وفيما تثبت به السرقة وما يقطع بها وشروط السارق تكليف واختيار والتزام وعلم تحريم السرقة كما أشار إليه الفارقي C وحينئذ " لا يقطع صبي ومجنون ومكره " بفتح الراء لرفع القلم عنهم وحربي لعدم التزامه وأعجمي أمر بسرقة وهو يعتقد إباحتها أو جهل التحريم لقرب عهده بالإسلام أو بعده عن العلماء لعذره وقطع السكران ممن قبيل ربط الحكم بسببه وقد مر الكلام عليه في الطلاق وغيره .
تنبيه : .
اقتصار المصنف على المكره بالفتح قد يوهم أن المكره بالكسر يقطع وليس مرادا نعم لو كان ( 4 / 175 ) المكره بالفتح غير مميز لعجمة أو غيرها فقد سبق عن الجمهور فيما لو نقب ثم أمر غير مميز فأخرج أنه يجب القطع على الآمر فليكن هنا مثله .
ويقطع مسلم وذمي بمال مسلم و .
مال " ذمي " أما قطع المسلم بمال المسلم فبإجماع وأما قطعه بمال الذمي فعلى المشهور لأنه معصوم بذمته وقيل لا يقطع كما لا يقتل به .
وأما قطع الذمي بمال المسلم والذمي فلالتزامه الأحكام سواء أرضي بحكمنا أم لا .
تنبيه : .
قد يفهم كلام المصنف أن المسلم أو الذمي لا يقطع بمال المعاهد والمؤمن وهو كذلك كما قاله القاضي الحسين والإمام و الغزالي ومن تبعهم بناء على أن المعاهد لا يقطع بمال المسلم أو الذمي وقد ذكر الخلاف في ذلك بقوله " وفي " سرقة " معاهد " بفتح الهاء بخطه ويجوز كسرها ومستأمن إذا سرق ولو لمعاهد " أقوال أحسنها " كما في المحرر والشرح الكبير وفي الصغير أنه الأقرب " إن شرط " عليه في عهده " قطعه بسرقة قطع " لالتزامه " وإلا فلا " يقطع لعدم التزامه " قلت الأظهر عند الجمهور لا قطع " مطلقا " والله أعلم " وقالا في الشرح والروضة أنه الأظهر عند الأصحاب وهو نصه في أكثر كتبه لأنه لم يلتزم الأحكام فأشبه الحربي والثالث يقطع مطلقا كالذمي واختاره في المرشد وصححه مجلى وخص الماوردي الخلاف بمال المسلم أو الذمي فإن سرق مال معاهد فلا يقطع قطعا وأما المال المسروق فيجب استرداده منه جزما إن بقي وبدله إن تلف " وتثبت السرقة بيمين المدعي المردودة " كأن يدعي على شخص سرقة نصاب فينكل عن اليمين فترد على المدعي ويحلف فيجب القطع " في الأصح " ونقله في الروضة عن تصحيح المحرر وسكت عليه لأن اليمين بين المردودة كالإقرار أو البينة والقطع يجب بكل منهما فأشبه القصاص والثاني لا يقطع بها لأن القطع في السرقة حق الله تعالى فأشبه ما لو قال أكره أمتي على الزنا وحلف المدعي بعد نكول المدعي عليه يثبت المهر دون حد الزنا وهذا هو المعتمد كما جزما به في الروضة وأصلها في الباب الثالثت في اليمين من الدعاوى ومشى عليه في الحاوي الصغير هنا .
وقال الأذرعي إنه المذهب والصواب الذي قطع به جمهور الأصحاب .
وقال البلقيني إنه المعتمد لنص الأم والمختصر أنه لا يثبت القطع إلا بشاهدين وإقرار السارق .
تنبيه : .
هذا الخلاف بالنسبة إلى القطع .
أما المال فيثبت قطعا " أو بإقرار السارق " مؤاخذة له بقوله ولا يشترط تكرار الإقرار كما في سائر الحقوق .
