هو والمصاولة الاستطالة والوثوب والصائل الظالم " وضمان الولاة " وأدرج المصنف في الباب حكم الختان وإتلاف البهائم وعقد في الروضة لإتلاف البهائم بابا وذكر حكم الختان في باب ضمان إتلاف الإمام .
والأصل في الباب قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " .
وافتتحه في المحرر بخبر البخاري انصر أخاك ظالما أو مظلوما والصائل ظالم فيمنع من ظلمه لأن ذلك نصره .
له .
أي المصول عليه " دفع كل صائل " مسلما كان أو كافرا عاقلا أو مجنونا بالغا أو صغيرا قريبا أو أجنبيا آدميا أو غيره " على " معصوم من " نفس أو طرف " أو منفعة " أو بضع أو مال " لخبر من قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد رواه أبو داود والترمذي وصححه .
ووجه الدلالة أنه لما جعله شهيدا دل على أن له القتل والقتال كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدا كان له القتل والقتال .
تنبيه : .
في معنى البضع من قصد الاستمتاع بأهله فيما دون الفرج كالقبلة وألحق الروياني الأخت والبنت بالزوجة .
وشمل قوله أو مالالكثير والقليل كدرهم .
فإن قيل كيف يكون المقدر في السرقة أكثر وما فيه سوى قطع الطرف وقد يؤدي الدفع إلى هلاك النفس وهو أعظم والمال فيه قليل أجيب بأن قطع الطرف محقق فاعتبر فيه ذلك بخلاف هلاك النفس ومال نفسه ومال غيره ويستثنى من جواز الدفع عن المال ما لو صال مكرها على إتلاف مال غيره لم يجز دفعه بل يلزم المالك أن بقي روحه بمال كما يناوله المضطر طعامه كما ذكره الرافعي قبيل الديات ولكل منهما دفع المكره وتعبيره بالمال قد يخرج ما ليس بمال كالكلب المقتنى والسرجين وقضية كلام الماوردي وغيره إلحاقه به وهو الظاهر وله دفع مسلم عن ذمي ووالد عن ولده وسيد عن عبده لأنهم معصومون ولو صال قوم على النفس والبضع والمال قدم الدفع عن النفس على الدفع عن البضع والمال والدفع عن البضع على الدفع عن المال والمال الكثير على الحقير .
ولو صال اثنان على متساويين في نفسين أو بضعين أو مالين ولم يتيسر دفعهما معا دفع أيهما شاء ولو صال أحدهما على صبي باللواط والآخر على امرأة بالزنا ففيه احتمالان لبعض المتأخرين أحدهما يبدأ بصاحب الزنا للإجماع على وجوب الحد فيه والثاني بصاحب اللواط إذ ليس إلى حله سبيل .
وقال بعضهم يبدأ بأيهما شاء وهو أوجه لعدم الأولوية .
فإن قتله .
أي المصول عليه الصائل دفعا " فلا ضمان " بقصاص ولا دية ( 4 / 195 ) ولا كفارة ولا قيمة ولا إثم لأنه مأمور بدفعه وفي الأمر بالقتال والضمان منافاة حتى لو صال العبد المغصوب أو المستعار على مالكه فقتله دفعا لم يبرأ الغاصب ولا المستعير .
ويستثنى من عدم الضمان المضطر إذا قتله صاحب الطعام دفعا فإن عليه القود قاله الذبيلي في أدب القضاء .
تنبيه : .
دخل في كلامهم ما لو صالت حامل على إنسان فدفعها فألقت جنينها ميتا فالأصح لا يضمنه وقاسه القاضي على ما إذا تترس الكفار حال القتال بمسلم واضطر المسلمون إلى قتله .
ولا يجب الدفع عن مال .
لا روح فيه لأنه يجوز إباحته للغير قال الأذرعي والظاهر أن هذا في الآحاد فأما الإمام ونوابه فيجب عليهم الدفع عن أموال رعاياهم وكذا إن كان ماله وتعلق به حق الغير كرهن وإجارة .
قال الغزالي وإن كان مال محجور عليه أو وقف أو مالا مودعا وجب على من هو بيده الدفع عنه اه " .
أما ما فيه روح فيجب الدفع عنه إذا قصد إتلافه ما لم يخش على نفسه أو بضع لحرمة الروح حتى لو رأى أجنبي شخصا يتلف حيوان نفسه إتلافا محرما وجب عليه دفعه على الأصح في أصل الروضة " ويجب " الدفع " عن بضع " لأنه لا سبيل إلى إباحته وسواء بضع أهله أو غيره ومثل البضع مقدماته ومحل ذلك إذا لم يخف على نفسه كما قاله البغوي و المتولي " وكذا نفس " للشخص يجب الدفع عنها إذا " قصدها كافر " ولو معصوما إذ غير المعصوم لا حرمة له والمعصوم بطلت حرمته بصياله ولأن الاستسلام للكافر ذل في الدين ومقتضى هذه العلة جواز استسلام الكافر للكافر وبحثه الزركشي .
تنبيه : .
محل ممنع جواز استسلام المسلم للكافر إذا لم يجوز الأسر فإن جوزه لم يحرم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في السير .
أو .
قصدها " بهيمة " لأنها تذبح لاستيفاء الآدمي فلا وجه للاستسلام لها وظاهر أن عضوه ومنفعته كنفسه " لا " إن قصدها " مسلم " ولو مجنونا ومراهقا أو أمكن دفعه بغير قتله فلا يجب دفعه " في الأظهر " بل يجوز الاستسلام له بل يسن كما أفهمه كلام الروضة لخبر أبي داود كن خير ابني آدم يعني قابيل وهابيل ولمنع عثمان رضي الله تعالى عنه عبيده وكانوا أربعمائة يوم الدار وقال من ألقى سلاحه فهو حر واشتهر ذلك في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر عليه أحد .
والثاني يجب لقوله تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وكما يجب عليه إصانة نفسه بأكل ما يجده وأجاب الأول بأن في القتل شهادة بخلاف ترك الأكل .
تنبيه : .
محل ذلك في المحقون الدم كما قيده القاضي الحسين و الإمام و الغزالي والبلقيني ليخرج المهدر كالزاني المحصن وتارك الصلاة ومن تحتم قتله في قطع الطريق فإن حكمهم حكم الكافر كما صرح به في الترغيب .
