وقيل فتحت صلحا ثم نكثوا ففتحها عمر رضي الله تعالى عنه ثانيا عنوة ويمكن حمل الخلاف على هذا فمن قال فتحت صلحا نظر لأول الأمر ومن قال عنوة نظر لآخر الأمر وأما الشام فنقل الرافعي عن الروياني أن مدتها فتحت صلحا وأرضها عنوة ولكن رجع السبكي أن دمشق فتحت عنوة " .
تتمة الصحيح أن مصر فتحت عنوة وممن نص عليه مالك في المدونة وأبو عبيد والطحاوي وغيرهم وأن عمر رضي الله تعالى عنه وضع على أراضيهم الخراج وفي وصية الشافعي في الأم ما يقتضى أنها فتحت صلحا وكان الليث يحدث عن زيد بن حبيب أنها فتحت صلحا .
ولو قدر أسير .
في أيدي الكفار " على هرب لزمه " لخلوصه به من قهر الأسر سواء أمكنه إظهار دينه أم لا كما نقله الزركشي عن تصحيح الإمام وإن جزم القمولي وغيره بتقييده بعدم الإمكان " ولو أطلقوه " من الأسر " بلا شرط فله اغتيالهم " قتلا وسبيا وأخذ مال لأنهم لم يستأمنوه وقتل الغيلة أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله " أو " أطلقوه " على أنهم في أمانه " وإن لم يؤمنوه كما نص عليه في الأم " حرم " عليه اغتيالهم وفاء بما التزمه وكذا لو أطلقوه على أنه في أمانهم لأنهم إذا أمنوه وجب أن يكونوا في أمان منه فلو قالوا أمناك ولا أمان لنا عليك جاز له اغتيالهم كما في نص الأم " فإن تبعه قوم " منهم بعد خروجه " فليدفعهم " وجوبا " ولو بقتلهم " كالصائل فيراعى الترتيب في الصائل وظاهر كلام الشيخين أنه لا ينقض العهد بذلك " أو " أطلقوه و " شرطوا " عليه " أن لا يخرج من دارهم " نظرت فإن لم يمكنه إظهار دينه " لم يجز الوفاء " بالشرط بل يجب عليه الخروج إن أمكنه لأن في ذلك ترك إقامة الدين والتزام ما لا يجوز لا يلزم ( 4 / 240 ) وإن أمكنه لم يحرم الوفاء لأن الهجرة حينئذ مستحبة .
تنبيه : .
لو حلفوه ولو بالطلاق مكرها على ذلك لم يحنث بتركه لعدم انعقاد يمينه فإن قالوا لا نطلقك حتى تحلف أنك لا تخرج فحلف فأطلقوه فخرج لم يحنث أيضا كما لو أخذ اللصوص رجلا وقالوا لا نتركك حتى تحلف أنك لا تخبر بمكاننا فحلف ثم أخبر بمكانهم لم يحنث لأنه يمين إكراه وإن حلف لهم ترغيبا ولو قبل الإطلاق حنيث بخروجه وله عند خروجه أخذ مال مسلم وجده عندهم ليرده عليه ولو أمنهم عليه ولا يضمنه كما رجحه ابن المقري لأنه لم يكن مضمونا على الحربي الذي كان بيده بخلاف المغصوب إذا أخذه شخص من الغاصب ليرده إلى مالكه فإنه يضمنه لأنه كان مضمونا على الغاصب فأديم حكمه .
فروع لو التزم لهم قبل خروجه ما لا فداء وهو مختار أو أن يعود إليهم بعد خروجه إلى دار الإسلام حرم عليه العود إليه وسن له الوفاء بالمال الذي التزمه ليعتمدوا الشرط في إطلاق الأسراء وإنما لم يجب لأنه التزام بغير حق والمال المبعوث إليهم فداء لا يملكونه كما قاله الروياني وغيره لأنه مأخوذ بغير حق ولو اشترى منهم شيئا ليبعث إليهم ثمنه أو اقترض فإن كان مختارا لزمه الوفاء أو مكرها فالمذهب أن العقد باطل ويجب رد العين فإن لم يجر لفظ بيع بل قالوا خذ هذا وابعث إلينا كذا من المال فقال نعم فهو كالشراء مكرها ولو وكلوه ببيع شيء لهم بدارنا باعه ورد ثمنه إليهم .
ولو عاقد الإمام .
أو نائبه " علجا " هو الكافر الغليظ الشديد سمي به لدفعه عن نفسه بقوته ومنه سمي العلاج علاجا لدفعه الداء .
وفي الحديث الدعاء والبلاء يتعالجان إلى يوم القيامة أي يتصارعان رواه البزار والحاكم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " يدل على قلعة " تفتح عنوة وهي بفتح القاف وإسكان اللام وحكي فتحها الحصن إما لأنه قد خفي علينا طريقها أو ليدلنا على طريق خال من الكفار أو سهل أو كثر الماء أو الكلأ أو نحو ذلك " وله منها جارية جاز " ذلك سواء أكان ابتداء الشرط من العلج أم من الإمام وهي جعالة بجعل مجهول غير مملوك احتملت للحاجة وسواء كانت الجارية معينة أو مبهمة حرة أم أمة لأن الحرة ترق بالأسر والمبهة يعينها الإمام ويجبر العلج على القول وسواء حصل بالدلالة كلفة أم لا حتى لو كان الإمام نازلا تحت قلعة لا يعرفها فقال من دلني على قلعة كذا فله منها جارية فقال العلج هي هذه .
استحق الجارية كما في الروضة وأصلها فإن قيل مقتضى ما ذكروه في باب الجعالة عدم الاستحقاق فإنهم شرطوا التعب ولا تعب هنا .
أجيب بأنهم لم يعتبروا التعب هنا ولهذا لو قال العلج القلعة بمكان كذا ولم يمش ولم يتعب استحق الجارية فكذلك أيضا هنا وقد استثنوا من عدم صحة الاستئجار على كلمة لا تتعب مسألة العلج للحاجة .
تنبيه : .
ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين القلعة المعينة والمبهمة وهو ما في تعليق الشيخ أبي حامد ولعله كما قال شيخنا محمول على ما إذا أبهم في قلاع محصورة وإلا فلا يصح بل الجمهور إنما صوروه بالمعينة لأن غير المعينة يكثر فيها الغرر لكن مع الحمل المذكور يخف فينبغي اعتماده .
وخرج بالعلج ما لو عاقد مسلما بما ذكر فإن الأصح عند الإمام عدم الصحة وتبعه في الحاوي الصغير لأن فيه أنواع غرر فلا يحتمل معه واحتملت مع الكافر لأنه أعرف بأحواله قلعهم وطرقهم غالبا ولأن المسلم يتعين عليه فرض الجهاد والدلالة نوع منه فلا يجوز أخذ العوض عليه لكن الذي أورده العراقيون الجواز وقال في البحر إنه المشهور .
وقال الأذرعي إنه الأصح المختار كشرط النفل في البراءة والرجعة وهو قضية كلام الرافعي في باب الغنيمة وصححه البلقيني وغيره وهو الظاهر لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك واحترز بقوله وله منها جارية عما إذا قال الإمام وله جارية مما عندي مثلا فإنه لا يصح للجهل بالجعل كسائر الجعالات وتعبيره بالجارية مثال ولو قال جعل كما في التنبيه لكان أشمل .
فإن فتحت .
أي القلعة عنوة بمن عاقده " بدلالته " بكسر الدال وفتحها وفيها الجارية المعينة أو المبهمة حية ولم تسلم قبل إسلامه " أعطيها " وإن لم يوجد سواها على الأصح لأنه استحقها بالشرط قبل الظفر ( 4 / 241 ) .
تنبيه : .
قضية إطلاقه أنه يعطاها متى فتحت بدلالته ولو في وقت آخر كأن تركناها ثم عدنا إليها وهو كذلك .
أو .
