في الضمان وما يذكر معه إذا " اصطدما " أي حران كاملان راكبان أو ماشيان أو راكب وماش طويل سواء أكانا مقبلين أو مدبرين أم أحدهما مقبلا والآخر مدبرا كما يشعر به إطلاقه وإن قيد الرافعي بالمدبرين .
وقيد المصنف الاصطدام بقوله " بلا قصد " كاصطدام أعميين أو غافلين أو كانا في ظلمة ليشمل ما إذا غلبتهما الدابتان وسيأتي محترز في كلامه .
واستقيد تقييد الاصطدام بالحرين من قوله " فعلى عاقلة كل " منهما " نصف دية مخففة " أما كونه نصف دية فلأن كل واحد هلك بفعله وفعل صاحبه فيهدر النصف كما لو جرحه مع جراحة نفسه وأما كونها مخففة على العاقلة فلأنه خطأ محض .
ولا فرق في ذلك بين أن يقعا منكبين أو مستلقيين ( 4 / 90 ) أو أحدهما منكبا والآخر مستلقيا اتفق المركوبان كفرسين أو لا كفرس وبعير وبغل اتفق سيرهما أو اختلف كأن أحدهما يعدو والآخر يمشي على هينته " وإن قصدا " جميعا الاصطدام " فنصفها مغلظة " على عاقلة كل منهما لورثة الآخر أما كونها نصف دية فلما مر وأما كونها مغلظة على العاقلة فلأن القتل حينئذ شبه عمد لأن الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت فلا يتحقق فيه العمد المحض ولذلك لا يتعلق به القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر " أو " قصد " أحدهما " الاصطدام دون الآخر وماتا " فلكل " منهما " حكمه " من التخفيف والتغليظ .
تنبيه : .
محل ذلك ما إذا لم تكن إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها فإن كانت كذلك لم يتعلق بحركتها حكم كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة نقله في الروضة عن الإمام وأقره وجزم به ابن عبد السلام ولا ينافيه قول الشافعي رضي الله تعالى عنه سواء أكان أحد الراكبين على فيل والآخر على كبش لأنا لا نقطع بأنه لا أثر لحركة الكبش مع حركة الفيل ومثل ذلك يأتي في الماشيين كما قاله ابن الرفعة وغيره " والصحيح أن على كل " منهما في تركته " كفارتين " إحداهما لقتل نفسه والأخرى لقتل صاحبه لاشتراكهما في إهلاك نفسين بناء على أن الكفارة لا تتجزأ وأن قاتل نفسه عليه كفارة وهو الأظهر .
والثاني على كل كفارة بناء على أنها تتجزأ وإن ماتا مع مركوبيهما فكذلك الحكم دية وكفارة " و " يزاد على ذلك أن " في تركة كل " منهما " نصف قيمة دابة الآخر " أي مركوبه لاشتراكهما في الإتلاف مع هدر فعل كل منهما في حق نفسه وقد يجيء التقاص في ذلك ولا يجيء في الدية إلا أن يكون عاقلة كل منهما ورثته وعدمت الإبل .
تنبيه : .
هذا إذا كانت الدابتان لهما فإن كانتا لغيرهما كالمعارتين والمستأجرتين لم يهدر منهما شيء لأن المعار ونحوه مضمون وكذا المستأجر ونحوه إذا أتلفه ذو اليد وقد أشار المصنف إلى هذا في السفينتين حيث قال إن كانتا لهما ولا فرق بين الدابتين والسفينتين وكان ينبغي تقييد المقدم وإطلاق المؤخر ليحمل عليه .
أما غير الحرين الكاملين فسيأتي حكمهما على الأثر .
