غير ما مر في الباب قبله مما تجب فيه الدية ابتداء الرقيق والغرة " والكفارة " للقتل يعطف الجميع على موجبات والعاقلة جمع عاقل وسيأتي بيانهم في الفصل الثاني من فصول هذا الباب سموا بذلك لأنهم يعقلون الإبل بفناء دار القتيل وقيل لأنهم يمنعون عنه .
والعقل المنع وقيل لإعطائها العقل الذي هو الدية والكفارة تقدم الكلام عليها في بابها وأراد بالكفارة كفارة القتل كما قدرته ولو زاد على ما زدته من جناية الرقيق والغرة لكان أولى لأنهما من فصول الباب .
إذا " صاح على صبي لا يميز " أصلا أو ضعيف التمييز أو على مجنون أو امرأة ضعيفة العقل وكل ممن ذكر كائن " على طرف سطح " أو شفير نهر أو بئر أو غير ذلك صيحة منكرة " فوقع بذلك " الصياح بأن ارتعد به " فمات " منه كما في الروضة ولو بعد مدة مع وجود الألم " فدية " أي فيه فدية " مغلظة " بالتثليث السابق في كتاب الديات " على العاقلة " لأن هؤلاء كثيرا ما يتأثرون بذلك " وفي قول " يجب فيما ذكر " قصاص " لأن التأثير به غالب والأول يمنع غلبته ويجعل مؤثره شبه عمد سواء أغافصه من ورائه أم واجهه وسواء أكان في ملك الصائح أم لا .
تنبيه : .
التقييد بالارتعاد عبارة الشرح والروضة .
قال ابن الرفعة والتقييد به كأنه لو حظ فيه أن يغلب على الظن كون السقوط بالصياح .
قال الأذرعي ولعل الارتعاد ملازم لهذه الحالة فكان ينبغي أن يقول فمات منه كما في الروضة اه " .
ولهذا لم يتعرض له الجمهور وحذفه من الكتاب ولو لم يمت بل اختل بعض أعضائه ضمن أيضا .
وخرج بالصياح عليه ما لو صاح على غيره فوقع من الصياح فهل يكون هدرا أو كما لو صاح على صيد .
قال الأذرعي الأقرب الثاني وما لو صاح بداية الغير أو هيجها بوثبة فسقطت في ماء أو وهدة فهلكت فإنه يضمنها كالصبي حكاه الرافعي عن فتاوى البغوي قبيل السير وبغير المميز المميز فإنه لا ضمان بوقوعه .
لكن قوله بعد ذلك ومراهق متيقظ كالبالغ يقتضي أن غير المراهق ليس كالبالغ وسيأتي التنبيه على ذلك وبطرف سطح ما لو كان على وسطه فإنه يقتضي أنه كالأرض لكن عبارة غيره على سطح وهي أعم .
ولو كان .
المصيح عليه ممن ذكر سابقا " بأرض " مستوية أو قريبة منها فمات من الصيحة " أو صاح على بالغ " عاقل كما علم مما مر كائن " بطرف سطح " فسقط ومات " فلا دية في الأصح " المنصوص فيهما لندرة الموت بذلك والثاني في كل منهما الدية لأن الصياح حصل به في الصبي ونحوه الموت وفي البالغ عدم التماسك المفضي إليه وأجاب الأول بأن موت الصبي بمجرد الصياح في غاية البعد وعدم تماسك البالغ به خلاف الغالب من حاله فيكون موتهما موافقة قدر .
تنبيه : .
كلامه يقتضي نفي القصاص قطعا وهو ظاهر في البالغ كما صرح به القاضي الحسين وأما في غيره فمقتضى كلام الروضة إثبات الخلاف السابق فيه .
وأما المجنون ومن يعتريه وسواس والنائم والمرأة الضعيفة كالصبي الذي لا يميز كما في أصل الروضة ولو صاح على صغير فزال عقله وجبت الدية كما جزم به الإمام ونص في الأم وإن كان بالغا فلا " وشهر " أي سل " سلاح " لبصير يراه أو تهديد شديد " كصياح " فيما ذكر فيه بل هو أولى منه " ومراهق متيقظ " ليس كصبي بل هو " كبالغ " فلا دية في الأصح لعدم تأثيره بذلك غالبا .
تنبيه : .
كلامه في الصبي المميز متدافع وكلام الشارح يدل على أنه كالمراهق لأنه جعل المراهق في مقابلة ( 4 / 81 ) غير المميز فدخل في هذا المميز والأولى أن يقال فيه أخذا مما مر إن كان ضعيف التمييز فهو كغير المميز وإن كان قوي التمييز فهو كالمراهق .
وقال الزركشي الأمر منوط بالتمييز وعدمه لا بالبلوغ والمراهقة وعدمها مع أن ظاهر كلام الشافعي والأصحاب أن الصبي لا يضمن ولو كان مراهقا لأنه لم يكمل عقله " ولو " لم يقصد الصبي ونحوه ممن ذكر بل " صاح " شخص " على " نحو " صيد " ولو كان الصائح على الصيد محرما أو في الحرم " فاضطرب " به " صبي " لا يميز وما في معناه ممن سبق وهو كائن على طرف سطح " وسقط " ومات منه " فدية مخففة على العاقلة " لأنه لم يقصد الشخص .
تنبيه : .
أفهم كلامه أنه لو لم يضطرب لم يضمنه وهو كذلك وما ذكره هنا من اشتراط اضطراب الصبي مشعر باشتراطه أيضا في مسألة الصياح المذكورة أول الباب وتقدم ما فيه " ولو طلب سلطان من " أي امرأة " ذكرت " عنده " بسوء " وأمر بإحضارها " فأجهضت " أي ألقت جنينا فزعا منه قبل تمامه " ضمن الجنين " بضم أوله أي وجب ضمانه بغرة على عاقلة السلطان .
تنبيه : .
كان الأولى أن يقول أسقطت لأن الإجهاض مختص بالإبل كما قاله ابن سيده وغيره وتصويرهم المسألة بطلب السلطان قد يقتضي اشتراط كون الطالب مرهوبا فإن كان غير مرهوب فلا ضمان وهو ظاهر والأظهر لحوق القاضي وكذا كل من له سطوة في ذلك بالإمام وقول المصنف بسوء ليس بقيد بل لو كذب شخص وأمرها بالحضور على لسان الإمام كان الحكم كذلك وكذا لو تهددها بلا طلب .
