في غير قاطع الطريق وهي إما لآدمي أو لله تعالى أولهما وقد بدأ بالقسم الأول قال " من لزمه " لجماعة " قصاص " في نفس " وقطع " لطرف آدمي " وحد قذف " لآخر " وطالبوه " بذلك " جلد " أولا للقذف " ثم قطع " لقصاص الطرف ثم قتل لقصاص النفس لأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع فإن اجتمع مع ذلك تعزير لآدمي بدىء به " ويبادر بقتله بعد قطعه " فلا تجب المهلة بينهما لأن النفس مستوفاة " لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله " جزما لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت قصاص النفس " وكذا إن حضر وقال عجلوا القطع " وأنا أبادر بالقتل بعده فإنا لا نعجله " في الأصح " لما مر والثاني نبادر لأن التأخير كان لحقة وقد رضي بالتقديم .
وإذا أخر مستحق النفس حقه .
وطلب الآخران حقهما " جلد " للقذف أولا " فإذا برأ " بفتح الراء ويجوز كسرها من الجلد " قطع " للطرف ولا يوالي بينهما خوف الهلاك فيفوت قصاص النفس فإن قيل كان المصنف في غنى عن هذا بما ذكر فيما إذا غاب مستحق القتل .
أجيب بأنه إنما أعاده لضرورة التقسيم " ولو أخر مستحق طرف " وطلب " حتى يستوفي الطرف " سواء أتقدم استحقاق النفس أم تأخر حذرا من فواته وإن قال البلقيني الذي نقوله إن لمستحق النفس أن يقول لمستحق الطرف إما أن تستوفى أو تعفو أو تأذن لي في التقديم ويجبره الحاكم على أحد هذه المذكورات فإن أبى ذلك مكن الحاكم مستحق النفس من القتل لأنه ظهر الضرر من مستحق الطرف وليس له عذر يمنعه من ذلك ومستحق القتل طالب حق أثبته الله له بقوله " فقد جعلنا لوليه سلطانا " " فإن المقذوف حقه من قاذفه " جلد و " وجب " على مستحق ( 4 / 185 ) النفس الصبر " بحقه بادر " مستحق النفس " فقتل فلمستحق الطرف دية " في تركة المقتول لفوات محل الاستيفاء واستوفى حقه مستحق النفس " ولو أخر مستحق الجلد حقه فالقياس " مما سبق في هذه المسألة كما قاله الرافعي في الشرح الكبير وسكت عن حكمها في الصغير وعبر بها في المحرر ينبغي " صبر الآخرين " حتى يستوفى حقه وإن تقدم استحقاقهما لئلا يفوتا عليه حقه وإن نازع في ذلك البلقيني بقوله تبع في القياس الرافعي وليس القياس بالنسبة إلى القطع لأنه يمكن أن يقطع ثم لا يفوت الجلد لأنه يمكن استيفاؤه بعد البرء من القطع لا سيما إذا كان الطرف أذنا أو أنملة أو نحوها .
ثم شرع في القسم الثاني فقال " ولو اجتمع " على شخص " حدود لله تعالى " كأن شرب وزنى وهو بكر وسرق وارتد " قدم " وجوبا " الأخف " منها " فالأخف " سعيا في إقامة الجميع فأخفها حد الشرب فيحد له ثم يمهل حتى يبرأ منه ثم يجلد الزنا ثم يمهل حتى يبرأ ثم يقطع للسرقة ثم يقتل بغير مهلة لأن النفس مستوفاة وهل يقدم قطع السرقة على التغريب قال ابن الرفعة لم أر لأصحابنا تعرضا له اه " .
والأوجه عدم تقدمه لأن النفس قد تفوت .
تنبيه : .
قد علم من قوله يقدم الأخف أنه لو اجتمع مع الحدود تعزير فهو المقدم وبه صرح الماوردي ومن قوله فالأخف أن صورة المسألة إذا تفاوتت الحدود فلو اجتمع قتل ردة ورجم زنا قال القاضي يقدم قتل الردة إذ فسادها أشد .
وقال الماوردي و الروياني يرجم ويدخل فيه قتل الردة لأن الرجم أكثر نكالا هذا أوجه ولو اجتمعا وقتل قطع الطريق .
