " أيضا " أنه يجوز عقد الهدنة لكفار بلدة من الإمام ونائبه أيضا .
قال الرافعي والقصور على بلدة واحدة في ذلك الإقليم لا معنى له فإن الحاجة قد تدعو إلى مهادنة أهل بلاد في ذلك الإقليم وتكون المصلحة في ذلك .
تنبيه : .
قد يفهم من تعبير المصنف بعقدها اعتبار الإيجاب والقبول لكن على كيفية ما سبق في عقد الأمان وقضية كلامه كغيره أن والي الإقليم لا يهادن جميع أهل الإقليم وبه صرح الفوراني وهو أظهر من قول العمراني أن له ذلك وقضية كلامه أيضا أنه لا يشترط إذن الإمام للوالي في ذلك وهو قضية كلام الرافعي لكن نص الشافعي على اعتبار إذنه وهو الظاهر والإقليم بكسر الهمزة أحد الأقاليم السبعة التي في الربع المسكون من الأرض وأقاليمها أقسامها وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة .
ثم شرع في الشرط الثاني بقوله " وإنما تعقد لمصلحة " ولا يكفي انتفاء المفسدة لما فيه من موادعتهم بلا مصلحة وقد قال تعالى " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " .
ثم بين المصلحة بقوله " كضعفنا بقلة عدد " لنا " وأهبة أو " لا لضعفنا بل لأجل " رجاء إسلامهم أو بذل جزية " أو نحو ذلك كحاجة الإمام إلى إعانتهم له على غيرهم ولأنه A هادن صفوان بن أمية أربعة أشهر عام الفتح وقد كان A مستظهرا عليه ولكنه فعل ذلك لرجاء إسلامه فأسلم قبل مضيها .
تنبيه : .
قوله أو رجاء معطوف على قوله كضعفنا لا على الذي يليه كما يفهم مما قدرته فكان ينبغي إعادة الجار فيه أي أن المصلحة تارة تكون لضعفنا لقلة العدد والأهبة وتارة مع قوتنا ولكن لرجاء إسلامهم أو غيره .
ثم شرع في الشرط الثالث بقوله " فإن لم يكن " بنا ضعف ورأى الإمام المصلحة فيها " جازت " ولو بلا عوض " أربعة أشهر " للآية المارة ولمهادنته A صفوان كما مر " لا سنة " فلا يجوز جزما لأنها مدة تجب فيها الجزية فلا يجوز تقريرهم فيها بلا جزية " وكذا دونها " وقد قال تعالى " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وهو عام إلا ما فوق أربعة أشهر لا يجوز أيضا " في الأظهر " لزيادتها ( 4 / 261 ) على مدة السياحة خص لدليل وهو أربعة أشهر .
والثاني يجوز لنقصها عن مدة الجزية والأول نظر إلى مفهوم الآية .
تنبيه : .
محل ذلك كما قال الماوردي في النفوس أما أموالهم فيجوز العقد عليها مؤبدا وهل يجوز ذلك في الدية فيه وجهان أوجههما الجواز .
واستثنى البلقيني المهادنة مع النساء فإنها تجوز من غير تقييد بمدة .
ولضعف تجوز عشر سنين .
فما دونها بحسب الحاجة " فقط " فيمتنع أكثر منها لأن هذا غاية مدة الهدنة ولا يجوز الوصول إليها إلا عند الاحتياج لها لأنه A هادن قريشا في الحديبية هذه المدة رواه أبو داود .
وكان ذلك قبل أن يقوى الإسلام .
تنبيه : .
محل المنع إذا جرى ذلك في عقد واحد فإن جرى في عقود متفرقة جاز بشرط أن لا يزيد كل عقد على عشر كما جزم به الفوراني وغيره قال ابن الرفعة .
قال الأذرعي وعبارة الروضة ولا تجوز الزيادة على العشر لكن إن انقضت المدة والحاجة باقية استؤنف العقد وهذا صحيح .
وأما استئناف عقد إثر عقد كما قاله الفوراني فغريب لا أحسب الأصحاب يوافقون عليه أصلا .
