وهو ضد الخوف وأريد به هنا ترك القتل والقتال مع الكفار وهو من مكايد الحرب ومصالحه والعقود التي تفيدهم إلا من ثلاثة أمان وجزية وهدنة لأنه إن تعلق بمحصور فالأمان أو بغير محصور فإن كان إلى غاية فالهدنة وإلا فالجزية وهما مختصان بالإمام بخلاف الأمان .
والأصل في الأمان آية " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " وخبر الصحيحين ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما أي نقض عهده فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين والذمة العهد والأمان والحرمة والحق وأما الذمة في قولهم ( 4 / 237 ) ثبت المال في ذمته وبرئت ذمته فلها معنى آخر مر بيانه في البيع .
يصح .
ولا يجب " من كل مسلم مكلف مختار " ولو عبدا لمسلم أو كافر أو فاسقا أو محجورا عليه لسفه أو امرأة " أمان حربي " واحد غير أسير سواء كان بدار الحرب أم لا في حال القتال أم لا عين الإمام قتله كما بحثه الزركشي أم لا " وعدد محصور " منهم كأهل قرية صغيرة " فقط " فخرج بالمسلم الكافر لأنه متهم وليس أهلا للنظر لنا وبالمكلف غيره لإلغاء عبارته ويلحق بالمكلف السكران المتعدي بسكره على طريقة المصنف وبالمختار المكره وبالمحصور غيرهم كأهل بلد أو ناحية فلا يؤمنهم الآحاد لئلا يتعطل الجهاد فيها بأمانهم .
قال الإمام ولو أمن مائة ألف منا مائة ألف منهم فكل واحد منا لم يؤمن إلا واحدا لكن إن ظهر انسدد وانتقاض فأمان الجميع مردود .
قال الرافعي وهو ظاهر إن أمنوهم دفعة فإن وقع مرتبا فينبغي صحة الأول فالأول إلى ظهور الخلل واختار المصنف وقال إنه مراد الإمام " ولا يصح أمان أسير لمن هو معهم " أو غيرهم " في الأصح " والثاني يصح لدخوله في الضابط .
تنبيه : .
محل الخلاف في الأسير المقيد والمحبوس وإن لم يكن مكرها لأنه مقهور بأيديهم لا يعرف وجه المصلحة لأن وضع الأمان أن يأمن المؤمن وليس الأسير آمنا أما أسير الدار وهو المطلق بدار الكفر الممنوع من الخروج منها فيصح أمانه كما في التنبيه وغيره وعليه قال الماوردي إنما يكون مؤمنه آمنا بدار الحرب لا غير إلا أن يصرح بالأمان في غيرها وبغير الأسير الكافر الأسير لأنه بالأسر ثبت فيه حق للمسلمين وقيده الماوردي بغير الذي أسره أما الذي أسره فإنه يؤمنه إذا كان باقيا في يده لم يقبضه الإمام كما يجوز قتله وفي عقد الأمان للمرأة استقلالا وجهان أرجحهما كما جزم به الماوردي الجواز .
ويصح .
إيجاب الأمان " بكل لفظ يفيد مقصوده " صريحا كأجرتك وأمنتك أو لا تفزع كأنت على ما تحب أو كن كما شئت " و " يصح " بكتابة " بالفوقية لأثر فيه عن عمر رضي الله تعالى عنه ولا بد من النية لأنها كناية أو لا تخف أو لا بأس عليك أو أنت آمن أو في أماني أو أنت مجار ولا فرق في اللفظ المذكور بين العربي كما مر وبين العجمي كمترس أي لا تخف أو كناية مع النية " ورسالة " لأنها أقوى من الكتابة سواء كان الرسول مسلما أم كافرا لأن بناء الباب على التوسعة في حقن الدم ومقتضى هذا جواز الرسول صبيا لكن لا بد من تكليفه كالمؤمن .
تنبيه : .
يصح إيجاب الأمان بالتعليق بالغرر كقوله إن جاء زيد فقد أمنتك لما مر أن بناء الباب على التوسعة وبإشارة مفهمة ولو من ناطق كما سيأتي في القبول فلو أشار مسلم لكافر فظن أنه أمنه فجاءنا فأنكر المسلم أنه أمنه بها بلغناه مأمنه ولا نغتاله لعذره .
فإن مات المشير قبل أن يبين الحال فلا أمان ولا اغتيال فيبلغ المأمن وإلا اغتيل وللإمام لا للآحاد جعلها أمانا إن رأى في الدخول لها مصلحة ولا تجب إجابة من طلب الأمان إلا إذا طلبه لسماع كلام الله تعالى فتجب قطعا ولا يمهل أربعة أشهر بل قدر ما يتم به البيان .
ويشترط .