قال البلقيني وكذا لو طلبها في دين فأسقطت ضمن إن كانت مخدرة لتعديه أو غير مخدرة لكنها تخاف من سطوته فإن لم تخف من سطوته وهي غير مخدرة فلا ضمان وطلبها أيضا ليس بقيد بل لو طلب سلطان رجلا عندها فأجهضت كان الحكم كذلك على النص .
وظاهر كلامه أن الضمان على السلطان لكن سيأتي أن الغرة إنما تحملها العاقلة ولذا قيدت كلامه بذلك .
قال البلقيني وينبغي للحاكم أن يسأل هل هي حامل قبل أن يطلبها ولم أر من يفعله وهو حسن واحترز بقوله أجهضت عما لو ماتت فزعا فلا ضمان لأن مثله لا يفضي إلى الموت .
نعم لو ماتت بالإجهاض ضمن عاقلته ديتها لأن الإجهاض قد يحصل منه موت الأم قاله البلقيني .
ولو فزع إنسانا فأحدث في ثيابه فأفسدها فلا ضمان لأنه لم ينقصه جمالا ولا منفعة .
ولو وضع صبيا .
حرا كما قيده الرافعي ك الغزالي وغيره " في مسبعة " بميم وباء موحدة مفتوحتين اسم لأرض كثيرة السباع وجوز في المحكم ضم الميم وكسر الموحدة " فأكله سبع فلا ضمان " عليه لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يوجد منه ما يلجىء السبع بل الغالب أنه ينفر من الإنسان في المكان الواسع سواء أمكنه الانتقال عن موضع الهلاك أم لا " وقيل إن لم يمكنه انتقال " عنه " ضمن " لأن الوضع والحال ما ذكر بعد إهلاكا عرفا والأول يمنع ذلك .
أما إذا أمكنه فلم ينتقل فلا ضمان عليه قطعا وإن خالف في ذلك البلقيني كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات وخرج بالصبي البالغ فإنه لا يضمن جزما كما صرح به في أصل الروضة .
واحترز بمسبعة عن وضع صبي بمضيعة لا سباع فيها فاتفق افتراس سبع له فلا ضمان جزما وهذا بخلاف ما لو وضع الصبي أو البالغ في زريبة السبع وهو فيها أو ألقى السبع على أحدهما أو ألقاه على السبع في مضيق أو حبسه معه في بيت أو بئر أو قذفه له حتى اضطر إلى قتله والسبع مما يقتل غالبا كأسد ونمر وذئب فقتله في الحال أو جرحه جرحا يقتل غالبا فعليه القود لأنه ألجأ السبع إلى قتله فإن كان جرحه لا يقتل غالبا فشبه عمد وهذا بخلاف ما لو ألقاه على حية أو ألقاها عليه أو قيده وطرحه في مكان فيه حيات ولو ضيقا فإنه لا يضمنه فإن قيل لم لم يفرقوا في إلقاء الحية بين المضيق والمتسع كما في السبع .
أجيب بأنها تنفر بطبعها من الآدمي بخلاف السبع فإنه يثب عليه في المضيق دون المتسع فإن ( 4 / 82 ) السبع ينفر فيه من الآدمي كما مر والمجنون الضاري كالسبع المغري في المضيق ولو ألقاه مكتوفا بين يدي السبع في مكان متسع فقتله فلا ضمان ولو ألسعه حية مثلا فقتلته فإن كانت مما يقتل غالبا فعمد وإلا فشبهه " ولو تبع بسيف " أو نحوه مكلفا بصيرا أو مميزا " هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار " أو نحوه من المهلكات كبئر " أو من سطح " عال أو من شاهق جبل فمات أو لقيه لص في طريقه فقتله أو سبع فافترسه ولم يلجئه إليه بمضيق سواء كان المطلوب بصيرا أم أعمى " فلا ضمان " له على التابع لأنه فيما عدا الأخيرتين باشر هلاك نفسه قصدا والمباشرة مقدمة على السبب فصار كما لو حفر بئرا فجاء آخر وردى نفسه فيها .
وفي الأخيرتين لم يوجد من التابع إهلاك ومباشرة السبع أو اللص العارضة كعروض القتل على إمساك الممسك أما إذا كان المطلوب صبيا أو مجنونا لا تمييز له فإنه يجب الضمان في هذه الصورة لأن عمدهما خطأ بخلاف ما إذا كان لهما تمييز فإن عمدهما عمد كما مر في الكلام على الإكراه على القتل " فلو وقع " الهارب فيما ذكر " جاهلا " به " لعمى أو ظلمة " في نهار أو ليل أو لتغطية بئر " ضمن " التابع له لأنه لم يقصد إهلاك نفسه وقد ألجأه المتبع إلى الهرب المفضي إلى الهلاك " وكذا لو انخسف به " أي الهارب صبيا كان أو بالغا " سقف في هربه " ومات بذلك ضمنه التابع أيضا " في الأصح " المنصوص لأنه حمله على الهرب وألجأه إليه فأشبه ما لو وقع في بئر مغطاة والثاني لا لعدم شعوره بالمهلك .
تنبيه : .
محل الخلاف ما إذا كان سبب الانخساف ضعف السقف ولم يشعر به المطلوب أما لو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف لثقله لم يضمنه التابع قطعا لأنه باشر ما يفضي إلى الهلاك كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار .
وأما من لا تمييز له أصلا لجنون أو صغر فمضمون إذ عمده خطأ كما نبه على ذلك الزركشي " ولو سلم " بضم أوله " صبي إلى سباح ليعلمه " السباحة وهي العوم " فغرق " بتعليمه أو بإلقائه في الماء " وجبت ديته " على عاقلة السابح لأنه مات بإهماله وقد التزم بحفظه فتكون ديته شبه عمد على الصحيح كما لو هلك الصبي بضرب المعلم تأديبا .