تنبيه : .
أطلق المصنف الإقرار وله شرطان أحدهما أن يكون بعد الدعوى عليه فإن أقر قبلها لم يثبت القطع في المال بل يوقف على حضور المالك وطلبه كما سيأتي .
ثانيهما أن يفصل الإقرار كالشهادة فيبين السرقة والمسروق منه وقدر المسروق والحرز بتعيين أو وصف بخلاف ما إذا لم يبين ذلك لأنه قد يظن غير السرقة الموجبة للقطع سرقة موجبة له وقضية كلامه أنه لا يثبت القطع بعلم القاضي وهو كذلك بخلاف السيد فإنه يقتضي بعلمه في رقيقة كما مر في حد الزنا .
والمذهب قبول رجوعه .
عن الإقرار بالسرقة بالنسبة إلى القطع ولو في أثنائه لأن حق الله تعالى فيسقط حد الزنا ولو بقي من القطع بعد الرجوع ما يضر إبقاؤه قطعه هو لنفسه ولا يجب على الإمام قطعه أما الغرم فلا لأنه حق آدمي والطريق الثاني لا يقبل في المال ويقبل في القطع على الأصح والثالث يقبل في القطع لا في المال على الأصح .
فرعان أحدهما لو أقر بسرقة ثم رجع ثم كذب رجوعه لم يقطع كما قاله الدارمي .
ثانيهما لو أقر بها ثم أقيمت عليه البينة ثم رجع قال القاضي سقط عنه القطع على الصحيح لأن الثبوت كان بالإقرار اه " .
وتقدم نظيره في الزنا عن الماوردي والترجيح فيه وهو إن أسند الحكم إلى البينة لا يسقط أو إلى الإقرار قبل رجوعه .
تنبيه : .
لو رجع المقرين بالسرقة عن إقراره دون الآخر قطع الآخر فقط .
ومن أقر .
ابتداء أو بعد دعوى " بعقوبة الله تعالى " أي بمقتضيها كالسرقة والزنا " فالصحيح أن للقاضي أن يعرض له " أي للمقر " بالرجوع " عما أقر ( 4 / 176 ) به مما يقبل فيه رجوعه كأن يقول له في السرقة لعلك أخذت من غير حرز وفي الزنا لعلك أخذت أو لمست وفي الشرب لعلك لم تعلم أن ما شربته مسكر لأنه A قال لمن أقر عنده بالسرقة ما إخالك سرقت قال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع .
وقال لماعز لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت رواه البخاري " ولا " يصرح بذلك فلا " يقول " له " ارجع " عنه أو نحو ذلك كاجحده لا يكون أمرا بالكذب والثاني لا يعرض له بالرجوع كما لا يصرح له به والثالث يعرض له إن لم يعلم أن له الرجوع وإن علم فلا .
تنبيه : ات قضية كلام المصنف أن الخلاف في الجواز وأنه لا يستحب وهو الأصح في الشرح والروضة لكن في البحر عن الأصحاب أن يستحب وأشار المصنف في شرح مسلم إلى نقل الإجماع فيه واحترز بالإقرار عما إذا ثبت زناه بالبينة فإنه يعرض له بالرجوع وبقوله ومن أقر عما قبل الإقرار فإن للقاضي أن يعرض له بالإنكار ويحمله عليه أي يلقنه إياه قطعا وبقوله لله تعالى من حقوق الآدميين فإنه لا يعرض بالرجوع عنها وهل للحاكم أن يعرض للشهود بالتوقف في حدود الله تعالى وجهان أصحهما في زيادة الروضة نعم إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا .
قال الأذرعي ولم يصرحوا بأن التصريح بذلك لا يجوز أو مكروه والظاهر أن مرادهم الأول اه " .