فروع لو كان مع كل من المصطدمين بيضة وهي ما تجعل على الرأس فكسرت ففي البحر أن الشافعي رضي الله تعالى عنه قال على كل منهما نصف قيمة بيضة الآخر ولو تجاذبا حبلا لهما أو لغيرهما فانقطع وسقطا وماتا فعلى عاقلة كل منهما نصف دية الآخر وهدر الباقي لأن كل منهما مات بفعله وفعل الآخر سواء أسقطا منكبين أم مستلقيين أم أحدهما منكبا والآخر مستلقيا فإن قطعه غيرهما فماتا فديتهما على عاقلته لأنه القاتل لهما وإن مات أحدهما بإرخاء الآخر الحبل فنصف ديته على عاقلته وهدر الباقي لأنه مات بفعلهما وإن كان الحبل لأحدهما والآخر ظالم فالظالم هدر وعلى عاقلته نصف دية المالك ولو كان شخص يمشي فوقع مداسه على مؤخر مداس غيره وتمزق لزمه نصف الضمان لأنه تمزق بفعله وفعل صاحبه " وصبيان أو مجنونان " أو صبي ومجنون في اصطدامهما " ككاملين " فيما سبق فيهما ومنه التغليظ بناء على أن عمدهما عمد وهو الأصح إن كانا مميزين هذا إن ركبا بأنفسهما وكذا إن أركبهما وليهما لمصلحتهما وكانا ممن يضبط المركوب " وقيل " ونص عليه في الأم " إن أركبهما الولي تعلق به الضمان " لما فيه من الخطر وجوازه مشروط بسلامة العاقبة والأصح المنع كما لو ركبا بأنفسهما .
تنبيه : .
لأن الخلاف كما نقلاه عن الإمام وأقراه إذا أركبهما لزينة أو لحاجة غير مهمة فإن أرهقت إلى إركابهما حاجة كنقلهما من مكان إلى مكان فلا ضمان عليه قطعا قالا ومحله أيضا عند ظن السلامة فإن أركبهما الولي دابة شرسة جموحا ضمن الولي لتعديه .
قال الأذرعي ومحله أيضا فيمن يستمسك على الدابة فلو أركبه دابة هادية وهو لا يستمسك عليها تعلق به الضمان .
قال ابن الرفعة ويستثنى من عدم تضمين الولي ما إذا كانا غير مميزين كابن ( 4 / 91 ) سنة وسنتين فأركبهما الولي فيجب على عاقلته دية كل منهما .
قال البلقيني وينبغي أن يضاف إلى ما ذكره الإمام أن لا ينسب الولي إلى تقصير في ترك من يكون معهما ممن جرت العادة بإرساله معهما .
قال والمراد بالولي هنا ولي الحضانة الذكر لا ولي المال وذلك ظاهر من قول الشافعي رضي الله تعالى عنه وبسط بذلك ثم قال ولم أر من تعرض له .
وقال الزركشي في التكملة يشبه أن من له ولاية التأديب من أب وغيره خاص وغيره .
وقال في الخادم ظاهر كلامهم ولي المال اه " .
والأوجه كلام البلقيني .
ولو أركبهما أجنبي .
بغير إذن الولي ولو لمصلحتهما " ضمنهما ودابتيهما " لتعديه بإركابهما وحكى ابن المنذر فيه الإجماع .
تنبيه : .
شمل إطلاقه تضمين الأجنبي ما لو تعمد الصبيان الاصطدام وهو كذلك وإن قال في الوسيط يحتمل إحالة الهلاك عليهما بناء على أن عمدهما عمد واستحسنه الشيخان لأن هذه المباشرة ضعيفة فلا يعول عليها كما قاله شيخي .
وقوله ضمنهما ودابتيهما ليس على إطلاقه بل الضمان الأول على عاقلته والثاني عليه وقضية كلام الجمهور أن ضمان المركب بذلك ثابت وإن كان الصبيان ممن يضبطان الركوب وهو كذلك وإن كان قضية نص الأم أنهما إن كانا كذلك فهما كما لو ركبا بأنفسهما وجزم به البلقيني أخذا من النص المشار إليه وإن وقع الصبي فمات ضمنه المركب كما قاله الشيخان وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون إركابه لغرض من فروسية ونحوها أو لا وهو كذلك في الأجنبي بخلاف الولي فإنه إذا أركبه لهذا الغرض وكان ممن يستمسك على الدابة فإنه لا يضمنه وقول المتولي لا فرق فيه بين الولي والأجنبي حمله ابن الرفعة في الأجنبي على ما إذا أركب بإذن معتبر .
أو .