لصحة الأمان " علم الكافر بالأمان " كسائر العقود فإن يعلم فلا أمان له كما قالاه وإن نازع في ذلك البلقيني فتجوز المبادرة إلى قتله ولو من المؤمن " فإن " علم الكافر بأمانه و " رده بطل " جزما لأنه عقد كالهبة " وكذا " يبطل " إن لم يقبل في الأصح " كغيره من العقود والثاني يكفي السكوت لبناء الباب على التوسعة كما مر .
تنبيه : .
تعبيره بالأصح يقتضي أن المسألة ذات وجهين وليس مرادا وإنما هو تردد للإمام والترجيح بحث له والمنقول في التهذيب وغيره الاكتفاء بالسكوت .
قال البلقيني وغيره وهو قضية نص الشافعي فإنه لم يعتبر القبول وهو ما عليه السلف والخلف ولما مر من بناء الباب على التوسعة لكن يشترط مع السكوت ما يشعر بالقبول وهو ( 4 / 238 ) الكف عن القتال كما صرح به الماوردي .
وتكفي .
ولو من ناطق " إشارة مفهمة للقبول " لكن يعتبر في كونها كناية من الأخرس أن يختص بفهمها فظنون فإن فهمها كل أحد فصريحة كما علم من الطلاق .
تنبيه : ان أحدهما قد يوهم كلامه أن الإشارة لا تكفي في إيجاب الأمان والمذهب الاكتفاء كما مر وهذا بخلاف الإشارة في الطلاق والرجعة وسائر العقود حيث يعتبر العجز عن النطق لأن المقصود هنا حقن الدماء فكانت الإشارة شبهة واحترز بالمفهمة عن غير المفهمة فلا يصح بها أمان .
الثاني أن محل الخلاف في اعتبار القبول إن لم يسبق منه استيجاب فإن سبق منه لم يحتج للقبول جزما .
ويجب أن لا تزيد مدته على أربعة أشهر .
في الأظهر لما سيأتي في الهدنة فإن زاد عليها بطل في الزائد ولا يبطل في الباقي على الأصح تخريجا على تفريق الصفقة فلو أطلق الأمان حمل على أربعة أشهر ويبلغ بعدها المأمن .
فإن قيل قد رجحا في الهدنة أنها لا تصح عند الإطلاق وقد قالا حكم الإمان حكم الهدنة حيث لا ضعف أجيب بأن هذا مستثنى لأن بابه أوسع بدليل صحته من الآحاد بخلافها " وفي قول يجوز " أكثر منها " ما لم تبلغ " مدته " سنة " كالهدنة أما السنة فممتنعة قطعا .
تنبيه : ان أحدهما محل الخلاف في أمان الرجال أما النساء فلا يحتاج فيهن إلى تقييده مدة وقد نص في الأم على أن المرأة المستأمنة إذا كانت ببلاد الإسلام لم تمنع ولا تتقيد بمدة لأن الأربعة أشهر إنما هي للمشركين الرجال ومنعوا من السنة لئلا تترك الجزية والمرأة ليست من أهلها والخنثى كالمرأة كما بحثه بعض المتأخرين .
الثاني سكت المصنف عن بيان المكان الذي يكون المؤمن فيه إشعارا بأنه لا حاجة لتقييده وهو كذلك .
ولا يجوز .
ولا يصح " أمان يضر المسلمين كجاسوس " وطليعة لخبر لا ضرر ولا ضرار وينبغي كما قال الإمام أن لا يستحق تبليغ المأمن فيغتال لأن دخول مثله خيانة .
تنبيه : .
كلام المصنف يقتضي أن شرط الأمان انتفاء الضرر دون ظهور المصلحة وهو كذلك كما صرح به في أصل الروضة تبعا للإمام وإن رجح البلقيني تبعا للقاضي حسين أنه إنما يجوز بالمصلحة .
ثم قال لا يخفى أن ذلك في أمان الآحاد أما أمان الإمام فلا يجوز إلا بالنظر للمسلمين نص عليه اه " .
وهذا ظاهر ولا لغيره ولو أمن أحادا على مدارج الغزاة وعسر بسببه سير العسكر واحتاجوا إلى نقل الزاد رد للضرورة وفي معنى الجاسوس من يحمل سلاحا إلى دار الحرب ونحوه مما يعينهم .
وليس للإمام .
ولا لغيره " نبذ الأمان إن لم يخف خيانة " لأن الأمان لازم من جهة المسلمين فإن خافها نبذه كالهدنة وأولى جائز من جهة الكافر لينبذه متى شاء " ولا يدخل في الأمان " لحربي بدارنا " ماله وأهله من زوجته وولده الصغير أو المجنون بدار الحرب " جزما لأن فائدة الأمان تحريم قتله واسترقاقه ومفاداته لا أهله وماله فيجوز اغتنام أمواله وسبي ذراريه المخلفين هناك " وكذا ما معه منهما " في دار الإسلام وإن لم يكن في حيازته " في الأصح إلا بشرط " لقصور اللفظ عن العموم والثاني لا يحتاج إلى شرط .
تنبيه : .
