أعاذنا الله تعالى منها " هي " لغة الرجوع عن الشيء إلى غيره وهي أفحش الكفر وأغلظه حكما محبطة للعمل إن اتصلت بالموت .
قال الله تعالى " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر " الآية وإن عاد إلى الإسلام لم يجب عليه أن يعيد حجه الذي حجه قبل الردة خلافا لأبي حنيفة هذا ما ذكره الأصحاب وجرى عليه الشيخان .
ونقل في المهمات عن نص الشافعي C تعالى حبوط ثواب الأعمال بمجرد الردة وقال إنه من مذهب الشافعي ثم قال وهذه مسألة نفيسة مهمة غفل عنها الأصحاب اه " .
وليس في هذا مخالفة لكلامهم فإن كلامهم أن الردة لا تحبط نفس العمل بدليل أنهم جعلوه مأخذ الخلاف بيننا وبين الحنفية في لزوم الحج بعد الردة حبوط العمل وكلام النص في حبوط ثواب العمل وهي مسألة أخرى ولا يلزم من سقوط ثواب العمل بدليل أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مسقطة للقضاء مع كونها لا ثواب فيها عند أكثر العلماء .
وشرعا " قطع " استمرار " الإسلام " ودوامه ويحصل ( 4 / 134 ) قطعه بأمور " بنية " كفر وذكر النية مزيد على المحرر والشرحين والروضة ليدخل من عزم على الكفر في المستقبل فإنه يكفر حالا لكن كان ينبغي على هذا التعبير العزم فقد قال الماوردي إن النية قصد الشي مقترنا بفعله فإن قصده وتراخى عنه فهو عزم وسيأتي في كلام المصنف التعبير بالعزم " أو " قطع الإسلام بسبب " قول كفر أو فعل " مكفر فقوله قطع جنس يشمل قطع الإسلام وغيره من المعاني .
وقوله الإسلام فصل يخرج به قطع غيره من العبادات كالصلاة والصوم والحج فلا يكون ذلك كفرا وقوله بنية إلخ أشار به إلى أن القطع يكون بأحد هذه الأمور الثلاثة وأورد عليه أن الردة تحصل وإن لم يوجد قطع كما لو تردد في أنه يخرج من الإسلام أو يبقى فإنه ردة على ما سيأتي وكذا من علق بين مرتدين فإنه مرتد على الأصح عند المصنف .
وهذا الثاني غير وارد فإنه لم يرتد وإنما ألحق بالمرتد حكما ولا يرد الكافر المنتقل من دين إلى آخر وإن كان لا يقبل منه إلا الإسلام لأنه لا يسمى مرتدا شرعا وإنما يعطى حكم المرتد .
ثم قسم القول ثلاثة أقسام بقوله " سواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا " لقوله تعالى " قل بالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفر تم بعد إيمانكم " وكان الأولى تأخير القول في كلامه عن الفعل لأن التقسيم فيه وخرج بذلك من سبق لسانه إلى الكفر أو أكره عليه فإنه لا يكون مرتدا وكذا الكلمات الصادرة من الأولياء في حال غيبتهم ففي أمالي الشيخ عز الدين بن عبد السلام أن الولي إذا قال أنا الله عزر التعزير الشرعي ولا ينافي الولاية لأنهم غير معصومين وينافي هذا القول القشيري من شرط الولي أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع فالولي الذي توالت أفعاله على الموافقة .
وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال أنا الحق فتوقف فيه وقال هذا رجل خفي علي أمره وما أقول فيه شيئا وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو الجنيد وفقهاء عصره وأمر المقتدر بضربه ألف سوط فإن مات وإلا ضرب ألفا أخرى فإن لم يمت قطعت يداه ورجلاه ثم يضرب عنقه ففعل به جميع ذلك لست بقين من ذي الحجة سنة تسع وثلاثمائة والناس مع ذلك مختلفون في أمره فمنهم من يبالغ في تعظيمه ومنهم من يكفره لأنه قتل بسيف الشرع وجرى ابن المقري تبعا لغيره على كفر من شك في كفر طائفة ابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم ولكن كلام هؤلاء جار على اصطلاحهم إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره والمعتقد منهم لمعناه معقد لمعنى صحيح وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يعرف فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافرا وسيأتي الكلام على هذا أيضا في كتاب السير إن شاء الله تعالى وخرج أيضا ما إذا حكى الشاهد لفظ الكفر لكن الغزالي ذكر في الإحياء أنه ليس له حكايته إلا في مجلس الحكم فليتفطن له .
فإن قيل قوله أو قول كفر فيه دور فإن الردة أحد نوعي الكفر فكيف يقول أو قول كفر أجيب بأن المراد بالكفر في أحد الكفر الأصلي .
تنبيه : .
كان الأولى للمصنف أن يقول يقول بنية كفر أو قول أو فعل ليكون حذف لفظة كفر من الآخر لدلالة الأول عليه وتعبيره لا يتناول كفر المنافق فإنه لم يسبق له إسلام صحيح " فمن نفى " أي أنكر الصانع وهو الله سبحانه وهم الدهرية الزاعمون أن العالم لم يزل موجودا كذلك بلا صانع .
فإن قيل إطلاق " الصانع " على الله تعالى لم يرد في الأسماء الحسنى وإنما ذلك من عبارات المتكلمين المجوزين الإطلاق بالاشتقاق والراجح أن أسماءه تعالى توقيفية .
أجيب بأن البيهقي رواه في الأسماء والصفات وقال تعالى " صنع الله الذي أتقن كل شيء " وقال A إن الله صنع كل صانع وصنعته رواه الحاكم في أوائل المستدرك من حديث حذيفة وقال إنه صحيح على شرط مسلم .
ونفي ما هو ثابت لله تعالى بالإجماع كالعلم والقدرة أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كحدوثه أو قدم العالم كما قاله الفلاسفة قال المتولي أو أثبت له لونا أو اتصالا أو انفصالا .
تنبيه : .
اختلف في كفر المجسمة .
قال في المهمات المشهور عدم كفرهم وجزم في شرح المهذب في صفة ( 4 / 135 ) الأئمة بكفرهم .
قال الزركشي في خادمه وعبارة شرح المهذب من جسم تجسيما صريحا .
وكأنه احترز بقوله صريحا عمن يثبت الجهة فإنه لا يكفر كما قاله الغزالي وقال الشيخ عز الدين إنه الأصح وقال في قواعده إن الأشعري رجع عند موته عن تكفير أهل القبلة لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات اه " .