وكلام المصنف يقتضي أن قوله ولا يقول ارجع من تتمة ما قال إنه الصحيح وليس مرادا بل هو مجزوم به في الرافعي وغيره .
وأما الشفاعة في الحد فقال المصنف في شرح مسلم أجمع العلماء على تحريمها بعد بلوغ الإمام وأنه يحرم تشفيعه فيه أما قبل بلوغ الإمام فأجازها أكثر العلماء إن لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس فإن كان لم يشفع وستأتي الشفاعة في التعزيز في بابه .
ولو أقر .
شخص " بلا " سبق " دعوى " عليه " إنه سرق مال زيد الغائب لم يقطع في الحال بل ينتظر حضوره " ومطالبته " في الأصح " المنصوص لأنه ربما حضر أقر أنه كان أباح له المال أو يقر له بالملك فيسقط الحد وإن كذبه السارق للشبهة والثاني يقطع في الحال عملا بإقراره كما لو أقر أنه زنى بفلانة فإنه لا ينتظر حضورها وفرق الأول بأن حد الزنا لا يسقط بإباحة الوطء وحد السرقة يسقط بإباحة المال وعلى الأول هل يحبس إلى أن يقدم الغائب أو لا فيه خلاف قال وأشار الإمام إلى أن الظاهر عند الأصحاب أنه يحبس لما يتعلق به من حق الله تعالى وصححه في الكفاية وقال الأذرعي إنه ظاهر نص الشافعي في الأم وجزم به صاحب الأنوار .
تنبيه : .
لو سرق مال صبي أو مجنون قال شيخنا أو سفيه فيما يظهر انتظرنا بلوغه أو إفاقته أو رشده لاحتمال أن يقر له بأنه مالك لما سرقه كالغائب .
فرعان لو أقر شخص لغائب بمال لم يطالبه الحاكم به إذ ليس له المطالبة بمال الغائب إلا إن مات الغائب عن المال وخلفه لطفل ونحوه فله أن يطالب المقر به ويحبسه ولو أقر عبد بسرقة دون النصاب لم يقبل إلا إن صدقه سيده أو نصاب قطع كإقراره بجناية توجب قصاصا ولا يثبت المال وإن كان بيده كما علم ذلك من باب الإقرار .
أو .
أقر " أنه أكره أمة غائب على زنا حد في الحال " ولم ينتظر حضور الغائب " في الأصح " لأن حد الزنا لا يتوقف على الطلب ولو حضر وقال كنت أبحتها له لم يسقط الحد لأن إباحة البضع ملغاة والثاني ينتظر حضوره لاحتمال أن يقر إنه كان وقفها عليها والمذكور في كتاب للوقف إن الحد مبني على أقوال الملك إن جعلناه له فلا حد وإلا حد .
تنبيه : .
ذكر الإكراه ليس بقيد فإنه لو قال زنيت بأمة فلان ولم يذكر إكراها كان الحكم كذلك والمصنف إنما ذكره لأن فيه حقا للسيد وهو المهر لكن هذا لا تعلق به بالحد .
وتثبت .
السرقة الموجبة للقطع " بشهادة رجلين " كسائر العقوبات غير الزنا فإنه خص بمزيد العدد " فلو شهد رجل وامرأتان " بسرقة أو أقام المدعي شاهدا بها وحلف معه " ثبت المال ولا قطع " على السارق كما لو علق الطلاق أو العتق على غصب أو سرقة فشهد ( 4 / 177 ) رجل وامرأتان على الغصب أو السرقة ثبت المال دون الطلاق والعتق .
تنبيه : .
محل ثبوت المال ما إذا شهدوا بعد دعوى المالك أو وكيله فلو شهدوا حسبة لم يثبت بشهادتهم المال أيضا لأن شهادتهم منصبة إلى المال وشهادة الحسبة بالنسبة إلى المال غير مقبولة .
ويشترط ذكر الشاهد .
