وهو بمعجمة لغة الرمي والمراد به هنا الرمي بالزنا في معرض التعيير ليخرج الشهادة بالزنا فلا حد فيها إلا أن يشهد به دون أربعة كما سيأتي وهو من الكبائر الموبقات ففي الحديث من السبع الموبقات قذف المحصنات سواء في ذلك الرجل والمرأة .
روي أن النبي A قال قذف المحصنة يحبط عمل مائة سنة واستغنى المصنف ببيان القذف في اللعان عن إعادته هنا .
والحد شرعا عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى كما في الزنا أو لآدمي كما في القذف .
وسميت الحدود حدودا لأن الله تعالى حدها وقدرها فلا يجوز لأحد أن يتجاوزها .
قال الله تعالى " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " وقيل سميت بذلك لأن الحد في اللغة المنع وهي تمنع من الإقدام على الفواحش .
والأصل في الباب قوله تعالى " والذين يرمون المحصنات " الآية وصح أنه A لما نزلت براءة عائشة رضي الله تعالى عنها جلد من قذفها والحكمة في وجوب الحد بالقذف دون التساب بالكفر أن المسبوب بالكفر قادر على أن ينفي عنه ذلك بكلمة الشهادتين بخلاف الزاني فإنه لا يقدر على نفي الزنا عنه وللقاذف شروط ذكرها المصنف بقوله " شرط حد القاذف " أي المحدود بسبب القذف " التكليف " فلا حد على صبي ومجنون لرفع القلم عنهما وعدم حصول الإيذاء بقذفهما وزاد على المحرر قوله " إلا السكران " فإنه مستثنى عنده من التكليف ومع ذلك يحد ولم يذكره في الروضة هذا وقد مر الكلام على ذلك في كتاب الطلاق " والاختيار " فلا حد على مكره بفتح الراء لرفع القلم عنه ولأنه لم يقصد الأذى بذلك لإجباره عليه ولا على مكره بكسرها والفرق بينه وبين القتل أنه يمكنه جعل يد المكره كالآلة له بأن يأخذ يده فيقتل بها ولا يمكنه أن يأخذ لسان غيره فيقذف به ( 4 / 156 ) .
تنبيه : .
سكت عن شروط أخر وهي التزام الأحكام والعلم بالتحريم وعدم إذن المقذوف وأن يكون غير أصل فلا حد على حربي لعدم التزامه الأحكام ولا جاهل بالتحريم لقرب عهده بالإسلام أو بعده عن العلماء ولا على من قذف غيره بإذنه كما نقله الرافعي عن الأكثرين وإن ادعى الإمام أن الجماهير أجمعوا على حده كما لو قال اقطع يدي فقطعها لا يجب ضمانها ولا على أصل كما سيأتي .
ويسقط أيضا حد القاذف بإقامة البينة بزنا المقذوف وبإقراره وبعفوه وباللعان في حق الزوجة " ويعزر " القاذف " المميز " من صبي أو مجنون له نوع تمييز كما جزم به في الروضة للزجر والتأديب فإن لم يعزر الصبي حتى بلغ سقط لأنه كان للزجر والتأديب وقد حدث سبب أقوى منه وهو التكليف كما قالاه في اللعان وقياسه كما قال الزركشي أن يكون المجنون إذا أفاق كذلك " ولا يحد " الأصل ولو أنثى " بقذف الولد وإن سفل " كما لا يقتل به .
تنبيه : .
اقتصاره على نفي الحد يقتضي أنه يعزر وهو المنصوص للإيذاء .
فإن قيل قد قالوا في كتاب الشهادات أن الأصل لا يحبس في وفاء دين فرعه مع أن الحبس تعزير .
أجيب بأن حبسه للدين قد يطول زمنه فيشق عليه بخلاف التعزير هنا فإنه قد يحصل بقيام من مجلس ونحوه وحيث ثبت فهو لحق الله تعالى لا لحق الولد وكما لا يحد بقذف ولده لا يحد بقذف من ورثه الولد ولم يشاركه فيه غيره كما لو قذف امرأة له منها ولد ثم ماتت لأنه إذا لم يثبت له ابتداء لم يثبت له انتهاء كالقصاص فإن شاركه فيه غيره كأن كان لها ولد آخر من غيره كان له الاستيفاء لأن بعض الورثة يستوفيه جميعها .