قال الأذرعي ويظهر الدفع عن العضو عند ظن السلامة لأنه ليس هنا شهادة وكذلك يجب عن النفس إذا أمكن عند غلبة الظن بأنه يحصل بقتله مفاسد في الحريم والأطفال اه " .
وهو بحث حسن .
والدفع عن .
نفس " غيره " إذا كان آدميا محترما ولو رقيقا " كهو عن نفسه " فيجب حيث يجب وينتفي حيث ينتفي إذ لا يزيد حق غيره على حق نفسه .
وقد أكثر المصنف في المتن من جر ضمير الغائب بالكاف وهو قليل .
تنبيه : .
محل الوجوب إذا أمن الهلاك كما صرح به في أصل الروضة إذ لا يلزمه أن يجعل روحه بدلا عن روح غيره وقول البلقيني نعم إن كان في قتال الحربيين أو المرتدين فلا يسقط الوجوب بالخوف ظاهر إذا كان في الصف وكانوا مثليه فأقل وإلا فلا ولا يلزم العبد الدفع عن سيده عند الخوف على نفسه بل السيد في ذلك كالأجنبي حكاه الرافعي عن الإمام ويؤخذ منه كما قال الزركشي أنه لا يلزم الابن الدفع عن أبيه أيضا .
قال ولم يتعرضوا له أي لوضوحه .
أما لو صال شخص على غير محترم حربي فلا يجب على المسلم دفعه عنه وإن وجب الدفع عن نفسه لعدم احترامه .
وقيل يجب .
الدفع عن غيره " قطعا " لأن له الإيثار بحق نفسه دون غيره وبه جزم البغوي وغيره وفي مسند أحمد من أذل عنده مسلم فلم ينصره وهو قادر أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ( 4 / 196 ) .
تنبيه : .
محل الخلاف بالنسبة إلى الآحاد أما الإمام وغيره من الولاة فيجب ذلك عليهم قطعا وقضية الوجوب أو الجواز عدم الضمان وهو ظاهر وإن قال الشيخ أبو حامد من قتل غيره دفعا عن مال غيره كان عليه الضمان .
ومحله أيضا إذا كان المصول عليه غير نبي أما هو فيجب الدفع عنه قطعا كما قاله الفوراني .
قال الإمام ولا يختص الخلاف بالصائل بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره فلبعض الآحاد منعه ولو أتى على النفس كما قال الرافعي إنه الموجود في كتب المذهب حتى قالوا لو ظهر في بيت خمر يشرب أو طنبور يضرب أو نحوهما فله الهجوم على متعاطيه لإزالته نهيا عن المنكر وإن لم ينتهوا فله قتالهم وإن أتى على النفس وهو مثاب على ذلك و الغزالي ومن تبعه عبروا هنا بالوجوب ولا ينافيه تعبير الأصحاب بالجواز إذ ليس مرادهم أنه مخير فيه بل إنه جائز بعد امتناعه قبل ارتكاب ذلك وهو صادق الوجوب وقضية كلام المصنف أنه لا يجب الدفع عن مال الغير لكن قال الغزالي مهما قدر على حفظ مال غيره من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه أو خسران في ماله أو نقصان في جاهه وجب عليه وهو أقل درجات حقوق المسلم وهو أولى بالإيجاب من رد السلام ولا خلاف أن مال الإنسان إذا كان يضيع بظلم ظالم وكان عنده شهادة وجب عليه أداؤها ويعصى بتركها .
ولو سقطت جرة .
مثلا وهي بفتح الجيم إناء من فخار على إنسان " ولم تندفع عنه إلا بكسرها " جاز له بل صرح البغوي بوجوبه صيانة لروحه ولا ينافي ذلك الجواز كما مر وإذا كسرها " ضمنها في الأصح " إذ لا قصد لها ولا اختيار حتى يحال عليها فصار كالمضطر إلى طعام غيره يأكله ويضمنه .
والثاني لا لأنه دافع للضرر عن نفسه وصححه البلقيني تنزيلا لها منزلة البهيمة الصائلة وفرق الأول بأن البهيمة لها نوع اختيار .
تنبيه : .
محل الخلافة أن تكون موضوعة بمحل غير عدوان فإن كان موضوعة بمحل عدوان كأن وضعت بروشن أو على معتدل لكنها مائلة أو على حالة يغلب فيها سقوطها لم يضمنها قطعا قاله الزركشي لكن لو أبدل قوله عدوان بيضمن به كان أولى ويضمن بهيمة لم يمكن جائعا وصوله إلى طعامه إلا بقتلها وقتلها لأنها لم تقصده وقتله لها لدفع الهلاك عن نفسه بالجوع فكان كأكل المضطر طعام غيره فإنه موجب للضمان .
فإن قيل يمكن أن يجعل الأصح هنا نفي الضمان كما لو عم الجراد المسالك فوطئها المحرم وقتل بعضها فإنه لا ضمان عليه .
أجيب بأن الحق ثم لله تعالى وهنا للآدمي .
ثم بين كيفية دفع الصائل بقوله " ويدفع الصائل بالأخف " فالأخف إن أمكن والمعتبر غلبة الظن " فإن أمكن " دفعه " بكلام واستغاثة " بغين معجمة ومثلثة بالناس " حرم الضرب " أي الدفع به " أو " أمكن دفعه " بضرب بيد حرم سوط أو " أمكن دفعه " بسوط حرم عصا أو " أمكن دفعه " بقطع عضو حرم قتل " لأن ذلك جوز للضرورة ولا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأسهل ولو اندفع شره كأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله أو حال بينهما جدار أو خندق لم يضربه كما صرح به في الروضة .
وفائدة الترتيب المذكور أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بما دونها ضمن .
ويستثنى من مراعاة الترتيب مسائل الأولى لو التحم القتال بينهما واشتد الأمر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب كما ذكره الإمام في قتال البغاة .
الثانية ما سيأتي في النظر إلى الحرم أنه يرمي بالحصاة قبل الإنذار على خلاف فيه يأتي .
الثالثة لو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا والمصول عليه لا يجد إلا السيف فالصحيح أن له الضرب به لأنه لا يمكنه الدفع إلا به وليس بمقصر في ترك استصحاب السوط ونحوه .