بسرقة مال " شروط السرقة " الموجبة للقطع ببيان السارق بالإشارة إلى عينه إن كان حاضرا ويذكر اسمه ونسبه بحيث يحصل التمييز إن كان غائبا .
واستشكل بأن البينة لا تسمع على غائب في حدود الله تعالى وقد يجاب بأنها إنما سمعت تغليبا لجانب المال ولهذا لا قطع على السارق حتى يحضر المالك ويدعي بما له كما مر وببيان المسروق منه والمسروق وكون السرقة من حرز بتعينه أو وصفته وغير ذلك فلا يكفي الإطلاق إذ قد يظن ما ليس بسرقة سرقة لاختلاف العلماء فيما يوجب القطع .
واستثنى البلقيني من إطلاقه مواضع إحداها أن من شروط القطع كون المسروق نصابا وهذا لا يشترطان يذكره الشاهد بل يكفي تعيين المسروق ثم الحاكم ينظر فيه فإذا ظهر له أنه نصاب عمل بمقتضاه ثانيها ومن شروطه كون المسروق ملكا لغير السارق وهذا لا يشترط في شهادة الشاهد بل يكفي أن يقول سرق هذا ثم المالك يقول هذا ملكي والسارق يوافقه ثالثها ومن شروطه عدم الشبهة مقتضاه اعتبار أن يقول في شهادته ولا أعلم له فيه شبهة وقد حكاه في الروضة عن القاضي أبي الطيب وغيره .
ثم قال قال صاحب الشامل وليكن هذا تأكيدا لأن الأصل عدم الشبهة فيكون مستثنى على هذا ولكن المعتمد الأول وقياسه اشتراط ذلك في الإقرار بالسرقة ويشترط بإنفاقهما في شهادتهما .
و .
حينئذ " لو اختلف شاهدان " في وقت الشهادة " كقوله " أي أحدهما " سرق بكرة و " قول " الآخر " سرق " عشية فباطلة " هذه الشهادة لأنهما شهدا على فعل لم ينفقا عليه .
تنبيه : .
قوله فباطلة أي بالنسبة إلى القطع أما المال فإن حلف المسروق منه مع الشاهد أخذ الغرم منه وإلا فلا كذا قالاه والمراد حلف مع من وافقت شهادته دعواه أي الحق في زعمه كما بينه في الكفاية .
تنبيه : .
أطلق المصنف الاختلاف والمراد به القادح فإنه لو قال أحدهما سرق كيسا وقال الآخر كيسين ثبت الواحد وتعلق به القطع إن كان نصابا ولو شهد اثنان بسرقة واثنان بسرقة فإن لم يتواردا على عين واحدة ثبت القطع والمالان وإن تواردا على عين واحدة كأن شهد اثنان أنه سرق كذا غدوة وشهد آخران أنه سرقه عشية تعارضتا فلا يحكم بواحدة منهما وإن شهد له واحد بسرقة ثوب أبيض وآخر بأسود فله أن يحلف مع أحدهما وله مع ذلك أن يدعي الثوب الآخر ويحلف مع شاهده واستحقهما لأن ذلك مما يثبت بالشاهد واليمين ولا يقال تعارضت شهادتهما لأن الحجة لم تتم ولا قطع لاختلاف شهادتهما .
وعلى السارق رد ما سرق .
إن بقي لخبر أبي داود على اليد ما أخذت حتى تؤديه .
وقال أبو حنيفة إن قطع لم يغرم وإن غرم له لم يقطع .
وقال مالك إن كان غنيا ضمن وإلا فلا .
لأن القطع لله تعالى والضمان لآدمي فلا يمنع أحدهما الآخر ولا يمنع الفقر إسقاط مال الغير ولو كان للمسروق منفعة استوفاها السارق أو عطلها وجبت أجرتها كالمغصوب ولو أعاد المال المسروق إلى الحرز لم يسقط القطع ولا الضمان عنه .
وقال أبو حنيفة يسقطان .
