قال الشارح وعرف أي المصنف الفروع أي بالألف واللام دون ما قبله لما ذكره بعده أي وهو قوله بحيث يصلح للقضاء لئلا يتوهم عوده لما قبله أيضا وهنا مؤاخذة على المصنف وهي إما أن يكون قوله والفروع مجرورا بالعطف على تفسير أو بالعطف على المجرور بالباء وهو قوله بإقامة .
فإن كان الأول اقتضى أن يكون بقي شيء من علوم الشرع لم يذكره ولم يبق شيء وإن كان الثاني اقتضى أن الفروع ليست من علوم الشرع وليس مرادا وقد يختار الأول ويجاب عنه بأن الكاف استقصائية " .
فائدة : .
قال الماوردي إنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على من جمع أربعة شروط التكليف وأن يكون ممن يلي القضاء أي حرا ذكرا لا عبدا وامرأة وأن لا يكون بليدا وأن يقدر على الانقطاع بأن يكون له كفاية ويدخل الفاسق في الفرض ولا يسقط به لأنه لا تقبل فتواه وفي دخول المرأة والعبد وجهان أوجههما الدخول لأنهما أهل للفتوى دون القضاء .
و .
من فروض الكفايات " الأمر بالمعروف " من واجبات الشرع " والنهي عن المنكر " من محرماته بالإجماع إذا لم يخف على نفسه أو ماله أو على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع أو غلب على ظنه أن المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا كما أشار إليه الغزالي في الإحياء كإمامه ولا يختص بالولاة بل يجب على كل مكلف قادر من رجل وامرأة حر أو عبد وللصبي ذلك ويثاب عليه إلا أنه لا يجب عليه ولا يشترط في الأمر بالمعروف العدالة بل قال الإمام وعلى متعاطي الكأس أن ينكر على الجلاس وقال الغزالي يجب على من غصب امرأة على الزنا أمرها بستر وجهها عنه اه " .
والإنكار يكون باليد فإن عجز فباللسان ويرفق بمن يخاف شره ويستعين عليه فإن لم يخف فتنة فإن عجز رفع ذلك إلى الوالي فإن عجز أنكر بقلبه ولا يشترط فيه أيضا أن يكون مسموع القول بل على المكلف أن يأمر وينهى وإن علم بالعادة أنه لا يفيد " فإن الذكرى تنفع المؤمنين " ولا أن يكون ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه أن يأمر وينهى نفسه فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر ولا يأمر ولا ينهى في دقائق الأمور إلا عالم فليس للعوام ذلك ولا ينكر العالم إلا مجمعا على إنكاره لا ما اختلف فيه إلا أن يرى الفاعل تحريمه فإن قيل قد صرحوا بأن الحنفي يحد بشرب النبيذ مع أن الإنكار بالفعل أبلغ منه بالقول .
أجيب بأن أدلة عدم تحريم النبيذ واهية وبهذا فرق بين حدنا الشارب به وعدم حدنا الواطىء في نكاح بلا ولي وإن ندب على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف برفق فحسن إن لم يقع في خلاف آخر أو في ترك سنة ثابتة لاتفاق العلماء على استحباب الخروج من الخلاف حينئذ .
وليس لكل من الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر التجسس والبحث واقتحام الدور بالظنون بل إن رأى شيئا غيره نعم إن أخبره ثقة بمن اختفى بمنكر فيه انتهاك حرمة يفوت تداركها كالزنا والقتل اقتحم له الدار وتجسس وجوبا .
تنبيه : .
يجب على الإمام أن ينصب محتسبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن كانا لا يختصان بالمحتسب فيتعين عليه الأمر بصلاة الجمعة إذا اجتمعت شروطها وكذا بصلاة العيد وإن قلنا إنها سنة .
فإن قيل قال الإمام معظم الفقهاء على أن الأمر بالمعروف في المستحب مستحب وهذا مستحب .
أجيب بأن محله في غير المحتسب ولا يقاس بالوالي غيره ولهذا لو أمر الإمام بصلاة الاستسقاء أو بصومه صار واجبا ولا يأمر المخالفين له في المذهب بما لا يجوزونه ولا يناهم عما يرونه فرضا عليهم أو سنة لهم ويأمر بما يعم نفعه كعمارة سور البلد وشربه ومعونة المحتاجين ويجب ذلك من بيت المال إن كان فيه مال وإلا فعلى من له قدرة على ذلك وينهى الموسر عن مطل الغني إن استعداه الغريم عليه وينهى الرجل عن الوقوف مع المرأة في طريق خال لأنه موضع ريبة بخلاف ما لو وجده معها في طريق يطرقه الناس ويأمر النساء بإيفاء العدد والأولياء بنكاح الأكفاء والسادة بالرفق بالمماليك وأصحاب البهائم بتعهدها وأن لا يستعملوها فيما لا تطيق وينكر على من تصدى للتدريس والفتوى والوعظ وليس هو من أهله ويشهر أمره لئلا يغتر به وينكر على من أسر في صلاة جهرية أو زاد في الأذان وعكسهما ولا ينكر في حقوق ( 4 / 212 ) الآدميين قبل الاستعداء من ذي الحق عليه ولا يحبس ولا يضرب للدين وينكر على القضاة إن احتجبوا عن الخصوم أو قصروا في النظر في الخصومات وعلى أئمة المساجد المطروقة إن طولوا الصلاة كما أنكر A على معاذ ذلك ويمنع الخونة من معاملة النساء لما يخشى فيها من الفساد وليس له حمل الناس على مذهبه .
و .
من فروض الكفايات " إحياء الكعبة " والمواقف التي هناك " كل سنة بالزيارة " مرة لأن ذلك من شعائر الإسلام .
تنبيه : .