المراد بما معه من ماله غير المحتاج إليه مدة أمانه أما المحتاج إليه فيدخل ولو بلا شرط ومن ذلك ما يستعمله في حرفته من الآلات ومركوبه إن لم يستغن عنه هذا إذا أمنه غير الإمام .
فإن أمنه الإمام دخل ما معه بلا شرط ولا يدخل ما خلفه بدار الحرب إلا بشرط من الإمام أما إذا كان الأمان للحربي بدراهم فقياس ما ذكر أن يقال إن كان أهله وماله بدراهم دخلا ولو بلا شرط إن أمنه الإمام وإن أمنه غيره لم يدخل أهله ولا ما لا يحتاجه من ماله إلا بشرط بخلاف ما يحتاجه فيدخل من غير شرط وإن كان بدارنا دخلا إن شرطه الإمام لا غيره وكلام المصنف يقتضي أن الذي معه لغيره لا يدخل قطعا وليس مرادا فقد نص في الأم على التسوية بين ما معه من ماله ومال غيره ( 4 / 239 ) فائدة لهذه المسألة أحوال وهي إما أن يكون المؤمن الإمام أو غيره والمؤمن إما أن يكون بدار الحرب أو بدارنا جملة ذلك أربعة أحوال ثم ماله إما أن يكون بالدار التي هو فيها أو لا اضرب اثنين في أربعة بثمانية ثم الذي معه إما أن يكون محتاجا إليه أو لا اضرب اثنين في ثمانية بستة عشر ثم كل من الإمام وغيره إما أن يقع منه بشرط أو لا فهذه أربعة تضرب في ستة عشر بأربعة وستين ثم الذي معه إما أن يكون له أو لغيره اضرب اثنين في أربعة وستين بمائة وثمانية وعشرين وكل ذلك يعلم مما ذكرته فاستفده فإني استخرجته من فكري الفاتر .
ثم أخذ في بيان حكم هجرة المسلم فقال " والمسلم " المقيم " بدار الحرب إن أمكنه إظهار دينه " لكونه مطاعا في قومه أو لأن له عشيرة يحمونه ولم يخف فتنة في دينه " استحب له الهجرة " إلى دار الإسلام لئلا يكثر سوادهم أو يكيدوه أو يميل إليهم وإنما لم يجب لقدرته على إظهار دينه .
تنبيه : .
محل استحبابها ما لم يرج ظهور الإسلام هناك بمقامه فإن رجاه فالأفضل أن يقيم ولو قدر على الامتناع بدار الحرب الاعتزال وجب عليه المقام بها لأن موضعه دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب فيحرم ذلك نعم إن رجى نصرة المسلمين بهجرته فالأفضل أن يهاجر قاله الماوردي .
ثم في إقامته يقاتلهم على الإسلام ويدعوهم إليه إن قدر وإلا فلا .
وإلا .
أي وإن لم يمكنه إظهار دينه أو خاف فتنة فيه " وجبت " عليه الهجرة رجلا كان أو امرأة وإن لم تجد محرما " إن أطاقها " لقوله تعالى " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " الآية ولخبر أبي داود وغيره أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وسميت هجرة لأنهم هجروا ديارهم ولم يقيدوا ذلك بأمن الطريق ولا بوجود الزاد والراحلة وينبغي أنه إن خاف تلف نفسه من خوف الطريق أو من ترك الزاد أو من عدم الراحلة عدم الوجوب .
ويستثنى من الوجوب من في إقامته مصلحة للمسلمين فقد حكى ابن عبد البر وغيره أن إسلام العباس رضي الله تعالى عنه كان قبل بدر وكان يكتمه ويكتب إلى النبي A بأخبار المشركين وكان المسلمون يثقون به وكان يحب القدوم على النبي A " .
فكتب إليه النبي A إن مقامك بمكة خير ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة .
ويلتحق بوجوب الهجرة من دار الكفر من أظهر حقا ببلدة من بلاد الإسلام ولم يقبل ولم يقدر على إظهاره فتلزمه الهجرة من تلك نقله الأذرعي وغيره عن صاحب المعتمد فيها وذكر البغوي مثله في سورة العنكبوت فقال يجب على كل من كان ببلد تعمل فيها المعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك الهجرة إلى حيث تتهيأ له العبادة ويدل لذلك قوله تعالى " فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين " فإن استوت جميع البلاد في عدم إظهار ذلك كما في زماننا فلا وجوب بلا خلاف فإن لم يطق الهجرة فلا وجوب حتى يطيقها فإن فتح البلد قبل أن يهاجر سقطت عنه الهجرة " .
وهو ضد الخوف وأريد به هنا ترك القتل والقتال مع الكفار وهو من مكايد الحرب ومصالحه والعقود التي تفيدهم إلا من ثلاثة أمان وجزية وهدنة لأنه إن تعلق بمحصور فالأمان أو بغير محصور فإن كان إلى غاية فالهدنة وإلا فالجزية وهما مختصان بالإمام بخلاف الأمان