وأول نص الشافعي بتكفير القائل بخلق القرآن بأن المراد كفران النعمة لا الإخراج عن الملة قاله البيهقي وغيره من المحققين لإجماع السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة ومناكحتهم وموارثتهم .
فإن قيل قد كفر أصحابنا من اعتقد أن الكواكب فعالة فهلا كانت المعتزلة كذلك .
أجيب بأن صاحب الكواكب اعتقد فيها ما يعتقد في الإله من أنها مؤثرة في جميع الكائنات كلها بخلاف المعتزلة فإنهم قالوا العبد يخلق أفعال نفسه فقط .
أو .
نفى " الرسل " بأن قال من يرسلهم الله أو نفى نبوة نبي أو ادعى نبوة بعد نبينا A أو صدق مدعيها أو قال النبي A أسود أو أمرد أو غير قرشي أو قال النبوة مكتسبة أو تنال رتبتها بصفاء القلوب أو أوحى إلي ولم يدع نبوة " أو كذب رسولا " أو نبيا أو سبه أو استخف به أو باسمه أو باسم الله أو أمره أو وعده أو وعيده أو جحد آية من القرآن مجمعا على ثبوتها أو زاد فيه آية معتقدا أنها منه أو استخف بسنة كما لو قيل له كان النبي A إذا أكل لعق أصابعه الثلاثة فقال ليس هذا بأدب أو قيل له قلم أظفارك فإنه سنة فقال لا أفعل وإن كان سنة وقصد الاستهزاء بذلك كما صوبه المصنف أو قال لو أمرني الله ورسوله بكذا لم أفعل أو لو جعل الله القبلة هنا لم أصل إليها أو لو اتخذ الله فلانا نبيا لم أصدقه ولو شهد عندي نبي بكذا أو ملك لم أقبله أو قال إن كان ما قاله الأنبياء صدقا نجونا أو لا أدري النبي أنسي أو جني أو قال إنه جن أو صغر عضوا من أعضائه احتقارا أو صغر اسم الله تعالى أو قال لا أدري ما الإيمان احتقارا أو قال لمن حوقل لا حول لا تغني من جوع أو لو أوجب الله الصلاة على مع مرضي هذا لظلمني أو قال المظلوم هذا بتقدير الله فقال الظالم أنا أفعل بغير تقديره أو أشار بالكفر على مسلم أو على كافر أراد الإسلام بأن أشار عليه باستمراره على الكفر أو لم يلقن الإسلام طالبا منه أو استمهل منه تلقينه كأن قال له اصبر ساعة لأنه اختار الكفر على الإسلام كما نقله المصنف عن المتولي وأقره أو كفر مسلما بلا تأويل للكفر بكفر النعمة كما نقله في الروضة عن المتولي وأقره وهذا هو الظاهر الدال عليه الخبر وإن قال في شرح مسلم إن الخبر محمول على المستحل وقال في الأذكار يحرم تحريما مغلظا أو نودي بيا يهودي أو نحوه فأجاب وإن نظر فيه في الروضة أو قيله له ألست مسلما فقال لا أو سمى الله على شرب خمر أو زنا استخفافا باسمه تعالى أو قال لا أخاف القيامة وقال ذلك استخفافا كما قاله الأذرعي أو كذب المؤذن آذانه كأن قال له تكذب أو قال قصعة من ثريد خير من العلم أو قال لمن قال أودعت الله مالي أودعته من لا يتبع السارق إذا سرق وقال ذلك استخفافا كما قاله الأذرعي أو قال توفني إن شئت مسلما أو كافرا أو لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى أو شك في كفرهم أو قال أخذت مالي وولدي فماذا تصنع أيضا أو ماذا بقي لم تفعله أو أعطى من أسلم مالا فقال مسلم ليتني كنت كافرا فأسلم فأعطى مالا أو قال معلم الصبيان مثلا اليهود خير من المسلمين لأنهم ينصفون معلمي صبيانهم " أو حلل محرما بالإجماع كالزنا " واللواط والظلم وشرب الخمر ومن هذا لو اعتقد حقية المكس ويحرم تسميته حقا .
قال الرافعي ولم يستحسن الإمام إطلاق القول بتكفير من خالف حكم الإجماع ونحن لا نكفر من رد أصل الإجماع وإنما نبدعه ونضلله وأجاب الزنجاني عن ذلك بأن مستحل الخمر لا يكفر من حيث أنه خالف الإجماع فقط بل لأنه خالف ما ثبت ضرورة أنه من دين محمد A والإجماع والنص عليه .
وقال ابن دقيق العيد الحق أن المسائل الإجماعية إن صحبها التواتر كالصلاة كفر منكرها لمخالفة التواتر لا لمخالفة الإجماع وإن لم يصحبها التواتر لا يكفر " وعكسه " بأن حرم حلالا بالإجماع كالبيع والنكاح " أو نفى وجوب مجمع عليه " كان نفي وجوب ركعة من الصلوات الخمس " أو عكسه " بأن اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة من الصلاة المفروضة أو وجوب صوم يوم من شوال ( 4 / 136 ) .
تنبيه : .
لو قال أو نفى مشروعية مجمع عليه لشمل إنكار المجمع على ندبه فقد صرح البغوي في تعليقه بتكفير من أنكر مجمعا على مشروعيته من السنن كالرواتب وصلاة العيدين وهو لأجل تكذيب التواتر ويتعين فيما ذكر أن يكون الحكم المجمع عليه معلوما من الدين بالضرورة وإن لم يكن فيه نص بخلاف ما لا يعرفه إلا الخواص وإن كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وتحريم نكاح المعتدة فلا يكفر منكره للعذر بل يعرف الصواب ليعتقده وظاهر هذا أنه لو كان يعرفه أنه يكفر إذا جحده وظاهر كلامهم أولا أنه لا بد أن يعرفه الخاص والعام وإلا فلا يكفر وهذا هو الظاهر وأن يكون المحلل والمحرم والنافي والمثبت ممن لا يجوز خفاؤه عليه بخلاف غيره كمن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء .
أو عزم على الكفر غدا .