وعن مالك لا ضمان ويقطع .
قال بعض أصحابنا ولو قيل بالعكس لكان مذهبا لدرء الحدود بالشبهات " فإن تلف ضمنه " ببدله جبرا لما فات " وتقطع يمينه " أي يده اليمنى أولا وإن كان أعسر بالإجماع وفي معجم الطبراني أن النبي A أتى بسارق فقطع يمينه وكذا فعل الخلفاء الراشدون .
وقال تعالى " فاقطعوا أيديهما " وقرىء شاذا فاقطعوا أيمانهما والقراءة الشاذة كخبر الواحد في الاحتجاج كما نص عليه في البويطي .
وقال إمام الحرمين الظاهر من مذهب الشافعي أنه لا يحتج بها فقلده المصنف في ذلك فجزم به في شرح مسلم في قوله شغلونا عن الصلاة الوسطى .
قال في المهمات فاحذر ذلك .
فإن قيل لم قطعت يد السارق ولم يقطع ( 4 / 178 ) ذكر الزاني أجيب عن ذلك بجوابين الأول أن اليد للسارق مثلها غالبا فلم تفت عليه المنفعة بالكلية الثاني أن في قطع الذكر إبطال النسل غالبا والحكمة في قطع اليمنى أولا أن البطش بها أقوى غالبا فكانت البداءة بها أردع .
تنبيه : .
محل قطعها إذا لم تكن شلاء والأرجح أهل الخبرة فإن قالوا ينقطع الدم وتسد أفواه العروق قطعت واكتفي بها وإلا لم تقطع لأنه يؤدي إلى فوات الروح .
فإن سرق ثانيا بعد قطعها .
أي يده اليمنى " فرجله اليسرى " تقطع إن برئت يده اليمنى وإلا أخرت للبرء " و " إن سرق " ثالثا " بعد قطع رجله اليسرى تقطع " يده اليسرى و " إن سرق " رابعا " بعد قطع يده اليسرى تقطع " رجله اليمنى " لما رواه الشافعي بإسناده عن أبي هريرة Bه أن رسول الله A قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله .
والحكمة في قطع اليد والرجل أن اعتماد السارق في السرقة على البطش والمشي فإنه يأخذ بيده وينقل برجله فتعلق القطع بهما وإنما قطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة عليه فتضعف حركته كما في قطع الطريق لأن السرقة مرتين تعدل الحرابة شرعا والمحارب تقطع أولا يده اليمنى ورجله اليسرى وفي الثانية يده اليسرى ورجله اليمنى وإنما لم تقطع الرجل إلا بعد اندمال اليد لئلا تفضي الموالاة إلى الهلاك وخالف موالاتهما في الحرابة لأن قطعهما فيها حد واحد .
وبعد ذلك .
أي بعد قطع اليدين والرجلين إذا سرق خامسا فأكثر فإنه " يعزر " لأن القطع ثبت بالكتاب والسنة ولم يثبت بعد ذلك شيء آخر والسرقة معصية فتعين التعزير كما لو سقطت أطرافه أولا ولا يقتل كما نقل عن القديم .
وما استدل به من أنه A قتله أجيب عنه بأنه منسوخ أو محمول على أنه بزنا أو استحلال كما قاله الأئمة بل ضعفه الدارقطني وغيره وقال ابن عبد البر إنه منكر ولأن كل معصية أوجبت حدا لم يوجب تكرارها القتل كالزنا والقذف " ويغمس محل القطع بزيت أو دهن مغلى " بضم الميم وفتح اللام اسم مفعول من أغلى .
أما فتح الميم مع كسر اللام وتشديد الياء على زنة مفعول فلحن كما قاله ابن قاسم وفعل ذلك مندوب للأمر به كما رواه الحاكم وصححه والمعنى فيه سد أفواه العروق لينقطع الدم .
تنبيه : .