الرابعة إذا رآه يولج في أجنبية فله أن يبدأ بالقتل وإن اندفع بدونه فإنه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالأناة كذا قاله الماوردي و الروياني وهو مردود لقول الشيخين في الروضة وأصلها إذا وجد رجلا يزني بامرأته أو غيرها لزمه ( 4 / 197 ) منعه ودفعه فإن هلك في الدفع فلا شيء عليه وإن اندفع بضرب ونحوه ثم قتله لزمه القصاص إن لم يكن الزاني محصنا .
فإن كان فلا قصاص على الصحيح وقد سبق في الجنايات اه " .
فهذا دليل على اشتراط الترتيب " فإن أمكن " المصول عليه " هرب " أو التجأ لحصن أو جماعة " فالمذهب وجوبه وتحريم قتال " لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون وما ذكر أسهل من غيره فلا يعدل إلى الأشد والثاني لا يجب لأن إقامته في ذلك الموضع جائزة فلا يكلف الانصراف والطريق الثاني إن تيقن النجاة بهرب وجب وإلا فلا حملا للنصين المختلفين على هذين الحالين .
تنبيه : .
قضية المتن أنه لو قاتل مع إمكان الهرب لزمه القصاص وقية كلام البغوي المنع فإنه قال تلزمه الدية اه " .
والأول أوجه لما مر وقضية إطلاق المتن وجوب الهرب أنه لا فرق بين أن يكون المقصود نفسه أو ماله أو بضعه وتعليل الرافعي يقتضي تخصيصه بالدفع عن نفسه وهو الظاهر كما قاله الزركشي فلا يلزمه الهرب ويدع ماله إذا كان الصيال عليه لأجل ما له ولم يمكنه لهرب وأما إذا كان المقصود البضع فقضية البناء على وجوب الدفع أنه لا يلزمه الهرب بل يثبت إن أمن على نفسه .
ولو عضت يده .
أو غيرها " خلصها بالأسهل من فك لحييه " أي رفع إحداهما عن الأخرى بلا جرح " وضرب " أي أو ضرب " شدقيه " بكسر المعجمة وهما جانبا الفم " فإن عجز " عن الأسهل " فسلها فندرت " بنون أي سقطت " أسنانه فهدر " لما في الصحيحين أن رجلا عضن يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثناياه فاختصما إلى رسول الله A فقال يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك ولأن النفس لا تضمن بالدفع فالإجزاء أولى وسواء أكان العاض ظالما أو مظلوما لأن العض لا يباح بحال .
قال ابن أبي عصرون إلا إذا لم يمكن التخلص إلا به فهو حق له نقله عنه الأذرعي وقال إنه صحيح وهو ظاهر .
تنبيه : .
اقتضى كلام المصنف أمرين الأول التخيير بين فك اللحي والضرب وليس مرادا بل الفك مقدم على الضرب كما علم مما مر لأنه أسهل .
والثاني الحصر فيما ذكر وليس مرادا أيضا فالصحيح في أصل الروضة أنه إذا لم يمكنه التخلص إلا ببعج بطنه أو فقء عينه أو عصر خصييه جاز وقضية كلام الشيخين مراعاة الترتيب فلو عدل عن الأخف مع إمكانه ضمن وهو قضية كلام الجمهور .
قال الأذرعي وإطلاق كثيرين يفهم أنه لو سل يده ابتداء فندرت أسنانه كانت مهدرة وهو ظاهر الحديث اه " .
ولا يجب قبل ذلك الإنذار بالقول كما جزم به الماوردي وغيره فإن اختلفا في إمكان التخلص بدون ما دفع به صدق الدافع بيمينه جزم به في البحر .
قال الزركشي تبعا للأذرعي وليكن الحكم كذلك في الصائل " .
فائدة : .
العض بضاد معجمة إذا كان بجارحة وبظاء معجمة إذا كان بغيرها نحو عظت الحرب وعظ الزمان .
قالت عتبة أم حاتم الطائي لعمري لقدما عظني الدهر عظة فيا ليت أن لا أمنع الدهر جائعا وقولا لهذا اللائم اليوم اعفني فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا " ومن نظر " بضم أوله " إلى حرمه " بضم أوله وفتح ثانيه المهملين وبهاء الضمير الراجع لمن والمراد بهن الزوجات والإماء والمحارم " في داره " المختصة به بملك أو غيره " من كوة " أي طاقة ومر في الصلح أنها بفتح الكاف وحكي ضمها " أو ثقب " بفتح المثلثة أوله أي خرق في الدار وقوله " عمدا " قيد في النظر " فرماه " أي رمى صاحب الدار من نظر إلى حرمه حال نظره " بخفيف " نقصد العين بمثله " كحصاة فأعماه أو " لم يعمه بل " أصاب قرب عينه فجرحه " فسرى الجرح " فمات فهدر " لخبر الصحيحين لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن له فحذفته ( 4 / 198 ) بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح وفي رواية صححها ابن حبان والبيهقي فلا قود ولا دية والمعنى فيه المنع من النظر وسواء أكانت حرمه مستورة أو في منعطف أم لا لعموم الأخبار ولأنه يريد سترها عن الأعين وإن كانت مستورة .
تنبيه : .
شمل قوله ومن نظر الرجل والمرأة عند نظرها ما لا يجوز والخنثى والمراهق وهو كذلك .
فإن قيل المراهق غير مكلف ولا يستوفى منه الحدود فكيف يجوز رميه أجيب بأن الرمي ليس للتكليف بل لدفع مفسدة النظر فإذن لا فرق بين المكلف وغيره ممن يحصل به المفسدة وخرج بقوله نظر الأعمى ومن استرق السمع فلا يجوز رميهما إذ ليس السمع كالبصر في الاطلاع على العورات وبقوله حرمه ما إذا كان فيها المالك وحده فإن فيه تفصيلا وهو إن كان مكشوف العورة فله الرمي وإلا فلا في الأصح وإن اختار الأذرعي الرمي مطلقا لعموم الحديث المار وما إذا كان فيها خنثى مستور العورة فإنه لا يرميه كما قال البلقيني إنه الأقرب .