انتهى .
وهذا ظاهر وإذا عقد لهم هذه المدة ثم استقوينا قبل فراغها تمت لهم عملا بالعقد .
ومتى زاد .
الإمام أو نائبه في عقدها " على " القدر " الجائز " فيها بحسب الحاجة بأن زاد في حال قوتنا على أربعة أشهر أو حال ضعفنا على عشر سنين " فقولا تفريق الصفقة " في عقدها لأنه جمع في العقد الواحد بين ما يجوز العقد عليه وما لا يجوز أظهرهما يبطل في الزائف فقط " وإطلاق العهد " عن ذكر لمدة فيه " يفسده " أي عقد الهدنة لاقتضائه التأبيد وهو ممتنع لمنافاة مقصوده المصلحة .
ثم شرع في الشرط الرابع بقوله " وكذا شرط " أي يشترط خلو عقد الهدنة من كل شرط فاسد " على الصحيح " المنصوص " بأن شرط منع فك أسرانا " منهم " أو ترك مالنا " الذي استولوا عليه .
قال الزركشي بحثا أو مال ذمي " لهم أو لتعقد لهم " أي لكل واحد منهم " ذمة بدون دينار أو " لتعقد لهم ذمة " بدفع مال إليهم " ولم تدع ضرورة إليه فهو معطوف على بدون وأشعر كلامه انحصار الشرط الفاسد فيما ذكره وليس مرادا فمنه ما إذا شرط أن يقيموا بالحجاز أو يدخلوا الحرم أو يظهروا الخمور في دارنا أو نحو ذلك من الشروط الفاسدة فلو أتى المصنف بكاف التشبيه كما في المحرر كان أولى .
والأصل في منع ما ذكر قوله تعالى " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وفي اشتراط ذلك إهانة ينبو الإسلام عنها .
أما إذا دعت الضرورة إلى دفعه بأن كانوا يعذبون الأسرى ففديناهم أو أحاطوا بنا وخفنا الاصطلام فيجوز الدفع بل يجب عن الأصح في زوائد الروضة .
قال الإسنوي وتصحيحه وجوب البذل هنا مخالف لقوله آخر السير أن فك الأسرى مستحب .
انتهى .
وحمل البلقيني استحباب فك الأسرى على ما إذا لم يعاقبوا فإن عوقبوا وجب وحمل الغزي الاستحباب على الآحاد والوجوب على الإمام وهذا أولى .
تنبيه : .
إذا عقدنا لهم على دفع مال إليهم عند الضرورة هل العقد صحيح أو لا وقال الأذرعي عبارة كثير تفهم صحته وهو بعيد والظاهر بطلانه وهو قضية كلام الجمهور انتهى .
ولا يملكون ما أعطى لهم لأخذهم له بغير حق " وتصح الهدنة على أن ينقضها الإمام متى شاء " لخبر البخاري أن النبي A وادع يهود خيبر وقال أقركم ما أقركم الله وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه ولو قال الإمام الآن هذه اللفظة لم يجز لأنه A يعلم ما عند الله بالوحي بخلاف غيره .
تنبيه : .
لا يختص ذلك بمشيئة الإمام بل لو قال متى شاء فلان وهو مسلم عدل ذو رأي صح أيضا بخلاف ما لو قال ما شاء فلان منكم فإنه لا يجوز .
ثم شرع في أحكام الهدنة فقال " ومتى صحت وجب " على عاقدها وعلى من .
قال الله تعالى " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا " أما أهل الحرب بعده من الأئمة ( 4 / 262 ) الكف " ودفع الأذى من مسلم أو ذمي " عنهم " وفاء بالعهد فلا يلزمنا الكف عنهم ولا منع بعضهم عن بعض لأن مقصود الهدنة الكف لا الحفظ بخلاف الذمة نعم إن أخذ الحربيون ما لهم بغير حق وظفرنا به رددناه إليهم وإن لم يلزمنا استنقاذه ويستمر ذلك " حتى تنقضي " مدتها " أو ينقضوها " أو ينقضها الإمام إذا علفت بمشيئته وكذا غيره إذا علقت بمشيئته .