قاذفا لأمه .
قال الدميري وهذه مسألة حسنة ذكرها ابن الصلاح في فتاويه بحثا من قبل نفسه وكأنه لم يطلع فيها على نقل .
وزاد أنه يعزر للمشتوم .
قال الشيخ عز الدين لو قذف شخص آخر في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله والحفظة لم يكن كبيرة موجبة للحد لخلوه عن مفسدة الإيذاء ولا يعاقب في الآخرة إلا عقاب من كذب كذبا لا ضرورة فيه " .
فائدة : .
اختار المصنف و الغزالي أن الغيبة بالقلب إذا أدركها الملكان الحافظان كما لو تلفظ بها ويدركان ذلك بالشم ولعل هذا فيما إذا صمم على ذلك وإلا فما يخطر على القلب مغفور وإذا عرف شرط حد القذف " فالحر " القاذف حده " ثمانون " جلدة لآية " فاجلدوهم ثمانين جلدة " إذ المراد فيها الأحرار لقوله تعالى فيها " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا " لأن العبد لا تقبل شهادته وإن لم يقذف " والرقيق " القاذف والمكاتب والمدبر وأم الولد والمبعض حد كل منهم " أربعون " جلدة على النصف من الحر بالإجماع وهذا من أمثلة تخصيص القرآن بالإجماع .
تنبيه : .
محل كون حده أربعين إذا قذف في حال رقه فلو قذف وهو حر ملتزم ثم التحقيق بدار الحرب واسترق فحده ثمانون اعتبارا بحال القذف " و " شرط " المقذوف " أي الذي يحد قاذفه " الإحصان " أي كونه محصنا لقوله تعالى " والذين يرمون المحصنات " فقيد إيجاب الثمانين بذلك " وسبق في " .
كتاب " اللعان " .
بيان ما يحصل به الإحصان وبيان شرط المقذوف فلا حاجة لذكره هنا " ولو شهد " في مجلس الحكم " دون أربعة " من الرجال " بزنا حدوا في الأظهر " لأن عمر رضي الله تعالى عنه حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا كما ذكره البخاري في صحيحه ولم يخالفه أحد ولئلا يتخذ صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في أعراض الناس .
والثاني المنع لأنهم جاءوا شاهدين لا هاتكين .
تنبيه : .
محل الخلاف إذا شهدوا في مجلس أما لو شهدوا والقاضي في غيره فقاذفون جزما وإن كان بلفظ الشهادة كما صرح به في الوجيز وغيره .
فرع لو شهد الزوج بزنا .
زوجته كان قاذفا لها فيحد حد القذف لأن شهادته بزنا غير مقبولة للتهمة ( 4 / 157 ) وعلى هذا لو شهد عليها دون أربعة حدوا لأنهم قذفة " وكذا أربع نسوة وعبيد وكفرة " أهل ذمة فإنهم في كل من المسائل الثلاث يحدون " على المذهب " لأنهم ليسوا من أهل الشهادة فلم يقصدوا إلا القذف .
والطريق الثاني في حدهم القولان تنزيلا لنقص الصفة منزلة نقص العدد .
تنبيه : .
محل الخلاف كما قال الإمام إذا كانوا في ظاهر الحال بصفة الشهود ثم بانوا كفارا أو عبيدا لأن القاضي إذا علم حالهم لا يصغي إليهم فيكون قولهم قذفا محصنا قطعا لأنه ليس في معرضه شهادة .
فروع لو شهد أربعة بالزنا وردت شهادتهم بفسق ولو مقطوعا به كالزنا وشرب الخمر لم يحدوا وفارق ما مر في نقص العدد بأن نقص العدد متيقن وفسقهم إنما يعرف بالظن والاجتهاد والحد يدرأ بالشبهة ولو شهد دون أربعة بالزنا فحدوا وعادوا مع رابع لم تقبل شهادتهم كالفاسق ترد شهادته ثم يتوب ويعيدها لم تقبل ولو شهد بالزنا عبيد وحدوا فعادوا بعد العتق قبلت لعدم اتهامهم ولو شهد به خمسة فرجع واحد منهم عن شهادته لم يحد لبقاء النصاب أو اثنان منهم حدا لأنهما ألحقا به العار دون الباقين لتمام النصاب عند الشهادة مع عدم تقصيرهم ولو رجع واحد من أربعة حد وحده دون الباقين لما ذكر " ولو شهد واحد على إقراره " بزنا " فلا " حد عليه جزما لأن من قال لغيره قد أقررت بأنك زنيت وهو في معرض القذف والتعبير لا حد عليه فكذا هنا .