المراد بالزيارة كل سنة أن يأتي بحج وعمرة فلا يكفي إحياؤها بالاعتكاف والصلاة وإن أوهمت عبارته الاكتفاء بذلك ولا بالعمرة كما قاله المصنف إذ لا يحصل مقصود الحج بذلك لأن المقصود الأعظم من بناء الكعبة الحج فكان به إحياؤها فيجب الإتيان كل سنة بحج وعمرة ولا يشترط في القائمين بهذا الفرض قدر مخصوص بل الفرض أن يحجها كل سنة بعض المكلفين قاله في المجموع .
قال الإسنوي ويتجه اعتباره من عدد يظهر بهم الشعار اه " .
ونوزع في ذلك .
فإن قيل كيف الجمع بين هذا وبين التطوع بالحج لأن إحياء الكعبة بالحج من فروض الكفايات فكل وفد يجيئون كل سنة للحج فهم يحيون الكعبة فمن كان عليه فرض الإسلام حصل بما أتى به سقوط فرضه ومن لم يكن عليه فرض الإسلام كان قائما بفرض كفاية فلا يتصور حج التطوع أجيب بأن هنا جهتين من حيثيتين جهة التطوع من حيث أنه ليس عليه فرض الإسلام وجهة فرض الكفاية من حيث الأمر بإحياء الكعبة فصح أن يقال هو تطوع من حيث أنه ليس عليه فرض عين وأن يقال فرض كفاية من حيث الإحياء وبأن وجوب الإحياء لا يستلزم كون العبادة فرضا لأن الواجب المعين قد يسقط بالمندوب كاللمعة المغفلة في الوضوء تغسل في الثانية أو الثالثة والجلوس بين السجدتي بجلسة الاستراحة وإذا سقط الواجب المعين بفعل المندوب ففرض الكفاية أولى ولهذا تسقط صلاة الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي ولو قيل يتصور ذلك في العبيد والصبيان والمجانين لأن فرض الكفاية لا يتوجه إليهم لكان جوابا .
و .
من فروض الكفايات " دفع ضرر " المعصومين ولو عبر به كان أولى " المسلمين " وغيرهم على الموسرين " ككسوة عار " منهم " وإطعام جائع " منهم " إذا لم يندفع " ضررهم " بزكاة و " لا " بيت مال " واقتصر عليهما لأنهما أغلب من غيرهما وإلا ففي معناهما سهم المصالح ونحوه كوقف عام ونذر وكفارة ووصية صيانة للنفوس .
تنبيه : .
ظاهر كلام المصنف أن المراد بالكسوة ستر ما يحتاج إليه البدن .
قال في المهمات وهو كذلك بلا شك فيختلف الحال بين الشتاء والصيف وتعبير الروضة يستر العورة معترض وظاهر كلامه أيضا وجوب دفع الضرر وإن لم يبق لنفسه شيئا لكن الأصح ما في زيادة الروضة عن الإمام أنه يجب على الموسر المواساة بما زاد على كفاية سنة ومقتضاه أنه لا بوجه فرض الكفاية بمواساة المحتاج على من ليس معه زيادة على كفاية سنة وهو كذلك وإن قال البلقيني هذا لا يقوله أحد ولا ينافيه ما في الأطعمة من وجوب إطعام المضطر وإن كان يحتاجه في ثاني الحال فإن هذا في المحتاج غير المضطر وذاك في المضطر وهل يكفي سد الضرورة أم يجب تمام الكفاية التي يقوم بها من تلزمه النفقة فيه وجهان مقتضى كلام الرافعي في الأطعمة أن ذلك على القولين فيما إذا وجد المضطر الميتة ترجيح الأول والأوجه ترجيح الثاني ولا يلزم من البناء الاتحاد في الترجيح ويجب أيضا على الموسرين فك أسرى المسلمين من مالهم ولا يجب على الإمام ابتياعهم من بيت المال كذا في بعض شروح الكتاب .
قال بعضهم ولعله محمول على أسير تعذبه الكفار كما في الروضة في باب الجزية لكن في باب الهدنة أن الفداء مستحب وبهذا الحمل يجمع بين كلامي الروضة أيضا .
أما أسارى الذميين ففيهم احتمالان والأوجه فيهم التفصيل .
و .
من فروض الكفايات إعانة القضاة على استيفاء الحقوق للحاجة إليها و " تحمل الشهادة " إن حضر المتحمل المشهود عليه فإن ادعى الشاهد للتحمل لم يجب عليه إلا أن ( 4 / 213 ) دعاه قاض أو معذور بمرض ونحوه " وأداؤها " إذا تحمل أكثر من نصاب فإن تحمل اثنان في الأموال فالأداء فرض عين وسيأتي بيان التجمل والأداء في الشهادات مع مزيد إيضاح .
تنبيه : .
التحمل يفارق الأداء من جهة أن التحمل فرض كفاية على الناس والأداء على من تحمل دون غيره .
قال الماوردي في باب الشهادات وفرض الأداء أغلظ من فرض التحمل لقوله تعالى " ولا تكتموا الشهادة " الآية .
والحرف والصنائع .
كالتجارة والخياطة والحجامة لأن قيام الدنيا بهذه الأسباب وقيام الدين يتوقف على أمر الدنيا حتى لو امتنع الخلق منه أثموا وكانوا ساعين في إهلاك أنفسهم لكن النفوس مجبولة على القيام بها فلا يحتاج إلى حث عليها وترغيب فيها وفي الحديث اختلاف أمتي رحمة وفسره الحليمي باختلاف الهمم والحرف .
تنبيه : .
عطف الصنائع على الحرف يقتضي تغايرهما مع أن صاحب الصحاح فسر الصناعة بالحرفة فعلى هذا عطفها عليها كعطف رحمة على صلوات في قوله تعالى " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " وقال الزركشي الصناعات هي المعالجات كالخياطة والتجارة والحرف وإن كانت تطلق على ذلك فتطلق عرفا على من يتخذ صناعا ويدولبهم ولا يعمل فهي أعم .
وما تتم به المعايش .