قال تعالى " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم " وقال تعالى " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم " .
ونقضهم لها يكون مع ما مر آنفا " بتصريح " منهم " أو قتالنا " حيث لا شبهة لهم فإن كان لهم شبهة كأن أعابوا البغاة مكرهين فلا ينتقض كما بحثه الزركشي " أو مكاتبة أهل الحرب بعورة " أي خلل " لنا " وقوله " أو قتل مسلم " يفهم أنه لو قتل ذميا في دارنا أن الحكم يختلف وليس مرادا ولا ينحصر الانتقاض فيما ذكره بل تنتقض بأشياء أخر منها لو سبوا الله تعالى أو القرآن أو رسوله A وكل ما اختلف في انتقاض الذمة به تنتقض الهدنة جزما لأن الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية .
تنبيه : .
أفهم قوله صحت أنها لو كانت فاسدة لا يجب الكف عنهم وليس مرادا بل يجب إنذارهم وإعلامهم ولا يجوز اغتيالهم ولو رأى الإمام العقد الثاني فاسدا فإن كان فساده بطريق الاجتهاد لم يفسخه وإن كان بنص أو إجماع فسخه .
وإذا انتقضت .
أي الهدنة وهو ببلادهم " جازت الإغارة عليهم وبياتهم " بفتح الموحدة أوله وهو الإغارة عليهم ليلا .
قال الله تعالى " بياتا وهم نائمون " فهو من عطف الخاص على العام سواء أعلموا أنه ناقض أم لا .
لقوله تعالى " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم " الآية ولأنهم صاروا حينئذ كما كانوا قبل الهدنة أما إذا كانوا ببلادنا فلا نقاتلهم بل نبلغهم المأمن كما في الروضة وأصلها " ولو نقض بعضهم " الهدنة بشيء مما مر " ولم ينكر الباقون " عليهم " بقول ولا فعل " بأن سكتوا ولم يعتزلوهم " انتقض فيهم " أي الباقين " أيضا " لأن سكوتهم يشعر بالرضا فجعل نقضا منهم كما أن هدنة البعض وسكوت الباقين هدنة في حق الكل وهذا بخلاف عقد الجزية فليس نقضه من بعضهم نقضا من الكل لقوته وضعف الهدنة " وإن أنكروا باعتزالهم " عنهم " أو إعلام الإمام " أي إعلام البعض المنكرين الإمام " ببقائهم على العهد فلا " ينقض العهد في حقهم وإن كان الناقص رئيسهم لقوله تعالى " أنجينا الذين ينهون عن السوء " فإن اقتصروا على الإنكار من غير اعتزال أو إعلان الإمام بذلك فناقضون بخلاف عقد الذمة وإنما أتى بمثالين لأن الأول إنكار فعلي والثاني قولي والقول قول منكر النقض بيمينه " ولو خاف " الإمام " خيانتهم " بظهور أمارة تدل على الخوف لا بمجرد الوهم " فله نبذ عهدهم إليهم " لقوله تعالى " وإما تخافن من قوم خيانة " الآية .
تنبيه : .
أفهم كلام المصنف أنه إذا لم يخف الخيانة لا يجوز نبذ عهدهم ومنه يعلم أن عقدها لازم .
و .
ينذرهم بعد نبذ عهدهم و " يبلغهم " وجوبا " المأمن " بعد استيفاء ما وجب عليهم من الحقوق وفاء بالعهد .
وسبق تفسير المأمن في الباب قبله " ولا ينبذ عقد الذمة بتهمة " بتحريك الهاء أي بمجردها عند استشعار الإمام خيانتهم بخلاف الهدنة وفرق بينهما بثلاثة أوجه الأول أن في عقد الذمة يغلب جانبهم ولهذا تجب الإجابة إليه إذا طلبوا وفي الهدنة يغلب جانبنا ولهذا لا تجب الإجابة .