فتحت من غير من عاقده ولو بدلالته أو ممن عاقده لكن " بغيرها " أي دلالته " فلا " شيء له " في الأصح " أما في الأولى فلانتفاء معاقدته مع من فتحها وأما في الثانية فلأن القصد الدلالة الموصلة إلى الفتح ولم توجد والثاني يستحقها لدلالته ولا ينظر إلى ذلك " فإن لم تفتح " تلك القلعة " فلا شيء له " لأن الاستحقاق مقيد بشيئين الدلالة والفتح " وقيل إن لم يعلق الجعل بالفتح فله أجرة مثل " لوجود الدلالة ورد بأن تسليمها لا يمكن إلا بالفتح فالشرط مقيد به حقيقة وإن لم يجر لفظا أما إذا علق الجعل بالفتح فلا يستحق شيئا قطعا .
تنبيه : .
هذا إذا كان الجعل من القلعة فإن كان من غيرها قال الماوردي لا يشترط في استحقاقه فتحها بلا خلاف .
فإن لم يكن فيها جارية .
أصلا " أو " كانت ولكن " ماتت قبل العقد فلا شيء " له لفقد المشروط " أو " ماتت " بعد " العقد و " الظفر قبل التسليم " بها " وجب بدل " عنها جزما لأنها حصلت في قبضة الإمام فالتلف من ضمانه " أو " ماتت " قبل ظفر " بها " فلا " بدل عنها " في الأظهر " لأن الميتة غير مقدور عليها فصارت كأن لم تكن فيها .
والثاني تجب ورجحه البلقيني لأن العقد قد علق بها وهي حاصلة ثم تعذر تسليمها وهروبها قبل الظفر بها كموتها " وإن أسلمت " دون العلج بعد العقد وقبل ظفر بها أو بعده " فالمذهب وجوب بدل " لتعذر تسليمها له بالإسلام بناء على عدم جواز شراء الكافر مسلما .
قال البلقيني وهذا البناء مردود بل يستحقها قطعا لأنه استحقها بالظفر وقد كانت إذا ذاك كافرة فلا يرتفع ذلك بإسلامها كما لو ملكها ثم أسلمت لكن لا تسلم إليه بل يؤمر بإزالة ملكه عنها كما لو أسلم العبد الذي باعه المسلم للكافر قبل القبض لكن هناك يقبضه له الحاكم وهنا لا يحتاج إلى قبض .
وقد يقرق بين ما هنا وبين البيع لأن البيع عقد لازم وهنا جعالة جائزة مع المسامحة فيها ما لا يتسامح في غيرها فلا يلحق بغيرها .
أما لو أسلمت قبل العقد فلا شيء له إن علم بذلك وبأنها قد فاتته كما قاله البلقيني وكلام غيره يقتضيه وإن كان ظاهر عبارة المصنف بغير التقدير الذي ذكرته استحقاقه لأنه عمل متبرعا " وهو " أي البدل في الجارية المعينة حيث وجب " أجرة مثل " في الأصح عند الإمام " وقيل قيمتها " وهو الأصح كما عليه الجمهور ونص عليه أيضا الشافعي في الأم ومحله من الأخماس الأربعة لا من أصل الغنيمة ولا من سهم المصالح .
وأما المبهمة فإن وجب البدل فيها فيجوز أن يقال يرجع بأجرة المثل قطعا لتعذر تقويم المجهول ويجوز أن يقال تسلم إليه قيمة من تسلم إليه قبل الموت قاله الشيخان .
والثاني أوجه على ما عليه الجمهور .
أما إذا فتحت القلعة صلحا بدلالته فينظر إن دخلت الجارية المشروطة في الأمان ولم يرض أصحاب القلعة بتسليمها إليه ولا رضى العلج بعوضها وأصروا على ذلك نقضنا الصلح وبلغوا المأمن بأن يردوا إلى القلعة ليستأنف القتال وإن رضي أصحاب القلعة بتسليمها بقيمتها دفعنا لهم القيمة وهل هي من سهم المصالح أو من حيث يكون الرضخ وجهان أوجههما كما قال الزركشي الثاني وإن كانت خارجة عن الأمان بأن كان الصلح على أمان صاحب القلعة وأهله ولم تكن الجارية منهم سلمت إلى العلج .
خاتمة فيها مسائل منشورة لو صال زعيم قلعة وهو سيد أهلها على أمان مائة منهم صح وإن جهلت أعيانهم وصفاتهم للحاجة إليه فإن عد مائة غير نفسه جاز للإمام قتله لخروجه عن المائة واستدل له الرافعي وغيره بأن أبا موسى الأشعري Bه حاصر مدينة فصالحه دهقانها على أن يفتح له المدينة ويؤمن مائة رجل من أهلها فقال أبو موسى اللهم أنسه نفسه فلما عدهم قال له أبو موسى أفرغت فقال نعم فأمنهم وأمر بقتل الدهقان فقال أتعذرني وقد أمنتني قال أمنت العدة التي سميت ولم تسم نفسك فنادى بالويل وبذل مالا فلم يقبله منه وقتله ويسقط بإسلام الكافر حد الزنا عنه كما مر في بابه لآية " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ( 4 / 242 ) مع كون الحق له تعالى ولا تسقط به كفار يمين وظهار وقتل كالدين وعليه بعد إسلامه رد مال مسلم استولى عليه ولو بدار الحرب فإن غنمناه ولو مع أموالهم رد مالكه وإن خرج لواحد بعد القسمة رده أيضا لمالكه وغرم له الإمام بدله من بيت المال فإن لم يكن فيه شيء نقضت القسمة ولو استولد بالكافر جارية مسلم ثم وقعت في الغنم أخذها وولدها مالكها لأن ملكه لم يزل عنها ويندب له عدم أخذها ولو نكح حربي مسلمة أو أصابها بشبهة وولدت منه لحقه الولد للشبهة ثم إن ظفرنا بهم لم يرق الولد كأمه للحكم بإسلامه تبعا لها ولو وجد أسير بدارنا فادعى الإسلام أو الذمة صدق بيمينه بخلاف أسير وجد بدار الحرب ولو غنمنا رقيقا مسلما اشتراه كافر من مسلم رد لبائعه ورد بائعه الثمن للكافر لعدم صحة البيع وفداء الأسير مندوب للآحاد فلو قال شخص للكافر بغير إذن الأسير أطلقه ولك علي كذا لزمه ولا لللجوع له على الأسير فإن أذن له رجع عليه به إذا غرمه ولو لم يشترط الرجوع كقول المدين لغيره أقض ديني .
ولو قال الأسير للكافر أطلقني بكذا أو قال له الكافر أفد نفسك بكذا فقبل لزمه ما التزم فإن قيل هذا مخالف لقولهم أنه لو التزم لهم مالا ليطلقوه لم يلزمه الوفاء به ومن أنهم لو قالوا له خذ هذا وابعث لنا كذا من المال فقال نعم فهو كالشراء مكرها فلا يلزمه المال وقياسه أن يكون ما هنا كذلك .
أجيب بأن ما مر في الأولى صورته أن يعاقده على أن يطلقه ليعود إليه أو يرد إليه مالا كما أفصح عنه الدارمي وهنا عاقده على رد المال عينا .
وأما الثانية فلا عقد فيها في الحقيقة ولو غنم المسلمون ما افتدى به الأسير لزمهم رده للمفادى لأنه لم يخرج عن ملكه ولو انقضت مدة حربي مستأمن وأمانه مختص ببلد بلغ مأمنه فإن كان أمانه عاما لم يجب تبليغه مأمنه لأن ما يتصل ببلادنا ببلادهم من محل أمانه فلا يحتاج إلى مدة الانتقال من موضع الأمان كتاب عقد الجزية للكفار لما فرغ المصنف C تعالى من قتال المشركين عقبه بالجزية لأن الله تعالى غيا القتال بها بقوله " حتى يعطوا الجزية " الآية وتطلق على العقد وعلى المال الملتزم به وهي مأخوذة من المجازاة لكفنا عنهم وقيل من الجزاء بمعنى القضاء .
قال تعالى " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا " أي لا تقضي ويقال جزيت ديني أي قضيته وجمعها جزى كقرية وقرى وليست هي مأخوذة في مقابلة الكفر ولا التقرير عليه بل هو نوع إذلال لهم ومعونة لنا وربما يحملهم ذلك على الإسلام مع مخالطة المسلمين الداعية إلى معرفة محاسن الإسلام ولعل الله تعالى أن يخرج منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر .
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " إلى قوله " حتى يعطوا الجزية " الآية وقد أخذها A من مجوس هجر كما رواه البخاري ومن أهل نجران كما رواه أبو داود ومن أهل أيلة كما رواه البيهقي وقال إنه منقطع .