وقول الماوردي وجوب الدية على السابح أول على أنها تلاقيه ابتداء وسواء أخذه السابح بيده وألقاه في الماء أو كان الصبي على الشط فأشار إليه بدخول الماء فدخل باختياره وغرق كما يشعر به إطلاقه وهو موافق لبحث البسيط خلافا للجرجاني من تصحيحه عدم الضمان .
فإن قيل قد مر أنه ألقاه في مسبعة لم يضمن مع أن الخطر فيها أكثر وهنا الخطر قليل وقد تدعو الحاجة إليه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الماء مهلك فالتفريط من السباح وليست المسبعة بنفسها مهلكة لاحتمال بقائه .
تنبيه : .
محل وجوب الدية كما قال البلقيني إذا لم يقع من السباح تقصير فلو رفع يديه من تحته عمدا فغرق وجب القصاص .
وأشعر قوله سلم بأن السباح لو تسلمه بنفسه لا ضمان وقوله إلى سباح بأن الولي لو كان هو المعلم للسباحة فلا ضمان أيضا وليس مرادا بل الأصح فيهما الضمان وأشعر أيضا بأنه لا فرق بين كون المسلم للصبي وليه أو أجنبيا وهو كلك لكن في تسليم الأجنبي يكون هو والسباح شريكين .
وخرج بالصبي بالبالغ العاقل فلو سلم نفسه للسباح ليعلمه فغرق هدر لاستقلاله فعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السباح " .
فائدة : .
اختلف في قوله تعالى " والسابحات سبحا " فقيل النجوم لأنها تسبح في الفلك وقيل الملائكة لأنها تتصرف في الأمور بأمر الله تعالى تجيء وتذهب وقيل الشمس والقمر والليل والنهار وقيل السحاب لأنها كالقائمة في الهواء وقيل المنايا تسبح في نفوس الحيوان وقيل جماعة الخيل ولذلك يقال للفرس سابح وقيل حيتان البحر وهي من عظيم المخلوقات .
فيروى أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر .
ويضمن .
الشخص " بحفر بئر عدوان " كحفرها بملك غيره بغير إذنه أو في مشترك بغير إذن ( 4 / 83 ) شريكه أو في شارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الإمام فيضمن ما تلف فيها من آدمي حر أو غيره لكن الآدمي يضمن بالدية إن كان حرا وبالقيمة إن كان رقيقا على عاقلة الحافر حيا كان أو ميتا وأما غير الآدمي كبهيمة أو مال آخر فيضمن بالغرم في مال الحافر وكذا القول في الضمان في جميع المسائل الآتية .
تنبيه : .
يشترط أن يستمر العدوان إلى السقوط فيها فلو رضي المالك بإبقائها زال الضمان في الأصح وكذا لو ملك البقعة .
ويشترط أن لا يوجد هناك مباشرة بأن رداه في البئر غير حافرها وإلا فالضمان على المردي لا الحافر وأن يتجرد التردي للإهلاك فلو تردت بهيمة في بئر ولم تتأثر بالصدمة وبقيت فيها أياما ثم ماتت جوعا أو عطشا فلا ضمان على الحافر وقضية إطلاقه أنه لا فرق في تضمين الحافر بين المتردي فيها بالليل والنهار وهو كذلك ونقله في البسيط عن إطلاق الأصحاب وخصه الإمام بالتردي نهارا .
وقوله عدوان هو بالجر صفة حفر ويجوز النصب على الحال .
ولو تردى شخص فيها ثم قال المالك حفر بإذني لم يصدق واحتاج الحافر إلى بينة بإذنه ولو تعدى الداخل بدخوله فوقع فيها لم يضمنه الحافر كما رجحه البلقيني وغيره لتعديه .
فإن أذن له المالك في دخولها فإن عرفه البئر فلا ضمان وإلا فالضمان على المالك في أحد الوجهين كما رجحه البلقيني لأنه مقصر بعدم إعلامه فإن كان ناسيا فعلى الحافر و " لا " يضمن بحفر بئر " في ملكه " لعدم تعديه ومحله إذا عرفه المالك أن هناك بئرا أو كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز فأما إذا لم يعرفه والداخل أعمى فإنه يضمن كما قاله في التتمة وأقراه .
وما إذا لم يوسع حفرها فإن وسعه على خلاف العادة أو قربها من جدار جاره خلاف العادة أو وضع في أصل جدار غيره سرجينا أو لم يطو بئره .
ومثل أرضها ينهار إذا لم يطو ضمن في الجميع ما هلك بذلك لتقصيره .
ولا يضمن المتولد من نار أوقدها في ملكه أو على سطحه إلا إذا أوقدها وأكثر على خلاف العادة أو في ريح شديد فيضمن لا إن اشتد الريح بعد الإيفاد فلا يضمن لعذره إلا إن أمكنه إطفاؤها فتركه .
قال الأذرعي ففي تضمينه نظر اه " .
والأوجه عدم تضمينه كما لو بنى جداره مستويا ثم مال وأمكنه إصلاحه ولم يصلحه حتى وقع على شيء فأتلفه فإنه لا يضمنه كما سيأتي وكالمالك ما في معناه من المستحق منفعته أبدا بوصية أو وقف كما قاله الأذرعي " و " لا يضمن بحفر بئر في " موات " للتملك أو الارتفاق فإنه كالحفر في ملكه وعليه يحمل خبر مسلم البئر جرحها جبار أي غير مضمون فإن حفر البئر في الموات ولم يخطر بباله تملك ولا ارتفاق فهو كما لو حفرها للارتفاق كما قاله الإمام لأنه فعل جائز .
تنبيه : .
قول المصنف لا في ملكه وموات يحتمل أن مراده لا عدوان فيه وهو الموافق لعبارة المحرر أو فلا ضمان فيه وإن كان عدوانا ويرد على كل من الاحتمالين ما إذا حفر حفرة واسعة في ملكه قريبا من أرض جاره بحيث يؤدي إلى إضرار أرض جاره فإنه يكون متعديا ضامنا لمن وقع في موضع التعدي كما قاله البلقيني ويرد على الاحتمال الأول ما لو حفر في ملكه المرهون المقبوض بغير إذن المرتهن أو في ملكه الذي أجره إجارة صحيحة فهو حفر عدوان ولا ضمان فيه لو سقط فيه إنسان غير متعد كالمستأجر ويستثنى من إطلاقه ما لو حفر بالحرم بئرا في ملكه أو موات فإنه يضمن الصيد الواقع فيه في الحرم في الأصح كما في الرافعي في محرمات الإحرام .