التي بها قوام الدين والدنيا كالبيع والشراء والحراثة لأن كل فرد من الأفراد عاجز عن القيام بكل ما يحتاج إليه سمع النبي A عليا رضي الله تعالى عنه يقول اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك فقال لا تقل هكذا ليس من أحد إلا وهو محتاج إلى الناس قال فكيف أقول قال قل اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك قلت يا رسول الله ومن شر خلقه قال الذين إذا أعطوا منوا وإذا منعوا عابوا وسمع A أبا بكر رضي الله تعالى عنه يقول اللهم إني أسألك الصبر فقال سألت الله البلاء فسله العافية .
وسمع الإمام أحمد بن حنبل رجلا يقول اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك فقال هذا رجل تمنى الموت " و " من فروض الكفايات " جواب سلام " لمسلم عاقل ولو صبيا مميزا " على جماعة " من المسلمين المكلفين .
أما كونه فرضا فلقوله تعالى " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " وأما كونه كفاية فلخبر أبي داود يجزىء عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزىء عن الجلوس أن يرد أحدهم والراد منهم هو المختص بالثواب وسقط الحرج عن الباقين وإن أجابوا كلهم كانوا مؤدين للفرض سواء كانوا مجتمعين أم مترتبين كصلاة الجنازة ولا يسقط الفرد برد الصبي المميز على الصحيح فإن قيل سقط به فرض الصلاة على الجنازة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المقصود من الصلاة الدعاء والصبي أقرب إلى الإجابة والمقصود من السلام الأمان والصبي ليس من أهله ولا يسقط أيضا برد من لم يسمع السلام على المشهور ولو سلم على جماعة فيهم امرأة فردت هل يكفي .
ينبغي كما قال الزركشي بناؤه على أنه هل يشرع لها الابتداء بالسلام أم لا فحيث شرع لها كفى جوابها وسيأتي الكلام على ذلك وإلا فلا ومثلها كما بحثه شيخنا الخنثى واحترز بالجماعة عن الواحد فإن الرد عليه فرض عين إلا إن كان المسلم أو المسلم عليه أنثى مشتهاة والآخر رجلا ولا محرمية بينهما فلا يجب الرد ثم إن سلم هو حرم عليها .
أما إذا كان هناك نحو محرمية كزوجته وعبد المرأة بالنسبة إليها ومثله كل من يباح نظره إليها فيجب الرد ولا يكره على جمع نسوة أو عجوز لانتفاء خوف الفتنة بل يندب الابتداء به منهن على غيرهن وعكسه ويجب الرد كذلك والخنثى مع المرأة كالرجل معها ومع الرجل كالمرأة معه ومع الخنثى كالرجل مع المرأة ويشترط في الرد اتصاله بالابتداء لاتصال الإيجاب بالقبول في العقد فلو سلم جماعة متفرقون على واحد فقال وعليكم السلام وقصد الرد على جميعهم أجزأه ويسقط عنه فرض الجميع كما لو صلى على جنائز صلاة واحدة كما نقله في المجموع عن المتولي و الرافعي وأقراه بخلاف ما إذا لم يقصد الرد عليهم جميعا وقضية هذا أنه لو طلق لم يكفه والأوجه كما قال شيخنا خلافه وظاهر كلام المجموع أنه لا فرق بين أن يسلموا دفعة واحدة متفرقين وهو كما قاله بعض المتأخرين ظاهر فيما سلموا دفعة واحدة .
أما لو سلموا واحدا بعد واحد وكانوا كثيرين فلا يحصل الرد لكلهم إذ قد مر أن شرط حصول الواجب أن يقع متصلا بالابتداء ولا يجب الرد على مجنون وسكران ( 4 / 214 ) وإن شلمتها عبارة المصنف وكذا فاسق ونحوه كمبتدع إن كان في تركه زجر لهما أو لغيرهما ولو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال سلم علي فلان فإذا بلغه خبر الكتاب والرسالة لزمه الرد وهل صيغة إرسال السلام مع الغير السلام على فلان أو يكفي سلم لي على فلان كما هو ظاهر ما مر يؤخذ من كلام التتمة الثاني وعبارته أنه لو ناداه من وراء ستر أو حائط وقال السلام عليك يا فلان أو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا .
فقال سلم على فلان فبلغه الكتاب أو الرسالة وجب عليه الجواب لأن تحية الغائب إنما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة اه " .
ولو سلم الأصم جمع بين اللفظ والإشارة أما اللفظ فلقدرته عليه وأما الإشارة فليحصل بها الإفهام ويستحق الجواب ويجب الجمع بينهما على من رد عليه ليحصل به الإفهام ويسقط عنه فرض الجواب وقضية التعليل أنه إن علم أنه فهم ذلك بقرينة الحال والنظر إلى فمه لم تجب الإشارة وهو ما بحثه الأذرعي وسلام الأخرس بالإشارة معتد به وكذا رده لأن إشارته قائمة مقام العبارة .
تنبيه : .
لو سلم ذمي على مسلم قال له وجوبا كما قاله الماوردي و الروياني وعليك فقط لخبر الصحيحين إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم .
وروى البخاري خبر إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقولوا وعليك وقال الخطابي كان سفيان يروي عليكم بحذف الواو وهو الصواب لأنه إذا حذفها صار قولهم مردودا عليهم وإذا ذكرها وقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه .
قال الزركشي وفيه نظر إذ المعنى ونحن ندعوا عليكم بما دعوتم به علينا على أنا إذا فسرنا السام بالموت فلا إشكال لاشتراك الخلق فيه .
فرع .
لو سلم على إنسان .
ورضي أن لا يرد عليه لم يسقط عنه فرض الرد كما قاله المتولي لأنه حق الله تعالى ويأثم بتعطيل فرض الكفاية كل من علم بتعطيله وقدر على القيام به وإن بعد عن المحل وكذا يأثم قريب منه لم يعلم به لتقصيره في البحث عنه ويختلف هذا بكبر البلد وصغره كما قاله الإمام وإن قام به الجميع فكلهم مؤد فرض كفاية وإن ترتبوا في أدائه .