وأركانها خمسة صيغة وعاقد ومعقود له ومكان ومال .
وقد شرع المصنف في أولها فقال " صورة عقدها " من الموجب وسيأتي أنه الإمام أو نائبه نحو " أقركم " كأقررتكم كما في المحرر وغيره وحينئذ لا فرق بين أن يأتي بصيغة الماضي أو المضارع وقول البلقيني لا بد أن يقصد المضارع الحال أو الاستقبال لينسلخ عن معنى الوعد ممنوع لأن المضارع عند التجرد من القرائن يكون للحال .
قال ابن شهبة وقد ذكر القرافي أن صيغ المضارع تأتي للإنشاء كأشهد ونحوه وقول المصنف " بدار الإسلام " ليس بقيد فقد يقرهم بالجزية في دار الحرب " أو أذنت في إقامتكم بها " غير الحجاز كما سيأتي " على أن تبذلوا " بالمعجمة أن تعطوا بمعنى تلتزموا " جزية " هي كذا في كل حول .
قال الجرجاني ويقول أول الحول أو آخره " وتنقادوا لحكم الإسلام " في غير العبادات من حقوق الآدميين في المعاملات وغرامة المتلفات وكذا ما يعتقدون تحريمه كالزنا والسرقة ( 4 / 243 ) دون ما لا يعتقدونه كشرب الخمر ونكاح المجوس وقد فسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها والصغار بالتزام أحكامنا .
قالوا وأشد الصغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله وإنما وجب التعرض لذلك في الإيجاب لأن الجزية مع الانقياد والاستسلام كالعوض عن التقرير فيجب التعرض له كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة وهذا في حق الرجل .
أما المرأة فيكفي فيها الانقياد لحكم الإسلام فقط إذ لا جزية عليها .
تنبيه : .
لا تنحصر صيغة إيجابها فيما ذكره المصنف فلو قال الكافر ابتداء أقررني بكذا فقال الإمام أقررتك كفى لأن الاستيجاب كالقبول .
والأصح اشتراط ذكر قدرها .
أي الجزية لما مر أنها كالثمن والأجرة .
والثاني وهو ضعيف جدا خلاف ما يفهمه كلامه لا يشترط ويحمل على الأقل عند الإطلاق .
تنبيه : .
أفهم تخصيصه الخلاف بذكر قدرها أنه لا خلاف في اشتراط الانقياد لحكم الإسلام وليس مرادا بل ذكر القاضي حسين والإمام فيه خلافا لأن الأحكام من مقتضيات العقد والتصريح بمقتضى العقد لا يشترط في صحته " لا كف اللسان " منهم " عن الله تعالى ورسوله A ودينه " فلا يشترط ذكره لدخوله في شرط الانقياد وقيل يشترط إذ به تحصل المسالمة وترك التعرض من الجانبين " ولا يصح العقد " للجزية " مؤقتا على المذهب " لأنه عقد يحقن به الدم فلا يجوز مؤقتا كعقد الإسلام وفي قول أو وجه يصح .
تنبيه : .
محل الخلاف في التأقيت بمعلوم كسنة أما المجهول كأقركم ما شئنا أو ما شاء الله أو زيد أو ما أقركم الله فالمذهب القطع بالمنع .
وأما قوله A أقركم ما أقركم الله فإنما جرى في المهادنة حين وادع يهود خيبر لا في عقد الذمة ولو قال ذلك غيره من الأئمة لم يصح لأنه A يعلم ما عند الله بالوحي بخلاف غيره .
وقضية كلامهم أنه لا يشترط ذكر التأبيد بل يجوز الإطلاق وهو يقتضي التأبيد ولو قال أقركم ما شئتم صح لأن لهم نبذ العقد متى شاؤوا فليس فيه إلا التصريح بمقتضى العقد بخلاف الهدنة لا تصح بهذا اللفظ لأنه يخرج عقدها عن موضوعه من كونه مؤقتا إلى ما يحتمل تأبيده المناني لمقتضاه .
ويشترط .
في صحة العقد من الناطق " لفظ قبول " كقبلت أو رضيت بذلك كغيره من العقود .
أما الأخرى فيكفي فيه الإشارة المفهمة لأنها بمنزلة نطقه وتكفي الكتابة مع النية كما بحثه الزركشي كالبيع بل أولى وكما صرحوا به في الأمان .
تنبيه : .
سكتوا عن شرط اتصال القبول بالإيجاب وظاهر كما قال شيخنا أنه يشترط وإن قال الأذرعي يقرب عدم اعتباره .
ولو وجد كافر بدارنا فقال دخلت لسماع كلام الله تعالى أو .
قال دخلت " رسولا " ولو عبدا سواء كان معه كتاب أم لا " أو " قال دخلت " بأمان مسلم " يصح أمانه " صدق " فلا يتعرض له لاحتمال ما يدعيه وقصد ذلك يؤمنه من غير احتياج إلى تأمين وكذا لو قال دخلت لأسلم أو لأبذل جزية .
تنبيه : .
محل تذلك إذا ادعاه قبل أن يصير عندنا أسيرا وإلا فلا يقبل إلا ببينة كما قاله البلقيني .
وفي دعوى الأمان وجه .
أنه لا يصدق فيه بل يطالب ببينة لإمكانها غالبا .
وأجاب الأول بأن الظاهر من حال الحربي أنه لا يدخل دارنا بغير أمان فإن اتهم حلف كما نقله الرافعي عن ابن كج في مدعي الرسالة وجزم به ابن المقري في غيره .
ثم شرع في الركن الثاني وهو العاقد فقال " ويشترط لعقدها الإمام أو نائبه " فيها خصوصا أو عموما لأنها من المصالح العظام فتحتاج إلى نظر واجتهاد فلا يصح عقدها من غيرهما لكن لا يغتال المعقود له بل يبلغ مأمنه ولا شيء عليه ولو أقام سنة فأكثر لأن العقد لغو " وعليه " أي عاقدها " الإجابة إذا طلبوا " عقدها لخبر مسلم عن بريدة ( 4 / 244 ) كان رسول الله A إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه إلى أن قال فإذا هم أبوا الإسلام فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم .
تنبيه : .
محل الوجوب قبل الأسر فأما الأسير إذا طلب عقد الجزية لا تجب إجابته على الأصح كما اقتضاه كلام الروضة " إلا " إذا طلب عقدها شخص يخاف كيده كان يكون الطالب " جاسوسا نخافه " فلا نجيبه للضرر الذي يخشى منه بل لا نقبل الجزية منه والجاسوس صاحب سر الشر كما أن الناموس صاحب سر الخير .
ثم شرع في الركن الثالث وهو المعقود له .
فقال " ولا تعقد " الجزية " إلا لليهود والنصارى " من العرب والعجم الذين لم يعلم دخولهم في ذلك الدين بعد نسخه لأهل الكتاب وقد قال تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون " إلى أن قال " من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية " " والمجوس " لأنه A أخذها منهم وقال سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولأن لهم شبهة كتاب والأظهر أنه كان لهم كتاب فرفع " وأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ " لدينه ولو بعد التبديل وإن لم يجتنبوا المبدل منه تغليبا لحقن الدم ولا تحل مناكحتهم ولا ذبيحتهم كما مر لأن الأصل في الأبضاع والميتات التحريم .
تنبيه : .
المراد بالنسخ نسخ التوراة بالإنجيل في اليهود ونسخ الإنجيل في النصارى ببعثته A ولا تعقد لأولاد من تهود أو تنصر بعد النسخ بشريعة نبينا أو تهود بعد بعثة عيسى كآبائهم لأنهم تمسكوا بدين باطل وسقطت فضيلته .
أو .
أي وتعقد أيضا لمن لم يعلم حاله كان " شككنا في وقته " أي التهود أو التنصر فلم نعرف أدخلوا قبل النسخ أو بعده تغليبا لحقن الدم كالمجوس .
وبذلك حكمت الصحابة في نصارى العرب وهم نهرا وتنوخ وبنو تغلب .
تنبيه : .
فهم من إطلاق المصنف أن يهود خيبر كغيرهم .