فروع لو سقى أرضه فخرج الماء من حجر فأهلك شيئا لم يضمنه إلا إن سقى فوق العادة أو علم بالحجر ولم يحتط فيضمن لتقصيره .
ولو وضع جرة على طرف سطح فسقطت بريح أو هدم لمحلها فأهلكت شيئا أو أوقف دابة في ملكه فرفست شخصا فأهلكته ولو خارج ملكه أو نجست ثوبه أو كسر حطبا في ملكه فتطاير منه شيء فأهلك شيئا لم يضمن .
ثم استثنى في المعنى مما سبق ما تضمنه قوله " ولو حفر بدهليزه " بكسر الدال " بئرا ودعا رجلا " إلى الدهليز أو إلى بيته ولم يعلمه وكان الغالب أنه يمر عليها فأجابه " فسقط " فيها جاهلا بها لنحو ظلمة كتغطية أو كان أعمى فمات " فالأظهر ضمانة " لأنه غره ولم يقصد هو إهلاك نفسه فإحالته على السبب الظاهر أولى .
والثاني لا يضمنه لأنه غير ملجىء فهو المباشر لإهلاك نفسه باختياره ( 4 / 84 ) .
تنبيه : .
المراد بالضمان الدية وهي دية شبه عمد .
أما القصاص فلا يجب في الأظهر كما ذكره في أول الجراح وخرج بدعاء ما لو دخل بغير إذنه فسقط فيها ومات فلا ضمان وظاهر أنه يضمن فيما لو أكرهه على الدخول وأفهم قوله رجلا اعتبار التكليف في الداخل .
أما غير المكلف فيجيء فيه ما سبق في الضيافة بطعام مسموم حتى لو كان غير مميز ضمنه قطعا .
قال البلقيني بل يجب القصاص عند التكافؤ " أو " حفر " بملك غيره " بلا إذنه " أو " بملك " مشترك " بينه وبين غيره " بلا إذن " من شريكه " فمضمون " حفره في المسألتين لتعديه ولو ذكر هذا عقب قوله سابقا ويضمن بحفر بئر عدوان لكان أولى لأنه مثال له وقد مثلت له به " أو " حفر " بطريق ضيق يضر المارة فكذا " يجب ضمان ما تلف بها وإن أذن الإمام إذ ليس له أن يأذن فيما يضر " أو لا يضر " المارة لسعة الطريق أو لانحراف البئر عن الجادة " وأذن الإمام " في الحفر " فلا ضمان " فيه إن حفره لمصلحة المسلمين على المذهب وكذا لمصلحة نفسه على الأصح لعدم التعدي .
تنبيه : .
أفهم كلامه كغيره اعتبار إذن الإمام قبل الحفر وليس مرادا بل لو حفر بغير إذن الإمام وأقره عليه فإنه لا يضمن كما لو حفره ابتداء بإذنه كما صرح به الجرجاني ونقله غيره عن الأكثرين وأفهم أيضا أن الإذن خاص بالإمام لكن قال العبادي وغيره أن للقاضي الإذن في بناء مسجد واتخاذ سقاية بطريق واسع حيث لم يضر المارة " وإلا " بأن لم يأذن الإمام في الحفر بل استقل هو به " فإن حفر لمصلحته " هو فقط " فالضمان " إن لم يقره الإمام كما مر لافتياته عليه " أو " حفره " لمصلحة عامة " كالحفر للاستقاء أو لاجتماع ماء المطر " فلا " ضمان فيه " في الأظهر " لما فيه من المصلحة العامة وقد تعسر مراجعة الإمام في مثله والثاني يضمن إذ النظر في المصالح العامة للإمام وخص الماوردي الخلاف بما إذا أحكم رأسها فإن لم يحكمها وتركها مفتوحة ضمن مطلقا ومحله أيضا ما إذا لم ينهه عنه الإمام ولم يقصر فإن نهاه فحفر ضمن كما قاله أبو الفرج الزاز لافتياته على الإمام حينئذ أو قصر كأن كان الحفر في أرض خوارة ولم يطؤها ومثلها ينهار إذا لم يطو أو خالف العادة في سعتها ضمن وإن أذن الإمام نبه عليه الرافعي في الكلام على التصرف في الأملاك .
تنبيه : .
ولو وقع شخص في بئر أو نحوه فوقع عليه آخر عمدا بغير جذب فقتله اقتص منه إن قتل مثله مثله غالبا لضخامته أو عمق البئر أو نحو ذلك كما لو رماه بحجر فقتله فإن مات الآخر فالضمان في ماله وإن لم يقتل مثله مثله غالبا فشبه عمد وإن سقط عليه خطأ بأن لم يختر الوقوع أو لم يعلم وقوع الأول ومات بثقله عليه وبانصدامه بالبئر فنصف الدية على عاقلته لورثة الأول والنصف الآخر على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدوانا لأنه مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه وإن لم يكن الحفر عدوانا هدر وإذا غرم عاقلة الثاني في صورة الحفر عدوانا رجعوا بما غرموا على عاقلة الحافر لأن الثاني غير مختار في وقوعه عليه بل ألجأه الحافر إليه فهو كالمكره له على إتلاف مال بل أولى لانتفاء قصده هنا بالكلية .
ولو نزل الأول البئر ولم ينصدم ووقع عليه آخر فكل ديته على عاقلة الثاني وإن مات الثاني فضمانه على عاقلة الحافر المتعدي بحفره لا إن ألقى نفسه في البئر عمدا فلا ضمان فيه لأنه القاتل لنفسه " ومسجد " في الحفر فيه " كطريق " في حفر بئر فيه على التفصيل السابق جزما وخلافا .
تنبيه : .
قضية إطلاقه أنه يجوز أن يحفر فيه بئرا لمصلحة نفسه خاصة بإذن الإمام وهو كذلك وإن قال البلقيني هذا لا يقوله أحد .