اصطدم " حاملان وأسقطتا " بأن ألقتا جنينيهما وماتتا " فالدية كما سبق " من وجوب نصفها على عاقلة كل منهما وإهدار النصف الآخر لأن الهلاك منسوب إلى فعلها " وعلى " أي ويجب في تركة " كل " من الحاملين " أربع كفارات على الصحيح " بناء على الصحيح أن الكفارة تجب على قاتل نفسه وأنها لا تتجزأ فيجب كفارة لنفسها وثانية لجنينها وثالثة لصاحبتها ورابعة لجنينها لأنهما اشتركا في إهلاك أربعة أنفس .
والثاني تجب كفارتان بناء على عدم الوجوب وعلى التجزي " و " يجب " على عاقلة كل " منهما " نصف غرتي جنينيهما " نصف غرة لجنينها ونصف غرة لجنين الأخرى لأن الحامل إذا جنت على نفسها فألقت جنينا وجبت الغرة على عاقلتها كما لو جنت على حامل أخرى ولا يهدر من الغرة شيء بخلاف الدية فإنه يجب نصفها ويهدر نصفها كما مر لأن الجنين أجنبي عنهما بخلاف أنفسهما .
تنبيه : .
كلامه قد يوهم وجوب رقيق واحد نصفه لهذا ونصفه لذاك وعبارة ابن يونس له أن يسلم نصف رقيق عن واحد ونصف رقيق عن الآخر وعلى هذا فكان الأولى للمصنف أن يقول نصف غرة لهذا ونصف غرة للأخرى " أو " اصطدم " عبدان " وماتا " فهدر " سواء ماتا معا بهذا الاصطدام أم أحدهما بعد الآخر قبل إمكان بيعه وسواء اتفقت قيمتهما أم اختلفت لأن جناية العبد تتعلق برقبته وقد فاتت .
تنبيه : .
يستثنى من الإهدار مسائل الأولى المغصوبان فعلى الغاصب فداء كل نصف منهما بأقل الأمرين .
الثانية إذا أوصى أو وقف على أرش ما يجنيه العبد فإنه يصرف منه لسيد كل عبد نصف قيمة عبده قاله البلقيني .
قال ولم أر من تعرض له لكنه فقه واضح .
الثالثة ما إذا امتنع بيعهما كأن كانا ابني مستولدتين أو موقوفتين أو منذورا إعتاقهما فلا يهدران لأنهما حينئذ كالمستولدتين وحكم المستولدتين أو على سيد كل واحدة قدر النصف الذي جنت عليه مستولدته للآخر بأقل الأمرين من قيمتها وأرش الجناية لأنه باستيلادها منع بيعها .
الرابع المستولدتان أيضا واستثناء هذه إنما يأتي على رأي ابن حزم أن لفظ العبد يشمل الأمة .
أما إذا مات أحدهما فقط فنصف قيمته في رقبة الحي وكذا نصف قيمة ما كان معه إن تلف أيضا وإن أثر فعل الميت في الحي نقصا تعلق غرمه بنصف قيمة العبد المتعلق برقبة الحي وجاء التقاص في ذلك المقدار ( 4 / 92 ) وإن اصطدم عبد وحر فمات العبد فنصف قيمته على عاقلة الحر ويهدر الباقي أو مات الحر فنصف ديته تتعلق برقبة العبد وإن ماتا معا فنصف قيمة العبد على عاقلة الحر ويتعلق به نصف دية الحر لأن الرقبة فاتت فتتعلق الدية ببدلها فيأخذ السيد من العاقلة نصف القيمة ويدفع منه أو من غيره للورثة نصف الدية .
أو .
اصطدم " سفينتان " وغرفتا " فكدابتين " اصطدمتا وماتتا في حكمهما السابق " والملاحان " فيهما تثنية ملاح وهو النوتي صاحب السفينة سمي بذلك لإجرائه السفينة على الماء الملح حكمهما " كراكبين " ماتا باصطدام في حكمها السابق " إن كانتا " أي السفينتان وما فيهما " لهما " فيهدر نصف قيمة كل سفينة ونصف بدل ما فيهما فإن ماتا بذلك لزم كل منهما كفارتان كما سبق ولزم عاقلة كل منهما نصف دية الآخر .
تنبيه : .