قضية كلامه امتناعه بغير الزيت والدهن واقتصر الشافعي في الأم على الجسم بالنار وفصل الماوردي في الحاوي فجعل الزيت للحضري والنار للبدوي لأنها عادتهم وهو تفصيل حسن .
قيل هو .
أي الغمس المسمى بالحسم " تتمة للحد " فيجب على الإمام فعله ولا يجوز له إهماله لأن فيه مزيد إيلام " والأصح " المنصوص " أنه " أي الغمس المذكور " حق للمقطوع " لأن الغرض المعالجة ودفع الهلاك بنزف الدم " فمؤنته عليه " كأجرة الجلاد إلى أن يقيم الإمام من ينصب الحدود ويرزقه مال المصالح كما مر .
تنبيه : .
سكت المصنف عن المؤنة على الوجه الأول وقضيته أنها لا تكون على المقطوع وليس مرادا ففي الروضة وأصلها أنه على الخلاف في مؤنة الجلاد .
و .
على الأصح " للإمام إهماله " ولا يجبر المقطوع عليه بل يستحب له ويندب للإمام الإمام به عقب القطع ولا يفعله إلا بإذن المقطوع لأنه نوع مداواة .
نعم لو كان إهماله يؤدي إلى تلف لتعذر فعل ذلك من المقطوع بإغماء أو جنون أو نحو ذلك لم يجز للإمام إهماله كما قاله البلقيني وغيره " وتقطع اليد " بحديدة ماضية دفعة واحدة " من الكوع " أي مفصله للأمر به في خبر سارق رداء صفوان والمعنى فيه أن البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع ولهذا يجب في قطع الكف الدية وفيما زاد عليه حكومة " و " تقطع " الرجل من مفصل القدم " بفتح الميم وكسر الصاد اتباعا ل عمر Bه كما رواه ابن المنذر .
وروى البيهقي عن علي Bه أنه يبقى له الكعب ليعتمد عليه وبه قال أبو ثور ( 4 / 179 ) .
تنبيه : .
يندب خلع العضو المقطوع قبل قطعه تسهيلا لقطعه ويندب أن يكون المقطوع جالسا وأن يضبط لئلا يتحرك وأن يعلق العضو المقطوع في عنقه ساعة للزجر والتنكيل .
ومن سرق مرارا .
مرتين فأكثر " بلا قطع كفت يمينه " أي قطعها فقط عن جميع المرار لاتحاد السبب كما لو زنى أو شرب مرارا فإنه يكفيه حد واحد وهذا بخلاف ما إذا لبس المحرم أو تطيب في مجالس فإن الفدية تتعدد وإن كان السبب واحدا لأن في ذلك حقا لآدمي لأن مصرف الكفارة إليه فلم تتداخل بخلاف الحد .
تنبيه : .
غير اليد اليمنى في ذلك مثلها ويكفي قطعها .
وإن نقصت .
يمينه " أربع أصابع " ولا يعدل إلى الرجل لحصول الإيلاء والتنكيل " قلت " كما قاله الرافعي في الشرح " وكذا لو ذهبت " الأصابع " الخمس " كلها كفت أيضا " في الأصح " المنصوص " والله أعلم " لأن اسم اليد يطلق مع نقص أصابعها ما يطلق عليها مع زيادتها فاندرجت في الآية والثاني لا تكفي بل بعدل إلى الرجل لانتفاء البطش .
تنبيه : .
يجري الخلاف فيما لو سقط بعض الكف وبقي محل القطع فلو قال وكذا لو سقط بعض الكف مع الخمس لأفاد حكم المسألتين " وتقطع يد زائدة أصبعا " أو أكثر " في الأصح " لإطلاق الآية فإن اسم اليد يتناول ما عليه خمس أو أكثر والثاني لا بل يعدل إلى الرجل .
تنبيه : .
لو كان له كفان على معصمه قطعت الأصلية منهما إن تميزت وأمكن استيفاؤها بدون الزائدة وإلا فيقطعان وإن لم تتميز قطعت إحداهما فقط .