ففي زوائد الروضة في آخر باب شروط الصلاة نقلا عن الصيمري أنه يكره حفر البئر في المسجد ولم يفرق فيه بين أن يكون للمصلحة العامة أو لمصلحة نفسه على التفصيل السابق .
وإذا قلنا بجوازه لم يضمن ما تلف فيه وإن بحث الزركشي الضمان لعدم تعديه .
ومعلوم أنه لا بد أن يكون الحفر لا يمنع الصلاة في تلك البقعة إما لسعة المسجد أو نحوها وأن لا يتشوش الداخلون إلى المسجد بسبب الاستقاء وأن لا يحصل به للمسجد ضرر .
ولو بنى ( 4 / 85 ) سقف المسجد أو نصب فيه عمود أو طين جداره أو علق فيه قنديلا فسقط على إنسان أو مال فأهلكه أو فرش فيه حصيرا أو حشيشا فزلق به إنسان فهلك أو دخلت شوكة منه في عينه فذهب بها بصره لم يضمنه وإن لم يأذن له الإمام لأنه فعله لمصلحة المسلمين .
ولو بنى مسجدا في ملكه أو موات فهلك به إنسان أو بهيمة أو سقط جداره على إنسان أو مال فلا ضمان إن كان بإذن الإمام وإلا فعلى الخلاف السابق وبناء سقاية على باب داره في الشارع لشرب الناس منها كالحفر في الشارع .
وما تولد من جناح .
بفتح جيمه وهو البارز عن سمت الجدار من خشب أو غيره " إلى شارع فمضمون " سواء أكان يضر أم لا أذن الإمام فيه أم لا لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة ولو تناهى في الاحتياط فجرت حادثة لا تتوقع أو صاعقة سقط بها وإن قال الإمام في هذه الحالة لست أرى إطلاق القول بالضمان في ذلك فإن قيل لو حفر بئرا لمصلحة نفسه بإذن الإمام لم يضمن فهلا كان هنا كذلك .
أجيب بأن للإمام الولاية على الشارع مكان إذنه معتبرا حيث لا ضرر بخلاف الهواء لا ولاية له عليه فلم يؤثر إذنه في عدم الضمان والدية في الحر والقيمة في الرقيق على العاقلة إن تلفا بذلك وإن تلف به مال غير رقيق ففي مال المبرز .
تنبيه : .
المراد يكون مضمونا على ما سيأتي في الميزاب فيضمن الكل بالخارج فقط والنصب بالجميع وقوله فمضمون يقتضي الضمان ولو تولد التلف منه بغير سقوطه أو سقوط بعضه كما إذا صدمه راكب على شيء عال أو سقط منه حيوان كفأرة فتلف بذلك شيء وهو كذلك وإن قال البلقيني القياس عدم الضمان ولم أر من تعرض له اه " .
وخرج بالشارع ما لو أخرجه إلى هواء ملكه أو ملك غيره بإذنه فلا ضمان لما تولد منه جزما لعدم تعديه أو إلى درب منسد ليس فيه مسجد أو نحوه أو إلى ملك الغير بلا إذن من أهل الدرب أو المالك فالضمان وإن كان عاليا لتعديه بخلافه بالإذن كما لو كان في ملك المخرج أما إذا كان مسجدا أو نحوه فهو كالشارع كما نبه عليه الأذرعي وغيره ولو أشرعه إلى ملكه ثم سبل ما تحته شارعا استمر عدم الضمان فلا يضمن ما تولد كما لو استمر ملكه عليه ولو سبل أرضه المجاورة لداره شارعا واستثنى لنفسه الإشراع لها ثم أشرع لها فالظاهر كما قال الدميري لا ضمان .
ويحل .
للمسلم " إخراج الميازيب " العالية التي لا تضر بالمارة " إلى شارع " وإن لم يأذن الإمام كالجناح للحاجة الظاهرة إليها ولما روى الحاكم في مستدركه أن عمر رضي الله تعالى عنه مر تحت ميزاب العباس Bه فقطرت عليه قطرات فأمر بقلعه فقلع فخرج العباس فقال أتقلع ميزابا نصبه رسول الله A فقال عمر والله لا ينصبه إلا من يرقى على ظهري وانحنى العباس حتى رقي إليه فأعاده إلى موضعه .
أما الذمي فقال البلقيني يمنع كما يمنع إخراج الجناح وقد يفرق بأن الجناح يمشي عليه ويقعد وينام فكان أشد من علاء بنائه بخلاف الميزاب والأرجح أنه لا فرق اه " .
وهذا هو الظاهر .
تنبيه : .
جرى المصنف في جميع الميازيب على لغة ترك الهمزة في مفرده وهو ميزاب وهي لغة قليلة والأفصح في جمعه مآزب بهمزة ومد جمع مئزاب بهمزة ساكنة ويقال فيه مرزاب بتقديم الراء على الزاي وعكسه فلغاته حينئذ أربع " والتالف بها " أو بما سال من مائها " مضمون في الجديد " لأنه ارتفاق بالشارع فجوازه مشروط بسلامة العاقبة كالجناح وكما لو طرح ترابا بالطريق ليطين به سطحه فزلق به إنسان ضمنه والقديم لا ضمان لأنه ضروري لتصرف المياه بخلاف الجناح لأنه لاتساع المنفعة .
ومنع الجديد كونه ضروريا إذ يمكنه أن يتخذ لماء السطح بئرا أو يجري الماء في أخدود الجدار من غير إخراج شيء " فإن كان بعضه " أي الميزاب ويصح رجوعه للجناح أيضا بتأويل ما ذكر " في الجدار " وبعضه خارجا عنه " فسقط الخارج " منه كله أو بعضه فأتلف شيئا " فكل الضمان " يجب لأنه تلف بما هو مضمون عليه خاصة " وإن سقط كله " أي الميزاب داخله وخارجه بأن قطع من أصله " فنصفه " أي الضمان يجب " في الأصح " لأن التلف حصل بالداخل في ملكه وهو غير مضمون وبالخارج وهو ( 4 / 86 ) مضمون فوزع على النوعين سواء أكانت الإصابة بالداخل والخارج أم لا استويا في القدر أم لا والثاني يوزع على الداخل والخارج فيجب قسط الخارج ويكون التوزيع بالوزن وقيل بالمساحة .