يستثنى من كون الملاحين كالراكبين ما إذا قصد الملاحان الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مهلكا مغرقا فإنه يجب نصف دية كل منهما في تركة الآخر بخلاف المصطدمين فإنهما على العاقلة ولو مات أحدهما بما صدر من المتعمد دون الآخر وجب القصاص على الحي بناء على إيجاب القصاص على شريك جارح نفسه ولو كان في السفينة من يقتلان به فعليهما القصاص إذا مات بذلك فلو تعدد الغرقى قتل بواحد ووجب في مال كل واحد نصف ديات الباقين وضمان الكفارات بعدد من أهلكا وإن كان الاصطدام لا يعد مهلكا غالبا وقد يهلك فشبه عمد فتجب الدية مغلظة على العاقلة ولو كان الملاحان صبيين وأقامهما الولي أو أجنبي فالظاهر كما قاله الزركشي أنه لا يتعلق به ضمان لأن الوضع في السفينة ليس بشرط لأن العمد من الصبيين هنا هو المهلك .
فإن .
كانت السفينتان لهما و " كان فيهما مال أجنبي لزم كلا " منهما " نصف ضمانه " سواء أكان المال في يد مالكه وهو السفينة أم لا لتعديهما ويتخير الأجنبي بين أخذ جميع بدل ماله من أحد الملاحين ثم هو يرجع على الآخر وبين أن يأخذ نصفه منه ونصفه من الآخر فإن كان الملاحان رقيقين تعلق الضمان برقبتهما " وإن كانتا لأجنبي " والملاحان فيهما أمينين أو أجيرين للمالك " لزم كلا نصف قيمتهما " لأن مال الأجنبي لا يهدر منه شيء ويتخير كل من المالكين بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من ملاحه ثم يرجع هو بنصفها على الملاح الآخر أو يأخذ نصفها منه ونصفها من الملاح الآخر فلو كان الملاحان رقيقين تعلق الضمان برقبتيهما .
تنبيه : .
محل هذا التفصيل إذا كان الاصطدام بفعلهما أو لم يكن وقصرا في الضبط أو سيرا في ريح شديد فإن حصل الاصطدام بغلبة الريح فلا ضمان على الأظهر بخلاف غلبة الدابة فإن الضبط ثم ممكن باللجام ونحوه فالقول قولهما بيمينهما عند التنازع في أنهما غلبا لأن الأصل براءة ذمتهما وإن تعمد أحدهما أو فرط دون الآخر فلكل حكمة وإن كانت إحداهما مربوطة فالضمان على مجرى السائرة .
تنبيه : .
لو خرق شخص سفينته عامدا خرقا يهلك غالبا كالخرق الواسع الذي لا مدفع له فغرق به إنسان فالقصاص أو الدية المغلظة على الخارق وإن خرقها لإصلاحها أو لغير إصلاحها لكن لا يهلك غالبا فشبه عمد وإن سقط من يده حجر أو غيره فخرقها أو أصاب بالآلة غير موضع الإصلاح فخطأ محض ولو ثقلت سفينة بتسعة أعدال فألقى إنسان فيها عاشرا عدوانا فغرقت به لم يضمن الكل لأن الغرق حصل بثقل الجميع وهل يضمن النصف أو العشر وجهان كالوجهين في الجلد إذا زاد على الحد المشروع ذكره في أصل الروضة وقضيته ترجيح العشر .
ولو أشرفت سفينة على غرق .
وفيها متاع وراكب " جاز " لراكبها " طرح متاعها " في البحر حفظا للروح .
تنبيه : .
ظاهر كلامه طرح جميع المتاع وهو كذلك إن لم يندفع غرقها إلا به فإن اندفع بطرح بعضه وجب أن يقتصر عليه " ويجب " طرحه " لرجاء نجاة الراكب " المحترم بخلاف غير المحترم كحربي ومرتد وزان محصن .
تنبيه : ان " الأول " تعبيره بالمتاع يقتضي أنه لا يجوز إلقاء الحيوان وليس مرادا بل يجب إلقاء الحيوان ولو محترما ( 4 / 93 ) لسلامة آدمي محترم إن لم يمكن دفع الغرق بغير إلقائه فإن أمكن لم يجز إلقاؤه والظاهر كما قال الأذرعي أنه لو كان هناك أسرى من الكفار وظهر للأمير أن المصلحة في قتلهم فيبدأ بإلقائهم قبل الأمتعة وقبل الحيوان المحترم وينبغي كما قال أيضا أن يراعى في الإلقاء الأخس فالأخس قيمة من المتاع والحيوان إن أمكن حفظا للمال ما أمكن الثاني لا يجوز إلقاء الأرقاء لسلامة الأحرار بل حكمها واحد فيما ذكر وإن لم يلق من لزمه الإلقاء حتى غرقت السفينة فهلك به شيء أثم ولا ضمان عليه كما لو لم يطعم مالك الطعام المضطر حتى مات .