قال الإمام وغيره والقيام به أفضل من فرض العين لأن القيام بفرض العين أسقط الحرج عن نفسه والقيام بفرض الكفاية أسقط الحرج عنه وعن الأمة .
والمعتمد أن فرض العين أفضل كما جرى عليه الشارح في شرحه على جمع الجوامع .
ويسن ابتداؤه .
أي السلام على كل مسلم حتى على الصبي وهو سنة عين إن كان المسلم واحدا وسنة كفاية إن كان جماعة .
أما كونه سنة فلقوله تعالى " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم " أي ليسلم بعضكم على بعض وللأمر بإفشاء السلام في الصحيحين وأما كونه كفاية فلخبر أبي داود السابق .
أما الذمي فلا يجوز ابتداؤه به وقد يتصور وجوب الابتداء بالسلام وهو ما لو أرسل سلامه إلى غائب ففي زوائد الروضة يلزم المرسل أن يبلغه فإنه أمانة ويجب أداؤها ويجب الرد كما مر ويسن الرد على المبلغ وابتداء السلام أفضل من رده كما ناله القاضي في فتاويه وهذه سنة أفضل من فرض ونظيره إبراء المعسر سنة وإنظاره فرض وإبراؤه أفضل .
تنبيه : .
قول القاضي ليس لنا سنة كفاية غير ابتداء السلام من الجماعة أو رد عليه مسائل منها التسمية على الأكل ومنها الأضحية في حق أهل البيت ومنها تشميت العاطس ومنها الأذان والإقامة .
و " لا " يسن ابتداؤه " على قاضي حاجة " للنهي عنه في سنن ابن ماجه ولأن مكالمته بعيدة عن الأدب والمراد بالحاجة البول والغائط ولا على المجامع بطريق الأولى " و " لا على " آكل " بالمد لشغله به " و " لا على من " في حمام " لاشتغاله بالاغتسال وهو مأوى الشياطين وليس موضع تحية .
واستثنى مع ذلك مسائل كثيرة منها المصلي ومنها المؤذن ومنها الخطيب ومنها الملبي في النسك ومنها مستغرق القلب بالدعاء وبالقراءة كما بحثه الأذرعي ومنها النائم أو الناعس ومنها الفاسق والمبتدع لأن حالتهم لا تناسبه والضابط كما قاله الإمام أن يكون الشخص على حالة لا يجوز أو لا يليق بالمروءة القرب منه " ولا جواب " واجب " عليهم " لو أتى به لوضعه السلام في غير محله لعدم سنه .
واستثنى الإمام من الأكل ما إذا سلم عليه بعد الابتلاع وقبل وضعه لقمة أخرى فيسن السلام عليه ويجب عليه الرد وكذا من ( 4 / 215 ) كان في محل نزع الثياب في الحمام كما جرى عليه الزركشي وغيره .
تنبيه : .
مقتضى كلامه استواء حكم الجميع وليس مرادا بل يكره الرد لقاضي الحاجة والمجامع ويندب لمن يأكل أو في حمام وكذا المصلي ونحوه بالإشارة ولو سلم على المؤذن لم يجب حتى يفرغ وهل الإجابة بعد الفراغ واجبة أو مندوبة لم يصرحوا به والأوجه كما قاله البلقيني أنه لا يجب وقيل يجب على المصلي الرد بعد الفراغ والصحيح أنه لا يجب عليه الرد مطلقا وإذا سلم على حاضر الخطبة وقلنا بالجديد أنه لا يحرم عليهم الكلام ففي الرد ثلاثة أوجه أصحها عند البغوي وجوب الرد وصححه البلقيني والثاني استحبابه والثالث جوازه والخلاف في غير الخطيب .
أما هو لا يجب عليه الرد قطعا لاشتغاله والقارىء كغيره في استحباب السلام وجوب الرد باللفظ على من سلم عليه كما جرى عليه ابن المقري إلا مستغرق القلب كما مر عن الأذرعي .
تنبيه : .
صيغة السلام ابتداء السلام عليكم فإن قال عليكم السلام جاز لأنه تسليم لكن مع الكراهة للنهي عنه في خبر الترمذي وغيره ويجب فيه الرد على الصحيح كما نقله في الروضة عن الإمام وأقره وإن بحث الأذرعي عدم الوجوب وكعليكم السلام عليكم سلام .
أما لو قال وعليكم السلام فليس سلاما فلا يستحق جوابا لأنه لا يصلح للابتداء كما نقله في الأذكار عن المتولي وأقره وتندب صيغة الجمع لأجل الملائكة سواء أكان المسلم عليه واحدا أم جماعة ويكفي الإفراد للواحد ويكون آتيا بأصل السنة دون الجماعة فلا يكفي والإشارة به بيد أو نحوها بلا لفظ لا يجب لها رد للنهي عنه في خبر الترمذي والجمع بينها وبين اللفظ أفضل من الاقتصار على اللفظ وصيغته ردا وعليكم السلام أو وعليك السلام للواحد ولو ترك الواو فقال عليكم السلام أجزأه ولو قال والسلام عليكم أو السلام عليكم كفى فإن قال وعليكم وسكت عن السلام لم يكف إذ ليس فيه تعرض للسلام وقيل يجزىء .
فإن قيل يؤيد هذا أنه لو سلم ذمي على مسلم لم يزد في الرد على قوله وعليك .
أجيب بأنه ليس الغرض ثم السلام على الذمي بل الغرض أن يرد عليه بما ثبت في الحديث ويكفي سلام عليكم ابتداء وعليكم سلام جوابا ولكن التعريف فيهما أفضل وزيادة ورحمة الله وبركاته على السلام ابتداء وردا أكمل من تركها وظاهر كلامهم أنه يكفي وعليكم السلام وإن أتى المسلم بلفظ الرحمة والبركة .