تنبيه : .
يلغز بهذه المسألة فيقال رجل إن قتل إنسانا بخشبة لزمه بعض ديته وإن قتله ببعضها لزمه تمام ديته وقد علم مما تقرر أنه لو كان كله خارج الجدار كأن سمر عليه تعلق الضمان بسقوطه كله أو بعضه ولو كان كله في الجدار فلا ضمان بوقوعه كالجدار وأورد على المصنف ما لو سقط كل الخارج وبعض الداخل أو عكسه فالظاهر أنه كسقوطه كله وما لو سقط كله وانكسر نصفين في الهواء ثم أصاب فإنه ينظر إن أصاب بما كان في الجدار لم يضمن أو بالخارج ضمن الكل كما قاله البغوي في تعليقه ولو أصاب الماء النازل من الميزاب شيئا فأتلفه ضمن نصفها إن كان بعضه في الجدار وبعضه خارجا ولو اتصل ماؤه بالأرض ثم تلف به إنسان قال البغوي فالقياس التضمين أيضا .
وإن بنى .
شخص " جداره " كله " مائلا إلى شارع " أو ملك غيره بغير إذنه " فكجناح " في ضمان ما تلف به وإن أذن فيه الإمام على ما مر لأنه مباح بشرط سلامة العاقبة وخرج بقوله إلى شارع ما لو كان مائلا إلى ملكه فلا ضمان لأن له أن يبني في ملكه ما يشاء .
نعم لو كان ملكه مستحقا لغيره بإجارة أو وصية كان كما لو بناه مائلا إلى ملك غيره لأن منفعة الهواء تابعة لمنفعة القرار قاله الأذرعي .
والظاهر في هذه عدم الضمان كما مر في حفر البئر في ملكه المستأجر ثم رأيت هذا البحث لشيخي .
تنبيه : .
لو أسقط قوله إلى شارع لاستغنى عما قدرته فإن بنى الجدار مائلا والبعض الآخر مستويا فسقط المائل فقط ضمن الكل أو سقط الكل ضمن النصف في الأصح والميل إلى طريق غير نافذ إن كان فيه مسجد أو بئر مسبل فكالشارع وإلا فملك لغير وعلى هذا يحمل قول الزركشي ينبغي أن يكون كالميل للشارع .
ولا يبرأ ناصب الميزاب أو الجناح أو باني الجدار المائل من الضمان ببيع الدار لغيره حتى لو تلف بها إنسان ضمنته عاقلة البائع كما نقله عن البغوي وأقراه .
نعم لو بنى الجدار إلى ملك الغير عدوانا ثم باعه منه ودفعه إليه فينبغي أن يبرأ بذلك كما يؤخذ مما مر في مسألة البئر إذا حفره عدوانا ثم رضي المالك ببقائها فإن الحافر يبرأ بذلك كما قاله الزركشي وغيره .
وقال البلقيني الأصح عندي لزومه المالك أو عاقلته حالة التلف قال ولو تعلق بالواضع أو بعاقلته كما قاله البغوي لتعلق بالصانع له الذي وضعه للمالك اه " .
فإن قيل ما الفرق على قول الزركشي بين الجدار والميزاب .
قلت الفرق أن سبب الضمان هنا هو العدوان وقد زال وثم لم يزل لأن الانتفاع مشروط بسلامة العاقبة فاستمر الحكم على ما هو عليه ولو كانت عاقلته يوم التلف غيرها يوم إخراج الجناح أو نصب الميزاب أو ميل الجدار كان الضمان عليه كما صرح به البغوي في تعليقه " أو " بنى جداره " مستويا فمال " إلى شارع أو ملك غيره " وسقط " على شيء فأتلفه " فلا ضمان " به لأنه تصرف في ملكه والميل لم يحصل بفعله فأشبه ما إذا سقط بلا ميل سواء أمكنه هدمه وإصلاحه أم لا " وقيل إن أمكنه هدمه وإصلاحه ضمن " لتقصيره بترك النقد والإصلاح .
تنبيه : .
لو اختل جداره فصعد السطح فدقه للإصلاح فسقط على إنسان فمات قال البغوي في فتاويه في باب الغصب إن سقط وقت الدق فعلى عاقلته الدية " ولو سقط " ما بناه مستويا بعد ميله " بالطريق فعثر به شخص " فمات " أو تلف " به " مال فلا ضمان " عليه " في الأصح " لأنه بنى في ملكه بلا ميل والسقوط لم يحصل بفعله سواء أقصر في رفعه أم لا والثاني عليه الضمان لتقصيره بترك رفع ما سقط الممكن له .
قال الأذرعي هو المختار وعلى الأول لا فرق أن يطالب بالنقض أو لا ولو استهدم الجدار ولم يمل لم يلزمه نقضه كما في أصل الروضة ولا ضمان ما تولد منه لأنه لم يجاوز ملكه وقضية هذا أنه إذا مال لزمه ذلك وليس مرادا ولصاحب الملك مطالبة من مال جداره إلى ملكه بالنقض كأغصان الشجرة تنتشر إلى هواء ملكه فإن له المطالبة بإزالتها لكن لو تلف بها ( 4 / 87 ) شيء لم يضمن مالكها لأن ذلك لم يكن بصنعه بخلاف الميزاب ونحوه نقله البغوي في تعليقه عن الأصحاب " ولو طرح " شخص " قمامات " جمع قمامة بضم القاف أي كناسة " وقشور بطيخ " بكسر الموحدة أو رمان أو نحو ذلك " بطريق " فتلف بذلك شيء " فمضمون على الصحيح " وبه قطع الجمهور كما في أصل الروضة سواء أطرحه في متن الطريق أم طرفه لأن الارتفاق الطريق مشروط بسلامة العافية ولأن في ذلك ضررا على المسلمين كوضع الحجر والسكين والثاني لا ضمان الاطراد العادة بالمسامحة به مع الحاجة .
تنبيه : .