الثاني أن أهل الذمة في قبضة الإمام وإذا تحققت خيانتهم أمكنه تداركها بخلاف أهل الهدنة .
الثالث أن عقد الذمة آكد لأنه مؤبد ولأنه عقد معاوضة " ولا يجوز " تعالى " فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار " ولأنه لا يؤمن في عقد الهدنة ( 4 / 263 ) شرط رد مسلمة تأتينا منهم " وإن أسلمت عندنا لقوله أن يصيبها زوجها الكافر أو تزوج بكافر ولأنها عاجزة عن الهرب منهم وقريبه من الافتتان لنقصان عقلها وقلة معرفتها .
تنبيه : .
لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة وبحث بعض المتأخرين أن الخنثى كالمرأة ولو أسقط المصنف تأتينا لكان أولى لأن حكم من جاءت إلينا كافرة ثم أسلمت كذلك كما قدرته في كلامه .
فإن شرط .
في عقد الهدنة رد المرأة المذكورة " فسد الشرط " قطعا سواء أكان لها عشيرة أم لا لأنه أحل حراما " وكذا العقد في الأصح " المنصوص في الأم لفساد الشرط والثاني لا لأنها ليست بآكد من النكاح وهو لا يفسد بالشروط الفاسدة .
تنبيه : .
قال ابن شهبة هذا هو الخلاف المار في قوله وكذا شرط فاسد على الصحيح إلا أنه ضعفه هناك فكرر وناقض .
وسلمت الروضة من هذا فإنه عبر أولا بالصحيح ثم أحال ثانيا عليه اه " .
وأجاب عن ذلك الشارح فقال وأشار به أي بالتعبير بالأصح إلى قوة الخلاف في هذه الصورة وعبر في صور تقدمت بالصحيح إشارة إلى ضعف الخلاف فيها فلا تكرار ولا تحالف اه " .
وخرج بالمسلمة الكافرة فيجور شرط ردها .
وإن شرط .
الإمام أو نائبه في عقد الهدنة لهم " رد من جاء " منهم " مسلما " إلينا " أو " عقد وأطلق بأن " لم يذكر ردا " ولا عدمه " فجاءت امرأة " مسلمة " لم يجب دفع مهر " بارتفاع نكاحها بإسلامها قبل الدخول أو بعده " إلى زوجها في الأظهر " لأن البضع ليس بمال حتى يشمله الأمان والثاني يجب على الإمام لقوله تعالى " واتوهم ما أنفقوا " أي من المهور والأمر فيه محتمل للوجوب وللندب الصادق بعدم الوجوب الموافق للأصل ورجحوه على الوجوب لما قام عندهم في ذلك وأما غرمه A المهر فلأنه كان قد شرط لهم رد من جاءتنا مسلمة .
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى " فلا ترجعوهن إلى الكفار " 1 " فغرم حينئذ لامتناع ردها بعد شرطه .
تنبيه : .
إنما يستحق المهر إذا أوجبناه بتسع شروط جمعها الماوردي وهي مفرقة في كلام الرافعي أحدها أن يكون الطالب زوجها وقد أشار إليه المصنف بقوله إلى زوجها .
الثاني أن يكون ساق إليها مهرها .
الثالث أن تكون جاءت مسلمة أو جاءت ذمية ثم أسلمت .
الرابع أن تكون بالغة عاقلة .
الخامس أن تكون باقية الحياة فلو ماتت قبل طلبه فلا .
السادس أن تكون باقية في العدة فلو كان بعد انقضائها لم يدفع إليه شيء قطعا ذكره الرافعي بحثا ونقله البلقيني عن نص الأم .
السابع أن تكون مقيمة على الإسلام وأن يكون الزوج مقيما على دينه ليكون المانع منها .
الثامن أن يكون مقيما على النكاح فلو خالعنا بعد الطلب لم يسقط حقه على ذلك القول .
التاسع أن تكون جاءت إلى بلد فيه الإمام أو نائبه وإلا فعلى أهل البلد منعها حسبة ولا يغرمون المهر ولا الإمام نص عليه في الأم واحترز المصنف بقوله ولم يذكر ردا عما إذا شرط ترك الرد فإنه لا غرم قطعا .