وقال الزركشي ينبغي تخريجه على جواز النظر إليه وهذا أوجه والضمير في قوله في داره راجع لمن له الحرم أما الناظر فلا فرق بين أن يكون الموضع الذي يطلع منه ملكه أو شارعا أو غيره لأنه لا يحل له الاطلاع وبقوله من كوة أو ثقب ما إذا نظر من الباب المفتوح فلا يرميه لتفريط صاحب الدار بفتحه ولا بد من تقييد الكوة بالصغيرة أما الكبيرة فكالباب المفتوح وفي معناها الشباك الواسع العين لتقصير صاحب الدار إلا أن ينذر فيرميه كما صرح به الحاوي الصغير وغيره .
ويؤخذ من التعليل أنه لو كان الفاتح للباب هو الناظر ولم يتمكن رب الدار من إغلاقه جاز الرمي وهو ظاهر وحكم النظر من سطح نفسه والمؤذن من المارة كالكوة على الأصح إذ لا تفريط من صاحب الدار .
وبقوله عمدا ما إذا لم يقصد الاطلاع كأن كان مجنونا أو كان مخطئا أو وقع نظره اتفاقا فإنه لا يرميه إذا علم بذلك صاحب الدار فإن رماه وادعى المرمي عدم القصد فلا شيء على الرامي لأن الاطلاع حصل والقصد باطن .
قال الرافعي وهذا ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق القصد .
وفي كلام الإمام ما يدل على المنع وهو حسن اه " .
وظاهر كما قال شيخنا أن ما ذكر ليس ذهابا لذلك إذ لا يمنع ذلك إن تحقق الأمر بقرائن يعرف بها الرامي قصد الناظر ولا يجوز رمي من انصرف عن النظر كالصائل إذا رجع عن صياله .
وبقوله بخفيف الثقيل كالحجر الكبير والنشاب ويضمن إن رمي بذلك بالقصاص أو الدية .
نعم لو لم يجد غير ذلك جاز كنظيره في الصيال فيما إذا أمكنه الدفع بالعصا ولم يجد إلا السيف كما نبه عليه الزركشي ولو لم يمكن رمي عينه أو لم يندفع برميه بالخفيف استغاث عليه فإن لم يكن في محل غوث استحب أن ينشده بالله تعالى ثم له ضربه بالسلاح وما يردعه .
ويستثنى من إطلاقهم الناظر صورتان الأولى ما لو كان أحد أصوله الذين لا قصاص عليهم ولا حد قذف فلا يجوز رميه كما قاله الماوردي و الروياني لأنه نوع حد فإن رماه وفقأه ضمن .
الثانية ما إذا كان النظر مباحا له لخطبة ونحوها بشرطه كما قاله البلقيني وغيره ولمستأجر الدار رمي المالك وهل يجوز للمستعير رمي المعير وجهان في أصل الروضة بلا ترجيح .
وقال الأذرعي وغيره الأقوى الجواز ولو كان في دار مغصوبة أو مسجد أو شارع مكشوف العورة أو هو وأهله فلا يجوز رميه لأن الموضع لا يختص به .
والخيمة في الصحراء كالبيت في البنيان وإنما يجوز رمي الناظر " بشرط عدم محرم وزوجة للناظر " فإن كان له شيء من ذلك حرم رميه لأن له في النظر شبهة كما لا يقطع بسرقة المال المشترك .
تنبيه : .
الواو في عبارته بمعنى أو فإن أحدهما كاف ومثل الزوجة الأمة ويرد على طرده ما لو كان له هناك متاع فإنه لا يجوز رميه كما جزما به في الشرح والروضة وعلى عكسه ما لو كان له هناك محرم ولكن متجردة فإنه يجوز رميه إذ ليس له النظر إلى ما بين سرتها وركبتها .
ثم أشار لاعتبار شرطين آخرين على مرجوح أحدهما ما تضمنه قوله " قيل و " بشرط عدم " استتار الحرم " فإن كن مستترات بالثياب أو في منعطف لا يراهن الناظر لم يجز رميه لعدم اطلاعه عليهن والأصح عدم اشتراط ذلك لعموم الأخبار وحسما لمادة النظر فقد يريد ستر حرمه عن الناس ( 4 / 199 ) وإن كن مستترات .
والشرط الثاني ما تضمنه قوله " قيل و " بشرط " إنذار " بمعجمة " قبل رميه " على قياس الدفع بالأهون فالأهون والأصح عدم اشتراطه للحديث المار إذ لم يذكر فيه الإنذار .
قال الإمام ومجال التردد في الكلام الذي هو موعظة وتخجيل قد يفيد وقد لا يفيد .
فأما ما يوثق بكونه دافعا من تخويف وزعقة مزعجة فلا يجوز أن يكون في وجوب البداءة خلاف .
قال الرافعي وهذا حسن اه " .
وهو ظاهر .
فإن قيل تصحيح عدم وجوب الإنذار مخالف لما ذكروه من أنه لو دخل شخص داره أو خيمته بغير إذنه فإن له دفعه وإن أتى الدفع على نفسه لم يضمنه لكن لا يجوز قبل إنذاره على الأصح .
قال الرافعي كسائر أنواع الدفع .
أجيب بأن رمي المتطلع منصوص عليه كقطع اليد في السرقة ودفع الداخل مجتهد فيه فلزم سلوك ما يمكن وبهذا يفرق بين ما ذكروه وما مر في تخليص اليد من عاضها من حيث أنه A لما أهدر ثنية العاض بنزع المعضوض يده من فيه لم يفصل بين وجود الإنذار وعدمه .
ولو قتل شخص آخر في داره وقال إنما قتلته دفعا عن نفسي أو مالي وأنكر الولي فعليه البينة بأنه قتله دفعا ويكفي قولها دخل داره شاهر السلاح ولا يكفي قولها دخل بسلاح من غير شهر إلا إن كان معروفا بالفساد أو بينه وبين القتيل عداوة فيكفي ذلك للقرينة كما قاله الزركشي ولا يتعين ضرب رجليه وإن كان الدخول بهما لأنه دخل بجميع بدنه فلا يتعين قصد عضو بعينه .