وانفرد ابن أبي هريرة بإسقاط الجزية عنهم لأن النبي A ساقاهم وجعلهم بذلك خولا أي عبيدا .
وسئل ابن سريج عما يدعونه من أن علي بن أبي طالب كتب لهم كتابا بإسقاطها فقال لم ينقل أحد من المسلمين ذلك .
وأما الصابئة والسامرة فتعقد لهم الجزية إن لم تكفرهم اليهود والنصارى ولم يخالفوهم في أصول دينهم وإلا فلا تعقد لهم وكذا تعقد لهم لو أشكل أمرهم .
وأما من ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب كعبدة الأوثان والشمس والملائكة ومن في معناهم كمن يقول إن الفلك حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهة فلا يقرون بالجزية سواء فيهم العربي والعجمي .
وعند أبي حنيفة تؤخذ الجزية من العجم منهم .
وعند مالك تؤخذ من جميع المشركين إلا مشركي قريش .
وكذا .
يقر بالجزية على المذهب " زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله عليهما وسلم " وكذا صحف شيث وهو ابن آدم لصلبه لأن الله تعالى أنزل عليهم صحفا فقال " صحف إبراهيم وموسى " وقال " وإنه لفي زبر الأولين " وسمى كتابا كما نص عليه الشافعي فاندرجت في قوله تعالى " من الذين أوتوا الكتاب " وقيل لا تعقد لهم لأنها مواعظ لا أحكام لها فليس لها حرمة الأحكام ولا تحل مناكحتهم وذبيحتهم على المذهب عملا بالاحتياط في المواضع الثلاثة " ومن أحد أبويه كتابي والآخر وثني " تعقد له " على المذهب " وإن كان الكتابي أمه تغليبا لحقن الدم وتحرم مناكحته وذبيحته احتياطا .
والطريق الثاني لا تعقد له كما لا يصح نكاحه .
تنبيه : .
قوله على المذهب راجع إلى هذه المسألة وإلى التي قبلها ولو ظفرنا بقوم وادعوا أو بعضهم التمسك تبعا لتمسك آبائهم بكتاب قبل النسخ ولو بعد التبديل صدقنا المدعين دون غيرهم وعقد لهم الجزية لأن دينهم لا يعرف إلا من جهتهم فإن شهد عدلان بكذبهم فإن كان قد شرط عليهم في العقد قتالهم إن بان كذبهم اغتلناهم وكذا إن ( 4 / 245 ) لم يشرط في أحد وجهين نقله الأذرعي وغيره عن النص لتلبيسهم علينا ولو توثن نصراني بلغ المأمن .
ثم أطفال المنوثين من أمهم النصرانية نصارى وكذا أطفال النصارى من أمهم الوثنية فتقعد الجزية لمن بلغ منهم لأنه قد ثبت له علقة التنصر فلا تزول بما يحدث بعد .
ولا جزية على امرأة .
لقوله تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون " إلى قوله " وهم صاغرون " وهو خطاب الذكور وحكى ابن المنذر فيه الإجماع وروى البيهقي عن عمر Bه أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن تؤخذ الجزية من النساء والصبيان .
تنبيه : .
لو طلب النساء عقد الذمة بالجزية أعلمهن الإمام بأنه لا جزية عليهن فإن رغبن في بذلها فهي هبة لا تلزم إلا بالقبض .
و .
لا على " خنثى " لاحتماله كونه أنثى فإن بانت ذكورته وقد عقد له الجزية طالبناه بجزية المدة الماضية عملا بما في نفس الأمر بخلاف ما لو دخل حربي دارنا وبقي مدة ثم أطلعنا عليه لا نأخذ منه شيئا لما مضى لعدم عقد الجزية له والخنثى كذلك إذا بانت ذكورته ولم تعقد له الجزية وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق من صحح الأخذ منه ومن صحح عدمه كما أشار البلقيني " و " لا على " من فيه رق " فمن كله رقيق أولى ولو مكاتبا لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والعبد مال والمال لا جزية فيه كما لا تجب على العبد لا تجب على سيده بسببه .
فإن قيل هلا وجبت على المبعض بقدر ما فيه من الحرية كمن تقطع جنونه فإن إفاقته تلفق كما سيأتي ويجب عليه بقدرها .
أجيب بأن الجنون والإفاقة لم يجتمعا في وقت واحد بخلاف الرق والحرية " و " لا على " صبي " لقوله A ل معاذ لما بعثه إلى اليمن خذ من كل حالم أي محتلم دينارا رواه الترمذي وأبو داود .
ولو عقد على الرجال أن يؤدوا عن نسائهم وصبيانهم شيئا غير ما يؤدونه عن أنفسهم فإن كان من أموال الرجال جاز ولزمهم وإن كان من أموال النساء والصبيان لم يجز كما قاله الإمام " و " لا على " مجنون " أطبق جنونه لعدم تكليفه " فإن تقطع جنونه " وكان " قليلا كساعة من شهر لزمته " ولا عبرة بهذا الزمن اليسير وكذا لا أثر ليسير زمن الإفاقة كما بحثه شيخنا " أو كثيرا كيوم ويوم .
فالأصح تلفق الإفاقة " أي زمنها " فإذا بلغت " أزمنة الإفاقة المتفرقة " سنة " فأكثر " وجبت " جزية اعتبارا للأزمنة المتفرقة بالأزمنة المجتمعة والثاني لا شيء عليه لنقصانه كالمبعض .
تنبيه : .
محل الخلاف إذا أمكن التلفيق فإن لم يمكن أجرى عليه أحكام الجنون كما استظهره شيخنا .
هذا إذا تعاقب الجنون والإفاقة فلو كان عاقلا فجن في أثناء الحول فكموت الذمي في أثنائه وإن كان مجنونا فأفاق في أثنائه استقبل الحول حينئذ .
ولو بلغ ابن ذمي .
ولو بنبات عانته أو أفاق المجنون أو عتق العبد " ولم يبذل " بالمعجمة أي يعط " جزية " بعد طلبنا لها منه " ألحق بمأمنه " سواء أعتق العبد ذمي أم مسلم وعن مالك أن عتيق المسلم لا تضرب عليه الجزية لحرمة ولائه " وإن بذلها " من ذكر " عقد له " ولا يكفي عقد أب وسيد ولو كان كل منهما قد أدخله في عقده إذا بلغ أو عتق كأن قال قد التزمت هذا عني وعن ابني إذا بلغ أو عبدي إذا عتق " وقيل عليه " أي الصبي " كجزية أبيه " ولا يحتاج إلى عقد اكتفاء بعقد أبيه وإذا لم يكف ذلك فيعقد له عقدا مستأنف ويساوم كغيره لانقطاع التبعية بالكمال ولوجوب جزية أخرى ومر أن إعطاءها في الآية بمعنى التزامها وللإمام أن يجعل حول التابع والمتبوع واحدا ليسهل عليه أخذ الجزية ويستوفى ما لزم التابع في بقية العام الذي اتفق الكمال في أثنائه إن رضي التابع بذلك أو يؤخره إلى الحول الثاني فيأخذه مع جزية المتبوع في آخره لئلا يختلف أواخر الأحوال وإن شاء إفرادهما بحول فيأخذ ما لزم كلا منهما عند تمام حوله .
تنبيه : .
لو بلغ الصبي سفيها فعقد لنفسه أو عقد له وليه بدينار صح لأن فيه مصلحة حقن الدم أو بأكثر من دينار لم يصح لأن الحقن ممكن بدينار .
فإن قيل لو صالح السفيه مستحق القصاص الواجب عليه بأكثر من الدية ( 4 / 246 ) صح صيانة لروحه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن صون الدم في الجزية يحصل بالدينار وصون الروح لا يحصل في القصاص إلا بالزيادة إذ يجب على الإمام قبول الدينار ولا يجب على المستحق قبول الدية .
ولو اختار السفيه أن يلتحق بالمأمن لم يمنعه وليه ولأن حجره على ماله لا على نفسه .
والمذهب وجوبها على زمن وشيخ هرم وأعمى وراهب وأجير .