مثلا أو علقه على شيء " أو تردد فيه " حالا بطريان شك بناقض جزم النية بالإسلام وهذا وارد على الحد كما مر إذ لا قطع فيه " كفر " جواب لجميع ما مر من المسائل المذكورة فإن لم يناقض جزم النية به كالذي يجري في الكن فهو مما يبتلى به الموسوس ولا اعتبار به كما قاله الإمام واحترز المصنف بكذب رسولا عما لو كذب عليه فإنه لا يكفر خلافا للشيخ أبي محمد فإنه قال يكفر بذلك ويراق دمه .
قال الإمام وهذه زلة ولم أر ما قاله لأحد من الأصحاب والصواب أنه يعزر ولا يقتل ولا يكفر .
والفعل المكفر ما تعمده .
صاحبه " استهزاء صريحا بالدين أو جحودا له كإلقاء مصحف " وهو اسم للمكتوب من كلام الله بين الدفتين " بقاذورة " بذال معجمة لأنه صريح في الاستخفاف بكلام الله تعالى والاستخفاف بالكلام استخفاف بالمتكلم ويلتحق بالمصحف كتب الحديث .
قال الروياني أو أوراق العلوم الشرعية " وسجود لصنم " قال ابن المقري في هذا وفي إلقاء المصحف إن فعل ذلك استخفافا أي على وجه يدل على الاستخفاف وكأنه كما قال شيخنا احترز به في سجود الصنم عما لو سجد بدار الحرب فلا يكفر كما نقله القاضي عن النص وإن زعم الزركشي أن المشهور خلافه وفي إلقاء المصحف عما لو ألقاه في قذر خيفة أخذ الكافر له إذ الظاهر أنه لا يكفر به وإن حرم عليه " أو " سجود " شمس " أو غيرها من المخلوقات وكذا السحر الذي فيه عبادة كوكب لأنه أثبت لله شريكا .
تنبيه : .
يكفر من نسب الأمة إلى الضلال أو الصحابة إلى الكفر أو أنكر إعجاز القرآن أو غير شيئا منه أو أنكر الدلالة على الله في خلق السموات والأرض بأن قال ليس في خلقهما دلالة عليه تعالى أو أنكر بعث الموتى من قبورهم بأن يجمع أجزاءهم الأصلية ويعيد الأرواح إليها أو أنكر الجنة أو النار أو الحساب أو الثواب أو العقاب أو أقر بها لكن قال المراد بها غير معانيها أو قال إني دخلت الجنة وأكلت من ثمارها وعانقت حورها أو قال الأئمة أفضل من الأنبياء هذا إن علم معنى ما قاله لا إن جهل ذلك لقرب إسلامه أو بعده عن المسلمين فلا يكفر لعذره كما مر ولا إن قال مسلم لمسلم سلبه الله الإيمان أو لكافر لا رزقه الله الإيمان لأنه مجرد دعاه بتشديد الأمر والعقوبة عليه ولا إن دخل دار الحرب وشرب معهم الخمر وأكل لحم الخنزير ولا إن قال الطالب ليمين خصمه وقد أراد الخصم أن يحلف بالله تعالى لا أريد الحلف به بل بالطلاق أو العتاق ولا إن قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت ولا إن قرأ القرآن على ضرب الدف أو القصب أو قيل له تعلم الغيب فقال نعم أو خرج لسفر فصاح العقعق فرجع ولا إن صلى بغير وضوء متعمدا بنجس أو إلى غير القبلة ولم يستحل ذلك ولا إن تمنى حل ما كان حلالا في زمن قبل تحريمه كأن تمنى أن لا يحرم الله الخمر أو المناكحة بين الأخ والأخت أو الظلم أو الزنا أو قتل النفس بغير حق ولا إن شد الزنار على وسطه أو وضع فلنسوة المجوس على رأسه أو شد على وسطه زنارا أو دخل دار الحرب للتجارة أو لتخليص الأسارى ولا إن قال النصرانية خير من المجوسية أو المجوسية شر من النصرانية ولا إن قال لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها .
صرح بذلك كله في الروضة وفيها أيضا لو قال فلان في عيني كاليهودي والنصراني في عين الله أو بين يدي الله فمنهم من قال كفر ومنهم من قال إن أراد الجارحة كفر وإلا فلا .
قال الأذرعي والظاهر أنه لا يكفر مطلقا ( 4 / 137 ) لأنه ظهر منه ما يدل على التجسم والمشهور أنا لا نكفر المجسمة وفيها أيضا عن القاضي عياض أنه لو شفي مريض ثم قال لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما لم أستوجبه فقال بعض العلماء يكفر ويقتل لأنه يتضمن النسبة إلى الجور وقال آخرون لا يتحتم قتله ويستناب ويعزر اه " .
وقال المحب الطبري الأظهر أنه لا يكفر وقال صاحب الأنوار في مسألة لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها أنه يكفر والأولى كما قال الأذرعي أنه إن قال ذلك استخفافا أو استغناء كفر وإن أطلق فلا .
وقال الإسنوي في مسألة من صلى بنجس ما اقتضاه كلامه من كفر من استحل الصلاة بنجس ممنوع فإنه ليس مجمعا على تحريمها بل ذهب جماعة من العلماء إلى الجواز كما ذكره المصنف في مجموعه اه " .
وحيث كان كذلك فلا يكفر " .
فائدة : .
لا بدع ولا إشكال في العبارة المعزوة إلى إمامنا الشافعي Bه في قوله أنا مؤمن إن شاء الله فهي مروية عن عمر وصحت عن ابن مسعود وهي قول أكثر السلف والشافعية والمالكية والحنابلة و سفيان الثوري والأشعرية وحكي عن أبي حنيفة إنكارها .
قال الدميري وهو عجيب لأنها صحت عن ابن مسعود وهو شيخ شيخ شيخ شيخه والقائلون بجواز قولها اختلفوا في الوجوب وذكر العلماء لها محامل كثيرة والصواب عدم الاحتياج إلى تلك المحامل لأن حقيقة أنا مؤمن هو جواب الشرط أو دليل الجواب وكل منهما لا بد أن يكون مستقبلا فمعناه أنا مؤمن في المستقبل إن شاء الله وحينئذ لا حاجة إلى تأويل بل تعليقه واضح مأمور به بقوله تعالى " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله " ويعتبر فيمن يصير مرتدا بشيء مما مر أن يكون مكلفا مختارا " و " حينئذ " لا تصح ردة صبي " ولو مميزا " و " لا ردة " مجنون " تكليفهما فلا اعتداد بقولهما واعتقادهما .
تنبيه : .