قال القاضي قدم وإن جعل حدا لأنه حق آدمي ولو اجتمع قطع سرقة وقطع محاربة قطعت يده اليمنى لهما وهل تقطع الرجل معها وجهان أصحهما نعم .
وقيل تؤخر حتى تبرأ اليد .
ثم شرع في القسم الثالث فقال " أو " اجتمع " عقوبات لله تعالى والآدميين " كأن انضم إلى هذه العقوبات حد قذف " قدم حد قذف على " حد " زنا " كما نص عليه واختلف في علته .
قيل لأنه أخف والأصح كونه حق آدمي وفائدة الخلاف تظهر في المسألة عقبها وهي قوله " والأصح تقديمه " أي حد القذف " على حد شرب " بناء على العلة الثانية في المسألة السابقة ومقابله على العلة الأولى " وأن القصاص قتلا وقطعا يقدم على الزنا " مبني على العلة الثانية ومقابلة على العلة الأولى ولا يوالي بين حد الشرب وحد القذف بل يمهل لئلا يهلك بالتوالي .
تنبيه : .
محل الخلاف في تقديم حد الزنا إذا كان الواجب الرجم فإن كان جلدا قدم على القتل قطعا ومحله أيضا في تقديم قطع القصاص على حد الزنا إذا كان جلدا فإن كان رجما قدم القطع قطعا .
خاتمة لو اجتمع قتل قصاص في غير محاربة وقتل محاربة قدم السارق منهما ورجع الآخر إلى الدية وفي اندراج قطع السرقة في قتل المحاربة فيما لو سرق وقتل في المحاربة وجهان أوجههما كما قال شيخنا نعم .
ومن زنى مرات أو سرق أو شرب كذلك أجزأه عن كل جنس حد واحد لأن سببها واحد فتداخلت .
قال القاضي الحسين وهو مقابل الزنيات كلها لئلا يخلو بعضها عنه كالمهر في النكاح الفاسد فإنه يقابل كل الوطئات وهل وجب حدود على ( 4 / 186 ) عدد الزنيات ثم تداخلت أو حد واحد فقط وتجعل الزنيات إذا لم يتخللها حد كحركات زنية واحدة فيه تردد والثاني أقرب كما قاله ابن النقيب وما في فروع ابن الحداد من أن المرأة إذا ثبت زناها بلعان زوجين أنه يلزمها حدان أنكره الأصحاب وقالوا إنهما حدان لله تعالى من جنس واحد فتداخلا وإن جلد للزنا ثم زنى ثانيا قبل التغريب أو جلد له خمسين ثم زنى ثانيا كفاه فيهما جلد مائة وتغريب واحد ودخل في المائة الخمسون الباقية وفي التغريب للثاني التغريب الأول ولو زنى بكرا ثم محصنا قبل أن يجلد دخل التغريب تحت الرجم لئلا تطول المدة مع أن النفس مستوفاة ولأن التغريب صفة فيغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها ولا يدخل الجلد في الرجم كما رجحه ابن المقري لاختلاف العقوبتين وقيل يدخل لأنهما عقوبة جريمة واحدة ولو زنى ذمي محصن ثم نقض العهد واسترق ثم زنى ثانيا ففي دخول الجلد في الرجم وجهان أصحهما كما قاله البغوي المنع وإن قال البلقيني الأصح الدخول كالحدين ويثبت قطع الطريق بإقرار القاطع به لا باليمين المردودة كما مر في كتاب السرقة خلافا لما في الكتاب وبشهادة رجلين لا رجل وامرأتين أو ويمين وأما المال فيثبت بذلك ويشترط في الشهادة التفصيل وتعيين قاطع الطريق ومن قتله أو أخذ ماله كما سبق في الشهادة على السرقة ولو شهد اثنان من الرفقة على المحارب لغيرهما ولم يتعرضها لأنفسهما في الشهادة قبلت شهادتهما وليس على القاضي البحث عن كونهما من الرفقة أو لا وإن بحث لم يلزمها أن يجيبا .
فإن قالا نهبونا وأخذوا مالنا أو مال رفقتنا لم يقبلا في حقهما ولا في حق غيرهما للعداوة