لأنها كأجرة الدار فيستوي فيها أرباب الأعذار وغيرهم والطريق الثاني لا جزية عليهم إن قلنا لا يقتلون كالنساء والصبيان " و " على " فقير عجز عن كسب " ولو من أهل خيبر لعموم الآية ولأنه كالغني في حقن الدم والسكنى " فإذا تمت سنة وهو معسر ففي ذمته حتى يوسر " وكذا حكم السنة الثانية وما بعدها كما تعامل المعسر ويطالب إذا أيسر وفي قول غير مشهور أنه لا جزية عليه وإن كان ظاهر عطف المصنف له على الزمن يقتضي أن الخلاف فيه طريقان .
تنبيه : .
سكتا عن تفسير الفقير هنا وفيه وجهان حكاهما الدارمي و الرازي في تعليقه أحدهما مستحق الزكاة لو كان مسلما والثاني وهو الأشبه كما قاله الزركشي من لا يملك فاضلا عن قوت يومه آخر الحول ما يقدر به على أداء الجزية كما في زكاة الفطر وقال بعض المتأخرين يرجع فيه إلى العرق .
ثم شرع في الركن الرابع وهو المكان القابل للتقرير فقال " ويمنع كل كافر من استيطان الحجاز " سواء أكان ذلك بجزية أم لا لشرفة ولما روى البيهقي عن أبي عبيدة بن الجراح آخر ما تكلم به النبي A أخرجوا اليهود من الحجاز ولخبر الصحيحين أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وخبر مسلم لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب .
والمراد منها الحجاز المشتملة هي عليه ولم يرد جميع الجزيرة لأن عمر رضي الله تعالى عنه أجلاهم من الحجاز وأقرهم في اليمن مع أنه من جزيرة العرب .
تنبيه : .
لو عبر بالإقامة الاستيطان كما في الروضة لكان أولى فإنه يلزم من منعها منع الاستيطان ولا عكس فلو أراد الكافر أن يتخذ دارا بالحجاز ولم يسكنها ولم يستوطنها لم يجز لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كالأواني وآلات الملاهي وإليه يشير قول الشافعي في الأم ولا يتخذ الذمي شيئا من الحجاز دارا .
وهو .
أي الحجاز " مكة والمدينة واليمامة " وهي مدينة بقرب اليمن على أربع مراحل من مكة ومرحلتين من الطائف قيل سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام وكانت تسكنها " وقراها " أي الثلاثة كالطائف ووج لمكة وخيبر للمدينة " وقيل له " أي الكافر " الإقامة في طرقه " أي الحجاز " الممتدة " بين هذه البلاد التي لم تجر الإقامة فيها عادة لأنها ليست من مجتمع الناس ولا موضع الإقامة والمشهور أنهم يمنعون لأن الحرمة للبقعة .
تنبيه : .
محل الخلاف في غير حرم مكة فأما البقاع التي من الحرم فإنهم يمنعون منها قطعا ولا يمنعون من ركوب بحر الحجاز لأنه ليس موضع إقامة ويمنعون من الإقامة في جزائره وسواحله المسكونة بخلاف غير المسكونة وإن خالف في ذلك الأذرعي وغيره وقالوا بالمنع مطلقا وسمي ذلك حجازا قال الأصمعي لأنه حجز بين نجد وتهامة وجزيرة العرب من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول وفي العرض من جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام وسميت جزيرة العرب لإحاطة بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات بها .
ولو دخله .
كافر ب " غير إذن الإمام أخرجه " منه لعدم إذنه له " وعزره إن علم أنه ممنوع منه " لجراءته ودخول ما ليس له دخوله فإن جهل ذلك أخرج ولم يعزر " فإن استأذن " كافر الإمام في دخول الحجاز " أذن " له " إن كان " في دخوله ( 4 / 247 ) مصلحة للمسلمين كرسالة " يؤديها وعقد ذمة وهدنة " وحمل ما نحتاج " نحن " إليه " من طعام ومتاع فإن لم يكن مصلحة لم يأذن له " فإن كان " دخوله " لتجارة ليس فيها كبير حاجة " كالعطر " لم يأذن " له الإمام في دخول الحجاز " إلا بشرط أخذ شيء منها " أي من متاعها وقدر المشروط منوط برأي الإمام اقتداء ب عمر Bه فإنه كان يأخذ من القبط إذا اتجروا إلى المدينة عشر بعض الأمتعة كالقطيفة ويأخذ نصف العشر من الحنطة والشعير ترغيبا لهم في حملها للحاجة إليهما ولا يؤخذ من حربي دخل دارنا رسولا أو بتجارة نضطر نحن إليها فإن لم نضطر واشترط عليهم الإمام أخذ شيء ولو أكثر من عشرها جاز ويجوز دونه وفي نوع أكبر من نوع ولو أعفاهم جاز .
فإن شرط عشر الثمن أمهلوا إلى البيع بخلاف ما إذا شرط أن يأخذ من تجارتهم وما يؤخذ في الحول لا يؤخذ إلا مرة ولو تردد وولاة المكاسة تفعل بالمسلمين كذلك ولا يؤخذ شيء من تجارة ذمي ولا ذمية إلا إن شرط مع الجزية ولا من غير متجر دخل بأمان وإن دخل الحجاز ويكتب لمن أخذ منه براءة حتى لا يطالب مرة أخرى قبل الحول .
تنبيه : .
ظاهر كلامهم في الدخول للتجارة أنه لا فرق بين الذمي وغيره وهو كذلك وإن خصه البلقيني بالذمي وقال إن الحربي لا يمكن من دخول الحجاز للتجارة .
و .
إذا أذن له الإمام في الدخول " لا يقيم إلا ثلاثة أيام " فأقل اقتداء ب عمر رضي الله تعالى عنه .
ولا يحسب منها يومي الدخول والخروج كما مر في صلاة المسافر لأن أكثر من ذلك مدة الإقامة وهو ممنوع منها ويشترط الإمام ذلك عليه عند الدخول ولا يؤخر لقضاء دين بل يوكل من يقضي عنه .
تنبيه : .
محل منع الزائد على الثلاث إذا كان في موضع واحد أما لو أقام في موضع ثلاثة أيام ثم انتقل إلى آخر وهكذا لم يمنع من ذلك .
قال الزركشي تبعا لصاحب الوافي وينبغي أن يكون بين كل موضعين مسافة القصر وإلا فيمنع من ذلك وهو بحث حسن لأن ما دونها في حكم الإقامة .
ويمنع .
الكافر ولو لمصلحة " دخول حرم مكة " لقوله تعالى " فلا يقربوا المسجد الحرام " والمراد به الحرم بإجماع المفسرين بدليل قوله تعالى " وإن خفتم عيلة " 1 " أي فقرا بانقطاع التجارة عنكم لمنعهم من الحرم " فسوف يغنيكم الله من فضله " 1 " ومعلوم أن الجلب إنما يجلب للبلد لا إلى المسجد نفسه والمعنى في ذلك أنهم أخرجوا النبي A منه فعوقبوا بالمنع من دخوله بكل حال " فإن كان رسولا " والإمام في الحرم " خرج إليه الإمام أو نائب يسمعه " إذا امتنع من أدائها إلا إليه وإلا بعث إليه من يسمع وينهى إليه وإن طلب منا المناظرة ليسلم خرج إليه من يناظره وإن كان لتجارة خرج إليه من يشتري منه وقضية إطلاقه أنه لا فرق في منع دخوله إليه بين حال الضرورة وغيرها وبه صرح الشافعي في الأم .
تنبيه : .
لو بذل الكافر على دخوله الحرم مالا لم يجب إليه فإن أجيب فالعقد فاسد ثم إن وصل المقصد أخرج وثبت المسمى أو دون المقصد فبالقسط من المسمى .
قاعدة كل عقد فسد يسقط فيه المسمى إلا هذه المسألة لأنه قد استوفى العوض وليس لمثله أجرة فرجع إلى المسمى .
وإن مرض فيه .
أي حرم مكة " نقل " منه " وإن خيف موته " من النقل لأنه ظالم بدخوله " فإن مات " فيه " لم يدفن فيه " تطهيرا للحرم منه " فإن دفن " فيه " نبش وأخرج " منه إلى الحل لأن بقاء جيفته فيه أشد من دخوله حيا ( 4 / 248 ) .
تنبيه : .