الثالث لم يميز المصنف حالة الوجوب من حالة الجواز وقوله لرجاء نجاة الراكب إن كان تعليلا للمسألتين فكيف تصلح هذه العبارة الواحدة للجواز تارة وللوجوب أخرى وإن كان للوجوب فقط فكيف يستقبيم الجواز بدون ذلك والقياس الوجوب لرجاء نجاة الراكب مطلقا لأن القاعدة الأصولية أن ما كان ممنوعا منه إذا جاز وجب .
وقال البلقيني والذي يقال في ذلك إن حصل هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة جاز الإلقاء لرجاء نجاة الراكب وإن غلب الهلاك مع ظن السلامة بالطرح وجب ثم استشكل قولهم إنه يطرح الأخف قيمة ومالا روح فيه لتخليص ذي الروح فإنه إن جعلت الخيرة في عين المطروح للملاح ونحوه فهو غير لائق وإن توقف على إذن صاحبه فقد لا يأذن فيحصل الضرر .
ثم قال إنه يحتاج إلى إذن المالك في حال الجواز دون الوجوب فلو كانت لمحجور لم يجز إلقاؤها في محل الجواز ويجب في محل الوجوب .
قال ولو كانت مرهونة أو لمحجور عليه بفلس أو لمكاتب أو لعبد مأذون عليه ديون وجب إلقاؤها في محل الوجوب وامتنع في محل الجواز إلا باجتماع الراهن والمرتهن أو السيد والمكاتب أو السيد والمأذون والغرماء في الصورة المذكورة وإن ألقى الولي في محل الجواز بعض أمتعة محجوره ليسلم به باقيها فقياس قول أبي عاصم العبادي فيما لو خاف الولي استيلاء غاصب على المال فله أن يؤدي شيئا لتخليصه جوازه هنا ويحرم على الشخص إلقاء المال ولو ماله بلا خوف لأنه إضاعة مال .
فإن طرح مال غيره بلا إذن .
منه ولو في حال الخوف " ضمنه " لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه إلى إتلافه فصار كما لو أكل المضطر طعام غيره بغير إذنه " وإلا " أي بأن طرحه بإذنه أو ألقى مال نفسه ولو اختص الخوف بغيره بأن كان بالشط أو بزورق " فلا " ضمان للإذن المبيح في الأولى ولإلقائه مال نفسه في الثانية ويشترط مع الإذن أن لا يتعلق به حق الغير كما مر وفارقت هذه حينئذ مسألة المضطر إذا أطعمه مالك الطعام قهرا بأن المطعم ثم دافع للتلف لا محالة بخلاف الملقى " ولو قال " شخص لآخر في سفينة " ألق متاعك " في البحر " وعلي ضمانه أو على أني ضامن " له أو على أن أضمنه فألقاه فيه " ضمنه " وإن لم يكن للملتمس فيها شيء ولم تحصل النجاة لأنه التمس إتلافا لغرض صحيح بعوض فيلزمه كما إذا قال أعتق عبدك وعلي كذا أو طلق زوجتك أو أطلق الأسير أو اعف عن القصاص ولك علي كذا أو على أن أعطيك كذا فأجاب سؤاله فيلزمه ما التزمه .
فإن قيل ينبغي أن لا يصح هذا الضمان لأنه ضمان ما لم يجب .
أجيب بأن هذا ليس على حقيقة الضمان المعروف وإن سمي به وإنما حقيقته الافتداء من الهلاك فهو كما لو قال أطعم هذا الجائع ولك علي كذا .
تنبيه : .
قول البلقيني لا بد أن يشير إلى ما يلقيه أو يكون معلوما له وإلا فلا يضمن إلا ما يلقيه بحضرته ممنوع لأن هذه حالة ضرورة فلا يشترط فيها شيء من ذلك .