قال ابن شهبة وفيه نظر لقوله تعالى " وإذا حييتم بتحية " الآية ولو سلم كل من اثنين تلاقيا على الآخر معا لزم كل منهما الرد على الآخر ولا يحصل الجواب بالسلام أو مرتبا كفى الثاني سلامه ردا إلا إذا قصد به الابتداء فلا يكفي كما قاله الزركشي لصرفه عن الجواب .
فروع يندب أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على الواقف والصغير على الكبير والجمع القليل على الجمع الكثير في حال التلاقي في طريق فإن عكس لم يكره .
أما إذا ورد من ذكر على قاعد أو واقف أو مضطجع فإن الوارد يبدأ سواء أكان صغيرا أم لا قليلا أم لا ويكره تخصيص البعض من الجمع بالسلام ابتداء وردا ولو سلم بالعجمية جاز إن أفهم المخاطب وإن قدر على العربية ويجب الرد لأنه يسمى سلاما ويحرم أن يبدأ به الشخص ذميا للنهي عنه فإن بان من سلم عليه ذميا فليقل له ندبا استرجعت سلامي كما في الروضة أو رد على سلامي كما في الأذكار تحقيرا له ويستثنيه بقلبه إن كان بين مسلمين ولا يبدأ بتحية غير السلام أيضا كأنعم الله صباحك أو صبحت بالخير إلا لعذر وإن كتب إلى كافر كتب ندبا السلام على من اتبع الهدى ولو قام عن مجلس فسلم وجب الرد عليه ومن دخل دارا ندب أن يسلم على أهله وإن دخل موضعا خاليا من الناس ندب أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ويندب أن يسمي قبل دخوله ويدعو بما أحب ثم يسلم بعد دخوله وأن يبدأ بالسلام قبل الكلام وإن كان مارا في سوق وجمع لا ينتشر فيهم السلام الواحد سلم على من يليه أول ملاقاته فإن جلس إلى من سمعه سقط عنه سنة السلام أو إلى من لم يسمعه سلم ثانيا ولا يترك السلام لخوف عدم الرد عليه لكبر أو غيره والتحية من المار على من خرج من حمام أو على غيره بنحو صبحك الله بالخير أو السعادة أو طاب حمامك أو قواك الله لا أصل لها إذ لم يثبت فيها شيء ولا جواب لقائلها فإن أجاب بالدعاء فحسن إلا أن يريد تأديبه لتركه السلام فترك الدعاء له أحسن .
وأما التحية بالطليقة وهي أطال الله بقاءك فقيل بكراهتها والأوجه أن يقال كما قال الأذرعي إنه إن ( 4 / 216 ) كان من أهل الدين أو العلم أو من ولاة العدل فالدعاء له بذلك قربة وإلا فمكروه وحتى الظهر مكروه ولا يغتر بكثرة من يفعله .
وتقبيل اليد لزهد أو صلاح أو نحوه من الأمور الدينية ككبر سن وشرف وصيانة مستحب وتقبيلها لدنيا أو ثروة أو نحوها كشوكة ووجاهة مكروه شديد الكراهة وتقبيل خد طفل لا يشتهى ولو لغيره وتقبيل من أطرافه شفقة ورحمة سنة ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرك ويندب القيام للداخل إن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولادة أو رحم أو ولاية مصحوبة بصيانة أو نحوها ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام ويحرم على الداخل محبة القيام له بأن يقعد ويستمروا قيامه ماله كعادة الجابرة أما من أحب ذلك إكراما لا على الوجه المذكور فلا يتجه كما قال شيخنا تحريمه وتندب المصافحة مع بشاشة الوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها للتلاقي ولا أصل للمصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر ولكن لا بأس بها فإنها من جملة المصافحة وقد حث الشارع عليها وإن قصد بابا لغيره مغلقا ندب أن يسلم على أهله ثم يستأذن فإن لم يجب إعادة ثلاث مرات فإن أجيب فذاك وإلا رجع فإن قيل له بعد استئذانه من أنت ندب أن يقول فلان بن فلان أو نحوه مما يحصل به التعريف ولا بأس أن يكني نفسه أو يقول القاضي فلان أو الشيخ فلان إذا لم يعرفه المخاطب إلا بذلك ويكره اقتصاره على قوله أنا أو الخادم وتندب زيارة الصالحين والجيران غير الأشرار والإخوان والأقارب وإكرامهم بحيث لا يشق عليه ولا عليهم ويندب أن يطلب منهم أن يزوروه وأن يكثروا زيارته بحيث لا يشق وتندب عيادة المرضى وأن يضع من جاءه العطاس يده أو ثوبه أو نحوه على وجهه ويخفف صوته ما أمكن وأن يحمد الله عقب عطاسه ثم إن كان في صلاة أسر به أو في حالة بول أو جماع أو نحوه حمد الله تعالى في نفسه فإن حمد الله تعالى شمت إلى ثلاث مرات فإن زاد عليها دعي له بالشفاء ويذكر بالحمد إن تركه والتشميت للمسلم برحمك الله أو ربك ويرد بيهديكم الله ويغفر الله لكم وابتداؤه وردة سنة عين إن تعين وإلا فكفاية .
وتشميت الكافر بيهديك الله ونحوه لا بيرحمك الله تعالى ويندب رد التثاؤب ما استطاع فإن غلبه ستر فمه بيده أو غيرها ويندب أن يرحب بالقادم المسلم وأن يلبي دعاءه .
أما الكافر فلا وأن يخبر أخاه بحبه له في الله وأن يدعو لمن أحسن إليه ولا بأس بقول الرجل الجليل في علمه أو صلاحه أو نحوه جعلني الله فداك أو فداك أبي وأمي .
ودلائل ما ذكر من الأحاديث الصحيحة كثيرة مشهورة .
والحرف والصنائع .
كالتجارة والخياطة والحجامة لأن قيام الدنيا بهذه الأسباب وقيام الدين يتوقف على أمر الدنيا حتى لو امتنع الخلق منه أثموا وكانوا ساعين في إهلاك أنفسهم لكن النفوس مجبولة على القيام بها فلا يحتاج إلى حث عليها وترغيب فيها وفي الحديث اختلاف أمتي رحمة وفسره الحليمي باختلاف الهمم والحرف .