محل نبشه إذا لم يتهر فإن تهرى ترك ولا يجري هذا الحكم في حرم المدينة لاختصاص حرم مكة بالنسك وثبت أنه A أدخل الكفار مسجده وكان ذلك بعد نزول براءة فإنها نزلت سنة تسع وقدم الوفد عليه سنة عشر وفيهم وفد نصارى نجران وهم أول من ضرب عليهم الجزية فأنزلهم مسجده وناظرهم في أمر المسيح وغيره .
وإن مرض في غيره .
أي غير حرم مكة " من الحجاز وعظمت المشقة في نقله " سواء خيف مع ذلك موته أم لا " ترك " مراعاة لأعظم الضررين لأنه يجوز دخوله في الجملة " وإلا " بأن لم تعظم المشقة فيه " نقل " مراعاة لحرمة الدار " فإن مات " فيه " وتعذر نقله " إلى الحل لتقطعه مثلا " دفن هناك " للضرورة فإن لم يتعذر لم يدفن هناك فإن دفن ترك .
تنبيه : .
ما ذكر في الذمي أما الحربي أو المرتد فلا يدفن فيه بل تغرى الكلاب على جيفته فإن تأدى الناس بريحه ووري كالجيفة .
ثم شرع في الركن الخامس وهو المال مترجما له بفصل فقال فصل " أقل الجزية دينار لكل سنة " عن كل واحد لما رواه الترمذي وغيره عن معاذ أنه A لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينار أو عدله من المعافر وهي ثياب تكون باليمن .
أجيب بأن الجنون والإفاقة لم يجتمعا في وقت واحد بخلاف الرق والحرية " و " لا على " صبي " لقوله A ل معاذ لما بعثه إلى اليمن خذ من كل حالم أي محتلم دينارا رواه الترمذي وأبو داود .
تنبيه : .
ظاهر الخبر أن أقلها دينارا أو ما قيمته دينار وبه أخذ البلقيني والمنصوص الذي عليه الأصحاب كما هو ظاهر عبارة المصنف أن أقلها دينار وعليه إذا عقد به جاز أن يعتاض عنه ما قيمته دينار وإنما امتنع عقدها بما قيمته دينار لأن قيمته قد تنقص عنه آخر المدة ومحل كون أقلها دينارا عند قوتنا وإلا فقد نقل الدارمي عن المذهب أنه يجوز عقدها بأقل من دينار نقله الأذرعي وقال إنه ظاهر متجه وقضية كلام المصنف تعلق الوجوب بانقضاء السنة .
وقال القفال اختلف قوم الشافعي في أن الجزية تجب بالعقد وتستقر بانقضاء الحول أو تجب بانقضاء وبنى عليهما إذا مات في أثناء الحول هل تسقط فإن قلنا بالعقد لم تسقط وإلا سقطت حكاه القاضي الحسين في الأسرار ولا حد لأكثر الجزية .
ويستحب للإمام مماكسة .
أي مشاححة الكافر العاقد لنفسه أو لموكله في قدر الجزية حتى يزيد على دينار بل إذا أمكنه أن يعقد بأكثر منه لم يجز أن يعقد بدونه إلا لمصلحة ويسن أن يفاوت بينهم " حتى يأخذ من متوسط دينارين و " من " غني أربعة " ومن فقير دينارا اقتداء ب عمر رضي الله تعالى عنه كما رواه البيهقي عنه ولأن الإمام متصرف للمسلمين فينبغي أن يحتاط لهم وللخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة لا يجيزها إلا كذلك .
تنبيه : .
هذا بالنسبة إلى ابتداء العقد فأما إذا انعقد العقد على شيء فلا يجوز أخذ شيء زائد عليه كما نص عليه في سير الواقدي ونقله الزركشي عن نص الأم وأطلق الشيخان استحباب المماكسة فأخذ شيخنا من الإطلاق أن المماكسة كما تكون في العقد تكون في الأخذ واستدل بقول الأصحاب يستحب للإمام المماكسة حتى يأخذ من الغنى إلخ وهذا لا يصلح دليلا لذلك لأن قولهم حتى يأخذ أي إذا ماكسهم في العقد فيأخذ إلخ فإن أبى الكافر عقدها إلا بدينار أجيب لأنه الواجب ومعلوم مما مر أن السفيه لا يماكس هو ولا وليه لأنه لا يصح عقده بأكثر من دينار .
ولو عقدت .
للكفار ذمة " بأكثر " من دينار " ثم علموا " بعد العقد " جواز دينار لزمهم ما التزموه " كمن اشترى شيئا بأكثر من ثمن مثله ثم علم الغبن " فإن أبوا " بذل الزيادة بعد العقد " فالأصح أنهم ناقضون " للعهد كما لو امتنعوا من أداء أصل الجزية فيبلغون المؤمن كما سيأتي .
والثاني لا ويقنع منهم بالدينار كما يجوز ابتداء العقد به وعلى الأول لو بلغوا المأمن ثم عادوا وطلبوا العقد بدينار أجيبوا إليه كما لو طلبوه أولا ( 4 / 249 ) .
تنبيه : .
لو شرط على الغني كذا وعلى المتوسط كذا وأطلق الشرط صح واعتبر الغني وغيره عند الأخذ فإن قيدت هذه الأحوال بوقت اتبع والقول قول مدعي التوسط أو الفقر بيمينه إلا أن تقوم بينة بخلافه أو عهد له مال وكذا من غاب وأسلم ثم حضر وقال أسلمت من وقت كذا كما نص عليه الشافعي في الأم .
ولو أسلم ذمي .
أو نبذ العهد " أو مات بعد سنين " وله وارث مستغرق " أخذت جزيتهن " منه في الأوليين وفي الثالثة " من تركته مقدمة على " حق الورثة و " الوصايا " كالخراج وسائر الديون .
تنبيه : .
لم يذكر المصنف حكم إسلامه كما ذكرته لوضوحه .
أما إذا لم يخلف وارثا فتركته فيء فلا معنى لأخذ الجزية من التركة ثم ردها إلى بيت المال أو كان له وارث لا يستغرق والباقي لبيت المال أخذ من نصيب الوارث ما تتعلق به الجزية وسقطت حصة بيت المال .
ويسوى بينها وبين دين آدمي على المذهب .
لأن الجزية ليست بقربة حتى تكون كالزكاة فيوفى الجميع أن وقت التركة وإلا ضارب الإمام مع الغرماء بالجزية والطريق الثاني أنها على الأقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي فتقدم هي في قول ودين الآدمي في قول ويسوى بينهما في قول والفرق على المذهب أو الجزية غلب فيها حق الآدمي جهة أنها أجرة " أو " أسلم أو نبذ العهد أو مات " في خلال سنة فقسط " لما مضى كالأجرة لأنها وجبت بالسكنى فإذا سكن بعد المدة وجب القسط " وفي قول لا شيء " لأنه يراعى فيه الحول فيسقط بالموت في خلال الحول كالزكاة .
تنبيه : .
قضية كلامهم أنه لو حجر عليه بفلس في أثناء العام لا يؤخذ منه القسط حينئذ .
قال البلقيني وهو الجاري على القواعد لكن نص في الأم على أخذه اه " .
وحمل شيخي النص على ما إذا قسم ماله في أثناء الحول وكلام البلقيني على خلافه وهو حمل حسن واقتصر ابن شهبة و الأشموني على عبارة النص وقالا كما حكاه البلقيني .
قال يعني البلقيني وهو فرع حسن لم أر من تعرض له ولم يذكرا عنه أنه قال وهو الجاري على القواعد ولو جن في أثناء الحول وثم وهو مجنون أخذت جزيته بالقسط كما مرت الإشارة إليه .
ثم شرع في كيفية أخذ الجزية بقوله " وتؤخذ " الجزية " بإهانة فيجلس الآخذ " بالمد أي المسلم " ويقوم الذمي ويطأطىء رأسه ويحني ظهره ويضعها " أي الجزية " في " كفة " الميزان ويقبض الآخذ " منه الجزية " لحيته ويضرب لهزمتيه " بكسر اللام والزاي وهما مجمع اللحم بين الماضغ والأذن من الجانبين لأن بعضهم فسر الصغار في الآية بهذا .
تنبيه : .
قضية كلامه أنه يضرب كل لهزمة ضربة وهو كذلك .
وقال الرافعي يشبه أن يكفي الضرب في أحد الجانبين والظاهر كما قال البلقيني أنه يضربه بالكف مفتوحا .