ولو أخذ المتاع وخرج فله أن يتبعه ويقاتله إلى أن يطرحه ولا يجوز دخول بيت شخص إلا بإذنه مالكا كان أو مستأجرا أو مستعيرا فإن كان أجنبيا أو قريبا غير محرم فلا بد من إذن صريح سواء أكان الباب مغلقا أم لا وإن كان محرما فإن كان ساكنا مع صاحبه فيه لم يلزم الاستئذان ولكن عليه أن يشعره بدخوله بتنحنح أو شدة وطء أو نحو ذلك ليستتر العريان فإن لم يكن ساكنا فإن كان الباب مغلقا لم يدخل إلا بإذن وإن كان مفتوحا فوجهان والأوجه الاستئذان .
فروع لو صال عبد مغصوب أو مستعار على المالك فقتله دفعا لم يبرأ كل من الغاصب والمستعير من الضمان إذ لا أثر بقتله دفعا ولو قطع يد صائل دفعا وولي فتبعه فقتله قتل به لأنه حين ولي عنه لم يكن له أن يقتله ولا شيء له في اليد لأن النفس لا تنقص بنقص اليد ولهذا لو قتل من له يدان من ليس له إلا يد قتل به ولا شيء عليه ولو أمكنه الهرب من فحل صائل عليه ولم يهرب فقتله دفعا ضمن بناء على وجوب الهرب عليه إذا صال عليه إنسان .
وفي حل أكل لحم الفحل الصائل الذي تلف بالدفع إن أصيب مذبحه وجهان وجه منع الحل أنه لم يقصد الذبح والأكل والراجح كما قال الزركشي الحل كما دل عليه كلام الرافعي في الصيد والذبائح .
ولو عزر ولي .
محجوره " ووال " من رفع زوجته إليه " وزوج " فيما يتعلق به من نشوز وغيره " ومعلم " صغيرا يتعلم منه ولو بإذن وليه " فمضمون " تعزيرهم .
فإذا حصل به هلاك فإن كان بضرب يقتل غالبا فالقصاص على غير الأصل وإلا فدية شبه العمد على العاقلة لأنه مشروط بسلامة العاقبة إذ المقصود التأديب لا الهلاك فإذا حصل به هلاك تبين أنه جاوز الحد المشروع .
فإن قيل لو ضرب الدابة المستأجرة أو الرائض لتعلم الرياضة الضرب المعتاد فهلكت فإنه لا ضمان فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الدابة لا يستغنى عن ضربها وقد يستغنى عن ضرب الآدمي بالقول والزجر فضمنه .
تنبيه : .
دخل في تعبيره ما لا مدخل له في الهلاك كتوبيخ غير الحامل والحبس والنفي والصفعة الخفيفة لذكره قبل ذلك أن التعزير يكون بالحبس والصفع والتوبيخ ثم أطلق التعزير هنا مع أن هذا ليس بمضمون قطعا .
واقتصار المصنف على هذه الأربعة يخرج السيد في تعزير عبده فإنه غير مضمون إذ لا يجب له شيء على نفسه وكذا لو أذن السيد لغيره في ضرب مملوكه فضربه فمات فإنه لا ضمان كما نقلاه عن البغوي وأقراه .
واستثنى البلقيني من الضمان ما إذا اعترف بما يقتضي التعزير وطلب بنفسه من الوالي تعزيره فعزره فإنه لا يضمنه لأنه ينبغي كما قال ابن شهبة أن يقيد بما إذا عين له نوع التعزير وقدره .
والزركشي الحاكم إذا عزر الممتنع من الحق المتعين عليه مع القدرة على أدائه وتسمية ضرب الولي والزوج والمعلم تعزيرا هو أشهر الاصطلاحين كما ذكره الرافعي .
قال ومنهم من يخص لفظ التعزير ( 4 / 200 ) بالإمام أو نائبه وضرب الباقي بتسميته تأديبا لا تعزيرا .
ولو حد .
الإمام حيث كان الاستيفاء " مقدرا " بنص فيه كحد قذف فمات المحدود " فلا ضمان " بالإجماع كما حكاه ابن المنذر لأن الحق قتله سواء في ذلك الجلد والقطع وسواه جلده في حر وبرد مفرطين أم لا كما مر في آخر حد الزنا وسواء كان في مرض يرجى برؤه أم لا فإن قيل لا معنى لوصف الحد بالتقدير فإنه لا يكون إلا مقدرا .
أجيب بأنه احترز به عن حد الشرب إذا بلغ به ثمانين كما سيأتي " ولو ضرب شارب بنعال وثياب " فمات " فلا ضمان " فيه " على الصحيح " المنصوص كما في سائر الحدود والثاني يضمن بناء على أنه لا يجوز أن يضرب هكذا بأن يتعين السوط " وكذا أربعون سوطا " ضربها الشارب الحر فمات فلا ضمان فيه " على المشهور " لأن الصحابة أجمعت على أن يضرب بأربعين جلدة ولأنه جلد يسقط به الحد فلا يتعلق به ضمان كحد الزنا والقذف والثاني فيه الضمان وصححه البلقيني لأن تقديره الأربعين كان باجتهاده وكذا علله الرافعي واعترض بأن في صحيح مسلم عن علي رضي الله تعالى عنه جلد رسول الله A أربعين فهو ثابت بالنص .
تنبيه : .
محل الخلاف إذا منعنا السياط فإن جوزناه به وبغيره كما هو الأصح فلا ضمان قطعا كما صرح به المصنف في تصحيحه وإذا أوجبنا الضمان ضمن الجميع وقيل النصف .
أو .
جلد الإمام في حد الشرب " أكثر " من أربعين جلدة فمات " وجب قسطه " أي الأكثر " بالعدد " أي عدد الجلدات نظرا للزائد قط ويسقط الباقي لأن الضرب يقع على ظاهر البدن فهو قريب التماثل فيسقط الضمان على عده ففي إحدى وأربعين جلدة جزء من إحدى وأربعين جزءا من الدية وفي عشرة خمس الدية وهكذا " وفي قول نصف دية " لأنه مات من مضمون وغيره وجرى على هذا البلقيني وقال لم أقف على ترجيح الأول في كلام أحد من الأصحاب ولكن من حفظ حجة على من لم يحفظ .
واستشكل بعضهم الأول بأن حصة السوط الحادي والأربعين مثلا لا تساوي حصة السوط الأول لأن الأول صادف بدنا صحيحا قبل أن يؤثر فيه الضرب بخلاف الأخير فإنه صادف بدنا قد ضعف بأربعين ولكن الأصحاب قطعوا النظر عن ذلك " ويجريان في قاذف جلد أحدا وثمانين " فمات ففي قول يجب نصف الدية والأظهر جزء من أحد وثمانين جزءا من الدية .