المراد أنه لا يترتب عليهما حكم الردة وإلا فالردة فعل معصية كالزنا فكيف يوصف بالصحة عدمها " و " لا ردة " مكره " وقلبه مطمئن بالإيمان كما نص عليه الكتاب العزيز فإن رضي بقلبه فمرتد .
تنبيه : .
لو تجرد قلبه عند الإكراه على التلفظ عن اعتقاد إيمان وكفر ففي كونه مرتدا وجهان وينبغي أن لا يكون مرتدا لأن الإيمان كان موجودا قبل الإكراه وقول المكره ملغى ما لم يحصل منه اختيار لما أكره عليه كما لو أكره على الطلاق فإن العصمة كانت موجودة قبل الإكراه فإذا لم يحصل منه اختيار لما أكره عليه لم يقع عليه طلاق " ولو ارتد " ولم يستتب " فجن لم يقتل في جنونه " لأنه قد يعقل ويعود إلى الإسلام فإن قتل مجنونا لم يجب على قاتله شيء كما نقلاه عن التهذيب وأقراه وقضية هذا أن التأخير مستحب .
قال الإسنوي وهو غير مستقيم فإن تصحيح وجوب التوبة ينفيه .
قال الزركشي وظاهر نص الأم يقتضي وجوب التأخير وهو الوجه اه " .
وعلى هذا يعزر قاتله لتفويته الاستتابة الواجبة ويحمل قول المهذب لم يجب شيء أي من قصاص أو دية .
تنبيه : .
أشار المصنف بالتعبير بالفاء إلى تعقب الجنون الردة للاحتراز عما إذا ارتد واستتيب فلم يتب ثم جن فإنه يجوز قتله في حال جنونه ولو أقر بما يوجب حد الله تعالى ثم جن لا يقام عليه حينئذ احتياطا لأنه قد يرجع عن الإقرار فلو استوفى منه حينئذ لم يجب فيه شيء بخلاف ما لو ثبت ببينة أو أقر بقذف أو قصاص ثم جن فإنه يستوفى منه في جنونه لأنه لا يسقط برجوعه " والمذهب صحة ردة السكران " المتعدي بسكره كطلاقه وسائر تصرفاته وفي صحة استتابته حال سكره وجهان أحدهما نعم كما تصح ردته وعليه الجمهور ونقله الرافعي عن النص وقال العمراني إنه المذهب المنصوص و الإسنوي أنه المفتى به لكن يندب تأخيرها إلى الإفاقة خروجا من خلاف من قال بعدم صحة توبته وهو الوجه الثاني القائل بأن الشبهة لا تزول في تلك الحالة .
أما غير المتعدي بسكره كأن أكره على شربها فلا يحكم عليه بالارتداد كما في طلاقه وغيره " و " المذهب صحة " إسلامه " عن ردته ولو ارتد صاحيا ( 4 / 138 ) ثم أسلم معاملة لأقواله معاملة الصاحي .
تنبيه : .
قضية الاعتداد بإسلامه في السكر أنه لا يحتاج إلى تجديد بعد الإفاقة وليس مرادا فقد حكى ابن الصباغ عن النص أنه إذا أفاق عرضنا عليه الإسلام فإن وصفه كان مسلما من حين وصف الإسلام وإن وصف الكفر كان كافرا من الآن لأن إسلامه صح فإن لم يتب قتل " وتقبل الشهادة بالردة مطلقا " أي على وجه الإطلاق ويقضى بها من غير تفصيل كما في الروضة وأصلها تبعا للإمام لأن الردة لخطرها لا يقدم الشاهد بها إلا عن بصيرة " وقيل يجب التفصيل " أي استفسار الشاهد بها لاختلاف المذاهب في التكفير والحكم بالردة عظيم فيحتاط له .
قال الأذرعي هذا هو المذهب الذي يجب القطع به .
وقال الإسنوي إنه المعروف عقلا ونقلا قال وما نقل عن الإمام بحث له .
وقال الدميري والذي صححه الرافعي تبع فيه الإمام وهو لم ينقله عن أحد وإنما هو من تخريجه .
فإن قيل يدل على التفصيل ما قالاه فيمن مات عن ابنين مسلمين فقال أحدهما ارتد فمات كافرا أن الأظهر أنه لا بد من بيان سبب كفره خلافا لما جرى عليه المصنف من عدم التفصيل كما سيأتي لأنه قد لا يتوهم ما ليس بكفر كفرا .
أجيب بأنه هنا حي يمكنه أن يأتي بالشهادتين بخلافه بعد الموت ولهذا قال بعضهم ولما كانت الشهادة عند من يقبل التوبة ك الشافعي قبلت مطلقة ثم يقول له القاضي تلفظ بالشهادتين ولا حاجة إلى السؤال عن السبب فإن امتنع كان امتناعه قرينة لا يحتاج الشاهد معها إلى ذكر السبب وإن كان عند من لا يقبل التوبة كالمالكي فلا تقبل إلا مفصلة واعترض بأنه وإن كان عند من يقبل التوبة فيبقى فيه عار على الإنسان وبهذا يرد على الجواب المتقدم وحينئذ فلا بد من التفصيل وهو كما قال شيخنا أوجه .
تنبيه : .
محل الخلاف كما قال البلقيني إذا شهدا بأنه ارتد عن الإيمان فلو شهد بأنه ارتد ولم يقولا عن الإيمان أو قالا كفر ولم يقولا بالله لم تقبل هذه الشهادة قطعا " فعلى الأول " وهو قبولها مطلقا " لو شهدوا " المراد اثنان فأكثر على شخص " بردة " ولم يفصلوا " فأنكر " المشهود عليه " حكم " عليه " بالشهادة " ولا ينفعه إنكاره بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلما لأن الحجة قامت والتكذيب والإنكار لا يرفعه كما لو قامت البينة بالزنا فأنكره أو كذبهم لم يسقط عنه الحد فإن أتى بما يصيره مسلما قبل الحكم امتنع الحكم بالشهادة بالردة كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه ولكن يحكم عليه بما يترتب عليها من بينونة زوجاته إذا كان قبل الدخول بهن أو بعده وانقضت العدة وهل ينعزل عن وظائفه التي يعتبر فيها الإسلام أو لا خلاف الظاهر الأول .
تنبيه : .