وقال الأذرعي وغيره ويقول يا عدو الله أد حق الله .
وكله .
أي ما ذكر من هذه الهيئة " مستحب " لسقوطه بتضعيف الصدقة كما سيأتي " وقيل واجب " ليحصل الصغار المذكور " فعلى الأول " وهو الاستحباب " له " أي الذمي " توكيل مسلم بالأداء " للجزية " و " له " حوالة " بها " عليه وأن يضمنها " لأن الصغار حاصل بالتزامه المال وانقياده لأحكام الإسلام على كره منه بخلافه على الثاني وهو الوجوب فلا يجوز شيء من ذلك .
تنبيه : .
قوله مسلم قد يفهم صحة توكيل الذمي به قطعا ونقلا عن الإمام طرد الخلاف فيه لأن كلا منهما مقصود بالصغار وأقراه فلو حذفه المصنف لشمل ذلك واحترز بالأداء عن توكيله في عقد الجزية فإنه يجوز قطعا لأن الصغار يراعى عند الأداء لا عند العقد .
قال الرافعي وهذا فيما يؤدى باسم الجزية فإن كان باسم الصدقة ( 4 / 250 ) سقطت الإهانة قطعا .
قلت هذه الهيئة .
المذكورة في المحرر " باطلة " لأنها لا أصل لها من السنة ولا تقل عن فعل أحد من السلف " و " حينئذ " دعوى استحبابها أشد خطأ " من دعوى جوازها ودعوى وجوبها أشد خطأ من دعوى استحبابها " والله أعلم " وكان القياس أن يقول أشد بطلانا ليطابق قوله باطلة .
قال ابن قاسم وكأنه أراد بالباطلة الخطأ .
قال في زيادة الروضة وإنما ذكرها طائفة من الخراسانيين .
وقال جمهور الأصحاب تؤخذ الجزية برفق كأخذ الديون اه " .
قال الشارح وفيه تحمل على الذاكرين لها وللخلاف فيها المستند إلى تفسير الصغار في الآية المبني عليها المسائل المذكورة .
قال ابن النقيب ولم أر من تعرض لذلك هل هو حرام أو مكروه وقضية كونها كسائر الديون التحريم اه " .
وتصريح المصنف بالبطلان يقتضي التحريم ويجوز للذمي أن يحيي الجزية وعشر التجارة من أهل الذمة " ويستحب " وإن كان قضية كلام الجمهور الجواز " للإمام إذا أمكنه أن يشرط " بنفسه أو نائبه " عليهم " أي الكفار " إذا صولحوا في بلدهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين " وإن لم يكن المار من أهل الفيء أو كان غنيا لما رواه البيهقي أنه A صالح أهل أيلة على ثلاثمائة دينار وكانوا ثلاثمائة رجل .
وعلى ضيافة من يمر بهم من المسلمين ولأن فيه مصلحة ظاهرة لفقراء المسلمين ولأغنيائهم فإنهم قد لا يبيعون منهم إذا مروا بهم فيتضررون فإذا علموا أن ضيافتهم عليهم واجبة بادروا إلى البيع خوفا من نزولهم عندهم .
تنبيه : .
قوله في بلدهم يقتضي المنع فيما إذا صولحوا في بلدنا .
قال الزركشي وبه صرح سليم في المجرد وصاحب الاستقصاء .
قال الأذرعي والظاهر أنهم لو صولحوا في بلادنا وانفردوا في قرية كان الحكم كذلك وكلام كثير يقتضيه وقول المصنف أن يشرط المفعول النائب عن فاعل يستحب أي يستحب عند الإمكان اشتراط الضيافة لا أنه فاعل أمكنه ويكون ما ذكر " زائدا على أقل جزية " لأن الجزية مبنية على التملك والضيافة على الإباحة فلم يجز الاكتفاء بها كما لا يجوز التغدية والتعشية عن الكفارة " وقيل يجوز " أن تحسب الضيافة " منها " لأنه ليس عليهم إلا الجزية وعلى هذا يشترط أن يكون الضيف من أهل الفيء " وتجعل " الضيافة " على غني ومتوسط لا " على " فقير في الأصح " المنصوص لأنها تتكرر فيعجز عنها .
والثاني عليه أيضا كالجزية " ويذكر " العاقد عند اشتراط الضيافة " عدد الضيفان " بكسر الضاد جمع ضيف من ضاف إذا مال " رجالا وفرسانا " لأنه أقطع للمنازعة وأنفى للغرر .
تنبيه : .
كلامه صادق بأمرين إما أن يشترط ذلك على كل واحد منهم كأن يقول أقررتكم على أن على الغني منكم أربعة دنانير وضيافة عشرة أنفس في كل يوم رجالة كذا وفرسانا كذا أو على المجموع كأن تضيفوا في كل سنة ألف مسلم ثم يوزعون فيما بينهم أو يتحمل بعضهم عن بعض .
وإذا تفاوتوا في الجزية استحب أن يفاوت بينهم في الضيافة فيجعل على الغني عشرين مثلا وعلى المتوسط عشرة ولا يفاوت بينهم في جنس الطعام لأنه لو شرط على الغني أطعمة فاخرة أجحف به الضيفان وإن ازدحم الضيفان على المضيف لهم أو عكسه خير المزدحم عليه وإن كثرت الضيفان عليهم بدءوا بالسابق لسبقه وإن تساووا أقرع بينهم وليكن للضيفان عريف يرتب أمرهم كما صرح به في أصل الروضة ويذكر " جنس الطعام والأدوم وقدرهما ولكل واحد " من الضيفان " كذا " من الخبز وكذا من السمن أو الزيت بحسب العرف لأنه أنفى للغرر والمعتبر فيه طعامهم وأدمهم نفيا للمشقة عنهم .
قال الماوردي فإن كانوا يقتاتون الحنطة ويتأدمون باللحم كان عليهم أن يضيفوهم كذلك وإن كانوا يقتاتون الشعير ( 4 / 251 ) ويتأدمون بالألبان أضافوهم بذلك .
تنبيه : .
اقتصار المصنف على ذكر الطعام والأدم يقتضي أن ما سواهما من الثمار والفواكه لا يلزمهم وفي ذلك تفصيل وهو إن كانوا يأكلونها غالبا في كل يوم شرط عليهم في زمانها بخلاف الفواكه النادرة والحلواء التي لا تؤكل في كل يوم ولا يلزمهم أجرة الطبيب والحمام وثمن الدواء وليس للأضياف أن تكلفهم ما ليس بغالب من أقواتهم ولا ذبح دجاجهم وقوله ولكل واحد كذا هو بخطه ولا معنى لإثبات الواو وعبارة المحرر ويقدم الطعام والآدم فيقول لكل واحد كذا من الخبز وكذا من السمن .
و .
يذكر " علف الدواب " ولا يشترط بيان جنسه وقدره بل يكفي الإطلاق ويحمل على تبن وقت وحشيش ويرجع فيه للعادة ولا يجب الشعير ونحوه إلا مع التصريح به فإن ذكره بين قدره .
تنبيه : .
قد يوهم كلامه أنه يعلف لكل واحد دوابه لكن إن لم يعين عددا منها لم يعلف إلا واحدة على النص .
و .
يذكر " منزل الضيفان من كنيسة وفاضل مسكن " عن أهله ولا يخرجون أهل المساكن منها وإن ضاقت .
قال الماوردي ويجب أن تعلق الأبواب ليدخلها المسلمون ركبانا كما شرطه عمر رضي الله تعالى عنه على أهل الشام " و " يذكر " مقامهم " بضم الميم أي قدر إقامة الضيفان في الحول بعشرين يوما أما يفتحها فمعناه القيام " ولا يجاوز " المضيف في المد " ثلاثة أيام " لخبر الصحيحين الضيافة ثلاثة أيام ولأن في الزيادة عليها مشقة فإن وقع توافق على زيادة جاز كما صرح به الإمام .
ونقل في الذخائر عن الأصحاب أنه يشترط عليهم تزويد الضيف كفاية يوم وليلة .
تنبيه : .