ولا يرد .
من جاء منهم إلينا وهو " صبي " وصف الإسلام ذكرا كان أو أنثى طلبه أبواه الكافران أم لا " و " لا يرد من جاء منهم إلينا وهو " مجنون " بالغ ذكرا كان أو أنثى طرأ جنونه بعد بلوغه مشركا أم لا لضعفهما كالنساء ولا يجوز الصلح بشرط ردهما .
فإن قيل قد رجحا في باب اللقيط أن الحيلولة بين الصبي إذا أسلم وبين أهله مستحبة لا واجبة .
أجيب بأن الكلام هناك محمول على ما إذا كانوا في دارنا والكلام هنا في جواز رده إلى الكفر فإنهم يتمكنون من استمالته ورده إلى الكفر بخلاف ما إذا كانوا مقيمين عندنا فإنهم لا يتمكنون من ذلك فإن بلغ الصبي وأفاق المجنون ثم وصفا الكفر ردا وكذا إن لم يصفا شيئا كما بحثه بعض المتأخرين وإن وصفا الإسلام لم يردا كما لو كان الجنون بعد الإسلام أو وقع الإسلام بعد الإفاقة من الجنون ولو شككنا في أنه أسلم قبل جنونه أو بعده لم يرد أيضا ( 4 / 264 ) وكذا " لا يرد " عبد " مسلم بالغ عاقل " و " كذا لا يرد " حر لا عشيرة له على المذهب " لأنه لا يستدل عندهم كالعبد وقيل يردان لقوتهما بالنسبة إلى غيرهما وقطع بعضهم بالرد في الحر والجمهور بعدمه في العبد .
أما الأمة المسلمة ولو مكاتبة ومستولدة فلا ترد قطعا .
تنبيه : .
لو هاجر قبل الهدنة أو بعدها عبد أو أمة ولو مستولدة ومكاتبة ثم أسلم كل منهما عتق لأنه إذا جاء قاهرا لسيده ملك نفسه بالقهر فيعتق ولأن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض فبالاستيلاء على نفسه ملكها ويعتق أيضا إذا أسلم ثم هاجر قبل الهدنة لوقوع قهره حال الإباحة بخلاف ما لو أسلم بعدها فلا يعتق لأن أموالهم مخطورة حينئذ فلا يملكها المسلم بالاستيلاء ولكن لا يرد إلى سيده لأنه جاء مسلما مراغما له والظاهر أنه يسترقه ويهيئه ولا عشيرة له تحميه بل يعتقه السيد فإن لم يفعل باعه الإمام عليه لمسلم أو دفع قيمته من بيت المال وأعتقه عن المسلمين ولهم ولاؤه وكالمهاجرة الهرب إلى المأمن وإنما ذكروا هجرته لأن بها يعلم عتقه غالبا .
وأما المكاتبة فتبقى مكاتبة إن لم تعتق فإن أدت نجوم الكتابة عتقت بها وولاؤها لسيدها وإن عجزت ورقت وقد أدت شيئا من النجوم بعد الإسلام لا قبله حسب ما أدته من قيمتها فإن وفى بها أو زاد عليها عتقت لأنه استوفى حقه وولاؤها للمسلمين ولا يسترجع من سيدها الزائد وإن نقص عنها وفى من بيت المال .
ويرد من .
أي حر " له عشيرة طلبته " أن يرد " إليها " لأنه A رد أبا جندل على أبيه سهيل بن عمرو كما رواه الشيخان والمعنى فيه أنهم يذبون عنه ويحمونه .
تنبيه : .
هل الاعتبار في الطلب بحضور العشيرة أو واحد منهم أو يكفي بعث رسولهم إذا غلب على الظن صدقه .
قال الزركشي لم يتعرضوا له والظاهر الثاني .
قال وإذا شرط رد من له عشيرة تحميه كان الشرط جائزا صرح به العراقيون وغيرهم .