تنبيه : .
قوله أحد كذا هو في نسخة المصنف وذكره لإرادة السوط وفي المحرر إحدى لإرادة الجلدة وهو أولى لموافقة القرآن مائة جلدة ثمانين جلدة ومحل الخلاف إذا ضربه الزائد مع بقاء ألم الضرب الأول فإن ضربه الحد كاملا وزال ألم الضرب ثم ضربه الزائد فمات ضمن ديته كلها بلا خلاف .
ولمستقل .
بأمر نفسه وهو الحر البالغ العاقل كما قال البغوي و الماوردي وغيرهما ولو سفيها " قطع سلعة " منه وهو بكسر السين وحكي فتحها مع سكون اللام وفتحها خراج كهيئة الغدة يخرج بين الجلد واللحم يكون من الحمصة إلى البطيخة وله فعل ذلك بنفسه وبنائبه لأن له غرضا في إزالة الشين " إلا " سلعة " مخوفة " قطعها بقول اثنين من أهل الخبرة أو واحد كما بحثه الأذرعي " لا خطر في تركها " أصلا " أو الخطر في قطعها أكثر " منه في تركها فيمتنع عليه القطع في هاتين الصورتين لأنه يؤدي إلى هلاك نفسه قال تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " أما التي خطر تركها أكثر أو القطع والترك فيها سيان فيجوز له قطعها على الصحيح في الأولى والأصح في الثانية كما في الروضة وأصلها كما يجوز قطعه لغير المخوفة لزيادة رجاء السلامة مع إزالة الشين وإن نازع البلقيني في الجواز عند استوائهما قال لو قال الأطباء إن لم تقطع حصل أمر يفضي إلى الهلاك وجب القطع كما يجب دفع المهلكات ويحتمل الاستحباب اه " .
وهذا الثاني ( 4 / 201 ) أوجه ومثل السلعة فيما ذكر وفيما يأتي العضو المتأكل .
قال المصنف ويجوز الكي وقطع العروق للحاجة ويسن تركه ويحرم على المتألم تعجيل الموت وإن عظم ألمه ولم يطقه لأن برأه مرجو فلو ألقى نفسه في محرق علم أنه لا ينجو منه إلا إلى مائع مغرق ورآه أهون عليه من الصبر على لفحات المحرق جاز لأنه أهون وقضية التعليل أن له قتل نفسه بغير إغراق وبه صرح الإمام في النهاية عن والده وتبعه ابن عبد السلام " ولأب وجد " وإن علا " قطعها " أي السلعة " من صبي ومجنون مع الخطر " فيه " إن زاد خطر الترك " على خطر القطع لأنهما يليان صون مالهما عن الضياع فبدنهما أولى .
تنبيه : .
أفهم كلامه المنع فيما إذازاد خطر القطع ولا خلاف فيه وفيما إذا استوى الأمران وهو ما نقلا تصحيحه عن الإمام وأقراه .
فإن قيل قد مر في المستقل أنه يجوز له القطع حينئذ فهلا كان هنا كذلك كما قال به في الكفاية .
أجيب بأن القطع ثم من نفسه وهنا من غيره فاحتيط فيه .
لا لسلطان .
ولا لغيره ما عدا الأب والجد كالوصي وذلك لأنه يحتاج إلى نظر دقيق وفراغ وشفقة تامين وكما أن للأب والجد تزويج البكر الصغيرة دون غيرهما .
تنبيه : .
قضية التعليل أنه لو كانت الأم وصية جاز لها ذلك وهو كما قال شيخنا ظاهر .
وله .
أي من ذكر من أب وجد " ولسلطان " ولغيره من الأولياء لا الأجنبي " قطعها بلا خطر " فيه لعدم الضرر ونازع الأذرعي في تجويز ذلك للسلطان وقال إنه من تصرف الإمام وجريا عليه أم الأجنبي فليس له ذلك بحال فإن فعل وسرى إلى النفس وجب عليه القصاص " و " يجوز له أيضا ولبقية الأولياء " فصد وحجامة " ونحوهما بلا خطر عند إشارة الأباء بذلك للمصلحة مع عدم الضرر بخلاف الأجنبي لأنه لا ولاية له ويؤخذ من ذلك أن الأب الرقيق والسفيه كالأجنبي كما بحثه الأذرعي " فلو مات " الصبي المجنون " بجائز من هذا " المذكور " فلا ضمان في الأصح " لئلا يمتنع من ذلك فيتضرر الصبي والمجنون والثاني يضمن كما في التعزير إذا أفضى إلى التلف " ولو فعل سلطان بصبي " أو مجنون " ما منع " منه في حقه فمات " فدية مغلظة في ماله " لتعديه .
تنبيه : .
لا معنى للتقييد بالسلطان بل الأب والجد كذلك ولا قصاص على واحد منهم لشبهة الإصلاح وللبعضية في الأب والجد ودخل في عبارة المصنف ما لو كان الخوف في القطع أكثر من الترك وهو كذلك وإن قال الماوردي في هذه بوجوب القصاص على السلطان .
وما وجب بخطأ إمام في حد أو حكم فعلى عاقلته .
كغيره من الناس " وفي قول في بيت المال " لأن خطأه قد يكثر لكثرة الوقائع فيضر ذلك بالعاقلة .
تنبيه : .
محل الخلاف إذا لم يظهر منه تقصير فإن ظهر كما لو أقام الحد على الحامل وهو عالم به فألقت جنينا فالغرة على عاقلته قطعا واحترز بخطئه عما يتعدى فيه فهو فيه كآحاد الناس وبقوله في حد أو حكم من خطئه فيما لا يتعلق بذلك فإنه فيه كآحاد الناس أيضا كما إذا رمى صيدا فأصاب آدميا فتجب الدية على عاقلته بالإجماع ويرد على الصنف الكفارة فإنها في ماله على الأول قطعا وعلى الثاني على الأصح وقوله في حكم قد يشمل التعزير فإنه كالحد وهذا كله إذا كان الخطأ في النفس .
فإن كان في المال فقولان أحدهما وهو الأوجه يتعلق بماله .
والثاني بيت المال .
ولو حده .