فرع لو ألقى المتاع شخص .
أجنبي بعد الضمان لم يضمن المستدعي وكذا لو ألقته الريح ولا بد في الضمان من استمراره على الالتزام فلو رجع قبل الإلقاء لم يضمن " ولو اقتصر " الملتمس " على " قوله " ألق " متاعك في البحر فألقاه " فلا " ضمان " على المذهب " لعدم الالتزام وفي وجه من الطريق الثاني فيه الضمان كقوله أد ديني فأداه فإنه يرجع عليه في الأصح وفرق الأول بأنه بالقضاء برىء قطعا والإلقاء قد لا ينفعه .
تنبيه : .
هل يفترق الحال بين كون المأمور بإلقاء ماله أعجميا يعتقد وجوب طاعة أمره أو لا فرق قال الأذرعي ( 4 / 94 ) لم أر فيه شيئا وقضية إطلاقهم عدم الفرق لكنهم في مواضع فرقوا بينهما كما تقدم اه " .
والفرق أوجه وسيأتي ما يؤيده .
ولو ألقى صاحب المتاع متاعه عند خوف الهلاك بلا استدعاء لم يرجع على الركبان بشيء وإن كان في حالة يجب فيها الإلقاء .
وإنما يضمن ملتمس .
من مالكه طرح متاعه " لخوف غرق " للسفينة ففي حالة الأمن لا ضمان سواء أقال وعلي ضمانه أم لا .
كما لو قال له أهدم دارك أو احرق متاعك ففعل ولو لم يوجد الخوف ولكنه متوقع .
قال الزركشي ينبغي تخريج خلاف فيه من تنزيل المتوقع منزلة الواقع اه " .
والظاهر عدم الضمان ثم أشار المصنف C تعالى لشرط الضمان بقوله " ولم يختص نفع الإلقاء بالملقى " وهو مالك المتاع بأن كان معه في السفينة المشرفة على الغرق وغيره وهذا صادق بست صور الأولى أن يختص النفع بالملتمس .
الثانية أن يعود له ولمالك المتاع .
الثالثة أن يختص بغيرهما .
الرابعة أن يختص بمالك المتاع وأجنبي .
الخامسة أن يعود للملتمس وأجنبي .
السادسة أن يعم الثلاثة وفي جميعها يضمن الملتمس ولم يصرحا في الشرح والروضة بالثانية ولا السادسة أما إذا اختص نفع الإلقاء بالملقى وحده بأن أشرفت سفينته على الغرق وفيها متاعه فقال له آخر من الشط ألق متاعك وعلي ضمانه فألقاه لم يجب شيء لأنه يجب عليه الإلقاء لحفظ نفسه فلا يستحق به عوضا كما لو قال للمضطر كل طعامك وأنا ضامن له فأكله فلا شيء له على الملتمس .
فروع لو قال شخص لآخر ألق متاعك في البحر وأنا ضامن له وركاب السفينة أو على أني أضمنه أنا وركابها أو أنا ضامن له وهم ضامنون أو أنا وركاب السفينة ضامنون له كل منا على الكمال أو على أني ضامن وكل منهم ضامن لزمه الجميع لأنه التزمه أو قال أنا وركاب السفينة ضامنون له لزمه قسطه وإن لم يقل معه كل منا بالحصة وإن أراد الإخبار عن ضمان سبق منهم فصدقوه فيه لزمهم وإن أنكروا صدقوا وإن صدقه بعضهم فلكل حكمه وإن قال أنشأت عنهم الضمان ثقة برضاهم لم يلزمهم وإن رضوا لأن العقود لا توقف وإن قال أنا وهم ضمناء وضمنت عنهم بإذنهم طولب بالجميع فإن أنكروا الإذن فهم المصدقون حتى لا يرجع عليهم وإن قال أنا وهم ضامنون له وأصححه وأخلصه من مالهم أو من مالي لزمه الجميع كما لو قال اختلعها على ألف أصححها لك وأضمنها لك من مالها تلزمه الألف وإن قال علي نصف الضمان وعلى فلان ثلثه وعلى فلان سدسه لزمه النصف فقط لأنه الذي التزمه وإن قال أنا وهم ضامنون له ثم باشر الإلقاء بإذن المالك ضمن الجميع في أحد وجهين حكاه الرافعي عن القاضي أبي حامد وقال الأذرعي إنه نص الأم وقيل بالقسط عملا بقضية اللفظ ولو قال شخص لعمرو ألق متاع زيد وعلي ضمانه ففعل ضمن عمرو دون الآخر لأنه المباشر للإتلاف .