قال البندنيجي والضابط أن كل من لو أسلم في دار الحرب لم تجب عليه الهجرة يجوز شرط رده في عقد الهدنة .
قال ابن شهبة وهو ضابط حسن .
و " لا " يجوز رده " إلى غيرها " أي عشيرته إذا طلبه ذلك الغير لأنهم يؤذونه " إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب " له " والهرب منه " فيرد إليه حينئذ وعليه حمل رد النبي A أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان فقتل أحدهما في الطريق وأفلت الآخر رواه البخاري .
أما إذا لم يطلب أحد فلا يرد أو لم يشترط فلا يجب الرد مطلقا " ومعنى الرد أن يخلى بينه " أي المطلوب " وبين طالبه " عملا بقضية الشرط ولا تبعد تسمية التخلية ردا كما في الوديعة " ولا يجبر " المطلوب " على الرجوع " إلى طالبه لأن إجبار المسلم على الإقامة بدار الحرب لا يجوز وعلى هذا حمل رد النبي A أبا بصير و أبا جندل " ولا يلزمه " أي المطلوب " الرجوع " إليه لأن العهد لم يجر معه ولهذا لم ينكر النبي A امتناعه ولا قتله طالبه بل سره ما فعل ولو كان واجبا لأمره بالرجوع إلى مكة " وله قتل الطالب " دفعا عن نفسه ودينه لقصة أبي بصير " ولنا " هو صادق بالإمام وبآحاد المسلمين " التعريض له به " أي المطلوب بقتل طالبه لأن عمر Bه قال لأبي جندل حين رد إلى أبيه اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم كدم كلب يعرض له بقتل أبيه كما رواه البيهقي في سننه والإمام أحمد في مسنده " لا التصريح " له به فلا يجوز لأنهم في أمان .
نعم لو أسلم واحد منهم بعد عقد الهدنة له أن يصرح بذلك كما يقتضيه كلامهم لأنه لم يشترط على نفسه أمانا لهم ولا تناوله شرط الإمام قاله الزركشي " ولو شرط " عليهم في الهدنة " أن يردوا من جاءهم مرتدا منا " رجلا كان أو امرأة حرا أو رقيقا ( 4 / 265 ) لزمهم الوفاء " بالشرط عملا بالتزامهم .
فإن امتنعوا من رده فناقضون للعهد لمخالفتهم الشرط " والأظهر جواز شرط أن لا يردوا " ولو كان المرتد امرأة فلا يلزمهم رده .
لأنه A شرط ذلك في مهادنة قريش حيث قال لسهيل بن عمرو وقد جاء رسولا منهم من جاءنا منكم مسلما رددناه ومن جاءكم منا فسحقا سحقا ولكن يغرمون مهر المرتدة .
فإن قيل لم غرموا ولم نغرم نحن مهر المسلمة .
أجيب بأنهم فوتوا علينا الاستتابة الواجبة علينا وأيضا المانع جاء من جهتها والزوج غير متمكن منها بخلاف المسلمة الزوج متمكن منها بالإسلام .
خاتمة يغرمون أيضا قيمة رقيق ارتد دون الحر فإن عاد الرقيق المرتد إلينا بعد أخذنا قيمته رددناها عليهم بخلاف نظيره في المهر .
قال في أصل الروضة لأن الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم والنساء لا يصرن زوجات فإن قيل هذا إنما يأتي على قولنا بصحة بيع المرتد للكافر والأصح خلافه .
أجيب بأن هذا ليس ببيع حقيقة واغتفر ذلك لأجل المصلحة فليس مفرعا على القول بصحة بيعه .
قال في أصل الروضة ويغرم الإمام لزوج المرتدة ما اتفق من صداقها لأنا بعقد الهدنة خلينا بينه وبينها ولولاه لقتلناهم حتى يردوها اه " .
ويشبه كما قال شيخنا أن يكون الغرم لزوجها مفرعا على الغرم لزوج المسلمة المهاجرة .
قال الماوردي ويجوز شراء أولاد المهادنين منهم لا سبيهم