شمل قوله شهدوا بردة ما إذا شهدوا على إنشائه أو إقراره بالزنا فأنكره لأنه لو أقر بهما ثم رجع قبل رجوعه وقوله فعلى الأول لا يختص بالأول بل الحكم كذلك إذا شرطنا التفصيل فكان ينبغي للمصنف أن يقول فعلى القولين أو يطلق التفريع ولو لم تقم عليه بينة فطلب المدعى عليه من القاضي الحكم بعصمة دمه خوفا من أن تقوم عليه بينة زور عند من لا يرى قبول توبته فللقاضي تجديد إسلامه والحكم بعصمة دمه كما أفتى به جمع من المتأخرين وصوبه وإن قال ابن دقيق العيد ليس للحاكم ذلك إلا بعد اعترافه أو إقامة بينه عليه .
وهل يجوز للشافعي مثلا أن يشهد بالكفر أو بالتعرض بالقذف أو بما يوجب التعزير عند من يعلم أنه لا يقبل التوبة ويحد بالتعريض ويعزر بأبلغ ما يوجبه الشافعي والظاهر كما قال الزركشي المنع فإن علم الشاهد أن لسانه سبق إلى كلمة كفر ولم يقصد ذلك فلا يحل له أن يشهد عليه قطعا وقد حكى الرافعي مثله من الطلاق .
فلو .
صدق شخص من شهد عليه بردة ولكن " قال كنت مكرها واقتضته قرينة " مشعرة بذلك " كأسر كفار " له " صدق بيمينه " عملا بالقرينة المشعرة بذلك وإنما حلف لاحتمال أنه كان مختارا والظاهر كما قال الزركشي أن هذه اليمين مستحبة " وإلا " بأن لم تقتضه ( 4 / 139 ) قرينة بأن كان في دار كفر وسبيله مخلى " فلا " يقبل قوله فيحكم ببينونة زوجته غير المدخول بها ويطالب بالنطق بالشهادتين لانتفاء القرينة " ولو " لم يقل الشاهد إن ارتد ولكن " قالا لفظ لفظ كفر " أو فعل فعله " فادعى إكراها " بعد أن صدقهما على ذلك " صدق " بيمينه " مطلقا " بقرينة ودونها لأنه ليس فيه تكذيب البينة بخلاف المسألة قبلها لأن الإكراه ينافي الردة ولا ينافي التلفظ بكلمة الردة ولا الفعل المكفر ويندب أن يجدد كلمة الإسلام فإن قتل قبل اليمين فهل يضمن لأن الردة لم تثبت أو لا لأن لفظ الردة وجد الأصل الاختيار قولان أوجههما كما قال شيخنا الثاني .
تنبيه : .
استشكل الرافعي تصوير هذه المسألة بأنه إن اعتبر تفصيل الشهادة فمن الشرائط الاختيار فدعوى الإكراه تكذيب الشاهد أولا فالاكتفاء بالإطلاق إنما هو فيما إذا شهدا بالردة لتضمنه حصول الشرائط أما إذا قال إنه تكلم بكذا فيبعد أن يحكم به ويقنع بأن الأصل الاختيار .
وأجيب باختيار الأول ويمنع قوله فمن الشرائط الاختيار وباختيار الثاني ولا يبعد أن يقنع بالأصل المذكور لاعتضاده بسكوت الشهود عليه مع قدرته على الدفع .
فإن قيل في الروضة وأصلها في الإكراه في الطلاق أنه لو تلفظ به ثم قال كنت مكرها وأنكرت زوجته ذلك لم يقبل قوله إلا أن يكون محبوسا أو كان هناك قرينة أخرى فهلا كان هنا كذلك كما قال به البلقيني .
أجيب بأن الحق هنا لله تعالى فسومح فيه بخلافه في الطلاق فإن الحق فيه لآدمي فشدد فيه " ولو مات " من هو " معروف بالإسلام عن ابنين مسلمين فقال أحدهما " أي الابنين " ارتد " أي الأب " فمات كافرا " وأنكر الآخر " فإن بين سبب كفره " كأن قال تكلم بما يوجب الكفر أو سجد لصنم " لم يرثه ونصيبه فيء " لبيت المال لأن المرتد لا يورث " وكذا " يكون نصيبه فيئا " إن أطلق " أي لم يبين سبب كفره " في الأظهر " لأنه أقر بكفره فعومل بمقتضى إقراره فلم يرث منه وهذا الترجيح تبع فيه المحرر والثاني هو الأظهر في الشرح الصغير والروضة أنه يستفصل فإن ذكر ما هو كفر كان كافيا وإن ذكر ما ليس كفرا كأن قال كان يشرب الخمر صرف إليه وإن لم يذكر شيئا وقف الأمر كما نص عليه الشافعي ونقله الإمام عن العراقيين وأقره .
فروع لو ارتد أسير أو غيره مختارا ثم صلى في دار الحرب حكم بإسلامه لا إن صلى في دارنا لأن صلاته في دارنا قد تكون تقية خلافها في دارهم لا تكون إلا عن اعتقاد صحيح ولو صلى كافرا صلى ولو في دارهم لم يحكم بإسلامه بخلاف المرتد لأن علقة الإسلام باقية فيه والعود أهون من الابتداء فسومح فيه إلا أن يسمع تشهده في الصلاة فيحكم بإسلامه .
فإن قيل إسلامه حينئذ باللفظ والكلام في خصوص الصلاة الدالة بالقرينة .
أجيب بأن فائدة ذلك رفع إبهام أنه لا أثر للشهادة فيها لاحتمال الحكاية ولو أكره أسير أو غيره على الكفر ببلاد الحرب لم يحكم بكفره كما مر فإن مات هناك ورثة وارثه المسلم فإن قدم علينا عرض عليه الإسلام استحبابا لاحتمال أنه كان مختارا كما لو أكره على الكفر بدارنا فإن امتنع من الإسلام بعد عرضه عليه حكمنا بكفره من حين كفره الأول لأن امتناعه يدل على أنه كافرا من حينئذ فلو مات قبل العرض والتلفظ بالإسلام فهو مسلم كما لو مات قبل قدومه علينا .
ثم شرع في بيان أحكام الردة بعد وقوعها فقال " وتجب استتابة المرتد والمرتدة " قبل قتلهما لأنهما كانا محترمين بالإسلام فربما عرضت لهما شبهة فيسعى في إزالتها لأن الغالب أن الردة تكون عن شبهة عرضت وثبت وجوب الاستتابة عن عمر Bه وروى الدارقطني عن جابر أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت فأمر النبي A أن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت .
ولا يعارض هذا النهي عن قتل النساء الذي استدل به أبو حنيفة لأن ذلك محمول على الحربيات وهذا على المرتدات ولهذا نص المصنف على المرأة إشارة إلى الخلاف ( 4 / 140 ) لكن كان الأولى أن يعبر كما في المحرر بقتل المرتد إن لم يتب رجلا كان أو امرأة لأن خلاف أبي حنيفة في قتلها لا في استتابتها فإنه قال تحبس وتضرب إلى أن تموت أو تسلم " وفي قول تستحب " استتابته " كالكافر " الأصلي .
فإن قيل يدل لذلك أنه A لم يستتب العرنيين .
أجيب بأنهم حاربوا والمرتد إذا حارب لا يستتاب " وهي " أي الاستتابة على القولين معا " في الحال " في الأظهر فإن تاب وإلا قتل لأن قتله المرتب عليها حد فلا يؤخر كسائر الحدود وقد مر أن السكران يسن تأخيره إلى الصحو ولو سأل المرتد إزالة شبهة نوظر بعد إسلامه لا قبله لأن الشبهة لا تنحصر وهذا ما صححه الغزالي كما في نسخ الرافعي المعتمدة وهو الصواب ووقع في أكثر نسخ الروضة تبعا لنسخ الرافعي السقيمة أن الأصح عند الغزالي المناظرة أولا والمحكي عن النص عدمها وإن شكا قبل المناظرة جوعا أطعم ثم نوظر " وفي قول " يمهل فيها على القولين " ثلاثة أيام " لأثر عن عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك وأخذ به الإمام مالك .
وقال الزهري يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات فإن أبى قتل وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه يستتاب شهرين .
وقال النخعي والثوري يستتاب أبدا وعلى التأخير يحبس مدة الإمهال ولا يخلى سبيله .
فإن .
لم يتب الرجل والمرأة عن الردة بل " أصرا " عليها " قتلا " لقوله A من بدل دينه فاقتلوه رواه البخاري ويقتله الإمام أو نائبه إن كان حرا لأنه قتل مستحق لله تعالى فكان للإمام ولمن أذن له كرجم الزاني هذا إن لم يقاتل فإن قاتل جاز قتله لكل من قدر عليه ويجوز للسد فتل رقيقه المرتد على الأصح ويقتل بضرب العنق دون الإحراق ونحوه للأمر بإحسان القتلة فإن خالف وقتله بغيره أو قتله غير الإمام أو نائبه بغير إذنه عزر الأول لعدوله عن المأمور به .
والثاني لافتياته ولا شيء عليه من قصاص أو دية .
نعم قتله مرتد قتل به كما مر في الجنايات .
قال الماوردي ولا يدفن المرتد في مقابر المسلمين لخروجه بالردة عنهم ولا في مقابر الكفار لما تقدم له من حرمة الإسلام اه " .
والذي يظهر أن حرمة الإسلام انقطعت بموته كافرا فلا مانع من دفنه في مقابر الكفار قد مر أن الردة أفحش الكفر " وإن " كان كل من الرجل والمرأة ارتدا إلى دين لا تأويل لأهله كعبدة الأوثان ومنكري النبوات ومن يقر بالتوحيد وينكر نبوة محمد A ثم " أسلم صح " إسلامه إذا أتى بالشهادتين قال ابن النقيب في مختصر الكفاية وهما أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهذا يؤيد من أفتى من بعض المتأخرين بأنه لا بد أن يأتي بلفظ في أشهد الشهادتين وإلا لا يصح إسلامه .
وقال الزنكلوني في شرح التنبيه وهما لا إله إلا الله محمد رسول الله وظاهره أن لفظه أشهد لا تشترط في الشهادتين وهو يؤيد من أفنى بعدم الاشتراط وهي واقعة حال اختلف المفتون في الإفتاء في عصرنا فيها والذي يظهر لي أن ما قاله ابن النقيب محمول على الكمال وما قاله الزنكلوني محمول على أقل ما يحصل به الإسلام فقد قال A أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله رواه البخاري ومسلم ولا بد من ترتيب الشهادتين بأن يؤمن بالله ثم رسوله فإن عكس لم يصح ما في المجموع في الكلام على ترتيب الوضوء وقال الحليمي إن الموالاة بينهما لا تشترط فلو تأخر الإيمان بالرسالة عن الإيمان بالله تعالى مدة طويلة صح قال وهذا بخلاف القبول في البيع والنكاح لأن حق المدعو إلى دين الحق أن يدوم ولا يختص بوقت دون وقت فكأن العمر كله بمنزلة المجلس " و " إذا قال كل منهما ذلك " ترك " ولو كان زنديقا أو تكرر ذلك منه ولا يشترط مضي مدة الاستبراء لقوله تعالى " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " .
نعم يعزر من تكرر ذلك منه لزيادة تهاونه بالدين فيعزر في المرة الثانية فما بعدها ولا يعزر في المرة الأولى وحكى ابن يونس الإجماع عليه .
وقال أبو حنيفة إنما يعزر في الثالثة ونقل عن أبي إسحق المروزي أنه يقتل في الرابعة .
قال الإمام وعد هذا من هفواته اه " .
ولا يصح هذا عن أبي إسحق وإنما هو منسوب لإسحق بن راهويه كما قاله القاضي حسين وغيره .
تنبيه : .
كان الأولى للمصنف أن يثني أسلم و ترك ليوافق ما قبله ولكن يحصل بما قدرته " وقيل لا يقبل ( 4 / 141 ) أي لا يصح " إسلامه إن ارتد إلى كفر خفي كزنادقة " وهم من يظهر الإسلام وبخفى الكفر كما قالاه هنا وفي الفرائض وصفة الأئمة وقالا في اللعان هم من لا ينتحل دينا وصوبه في المهمات وقال الأذرعي أنه الأقرب فإن الأول هو المنافق وقد غايروا بينهما " و " قيل لا يقبل إسلامه إن ارتد إلى كفر " باطنية " وهم القائلون بأن للقرآن باطنا وأنه المراد منه دون الظاهر وقيل هم ضرب من الزنادقة يزعمون أن الله خلق شيئا ثم خلق منه شيئا آخر يدبر العالم وسموا الأول العقل والثاني النفس وإن كان ارتد إلى دين يزعم أهله أن محمدا A مبعوث إلى العرب خاصة أو إلى دين من يقول رسالته حق لكنه لم يظهر بعد أو جحد فرضا أو تحريما لم يصح إسلامه إلا أن يقر بأن محمدا A رسول إلى جميع الخلق ويرجع الثاني عما اعتقده ولا يكفي شهادة الفلسفي وهو النافي لاختيار الله تعالى أن الله علة الأشياء ومبدؤها حتى يشهد بالاختراع والإحداث من العدم ولا يكفي الطبائعي القائل بنسبة الحياة والموت إلى الطبيعة لا إله إلا المحيي المميت حتى يقول لا إله إلا الله ونحوه من أسمائه تعالى التي لا تأويل له فيها .
