4 - كتاب السير .
بكسر السين وفتح المثناة التحتية جمع سيرة بسكونها وهي السنة والطريقة وغرضه من الترجمة ذكر الجهاد وأحكامه وعدل عن الترجمة به أو بقتال المشركين كما ترجم به بعضهم إلى السير لأن الجهاد متعلق من سيره قوله A في غزواته .
والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى " كتب عليكم القتال " و " قاتلوا المشركين كافة " " واقتلوهم حيث وجدتموهم " وأخبار كخبر الصحيحين أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وخبر مسلم لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وقد جرت عادة الأصحاب تبعا للإمام الشافعي Bه أن يذكروا مقدمة في صدر هذا الكتاب فلنذكر نبذة منها على سبيل التبرك فنقول بعث رسول الله A يوم الاثنين في رمضان وهو ابن أربعين سنة وقيل ثلاث وأربعين وآمنت به خديجة Bها ثم بعدها قيل علي Bه وهو ابن تسع وقيل ابن عشر وقيل أبو بكر وقيل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم ثم أمر بتبليغ قومه بعد ثلاث سنين من مبعثه .
وأول ما فرض الله عليه بعد الإنذار والدعاء إلى التوحيد من قيام الليل ما ذكر في أول سورة المزمل ثم نسخ بما في آخرها ثم نسخ بالصلوات الخمس إلى بيت المقدس ليلة الإسراء بمكة بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب .
وقيل بعد النبوة بخمس أو ست وقيل غير ذلك .
ثم أمر باستقبال الكعبة ثم فرض الصوم بعد الهجرة بسنتين تقريبا وفرضت الزكاة بعد الصوم وقيل قبله وفي السنة الثانية قيل في نصف شعبان وقيل في رجب من الهجرة حولت القبلة وفيها فرضت صدقة الفطر وفيها ابتدأ A صلاة عيد الفطر ثم عيد الأضحى ثم فرض الحج سنة ست وقيل سنة خمس ولم يحج A بعد الهجرة إلا حجة الوداع سنة عشر واعتمر أربعا .
كان الجهاد في عهد رسول الله A .
بعد الهجرة " فرض كفاية " أما كونه فرضا فبالإجماع وأما كونه على الكفاية فلقوله تعالى " ولا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر " إلى قوله تعالى ( 4 / 209 ) وكلا وعد الله الحسنى " ففاضل سبحانه وتعالى بين المهاجرين والقاعدين ووعد كلا الحسنى والعاصي لا يوعد بها ولا يفاضل بين مأجور ومأزور وأما قبل الهجرة فكان ممنوعا أول الإسلام من قتال الكفار مأمورا بالصبر على الأذى وكذلك من تبعه بقوله تعالى " لتبلون في أموالكم " الآية .
ثم هاجر إلى المدينة بعد ثلاث عشرة سنة من مبعثه وقيل بعد عشرة في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول فأقام بها عشرا بالإجماع ثم أمر به إذا ابتدىء به بقوله تعالى " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " ثم أبيح له ابتداؤه في غير الأشهر الحرم بقوله تعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم " الآية .
ثم أمر به من من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله تعالى " واقتلوهم حيث ثقفتموهم " .
وقد غزا A سبعا وعشرين غزوة قاتل فيها في تسع سنين كما حكاه الماوردي ففي مسلم عن زيد بن أرقم أنه A غزا تسع عشرة وبعث A سرايا ولم يتفق في كلها قتال فلنذكر من غزواته A أشهرها ففي السنة الأولى من هجرته لم يغز وكانت غزوة بدر الكبرى في الثانية وأحد ثم بدر الصغرى ثم بني النضير في الثالثة والخندق في الرابعة وذات الرقاع ثم دومة الجندل وبني قريظة في الخامسة والحديبية وبني المصطلق في السادسة وخيبر في السابعة ومؤتة وذات السلاسل وفتح مكة وحنين والطائف في الثامنة وتبوك في التاسعة على خلاف في بعض ذلك والأنبياء معصومون قبل النبوة من الكفر لما روي أنه A قال ما كفر بالله نبي قط وفي عصمتهم قبلها من المعاصي خلاف وهم معصومون بعدها من الكبائر ومن كل ما يزرى بالمروءة وكذا من الصغائر ولو سهوا عند المحققين لكرامتهم على الله تعالى أن يصدر عنهم شيء منها وتأولوا الظواهر الواردة فيها وجوز الأكثرون صدورها عنهم سهوا إلا الدالة على الخسة كسرقة لقمة .