ثم شرع في موانع الجهاد فقال " ولا جهاد " واجب إلا على مسلم أو مرتد كما قاله الزركشي بالغ عاقل ذكر مستطيع له حر ولو سكران واجدا هبة القتال فلا يجب على كافر ولو ذميا لأنه يبذل الجزية ليذب عنه لا ليدب عنا ولا " على صبي ومجنون " لعدم تكليفهما ولقوله تعالى " ليس على الضعفاء " الآية قيل هم الصبيان لضعف أبدانهم وقيل المجانين لضعف عقولهم ولأن النبي A رد جماعة استصغرهم .
وروى الشيخان أنه A رد ابن عمر يوم أحد وأجازه في الخندق وكذا اتفق ل سعد بن حبتة بحاء مهملة ثم باء موحدة ثم مثناة فوقية الأنصاري ولما رآه النبي A يوم الخندق يقاتل قتالا شديدا وهو حديث السن قال أسعد الله جدك اقترب مني فاقترب منه فمسح رأسه ودعا له بالبركة في ولده ونسله فكان عما لأربعين وخالا لأربعين وجدا لعشرين كذا ذكره ابن دحية وغيره " و " لا على خنثى ولا " امرأة " لضعفها ولقوله تعالى " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال " وإطلاق لفظ المؤمنين ينصرف للرجال دون النساء والخنثى مثلها وأحسن الحسن بن هانىء في قوله وإذا المطي بنا بلغن محمدا فظهورهن على الرجال حرام " و " لا على " مريض " يتعذر قتاله أو تعظم مشقته ولا على أعمى " و " لا " ذي عرج بين " ولو في رجل واحدة لقوله تعالى " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " فلا عبرة بصداع ووجع ضرس وضعف بصر إن كان يدرك شخص ويمكنه اتقاء السلاح ولا عرج يسير لا يمنع المشي والعدو والهرب " و " لا على " أقطع " أصابع الرجلين إن أمكنه المشي بغير عرج بين " و " لا على " أشل " يد أو معظم أصابعها لأن مقصود الجهاد البطش والنكاية وهو مفقود فيهما لأن كلا منهما لا يتمكن من الضرب " و " لا على " عبد " ولو مبعضا أو مكاتبا لقوله تعالى " وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله " ولا ( 4 / 217 ) يد بكمالها أو معظم أصابعها بخلاف فاقد الأقل أو فاقد الأنامل أو مال للعبد ولا نفس يملكها فلم يشمله الخطاب حتى لو أمره سيده لم يلزمه كما قاله الإمام لأنه ليس من أهل هذا الشأن وليس القتال من الاستخدام المستحق للسيد لأن الملك لا يقتضي التعرض للهلاك " و " لا على " عادم أهبة قتال " من نفقة وسلاح وكذا مركوب إن كان سفر قصر فإن كان دونه لزمه إن كان قادرا على المشي فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته كما في الحج ولو مرض بعدما خرج أو فني زاده أو هلكت دابته فهو بالخيار بين أن يتصرف أو يمضي فإن حضر الوقعة جاز له الرجوع على الصحيح إذا لم يمكنه القتال فإن أمكنه الرمي بالحجارة فالأصح في زوائد الروضة الرمي بها على تناقض وقع له فيه ولو كان القتال على باب داره أو حوله سقط اعتبار المؤن كما ذكره القاضي أبو الطيب وغيره .
تنبيه : .
أشعر كلامه باشتراط ملكه الأهبة إلا أن يريد بالعدم عدم الملك والقدرة ولو بذل لعادم الأهبة ما يحتاج إليه فإن كان الباذل من بيت المال لزمه وإلا فلا .
ثم أشار لضابط يعم ما سبق وغيره بقوله " وكل عذر منع وجوب الحج " كفقد زاد وراحلة " منع الجهاد " أي وجوبه " إلا خوف طريق من كفار " فلا يمنع وجوبه جزما لبناء الجهاد على مصادمة المخاوف " وكذا " خوف " من لصوص المسلمين " لا يمنع وجوبه " على الصحيح " لأن الخوف يحتمل في هذا السفر وقتال اللصوص أهم وأولى والثاني يمنع كالحج فإنه قد يأنف من قتال المسلمين .
تنبيه : .
محل الوجوب في الصورتين إذا كان له قوة تقاومهم وإلا فهو معذور .
ولما فرغ من موانع الجهاد الحسية شرع في موانعه الشرعية فقال " والدين الحال " على موسر لمسلم أو ذمي " يحرم " بكسر الراء المشددة " سفر جهاد و " سفر " غيره " لأنه متعين عليه أداؤه والجهاد على الكفاية وفرض العين مقدم على فرض الكفاية وفي صحيح مسلم القتل " في سبيل الله " يكفر كل شيء إلا الدين .
إلا بإذن غريمه .
وهو رب الدين الجائز الإذن فله منعه من السفر لتوجه المطالبة به والحبس إن امتنع فإن أذن له لم يحرم .
أما غير جائز الإذن كولي المحجور فلا يأذن لمدين المحجور في السفر وكالمديون وليه كما بحثه بعض المتأخرين لأنه المطالب ولو استناب الموسر من يقضي دينه من مال حاضر جاز له السفر بغير إذن غريمه بخلاف ما له الغائب فإنه قد لا يصل وأما المعسر فليس لغريمه منعه على الصحيح في أصل الروضة إذ لا مطالبة في الحال .
تنبيه : .
حيث جاهد بالإذن قال الماوردي و الروياني لا يتعرض للشهادة ولا يتقدم أمام الصفوف بل يقف في وسطها وحواشيها ليحفظ الدين بحفظ نفسه .
و .