وأما البرهمي وهو موحد ينكر الرسل فإن قال مع لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مؤمن وإن لم يذكر غيره من الرسل لا إن قال عيسى وموسى وكل نبي قبل محمد A رسل الله لأن الإقرار برسالة محمد A إقرار برسالة من قبله لأنه شهد لهم وصدقهم فإن قيل كما أن محمدا A شهد لهم وصدقهم فقد شهدوا له وبشروا به .
أجيب بأن شريعته ناسخة لما قبلها باقية بخلاف شريعة غيره .
والمعطل إذا قال محمد رسول الله قيل يكون مؤمنا لأنه أثبت المرسل والرسول والأصح أنه لا بد أن يأتي بالشهادتين كغيره ولو أقر يهودي برسالة عيسى لم يجبر على الإسلام كما لو أقر ببعض شرائع الإسلام كالصلوات الخمس وتقبل توبة مكذبه A وكذا قاذفه على الأصح وقال أبو بكر الفارسي إنه يقتل حدا ولا يسقط بالتوبة .
وقال الصيدلاني يجلد ثمانين جلدة لأن الردة ارتفعت بإسلامه وبقي جلده " .
فائدة : .
يصح الإسلام بسائر اللغات كما قاله ابن الصباغ وغيره وبإشارة الأخرى .
نعم لو لقن العجمي الكلمة العربية فقالها ولم يعرف معناها لم يكف ويسن امتحان الكافر بعد الإسلام بتقريره بالبعث بعد الموت .
ولو قال بدل محمد رسول الله في الشهادتين أحمد أو أبوالقاسم رسول الله كفاه ولو قال النبي بدل رسول الله كفاه لا الرسول فإنه ليس كرسول الله فلو قال آمنت بمحمد النبي كفى بخلاف آمنت بمحمد الرسول لأن النبي لا يكون إلا لله تعالى والرسول قد يكون لغيره .
وبخلاف آمنت بمحمد كما فهم بالأولى .
تنبيه : .
غير وسوى وما عدا أو نحوها في الاستثناء قالا في الاكتفاء بها كقوله لا إله غير الله أو سوى الله أو ما عدا الله أو ما خلا الله .
ولو قال كافر أنا منكم أو مثلكم أو مسلم أو ولي محمد أو أحبه أو أسلمت أو آمنت لم يكن اعترافا بالإسلام لأنه قد يريد أنا منكم أو مثلكم في البشرية أو نحو ذلك من التأويلات فإن قال آمنت أو أسلمت أو أنا مؤمن أو مسلم مثلكم أو أنا من أمة محمد A أو دينكم حق أو قال أنا برىء من كل من يخالف الإسلام أو اعترف من كفر بإنكاري وجوب شيء بوجوبه ففيه طريقتان إحداهما وهي ما عليها الجمهور وهي الراجحة لا يكون ذلك اعترافا بالإسلام .
والثانية ونسبها الإمام للمحققين أنه يكون اعترافا به ولو قال أنا برىء من كل ملة تخالف الإسلام لم يكف على الطريقتين .
لأنه لا ينفي التعطيل الذي يخالف الإسلام .
وهو ليس بملة ولو قال لارحمن أو لابارىء إلا الله أو من آمن به المسلمون لم يكف كما قاله بعض المتأخرين خلافا للحليمي .
ومن قال آمنت بالذي لا إله غيره لم يكن مؤمنا بالله .
لأنه قد يريد الوثن وكذا لا إله إلا المالك أو الرزاق لأنه قد يريد السلطان الذي يملك أمر الجند ويرتب أرزاقهم فإن قال آمنت بالله ولم يكن على دين قبل ذلك صار مؤمنا بالله فيأتي بالشهادة الأخرى وإن كان مشركا لم يصر مؤمنا حتى يضم إليه وكفرت بما كنت أشركت به .
ومن قال بقدم غير الله كفى للإيمان بالله أن يقول لا قديم إلا الله كمن لم يقل به ومن لم يقل به يكفيه أيضا الله ربي .
وولد ( 4 / 142 ) المرتد إن انعقد قبلها .
أي الردة " أو " انعقد " بعدها " أي فيها " وأحد أبويه مسلم فمسلم " ذلك الولد بالتبعة للمسلم تغليبا للإسلام " أو " وأبواه " مرتدان فمسلم " أيضا لبقاء علقة الإسلام فيهما ولم يصدر منه كفر وهذا ما رجحه المحرر تبعا لجمع وعليه لا يسترق " وفي قول " هو " مرتد " تبعا لهما وعلى هذا لا يسترق في أصح الوجهين كما لا يسترق أبواه ولا يقتل حتى يبلغ ويستتاب فإن أصر قتل " وفي قول " هو " كافر أصلي " لتولده بين كافرين ولم يباشر الردة حتى يغلظ عليه " قلت الأظهر " هو " مرتد " إذا لم يكن في أصول أبويه مسلم " ونقل العراقيون " القاضي الحسين و ابن الصباغ و البندنيجي وغيرهم " الاتفاق على كفره والله أعلم " فإن كان في أصول أبويه مسلم فهو مسلم تبعا له كما مر ذلك في باب اللقيط .
تنبيه : .