أي الإمام شخصا " " بشاهدين فبانا عبدين " أو عدوين للمشهود عليه أو أصليه أو فرعيه أو فاسقين " أو ذميين أو مراهقين " ومات المحدود نظرت " فإن قصر " الإمام " في اختيارهما " بأن تركه جملة كما قاله الإمام ( 4 / 202 ) فالضمان عليه " أي فيقتص منه إن تعمد لأن الهجوم على القتل ممنوع منه بالإجماع وإن وجب المال فهو عليه أيضا لا على عاقلته ولا في بيت المال وإن لم يتعمد فالضمان على عاقلته لا في بيت المال .
تنبيه : .
لو قال غير مقبولي الشهادة لشمل ما ذكر من الصور ولو قال فبانا كافرين لشمل الحربيين والمستأمنين وإن لم يتعلق بهما ضمان .
وإلا .
بأن لم يقصر في اختبارهما بل بحث وبذل وسعه " فالقولان " في أن الضمان على عاقلته أو في بيت المال وقد مر توجيههما وإن أظهرهما الأول .
ثم فرع على القولين قوله " فإن ضمنا عاقلة " على الأظهر " أو بيت مال " على مقابله " فلا رجوع على الذميين والعبدين " والفاسقين والمراهقين من ذكر بعدهم " في الأصح " المنصوص لأنهم يزعمون أنهم صادقون ولم يوجد منهم تعد فيما أتوا به والثاني له الرجوع عليهم لأنهم غروا القاضي والثالث يثبت الرجوع للعاقلة دون بيت المال وعلى الأول له الرجوع على المتجاهر بالفسق بما غرمه لأن حقه أن لا يشهد ولأن الحكم بشهادته يشعر بتدليس منه وتغرير بخلاف غير المتجاهر بذلك ولا يقال إن الذمي كالمتجاهر لأن عقيدته لا تخالف ذلك .
تنبيه : .
أفهم كلامه أنه لا ضمان على المزكين وهو ما في أصل الروضة عن العراقيين قبيل الدعاوى لكن في أصلها في القصاص أن المزكى الراجع يتعلق به القصاص والضمان في الأصح وهذا هو المعتمد كما قاله بعض المتأخرين .
ومن حجم .
غيره " أو فصد " ه " بإذن " معتبر كقول حر مكلف لحاجم احجمني أو افصدني ففعل وأفضى للتلف " لم يضمن " ما تولد منه وإلا لم يفعله أحد هذا إن لم يخطىء فإن أخطأ ضمن وتحمله العاقلة كما نص عليه الشافعي في الخاتن قال ابن المنذر .
وأجمعوا على أن الطبيب إذا لم يتعد لم يضمن " وقتل جلاد وضربه بأمر الإمام كمباشرة الإمام " القتل والضرب " إن جهل " الجلاد " ظلمه " أي الإمام " وخطأه " فيتعلق الضمان بالإمام قودا ومالا لا بالجلاد لأنه آلته ولا بد منه في السياسة فلو ضمناه لم يتول الجلد أحد لكن استحب الشافعي Bه له أن يكفر لمباشرته القتل .
قال الإمام وهذا من النوادر لأنه قاتل مباشر مختار ولا يتعلق به حكم في القتل بغير حق " وإلا " بأن علم ظلمه أو خطأه " فالقصاص والضمان على الجلاد " وحده هذا " إن لم يكن " هناك " إكراه " من جهة الإمام لتعديه إذا كان من حقه لما علم الحال أن يمتنع إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق نعم إن اعتقد وجوب الطاعة في المعصية فالضمان على الإمام لا عليه لأنه مما يخفى نقله الأذرعي و الزركشي عن صاحب الوافي وأقراه فإن كان هناك إكراه فالضمان عليهما بالمال قطعا وبالقصاص على الأظهر .
تنبيه : .
محل ما ذكر في خطأ في نفس الأمر فإن كان في محل الاجتهاد كقتل مسلم بكافر وحر بعبد فإن اعتقد أنه غير جائز أو اعتقد الإمام جوازه دون الجلاد فإن كان هناك إكراه فالضمان عليهما وإلا فعلى الجلاد في الأصح وإن اعتقد الجواز فلا ضمان على أحد وإن اعتقد الإمام المنع والجلاد الجواز فقيل ببنائه على الوجهين في عكسه وضعفه الإمام لأن الجلاد مختار عالم بالحال والإمام لم يفوض إليه النظر والاجتهاد بل القتل فقط فالجلاد كالمستقل كما في الروضة وأصلها وما ضعفه جزم به جمه .
ولو أسرف المعزر مثلا أو ظهر منه قصد القتل تعلق به القصاص أو الدية المغلظة في ماله .
ويجب ختان المرأة بجزء .
أي قطعة " من اللحمة " الكائنة " بأعلى الفرج " وهي فوق ثقبة البول تشبه عرف الديل فإذا قطعت بقي أصلها كالنواة ويكفي قطع ما يقع عليه الاسم .
قال في التحقيق وتقليله أفضل لما روى أبو داود وغيره أنه A قال للختانة أشمي ولا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة أي أكثر ( 4 / 203 ) لماء وجهها ودمه وأحب للبعل أي أحسن في جماعها " و " ختان " الرجل بقطع ما " أي جلدة " تغطي حشفته " حتى تظهر كلها فلا يكفي قطع بعضها ويقال لتلك الجلدة القلفة وقوله " بعد البلوغ " ظرف ليجب ويكون بعد العقل أيضا واحتمال الختان .
أما وجوبه فلقوله تعالى " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا " وكان من ملته الختان ففي الصحيحين أنه اختتن وعمره ثمانون سنة وفي صحيح ابن حبان والحاكم مائة وعشرون سنة وقيل سبعون سنة .
ولأنه قطع جزء من البدن لا يخلف تعبدا فلا يكون إلا واجبا كقطع يد السارق واحترز بالقيد الأول عن الظفر والشعر وبالثاني عن القطع للأكلة ولأنه يجوز كشف العورة له من غير ضرورة ولا مداراة .
فلو لم يجب لما جاز ولأنه A أمر بالختان رجلا أسلم فقال له ألق عنك شعر الكفر واختتن والأمر للوجوب خرج إلقاء الشعر بدليل فبقي في الختان تقليلا لمخالفة الأمر وقيل هو سنة لقول الحسن قد أسلم الناس ولم يختتنوا وقيل واجب للذكور سنة للإناث .