الدين " المؤجل لا " يحرم السفر مطلقا فلا يمنعه رب الدين وإن قرب الأجل لأنه لا يتوجه عليه الطلب به إلا بعد حلوله وهو الآن مخاطب بفرض الكفاية وللمستحق الخروج معه إن شاء ليطالبه عند الحلول " وقيل يمنع سفرا مخوفا " كالجهاد وركوب البحر صيانة لحق الغريم " ويحرم " على رجل " جهاد " بسفر وغيره " إلا بإذن أبويه إن كانا مسلمين " لأن الجهاد فرض كفاية وبرهما فرض عين وفي الصحيحين أن رجلا استأذن النبي A في الجهاد .
فقال ألك والدان قال نعم قال ففيهما فجاهد وفي رواية ألك والدة قال نعم قال فانطلق إليها فأكرمها فإن الجنة تحت رجليها رواه الحاكم وقال صحيح .
ولو كان الحي أحدهما لم يجز إلا بإذنه وجميع أصوله كذلك ولو وجد الأقرب منهم وأذن سواء كانوا أحرارا أم أرقاء ذكورا أم إناثا لأن ( 4 / 218 ) برهم متعين بخلاف الكافر منهم لا يجب استئذانه .
وكذا المنافق كما نص عليه في الأم ولو كان الولد رقيقا اعتبر إذن سيده لا والديه كما قال الماوردي ويلزم المبعض استئذان الأبوين لما فيه من الحرية والسيد لما فيه من الرق " لا سفر تعلم فرض عين " حيث لم يجد من يعلمه أو توقع زيادة فراغ أو إرشاد فإنه جائز بغير إذنهم كحج تضيق عليه وكذا إن لم يتضيق على الصحيح " وكذا " سفر تعلم فرض " كفاية " فيجوز أيضا بغير إذنهم " في الأصح " كأن خرج طالبا لدرجة الإفتاء وفي الناحية من يستقل بذلك لأن الحجر على المكلف وحبسه بعيد والثاني لهما المنع كالجهاد وفرق الأول بأن الجهاد فيه خطر فإن لم يكن في الناحية مستقل بالإفتاء ولكن خرج جماعة فليس للأبوين المنع على المذهب لأنه لم يوجد في الحال من يقوم بالمقصود والخارجون قد لا يظفرون بالمقصود وإن لم يخرج معه أحد لم يحتج إلى إذن ولا منع لهما قطعا لأنه بالخروج يدفع الإثم عن نفسه كالفرض المتعين عليه وقيد الرافعي الخارج وحده بالرشيد وينبغي كما قال الأذرعي أن لا يكون أمرد جميلا يخشى عليه .
قال الماوردي ولو وجب عليه نفقة أبويه وجب استئذانهما ولو كافرين إلا أن يستنيب من ينفق عليهما من ماله الحاضر وقضيته كما قال الزركشي أن يكون الفرع إذا وجبت نفقته كذلك إن كان الفرع أهلا للإذن وهذا يلغز به فيقال والد لا يسافر إلا بإذن ولده .
قال البلقيني والقياس أنه لو أداه أي من ينفق عليه نفقة ذلك اليوم وسافر في بقيته كان كالمديون بدين مؤجل .
تنبيه : .
سكت المصنف عن حكم السفر المباح كالتجارة وحكمه إن كان قصيرا فلا منع منه بحال وإن كان طويلا فإن غلب الخوف فكالجهاد وإلا جاز على الصحيح بلا استئذان والوالد الكافر في هذه الأسفار كالمسلم ما عدا الجهاد كما مر .
فإن أذن .
لرجل " أبواه والغريم " في جهاد " ثم رجعوا " بعد خروجه وعلم بذلك " وجب " عليه " الرجوع إن لم يحضر الصف " لأن عدم الإذن عذر يمنع وجوب الجهاد فكذا طربانه كالعمى والمرض ولو أسلم أصله الكافر بعد خروجه ولم يأذن وعلم الفرع الحال فكالرجوع عن الإذن .
ويستثنى من كلامه ما لو خاف على نفسه أو ماله أو خالف انكسار قلوب المسلمين برجوعه أو خرج مع الإمام بجعل كما قاله الماوردي تبعا للنص فلا يلزمه الرجوع بل لا يجوز في معظم ذلك وإن أمكنه الإقامة عند الخوف بموضع في طريقه إلى أن يرجع الجيش فيرجع معهم الرجوع لزمه ذلك وإن لم يمكنه الإقامة ولا الرجوع فله المضي مع الجيش لكن يتوقى مظان القتل كما نص عليه في الأم " فإن " حضر الصف و " شرع في قتال " بأن التقى الصفان ثم رجع من ذكر وعلم برجوعه " حرم الانصراف في الأظهر " وعبر في الروضة بالأصح لوجوب المصابرة لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا " ولأن الانصراف يشوش أمر القتال ويكسر القلوب والثاني لا يحرم بل يجب الانصراف رعاية لحق الآدمي الذي بناؤه على الضيق .
وعلى الأول لا يقف موقف طلب الشهادة بل في آخر الصفوف يحرس كما قاله القاضي أبو الطيب وحكي عن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه .
تنبيه : .
لو قال فإن حضر الصف كما قدرته كان أولى لأن حرمة الانصراف لا تتوقف على القتال حقيقة بل التقاء الصفين كاف في ذلك كما مر .
فروع لو خرج بلا إذن وشرع في القتال حرم الانصراف أيضا لما مر .
ورجوع العبد إن خرج بلا إذن قبل الشروع في القتال واجب وبعده مندوب وإنما لم يجب عليه الثبات بعد لأنه ليس من أهل الجهاد ولو مرض من خرج للجهاد أو عرج عرجا بينا أو تلف زاده أو دابته فله الانصراف ولو من الوقعة إن لم يورث فشلا في المسلمين وإلا حرم عليه انصرافه منها ولا ينوي المنصرف من الوقعة لمرض ونحوه فرارا فإن انصرف ثم زال العذر قبل مفارقته دار الحرب لا بعده لزمه الرجوع للجهاد .