ما إدعاه من نقل الاتفاق اعتمد فيه قول القاضي أبي الطيب أنه لا خلاف فيه كما قاله في الروضة واعترض بأن الصيمري شيخ الماوردي من كبارهم وقد جزم بأنه مسلم ولم يحك ابن المنذر عن الشافعي غيره وقال البلقيني إن نصوص الشافعي قاضية به وأطال في بيانه وذكر نحوه الزركشي وفي تعبير المصنف بمرتد وكافر أصلي تسمح والأولى أن يقال فهو على حكم الكفر وسكت الأصحاب هنا عما لو أشكل علوقه هل قبل الردة أو بعدها والظاهر كما قال الدميري أنه على الأقوال لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمان ويدل له كلامهم في الوصية للحمل وأولاد المبتدعة من المسلمين إذا كفرناهم الظاهر كما قاله الدميري أيضا أنهم مسلمون ما لم يعتقدوا بعد بلوغهم كفرا لأنهم ولدوا على الإسلام واعتقاد الأب لا يسري إلى الولد وقد تقدم في اللقيط حكم أطفال أولاد المشركين .
وفي زوال ملكه .
أي المرتد " عن ماله " الحاصل قبلها أو فيها بنحو اصطياد " بها " أي الردة " أقوال أظهرها " الوقف كبضع زوجته سواء التحق بدار الحرب أم لا فعليه " ان هلك مرتدا بأن زواله بها " أي الردة فما ملكه فيء وما تملكه من احتطاب ونحوه باق على الإباحة " وإن أسلم بان أنه لم يزل " لأن بطلان أعماله تتوقف على هلاكه على الردة فكذا زوال ملكه .
والثاني يزول بنفس الردة لزوال العصمة بردته فماله أولى .
والثالث لا يزول لأن الكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي " و " يتفرع " على " هذه " الأقوال " أنه " يقضى منه " مال المرتد " دين لزمه قبلها " بإتلاف أو غيره لأنا إن قلنا ببقاء ملكه أو موقوف فواضح وإن قلنا بزواله فهي لا تزيد على الموت والدين يقدم على حق الورثة فكذا على حق الفيء وإذا مات على الردة وعليه دين وفي ثم إن بقي شيء صرف لبيت المال وهل ينتقل جميعه لبيت المال فيئا متعلقا به الدين كما تنتقل التركة للورثة كذلك أو لا ينتقل للفيء إلا الفاضل عن الدين القياس الأول وإن كان ظاهر كلام مختصر التبريزي الثاني .
تنبيه : .
هل يصير محجورا عليه بنفس الردة أم لا بد من ضرب القاضي فيه وجهان .
وقيل قولان .
قال ابن النقيب أصحهما الثاني وجزم به جماعة .
وقال الماوردي إن الجمهور عليه ولكن مقتضى كلام الشيخين الأول وهو الظاهر وعلى الثاني هل هو كحجر الفلس أو السفه أو المرض .
فيه أوجه أصحها أولها " وينفق عليه " أي المرتد زمن استتابته " منه " أي ماله وتجعل حاجته للنفقة كحاجة الميت إلى التجهيز بعد زوال الملك بالموت " والأصح يلزمه غرم إتلافه " مال غيره " فيها " أي الردة حتى لو ارتد جمع وامتنعوا عن الإمام ولم يصل إليهم إلا بقتال فما أتلفوا في القتال إذا أسلموا ضمنوه على الأظهر كما مرت الإشارة إليه في الباب الذي قبل هذا وإن صحح في البيان عدم الضمان " و " الأصح يلزمه " نفقة زوجات وقف نكاحهن وقريب " لأنها حقوق متعلقة به ( 4 / 143 ) هذا هو المنصوص عليه في الأم والمختصر والثاني لا يلزمه ذلك لأنه لا مال له .
تنبيه : .
هذا الخلاف مفرع على القول بزوال ملكه كما ذكره في الشرح والروضة فإن قلنا ببقاء ملكه أو موقوف لزمه ذلك قطعا وسكت المصنف عن نفقة الرقيق قال في المطلب وشك أنه ينفق عليه منه مطلقا والظاهر كما قال الأذرعي أن أم الولد إذا قلنا بزوال ملكه كالزوجة " وإذا وقفنا ملكه " وهو الأظهر كما مر وفرعنا عليه " فتصرفه " الواقع منه في ردته " إن احتمل " أي قبل " الوقف " بأن قبل التعليق " كعتق وتدبير ووصية موقوف " لزومه كما قاله الإمام " إن أسلم نفذ " بمعجمة أي بان نفوذه " وإلا " بأن مات مرتدا " فلا " ينفذ لأن الوقف لا يضره " وبيعه وهبته ورهنه وكتابته " ونحوها مما لا يقبل الوقف " باطلة " بناء على بطلان وقف العقود وهو الجديد " وفي القديم " هي " موقوفة " بناء على صحة وقف العقود فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا .
تنبيه : .
ما ذكره في الكتابة من أنها على قولي وقف العقود حتى تبطل على الجديد هو المعتمد كما ذكره في المحرر هنا وفي الكتابة وصوبه في الروضة هنا وإن رجحا في الشرحين والروضة في باب الكتابة صحتها ورجحه البلقيني " وعلى الأقوال " السابقة " يجعل ماله مع " أي عند " عدل " يحفظه " وأمته عند امرأة ثقة " أو من يحل له الخلوة بها كالمحرم احتياطا لتعليق حق المسلمين به .
تنبيه : .
قد يفهم كلامه أنه يكفي بالجعل المذكور على قوله بقاء ملكه وليس مرادا بل عليه لا بد من ضرب الحجر عليه كما نص عليه الشافعي C " ويؤدي مكاتبه النجوم إلى القاضي " حفظا لها ويعنق بذلك وإنما لم يقبضها المرتد لأن قبضه غير معتبر ولو أدى في الردة زكاة وجبت عليه قبلها ثم أسلم قال القفال ينبغي أن لا تسقط ولكن نص الشافعي على السقوط لأن المراد بالنية هنا التمييز .
خاتمة لو امتنع مرتدون ينحو حصن بدأنا بقتالهم لأن كفرهم أغلظ كما مر ولأنهم أعرف بعورات المسلمين واتبعنا مدبرهم وذففنا على جريحهم واستتبنا أسيرهم وعليهم ضمان ما أتلفوه في حال القتال كما مر ويقدم القصاص على قتل الردة وتجب الدية حيث لزمته في ماله مطلقا لأنه عاقلة له معجلة في العمد ومؤجلة في غيره فإن مات حلت لأن الأجل يسقط بالموت ولا يحل الدين المؤجل بالردة ولو وطىء مرتدة بشبهة كأن وطئها مكرهة أو استخدم المرتد أو المرتدة إكراها فوجوب المهر والأجرة موقوفان ولو أتى في ردته ما يوجب حدا كأن زنى أو سرق أو قذف أو شرب خمرا حد ثم قتل