محل الخلاف كما في الروضة وأصلها في طرحها في غير المزابل والمواضع المعدة لذلك وإلا فشبه القطع بنفي الضمان ومحله أيضا إذا كان المتعثر بها جاهلا فإن مشى عليها قصدا فلا ضمان قطعا كما لو نزل البئر فسقط وخرج بطرحها ما لو وقعت بنفسها بريح أو نحوه فلا ضمان .
قال شيخنا في شرح الروض إلا أن قصر في رفعها بعد ذلك ويظهر لي أن هذا بحث والأوجه عدم الضمان أيضا كما لو مال جداره وسقط وأمكنه رفعه فإنه لا يضمن ولو طرحها في ملكه أو موات أو ألقى القمامة في سباطة مباحة فلا ضمان .
فروع يضمن برش الماء في الطريق لمصلحة نفسه ما تلف به لا برشه لمصلحة المسلمين كدفع الغبار عن المارة وذلك كحفر البئر للمصلحة العامة هذا إن لم يجاوز العادة وإلا فيضمن كبل الطين في الطريق ولتقصيره .
نعم إن مشى على موضع الرش قصدا فلا ضمان كما في الروضة وما ذكر من أنه إذا لم يجاوز العادة فلا ضمان عليه قضيته ولو لم يأذن له الإمام .
قال الزركشي لكن الذي صرح به الأصحاب وجوب الضمان إذا لم يأذن الإمام .
وقال المتولي إنه الصحيح لأنه ليس إليه مراعاة المصالح ولأن معظم غرضه مصلحة نفسه وهو أن لا يتأذى بالغبار وبهذا فارق ما لو حفر بئرا للمصلحة العامة فإنه لا ضمان عليه كما مر ولو قرص أو ضرب رجلا حاملا لشيء فتحرك وسقط ما هو حامله فكإكراهه على إلقائه فيضمن كل منهما ولو تغذى بإسناد خشبة إلى جدار غيره فسقط على شيء فأتلفه ضمن الجدار وما تلف به وإن تأخر السقوط عن الإسناد بخلاف ما لو فتح قفصا عن طائر فطار حيث يفرق فيه بين طيرانه في الحال وطيرانه بعد مدة كما مر في باب الغصب لأن الطائر مختار والجماد لا اختيار له وإن سندها إلى جداره أو جدار غيره بلا تعد فسقط أو مال ثم سقط بعد حين ضمن ما أتلفه كما لو أسقط جدارا على مال غيره بخلاف ما لو وقع ذلك بعد حين فلا ضمان كما لو حفر بئرا في ملكه ولو بنى دكة على باب داره في الطريق أو وضع متاعه في الطريق لا في طرف حانوته ضمن ما تعثر وتلف به لما مر ولأنه بنى الدكة لمصلحة نفسه وإنما يضمن ما تلف مما وضعه بطرف حانوته لكونه موضوعا فيما يختص به ولو اغتسل شخص في الحمام وترك الصابون والسدر المزلقين بأرضه أو رمى فيها نخامة فزلق بذلك إنسان فمات أو انكسر قال الرافعي فإن ألقى النخامة على الممرضمن وإلا فلا ويقاس بالنخامة ما ذكر معها وهذا كما قال الزركشي ظاهر .
وقال الغزالي في الإحياء أنه إن كان بموضع لا يظهر بحيث يتعذر الاحتراز منه فالضمان متردد بين تاركه والحمامي إذ على الحمامي تنظيف الحمام والوجه إيجابه على تاركه في اليوم الأول وعلى الحمامي في اليوم الثاني إذ تنظيف الحمام كل يوم معتاد .
وقال في فتاويه إن نهى الحمامي عنه فالضمان على الواضع وإن لم يأذن ولا نهى فالعادة جارية باستعماله فإن جاوز العادة واستكثر منه ضمن وإلا فلا لأن وظيفة تنقية الحمام على الحمامي في العادة لا على المغتسل ثم ما سبق حيث المهلك سبب واحد .
ثم شرع فيما إذا تعدد فقال " ولو تعاقب سببا هلاك " بحيث لو انفرد كل منهما كان مهلكا " فعلى الأول " منهما في التلف لا الوجود بحال الهلاك إذا ترجح بالقوة وذلك " بأن حفر " شخص بئرا " ووضع آخر حجرا " مثلا على طرف البئر حال كون كل من الحفر والوضع " عدوانا " كما يشعر به كلامه وهو أولى من جعل بعضهم العدوان حالا من الوضع فقط وسواء كان الوضع قبل الحفر أم بعده كما اقتضاء التعبير بالواو .
وقال في المطلب أنه ظاهر نص المختصر " فعثر " بالبناء للمفعول " به " أي الحجر " ووقع ( 4 / 88 ) العاثر " بغير قصد " بها " أي البئر فهلك " فعلى الواضع الضمان " لأن التعثر هو الذي ألجأه إلى الوقوع فيها المهلك له فوضع الحجر سبب أول للهلاك وقد ترجح بما ذكر وحفر البئر سبب ثان له فلو ترجح الحفر بالقوة كأن حفر بئرا عدوانا فوضع آخر سكينا فيها ومات المتردي بالسكين فالضمان على الحافر لأن الحفر أقوى السببين لأنه الملجىء له إلى السقوط على السكين فإن لم يتعد الحافر كأن كان مالكا فلا ضمان عليهما .
أما المالك فظاهر وأما الآخر فلأن السقوط في البئر هو الذي أفضى إلى السقوط على السكين فكان الحافر كالمباشر والآخر كالمتسبب بل هو غير معتد كما سيأتي فإن استوى السببان كأن حفر شخص بئرا قريبة العمق فعمقها غيره فضمان من تردى فيها عليهما بالسوية ولو تفاضلا في الحفر كأن حفر أحدهما ذراعا والآخر ذراعين كالجراحات ولو طمت بئر حفرت عدوانا فنبشها آخر فالضمان عليه لانقطاع أثر الحفر الأول بالطم سواء كان الطام الحافر أم غيره .
تنبيه : .