ومن شرع في صلاة جنازة لزمه الإتمام لأنها في حكم الخصلة الواحدة بخلاف ( 4 / 219 ) من شرع في تعلم علم لا يلزمه إتمامه وإن أنس من نفسه الرشد فيه لأن الشروع لا يغير حكم المشروع فيه غالبا .
قال الأذرعي والمختار لزوم اتمامه لأنه تلبس بفرض ولو شرع لكل شارع في علم الشريعة الإعراض عنه لأدى ذلك إلى إضاعة العلم وأجاب السبكي عن القياس على الجهاد بأن المشتغل بالعلم له باعث نفسي عمن يحثه على دوام الاشتغال به لمحبة ثمرته والمقاتل ميلة إلى الحياة يباعده عن ذلك لكراهة الموت وشدة سكراته فوكل المشتغل بالعلم إلى محبته لأنه منهوم لا يشبع وكلف المقاتل بالثبات عند الممات الذي منه يفزع ولذلك قال A مداد العلماء أفضل من دم الشهداء .
ثم شرع المصنف في الحال " الثاني " من حالي الكفار وهو ما تضمنه قوله " يدخلون بلدة لنا " أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار الإسلام ولو بعيدا عن البلد " فيلزم أهلها الدفع بالممكن " منهم ويكون الجهاد حينئذ فرض عين وقيل كفاية .
واعتمده البلقيني وقال إن نص الشافعي يشهد له " فإن أمكن " أهلها " تأهب " استعدادا " لقتال وجب " على كل منهم " الممكن " أي الدفع للكفار بحسب القدرة " حتى على فقير " بما يقدر عليه " وولد ومدين " وهو من عليه دين " وعبد بلا إذن " من أبوين ورب دين ومن سيد وينحل الحجز عنهم في هذه الحالة لأن دخولهم دار الإسلام خطب عظيم لا سبيل إلى إهماله فلا بد من الجد في دفعه بما يمكن وفي معنى دخولهم البلدة ما لو أطلوا عليها .
والنساء كالعبيد إن كان فيهن دفاع وإلا فلا يحضرن .
قال الرافعي ويجوز أن لا تحتاج المرأة إلى إذن الزوج " وقيل إن حصلت مقاومة بأحرار اشترط " في عبد " أذن سيده " لأن في الأحرار غنية عنهم واعتمده البلقيني وقال هو مقتضى نص الشافعي .
والأصح في الشرح والروضة الأول لتقوى القلوب وتعظم الشوكة وتشتد النكاية في الكفار انتقاما من هجومهم " وإلا " بأن لم يمكن أهل البلدة التأهب لقتال بأن هجم الكفار عليهم بغتة " فمن قصد " من المكلفين ولو عبدا أو امرأة أو مريضا أو نحوه دفع عن نفسه الكفار " بالممكن " له " إن علم أنه إن أخذ قتل " بضم أولهما " وإن جوز " المكلف المذكور " الأسر " والقتل " فله " أن يدفع عن نفسه و " أن يستسلم " لقتل الكفار إن كان رجلا لأن المكافحة حينئذ استعجال للقتل والأسر يحتمل الخلاص هذا إن علم أنه إن امتنع من الاستسلام قتل وإلا امتنع عليه الاستسلام .
أم المرأة فإن علمت امتداد الأيدي إليها بالفاحشة فعليها الدفع وإن قتلت لأن الفاحشة لا تباح عند خوف القتل وإن لم تمتد الأيدي إليها بالفاحشة الآن ولكن توقعتها بعد السبي احتمل جواز استسلامها ثم تدفع إذا أريد منها .
ذكر ذلك في الروضة كأصلها ثم ما مر حكم أهل بلدة دخلها الكفار وأشار لغيرهم بقوله " ومن هو دون مسافة قصر من البلدة " التي دخلها الكفار حكمه " كأهلها " فيجب عليهم المضي إليهم إن وجدوا زادا ولا يعتبر المركوب لقادر على المشي على الأصح هذا إن لم يكن في أهل البلد التي دخلوها كفاية وكذا إن كان في الأصح لأنهم كالحاضرين معهم وليس لأهل البلدة ثم الأقربين فالأقربين إذا قدروا على القتال أن يلبثوا إلى لحوق الآخرين " ومن " أي والذين هم " على المسافة " للقصر فأكثر " يلزمهم " في الأصح إن وجدوا زادا ومركوبا " الموافقة بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم " دفعا عنهم وإنقاذا لهم .
تنبيه : .
أشار بقوله بقدر الكفاية إلى أنه لا يجب على الجميع الخروج بل إذا صار إليهم قوم فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين .
قيل وإن كفوا .
أي أهل البلد ومن يليهم يلزم من كان على مسافة القصر موافقتهم مساعدة ( 4 / 220 ) لهم ودفع بأن هذا يؤدي إلى الإيجاب على جميع الأمة وفي ذلك حرج من غير حاجة .
تنبيه : .
قائل هذا الوجه إنما يوجب على الأقربين فالأقربين بلا ضبط حتى يصل الخبر بأنهم قد كفوا فكان ينبغي للمصنف أن يقول ومن على مسافة .
قيل يلزمهم الأقرب فالأقرب والأصح إن كفى أهلها لم يلزمهم " ولو أسروا " أي الكفار " مسلما فالأصح وجوب النهوض إليهم " وإن لم يدخلوا دارنا " لخلاصه إن توقعناه " بأن يكونوا قريبين كما ننهض إليهم عند دخولهم دارنا بل أولى لأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار .
والثاني المنع لأن إزعاج الجنود لخلاص أسير بعيد أما إذا لم يمكن تخليصه بأن لم يرجوه فلا يتعين جهادهم بل ينتظر للضرورة وذكر في التنبيه وغيره فك من أسر من الذميين .
تتمة لا تتسارع الطوائف والآحاد منا إلى دفع ملك منهم عظيم شوكته دخل أطراف بلادنا لما فيه من عظم الخطر