تنبيه : .
سكت المصنف عن المضمون أهو المثل ولو صورة كالقرض أو المثل في المثلي والقيمة في المتقوم أو القيمة مطلقا وتعتبر قيمة الملقى حيث أوجبناه قبيل هيجان البحر إذا لا قيمة له حينئذ ولا تجعل قيمته في البحر مع الخطر كقيمته في البر وظاهر كلامهم الأخير وإن كان الملقى مثليا ورجحه البلقيني لما في إيجاب المثل من الإجحاف وعلله البلقيني بأنه لا مثل لمشرف على الهلاك إلا مشرف على هلاك وذلك بعيد وجزم في الكفاية بالوسط ورجحه الأذرعي وهو كما قال شيخي أوجه من كلام البلقيني خلافا لبعض المتأخرين نعم إن كان المأمور أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره ضمن الآمر وهذا هو الذي يؤيد ما تقدم ولو لفظ البحر المتاع الملقى فيه على الساحل فظفرنا به أخذه المالك واسترد الضامن منه عين ما أعطى إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا ما سوى الأرش الحاصل بالغرق فلا يسترده كما صرح به الإسنوي وقال الأذرعي إنه واضح .
ولو عاد .
أي رجع " حجر منجنيق " وهو بفتح الميم والجيم في الأشهر فارسي معرب يذكر ويؤنث آلة ترمى بها الحجارة وحكي كسر الميم ومنجنوق بالواو ومنجليق باللام واختلفوا في زيادة ميمه ونونه فذهب سيبويه إلى أن ميمه أصلية ونونه زائدة ولذلك تثبت في الجمع " فقتل أحد رماته " وكانوا عشرة مثلا " هدر قسطه " من ديته وهو في هذا المثال عشرها " وعلى عاقلة " كل من ( 4 / 95 ) التسعة " الباقين الباقي " من ديته وهو تسعة أعشارها على كل منهم عشرها لأنه مات بفعله وفعلهم فسقط ما قابل فعله لأنه غير مضمون .
تنبيه : .
صورة المسألة فيمن مد معهم الحبال ورمى بالحجر أما من أمسك خشبة المنجنيق إن احتيج إلى ذلك أو وضع الحجر في الكفة ولم يمد الحبال فلا شيء عليه لأنه متسبب والمباشر غيره قاله الماوردي و المتولي وغيرهما .
واستثنى البلقيني من الوجوب على العاقلة ما لو حصل ذلك بأمر صنعه رفقاؤه وقصدوا الرفيق المذكور لسقوطه عليه وغلبت إصابته فهو عمد لا تحمله العاقلة بل هو في أموالهم ولا قصاص عليهم لأنهم شركاء مخطىء قال ولم ينبه عليه أحد وكأنهم تركوه لأنه لا يتصور عندهم ونحن صورناه فلا خلاف بيننا وبينهم " أو " قتل حجر المنجنيق " غيرهم " أي الرماة " ولم يقصدوه " أي الغير " فخطأ " قتله يوجب الدية المخففة على العاقلة " أو قصدوه فعمد في الأصح " قتله يوجب القصاص عليهم أي الدية المغلظة في مالهم " إن غلبت الإصابة " منهم لانطباقه حينئذ على حد العمد .
والثاني شبه عمد لأنه لا يتحقق قصد معين بالمنجنيق والأول يمنع هذا واحترز المصنف بقوله إن غلبت الإصابة عما إذا لم تغلب إصابتهم بأن غلب عدمها أو استوى الأمران فإنه شبه عمد .
تتمة لو قصدوا غير معين كأحد الجماعة كان شبه عمد وإنما لم يكن عمدا لأن العمد يعتمد قصد العين بدليل أنه لا قصاص على الآمر في قوله اقتل أحد هؤلاء وإلا قتلتك فقتل أحدهم لأنه لم يقصد عينه