لو اعتاض الإمام عن الضيافة دراهم أو دنانير برضاهم جاز واختصت بأهل الفيء ولضيفهم حمل الطعام من غير أكل بخلاف طعام الوليمة لأنها مكرمة وما هنا معاوضة وليس له المطالبة بالعوض ولا طعام الغد ولا طعام أمس الذي لم يأتوا بطعامه بناء على أن الضيافة زائدة على الجزية ولو امتنع من الضيافة جماعة أجبروا عليها فإن امتنع الكل قوتلوا فإن قاتلوا انتقض عهدهم قاله مجلى .
ولو قال قوم .
من الكفار ممن تعقد لهم الجزية " نؤدي الجزية باسم الصدقة لا " باسم " جزية " وقد عرفوها حكما وشرطا " فللإمام إجابتهم إذا رأى " ذلك وتسقط عنهم الإهانة واسم الجزية لما روى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه فعل ذلك بمن تنصر من العرب قبل بعثة رسول الله A وهو تنوخ ونهرا وبنو تغلب لما طلبها منهم أبوا دفعها وقالوا نحن عرب لا تؤدي ما تؤدي العجم فخذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يريدون الزكاة فقال إنها طهرة للمسلمين ولستم من أهلها فقالوا تأخذ ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فأبى فارتحلوا وأرادوا أن يلتحقوا بالروم فصالحهم عمر رضي الله تعالى عنه على أن يضعف عليهم الصدقة ويأخذها جزية باسم الصدقة ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعا وعقد لهم الذمة مؤبدا فليس لأحد نقض ما فعله والأصح أنه لا فرق في ذلك بين العرب والعجم هذا إذا تيقنا وفاءها بدينار وإلا فلا يجابوا ولو اقتضى إجابتهم تسليم بعض منهم عن بعض ما التزموا فإنهم يجابون ولبعضهم أن يلتزم عن نفسه وعن غيره وغرضنا تحصيل دينار عن كل رأس فيقول الإمام في صورة العقد جعلت عليكم ضعف الصدقة أو صالحتكم عليه أو نحوه .
تنبيه : .
قوله فللإمام الخ يفهم أنه لا تلزمه الإجابة وهو كذلك بخلاف بذلهم الدينار .
نعم تلزمه الإجابة عند ظهور المصلحة فيه لقوتهم وضعفنا أو لغير ذلك إذا أبوا الدفع إلا باسم الصدقة لأنها جزية حقيقية كما سيأتي .
ثم شرع المصنف C في بيان التضعيف فقال " ويضعف عليهم الزكاة فمن خمسة أبعرة شاتان " ومن عشرة أربعة ومن خمسة عشر ست شياه ومن عشرين ثمان شياه " و " من " خمسة وعشرين " بعيرا " بنتا مخاض " ومن أربعين ( 4 / 252 ) من الغنم شاتان ومن ثلاثين من البقر تبيعان ومن مائتين من الإبل ثمان حقاق أو عشر بنات لبون ولا يفرق فلا يأخذ أربع حقاق وخمس بنات لبون كما لا يفرق في الزكاة كذا قالاه .
قال ابن المقري قلت وفيه نظر إذ لا تشقيص هنا بخلاف ما هناك وهذا هو الظاهر " وعشرين دينارا دينار و " من " مائتي درهم عشرة " من الدراهم ومن الركاز خمسان " وخمس المعشرات " فيما سقى بلا مؤنة والعشر فيما سقى بها " ولو وجب " على كافر " بنتا مخاض " مثلا " مع جبران " كأن كان عنده ست وثلاثون وفقد بنتي لبون " لم يضعف الجبران " عليه " في الأصح " المنصوص عليه في الأم لئلا يكثر التضعيف ولأنه على خلاف القياس فيقتصر فيه على مورد النص ولأن الجبران تارة يؤخذ وتارة يدفع ولو ضعفناه عند الأخذ لزم أن يضعف عند الدفع وهو ممنوع قطعا .
والثاني يضعف فيأخذ مع كل بنت مخاض أربع شياه أو أربعين درهما ولو دفع حقتين بدل بنتي لبون لم يضعف الجبران كما مر .
تنبيه : .
قال الأذرعي وفي تعبير المصنف بالأصح مناقشة فإن مقابله ساقط بل قال الإمام أنه غلط لا شك فيه ولا ينبغي عده من المذهب اه " .
ويعطى الإمام الجبران من الفيء كما يصرفه إذا أخذه إلى الفيء .
ولو كان .
ما عند الكافر " بعض نصاب " من مال زكوي كمائة درهم " لم يجب قسطه " من تمام النصاب " في الأظهر " كشاة من عشرين ونصف شاة من عشرة لأن أثر عمر رضي الله تعالى عنه إنما ورد في تضعيف ما يلزم المسلم لا في إيجاب ما لم يجب فيه شيء على المسلم .
والثاني يجب قسطه رعاية للتضعيف .
تنبيه : .
هذا إن لم يخالط غيره فإن خلط عشرين شاة بعشرين شاة لغيره أخذ منه شاة أن ضعفنا ولو عبر بالمشهور كان أولى لأن مقاله ضعيف جدا ويجري الخلاف في الأوقاص التي بين النصب وهل يعتبر النصاب كل الحول أو آخره وجهان في الكفاية قياس باب الزكاة ترجيح الأول .
وقياس اعتبار الغنى والفقر والتوسط آخر الحول في هذا الباب ترجيح الثاني وهو الظاهر كما بحثه بعض المتأخرين .
ثم المأخوذ .
باسم الزكاة مضعفا أو غير مضعف " جزية " وإن بدل اسمها تصرف مصرف الفيء .
فعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال هؤلاء حمقاء أبوا الاسم ورضوا بالمعنى .
تنبيه : .
قوله جزية هو بالرفع على الخبرية يوجد في بعض نسخ المتن بعد جزية حقيقة وهو نصب على إسقاط الخافض بدليل قول المحرر على الحقيقة أو نصب على المصدر المؤكد لغيره .
وعلى كون المأخوذ جزية " فلا " ينقص عن دينار حتى لو وفى قدر الزكاة بلا تضعيف أو نصفها بالدينار يقينا لا ظنا كفى أخذه فلو كثروا وعسر عددهم لمعرفة الوفاء بالدينار لم يجز الأخذ بغلبة الظن بل يشترط تحقق أخذ دينار عن كل رأس ولا يتعين تضعيفها ولا تنصيفها فيجوز تربيعها وتخميسها ونحوهما على ما يرونه بالشرط المذكور ولا " يؤخذ من مال لا جزية عليه " كصبي ومجنون وامرأة وخنثى بخلاف الفقير .
قال في أصل الروضة وإذا شرط ضعف الصدقة وزاد على دينار ثم سألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية أجيبوا على الصحيح اه " .
ولا ينافي هذا ما مر من أنها لو عقدت بأكثر من دينار ثم علموا جواز دينار لزمهم ما التزموا لأن الزيادة هنا في مقابلة الاسم وقد أسقطوه .
تتمة لو صالحناهم وأبقينا أرضهم على ما ملكهم وضربنا عليها خراجا يؤدونه كل سنة عن كل جريب كذا يفي ذلك الخراج بالجزية عن كل واحد منهم جاز فالمأخوذ جزية يصرف مصرف الفيء فلا تؤخذ من أرض صبي ومجنون وامرأة وخنثى ويؤخذ الخراج منهم وإن لم تزرع الأرض أو باعوها أو وهبوها ما لم يسلموا لأنه جزية كما مر فإن اشتراها مسلم فعليه الثمن أو استأجرها فعليه الأجرة والخراج باق على البائع والمؤجر ويؤخذ منهم الخراج في ( 4 / 253 ) موات يذبون عنه لا فيما لا يذبون عنه وإن أحيوه إلا إن شرط عليهم أن يؤخذ ذلك مما يحيونه وإن ضربناه على أن الأرض لنا ويسكنونها ويؤدون كل سنة عن كل جريب كذا فالمأخوذ منهم أجرة لأن ذلك عقد إجارة فلا يسقط بإسلامهم ولا يشترط فيه أن يبلغ دينارا والجزية باقية فتجب مع الأجرة ولا يجوز لهم بيع الأرض ولا هبتها ولهم إجارتها لأن المستأجر يؤجر ويؤخذ ذلك من أرض النساء والصبيان وغيرهم ممن لا جزية عليه لأنه أجرة