هذا ما اختاره الإمام بعد أن نقل عن الأصحاب قطعها مطلقا لأن الزائدة كالأصبع الزائدة والذي في التهذيب أنه إن تميزت الأصلية قطعت وإلا فإحداهما فقط ولا يقطعان بسرقة واحدة بخلاف الأصبع الزائدة فإنه لا يقع عليها اسم يد .
قال الرافعي وهذا أحسن .
وقال المصنف إنه الصحيح المنصوص وجزم به في التحقيق وصوبه في شرح المهذب وصححه ابن الصلاح .
قال الدميري لكن يشكل على المصنف أنه صحح في الخنثى المشكل كما سبق في موضعه أنه لا يختن في أحد فرجيه معللا بأن الجرح مع الإشكال ممتنع ولو قيل بإجراء وجه ثالث أنه لا يقطع واحدة منهما لم يبعد لأن الزائدة لا يجوز قطعها وقد التبست بالأصلية اه " .
ويجاب عن الإشكال المذكور بأن السارق إنما قطعت يده مع الإشكال تغليظا عليه وعلى ما جرى عليه المصنف لو لم يمكن قطع الأصلية إلا بالزائدة أو لم يمكن قطع إحداهما عند الاشتباه فإنه يعدل إلى الرجل فإن أمكن قطع الأصلية وقطعناها ثم سرق ثانيا وقد صارت الزائدة أصلية بأن صارت باطشة أو كانت الكفان أصليتين وقطعت إحداهما في سرقة قطعت الثانية ولا يعدل إلى الرجل .
وأورد بعضهم هذه المسألة على قول المصنف فإن سرق ثانيا فرجله اليسرى .
وأجيب عنه بأنه إنما تكلم على الخلطة المعتادة الغالبة .
ولو سرق .
شخص " فسقطت يمينه " مثلا " بآفة " سماوية أو غيرها كأن قطعت في قصاص " سقط القطع " في اليد الساقطة ولا يعدل إلى الرجل لأن القطع تعلق بعينها فسقط بفواتها كموت المرتد وكذا لو شلت بعد السرقة وخيف من قطعها تلف النفس كما قاله القاضي الحسين بخلاف من لا يمين له فإن رجله تقطع " أو " سقطت " يساره " بشيء مما ذكر مع بقاء اليمين " فلا " يسقط قطع اليمين " على المذهب " لبقاء محل القطع وقيل يسقط في قول وحكم الرجل حكم اليد فيما ذكر .
خاتمة لو أخرج السارق للجلاد يساره فقطعها سئل الجلاد فإن قال ظننتها اليمين أو أنها تجزىء عنها غرم الدية بعد حلفه على ما ادعاه إن كذبه السارق لأن قوله محتمل فكان شبهة في درء القصاص وإنما غرم الدية لقطعه عضوا معصوما وأجزأته عن قطع اليمين لئلا تقطع يداه بسرقة واحدة .
أو قال علمتها اليسار وأنها لا تجزىء لزمه القصاص لأنه قطعها عمدا بلا شبهة هذا إن لم يقصد المخرج بدلها عن اليمين أو إباحتها وإلا فلا كما مر في الجنايات ولم ( 4 / 180 ) تجزه اليسار عن اليمين بل تقطع يمينه حدا لأنها الذي وجب قطعها وهي باقية فلم يجزه غيرها كالقصاص .
وما ذكر من أن الجلاد يسئل هو ما جرى عليه الشيخ في التنبيه وابن المقري في روضه وهي طريقة حكاها في أصل الروضة وحكى معها طريقة أخرى وهي إن قال المخرج ظننتها اليمين أو أنها تجزىء أجزأته وإلا فلا وكلام أصل الروضة يومىء إلى الأولى وهي الصحيحة وإن صحح الإسنويي الثانية