قال المحب الطبري وهو قول أكثر أهل العلم وأما كيفيته فكما ذكره المصنف ولو ولد مختونا أجزأه " .
فائدة : .
أول من اختتن من الرجال إبراهيم A ومن الإناث هاجر رضي الله تعالى عنها .
تنبيه : .
خلق آدم مختونا وولد من الأنبياء مختونا ثلاثة عشر شيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا وعيسى وحنظلة بن صفوان ونبينا محمد A لكن روى ابن عساكر عن أبي بكرة موقوفا أن جبريل ختن النبي A حين طهر قلبه وروى أبو عمر في الاستيعاب عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبي A يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا .
وخرج بالبالغ الصغير وبالعاقل المجنون وبمن يحتمله من لا يحتمله لأن الأولين ليسا من أهل الوجوب والثالث يتضرر به ولا يجوز ختان ضعيف خلقة يخاف عليه منه فيترك حتى يغلب على الظن سلامته فإن لم يخف عليه منه استحب تأخيره حتى يحتمله .
قال البلقيني وهذا شرط لأداء الواجب لا أنه شرط للوجوب وبالمرأة الرجل الخنثى المشكل فلا يجوز ختانه مطلقا لأن الجرح لا يجوز بالشك هذا ما صححه في زيادة الروضة .
وقيل يجب ختان فرجيه بعد بلوغه ليتوصل إلى المستحق .
وقال ابن الرفعة إنه المشهور .
وعلى هذا قال المصنف C إن أحسن الختن ختن نفسه وإلا اتباع أمه تختنه فإن عجز عنها تولاه الرجال والنساء للضرورة كالطبيب ومن له ذكران عاملان يجب عليه ختنهما وإن كان أحدهما عاملا فقط وجب عليه ختنه فقط وإن شك فالقياس أنه كالخنثى وهل يعرف العمل بالجماع أو البول وجهان جزم في الروضة في باب الغسل بالثاني ورجحه في التحقيق .
ويندب تعجيله .
أي الختان " في سابعه " أي يوم الولادة لما رواه الحاكم عن عائشة Bها أنه A ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما وقال صحيح الإسناد ولا يحسب يوم الولادة من السبعة كما صححه في الروضة وإن صحح في شرح مسلم أنه يحسب وإنما حسب يوم الولادة منها في العقيقة وحلق الرأس وتسمية الولد لما في الختن من الألم الحاصل به المناسب له التأخير المفيد للقوة على تحمله وقيل لا يجوز في السابع لأن الصغير لا يطيقه ولأن اليهود يفعلونه فالأولى مخالفتهم وجرى على ذلك في الإحياء وعلى الأول يكره قبل السابع كما جزم به في التحقيق وقال الماوردي ولو أخره عن السابع استحب أن يختن في الأربعين فإن أخره عنها ففي السنة السابعة لأنه الوقت الذي يؤمر فيه بالطهارة والصلاة " فإن ضعف " الطفل " عن احتماله " في السابع " أخر " حتما إلى أن يحتمله لزوال الضرر " ومن ختنه " من ولي أو غيره " في سن لا يحتمله " فمات " لزمه قصاص " إن علم أنه لا يحتمله لتعديه بالجرح المهلك لأنه غير جائز في هذه الحالة قطعا فإن ظن احتماله كأن قال له أهل الخبرة يحتمله فمات فلا قصاص ويجب دية شبه العمد كما بحثه الزركشي " إلا والدا " وإن علا ختنه في سن لا يحتمله فلا قصاص عليه للبضعية ويجب عليه دية مغلظة في ماله لأنه عمد محض ( 4 / 204 ) .
تنبيه : .
السيد في ختان رقيقه لا ضمان عليه والمسلم في ختان كافر لا قصاص عليه .
فإن احتمله وختنه ولي .
فمات " فلا ضمان " عليه " في الأصح " لأنه لا بد منه والتقديم أسهل من التأخير لما فيه من المصلحة والثاني يضمن لأنه غير واجب في الحال فلم يبح إلا بشرط سلامة العاقبة .
تنبيه : .
يشمل قوله ولي الأب والجد والحاكم والقيم والوصي وهو كذلك واقتضى كلامه أن من ليس بولي يضمن قطعا .
قال الأذرعي وبه صرح الماوردي وغيره ونص عليه في الأم لتعديه بالمهلك فيقتص منه .
قال الزركشي إلا إذا قصد بذلك إقامة الشعار فلا يتجه القصاص لأن ذلك يتضمن شبهة في التعدي ويؤيده ما ذكره البغوي في قطعه يد السارق بغير إذن الإمام اه " .
والبالغ المحجور عليه بسفه ملحق بالصغير كما صرح به صاحب الوافي والمستقل إذا ختنه بإذنه أجنبي فمات فلا ضمان .
وأجرته .
أي الختن وباقي مؤنه " في مال المختون " الحر ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا لأنه لمصلحته فأشبه تعليم الفاتحة فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته وفي وجه أنها على الوالد أما الرقيق فأجرته على سيده إن لم يمكنه من الكسب لها .
تتمة يجبر الإمام البالغ العاقل على الختان إذا احتمله وامتنع منه ولا يضمنه حينئذ إن مات بالختان لأنه مات من واجب فلو أجبره الإمام فختن أو ختنه أب أوجد في حر أو برد شديد فمات وجب على الإمام دون الأب والجد نصف الضمان لأن أصل الختان واجب والهلاك حصل من مستحق وغيره ويفارق الحد بأن استيفاءه إلى الإمام فلا يؤاخذ بما يفضي إلى الهلاك والختان يتولاه المختون أو ولده غالبا فإذا تولاه هو شرط فيه عليه غلبة سلامة العاقبة وبذلك عرف الفرق بينه وبين الوالد في الختان ومن مات بغير ختان لم يختن في الأصح وقيل يختن الكبير دون الصغير وقطع السرة من المولود واجب على الولي ليمتنع الطعام من الخروج قاله ابن الرفعة حكما وتعليلا ولم ينقله عن أحد وهو ظاهر وفي كتاب المدخل لابن الحاج المالكي أن السنة في ختان الذكور إظهاره وفي ختان الإناث إخفاؤه