قال في الروضة واختلفوا هل كان A قبل النبوة يتعبد على دين إبراهيم أو نوح أو موسى أو عيسى أو لم يلتزم دين أحد منهم والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشيء لعدم الدليل انتهى .
وصحح الواحدي الأول وعزى إلى الشافعي واقتصر الرافعي على نقله عن صاحب البيان .
وتوفي A ضحى يوم الاثنين لاثني عشر خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة .
وقيل .
كان الجهاد في عهده A فرض " عين " لقوله تعالى " انفروا خفافا وثقالا " " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " وقائله قال كان القاعدون حراسا للمدينة وهو نوع من الجهاد وأجاب الأول بأن الوعيد في الآية لمن عينه النبي A لتعيين الإجابة .
وقال السهيلي كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم لأنهم بايعوا عليه .
قال شاعرهم نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وقد يكون الجهاد في عهده A فرض عين بأن أحاط عدو بالمسلمين كالأحزاب من الكفار الذين تحزبوا حول المدينة فإنه مقتض لتعين جهاد المسلمين لهم فصار لهم حالان خلاف ما يوهمه قوله " وأما بعده " A " فللكفار حالان أحدهما يكونون ببلادهم " مستقرين بها غير قاصدين شيئا من بلاد المسلمين " ففرض كفاية " كما دل عليه سير الخلفاء الراشدين وحكى القاضي عبد الوهاب فيه الإجماع ولو فرض على الأعيان لتعطل المعاش " إذ فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين " لأن هذا شأن فروض الكفايات وتعبيره بالسقوط ظاهر في أن فرض الكفاية يتعلق بالجميع وهو الصحيح عند الأصوليين وقوله من فيهم كفاية يشمل من لم يكن من أهل فرض الجهاد وهو كذلك فلو قام به مراهقون سقط الحرج عن أهل الفروض .
قال في الروضة وسقط فرض الكفاية مع الصغر والجنون والأنوثة فإن تركه الجميع أثم كل من لا عذر له من الأعذار الآتي بيانها .
تنبيه : .
أقل الجهاد مرة في السنة كإحياء الكعبة ولقوله تعالى " أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين " قال مجاهد نزلت في الجهاد ولفعله A منذ أمر به ولأن الجزية تجب بدلا عنه وهي واجبة في كل سنة فكذا بدلها ولأنه فرض يتكرر وأقل ما وجب المتكرر في كل سنة كالزكاة والصوم فإن زاد على مرة ( 4 / 210 ) فهو أفضل ويحصل فرض الكفاية بأن يشحن الإمام الثغور بمكافئين للكفار مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد الأمراء أو بأن يدخل الإمام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية وما سواها من الشهادة وأما قتل الكفار فليس بمقصود حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد وما ذكره المصنف محله في الغزو وأما حراسة حصون المسلمين فمتعينة فورا .