تنبيه : .
شاهد الجرح بالزنا ليس بقاذف للحاجة وإن لم يوافقه غيره كما صوبه المصنف خلافا للرافعي حيث جعل عدم موافقة غيره كنقص العدد " ولو تقاذفا " أي قذف كل من شخصين صاحبه " فليس " ذلك " تقاصا " فلا يسقط حد هذا الحد هذا بل لكل منهما أن يحد الآخر لأن التقاص إنما يكون عند اتفاق الجنس والصفة والحدان لا يتفقان في الصفة إذ لا يعلم التساوي لاختلاف القاذف والمقذوف في الضعف والقوة والخلقة غالبا " ولو استقل المقذوف بالاستيفاء " للحد من قاذفه ولو بإذنه " لم يقع الموقع " على الصحيح لأن إقامة الحد من منصب الإمام فيترك حتى يبرأ ثم يحد واستثنى من ذلك صورتان الأولى لو قذف العبد سيده فله أن يحده كما صرحا به آخر باب الزنا .
والثانية إذا بعد عن السلطان في بادية وقدر على الاستيفاء بنفسه من غير تجاوز جاز كما قاله الماوردي خاتمة إذا سب إنسان إنسانا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه لقوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " .
ولا يجوز أن يسب أباه ولا أمه .
وروي أن زينب لما سبت عائشة قال لها النبي A سبيها كذا رواه أبو داود .
وفي سنن ابن ماجة دونك فانتصري فأقبلت عليها حتى يبس ريقها في فيها فتهلل وجه النبي A .
وإنما يجوز السب بما ليس كذبا ولا قذفا كقوله يا ظالم يا أحمق لأن أحدا لا يكاد ينفك عن ذلك وإذا انتصر بسبه فقد استوفى ظلامته وبرىء الأول من حقه وبقي عليه أثم الابتداء أو الإثم لحق الله تعالى ويجوز للمظلوم أن يدعو على ظالمه كما قاله الجلال السيوطي في تفسير قوله تعالى " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " قال بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه اه " .
ويخفف عن الظالم بدعاء المظلوم لما رواه أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن عبد العزيز أنه قال بلغني أن الرجل ليظلم مظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينقصه حتى يستوفي حقه .
وفي الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي A قال من دعا على من ظلمه فقد استنصر وفي كتاب اللطائف للقاضي أبي يوسف أن امرأة من بني إسرائيل كانت صوامة قوامة سرقت لها امرأة دجاجة فنبت ريش الدجاجة في وجه السارقة وعجزوا عن إزالته عن وجهها فسألوا عن ذلك بعض علمائهم فقالوا لا يزول هذا الريش إلا بدعائها عليها قال فأتتها عجوز وذكرتها بدجاجتها فلم تزل بها إلى أن دعت على سارقها دعوة فسقط من وجهها ريشة فلم تزل تكرر ذلك حتى سقط جميع الريش واختلف العلماء في التحليل من الظلامة على ثلاثة أقوال أي هل الأفضل التحليل أو لا فكان ابن المسيب لا يحلل أحدا من عرض ولا مال وكان سليمان بن يسار وابن سيرين يحللان منهما ورأى مالك التحليل ( 4 / 158 ) من العرض دون المال ولو سمع الإمام رجلا يقول زنيت برجل لم يقم عليه الحد لأن المستحق مجهول ولا يطالبه بتعييته لأن الحد يدرأ بالشبهة وإن سمعه يقول زنى فلان لزمه أن يعلم المقذوف في أصح الوجهين لأنه ثبت له حق لم يعلم فعلى الإمام إعلامه كما لو ثبت له عنده مال لم يعلم به