واعلم أن فروض الكفاية كثيرة جدا ذكر منها المصنف في الجنائز غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وفي اللقيط التقاط المنبوذ وذكر هنا الجهاد ثم استطرد إلى ذكر غيره فقال " ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج " العلمية وهي البراهين القاطعة على إثبات الصانع سبحانه وتعالى وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وصدق الرسل وما ورد به الشرع من الحساب والمعاد والميزان وغير ذلك وكما أنه لا بد من إقامة الحجج القهرية بالسيف لا بد ممن يقيم البراهين ويظهر الحجج ويدفع الشبهات ويحل المشكلات كما نبه عليه بقوله القيام بإقامة " وحل المشكلات في الدين " ودفع الشبهة ويتعين على المكلف دفع شبهة أدخلها بقلبه وذلك بأن يعرف أدلة المعقول ويعلم دواء أمراض القلب وحدودها وأسبابها كالحسد والرياء والكبر وأن يعرف من ظواهر العلوم لا دقائقها ما يحتاج إليه لإقامة فرائض الدين كأركان الصلاة والصيام وشروطهما .
وإنما يجب تعلمه بعد الوجوب وكذا قبله إن لم يتمكن من تعلمه بعد دخول الوقت مع الفعل وكأركان الحج وشروطه وتعلمها على التراخي كالحج وكالزكاة إن ملك مالا ولو كان هناك ساع يكفيه الأمر وأحكام البيع والقراض إن أراد أن يبيع ويتجر فيتعين على من يريد بيع الخبز أن يعلم أنه لا يجوز بيع خبر البر بالبر ولا بدقيقه وعلى من يريد الصرف أن يعلم أنه لا يجوز بيع درهم بدرهمين ونحو ذلك .
وأما أصول العقائد فالاعتقاد المستقيم مع التصميم على ما ورد به الكتاب والسنة ففرض عين وأما العلم المترجم بعلم الكلام فليس بفرض عين وما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يشتغلون به .
قال الإمام ولو كان الناس على ما كانوا عليه في صفوة الإسلام لما أوجبنا التشاغل به وربما نهينا عنه وأما الآن وقد ثارت البدعة ولا سبيل إلى تركها تلتطم فلا بد من إعداد ما يدعى به إلى المسلك الحق وتحل به الشبهة فصار الاشتغال بأدلة المعقول وحل الشبهة من فروض الكفايات وما نص عليه الشافعي من تحريم الاشتغال به وقال لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من علم الكلام محمول على التوغل فيه .
وأما تعلم علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر فحرام والشعر مباح إن لم يكن فيه سخف أو حث على شر وإن حث على التغزل والبطالة كره .
و .
من فروض الكفايات القيام " بعلوم الشرع كتفسير وحديث " وسبق معناهما في كتاب الوصايا " والفروع " الفقهية الزائدة على ما لا بد منه " بحيث يصلح للقضاء " والفتيا كما في المحرر لشدة الحاجة إلى ذلك .
نعم إن ربطها في المتسع بأمر الإمام لم يضمن كما لو حفر بئرا فيه لمصلحة نفسه قاله القاضي و البغوي .
فإن احتيج في التعليم إلى جماعة لزمهم ويجب لكل مسافة قصر مفت لئلا يحتاج إلى قطعها .
وفرق بينه وبين قولهم لا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض بكثرة الخصومات وتكررها في اليوم الواحد من كثيرين بخلاف الاستفتاء في الوقائع ولو لم يفت المفتي وهناك من يفتي وهو عدل لم يأثم فلا يلزمه الإفتاء .
قال في الروضة وينبغي أن يكون المعلم كذلك اه " .
وفرق بين هذا وبين نظيره من أولياء النكاح والشهود بأن اللزوم هنا فيه حرج ومشقة بكثرة الوقائع بخلافه ثم قال في الروضة ويستحب الرفق بالمتعلم والمستفتي أما تعلم ما لا بد منه من الفروع ففرض عين كما مرت الإشارة إليه .
تنبيه : .
من فروض الكفاية علم الطب المحتاج إليه لمعالجة الأبدان والحساب المحتاج إليه لقسمة المواريث والوصايا والمعاملات وأصول الفقه والنحو واللغة والتصريف وأسماء الرواة والجرح والتعديل واختلاف العلماء واتفاقهم وأما المنطق .
فقال الغزالي إن من جهله لا وثوق بعلمه وقال غيره يحرم الاشتغال به ومر الكلام على ذلك في ( 4 / 211 )