أطلق المصنف الواضع ولا بد فيه أن يكون من أهل الضمان فلو تعدى بحفر بئر ووضع حربي أو سبع الحجر فلا ضمان على أحد على الصحيح وخرج بقولنا بغير قصد ما لو رأى العاثر الحجر فلا ضمان كما في حفر البئر ذكره الرافعي بعد هذا الموضع " فإن لم يتعد الواضع " للحجر كأن وضعه في ملكه " فالمنقول " كما عبر به في الروضة وأصلها " تضمين الحافر " لأنه المتعدي بخلاف الواضع .
قال الرافعي وينبغي أن يقال لا يتعلق بالحافر والواضع ضمان كما لو حفر بئرا عدوانا ووضع السيل أو سبع حجرا فعثر به إنسان وسقط في البئر فهو هدر على الصحيح .
قال ويدل عليه أن المتولي قال لو حفر في ملكه بئرا ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات فلا ضمان على واحد منهما أما الحافر فظاهر وأما الآخر فلأن الوقوع في البئر هو الذي أفضى في الوقوع على الحديدة فكان حافر البئر كالمباشر والآخر كالمتسبب اه " .
وفرق البلقيني بين مسألتنا ومسألة السيل ونحوه بأن الوضع في مسألتنا فعل من يقبل الضمان فإذا سقط عنه لعدم تعديه فلا يسقط عن المتعدي بخلافه في مسألة السيل ونحوه فإن فاعله ليس مهيئا للضمان أصلا فسقط الضمان بالكلية اه " .
وأما المستدل به فيحمل كما قال شيخنا على ما إذا كان الواقع في البئر متعديا بمروره أو كان الناصب غير متعد فإن لم يتعد الحافر أيضا فلا ضمان على واحد منهما .
تنبيه : .
لما كان الحكم في المسألة مشكلا عبر هنا وفي الروضة تبعا للرافعي بالمنقول للتنبيه على ذلك إلا أن قولهما المنقول يقتضي أن لا نقل يخالف ذلك وما نقلاه عن المتولي يخالفه فينبغي أو يحمل قولهما المنقول على المشهور .
فروع لو كان بيد شخص سكين فألقى رجل رجلا عليها فهلك ضمن الملقي لا صاحب السكين إلا أن يلقاه بها فيضمن ولو وقع في بئر فأرسل رجل حبلا فشده العبد في وسطه وجره الرجل فسقط العبد فمات ضمنه كما قاله البغوي في فتاويه ولو وقف اثنان على بئر فدفع أحدهما الآخر فلما هوى جذب معه الدافع فسقطا فماتا قال الصيمري فإن جذبه طمعا في التخلص وكانت الحالة توجب ذلك فهو مضمون ولا ضمان عليه وإن جذبه لا لذلك بل لإتلاف المجذوب ولا طريق لخلاص نفسه بمثل ذلك فكل منهما ضامن للآخر لو تجارحا " ولو وضع " شخص " حجرا " في طريق عدوانا " وآخران حجرا " كذلك " فعثر بهما " آخر فمات " فالضمان " عليهم للعاثر " أثلاث " وإن تفاوت فعليهم نظرا إلى عدد رؤوس الجناة كما لو مات بجراحة ثلاثة واختلفت الجراحات " وقيل " الضمان " نصفان " على الأول نصف وعلى الآخر نصف نظرا إلى عدد الموضوع ورجحه البلقيني إذ ليس هذا كالجراحات التي لها نكاية في الباطن بل هو إلى صورة الضربات أقرب بل أولى في الحكم .
تنبيه : .
كلام المصنف يفهم أنه لا فرق في حجر الآخرين بين أن يكون بجنب الأول أو لا لكن المحرر والروضة وأصلها قيدوه بكونه بجنبه فيحتمل أن يكون لنفي الضمان عما لو لم يكن بجنبه ويحتمل خلافه .
والظاهر أنه قيد ( 4 / 89 ) لصورة المسألة .
ولو وضع .
شخص " حجرا " في طريق سواء كان متعديا أم لا " فعثر به رجل فدحرجه فعثر به آخر " فمات " ضمنه المدحرج " وهو العاثر الأول لأن الحجر إنما حصل ثم بفعله " ولو عثر " بفتح العين والثاء المثلثة في الأشهر وحكي كسرها ماش " بقاعد أو نائم أو واقف بالطريق وماتا " أي العاثر والمعثور به " أو أحدهما فلا ضمان " على أحد كما في المحرر بل يهدران وهذا " إن اتسع الطريق " لأنه غير متعد والعاثر كان يمكنه التحرز .
تنبيه : .
تبع في هذا التعبير المحرر وظاهره إهدار العاثر والقاعد والنائم والواقف ولا يعرف هذا لغير المحرر والذي في الروضة كالشرحين إهدار العاثر وأن عاقلته تضمن دية القاعد والنائم والواقف ويمكن أن يؤول قول المصنف فلا ضمان يعني على القاعد والنائم والواقف ليوافق المنقول وإن كان فيه تعسف وسواء في ذلك كان القاعد أو الواقف بصيرا أو أعمى كما لو قصد قتل من يمكنه الاحتراز منه فلم يحترز حتى قتله " وإلا " بأن ضاق الطريق " فالمذهب إهدار قاعد ونائم " لأن الطريق للطروق وهما بالقعود والنوم مقصران " لا عاثر بهما " فلا يهدر لعدم تقصيره بل على عاقلتهما ديته " وضمان واقف " لأن الشخص قد يحتاج إلى الوقوف لتعب أو سماع كلام أو انتظار رفيق أو نحو ذلك فالوقوف من مرافق الطريق " لا عاثر به " فلا يضمن لتقصيره والطريق الثاني ضمان كل منهما والثالث ضمان العاثر وإهدار المعثور به والرابع عكسه .
تنبيه : .
هذا كله إذا لم يوجد من الواقف فعل فإن وجد بأن انحرف إلى الماشي لما قرب منه فأصابه في انحرافه وماتا فهما كماشيين اصطدما .
وسيأتي حكمه بخلاف ما إذا انحرف عنه فأصابه في انحرافه أو انحرف إليه فأصابه بعد تمام انحرافه فحكمه كما لو كان واقفا لا يتحرك .
والقائم في طريق واسع أو ضيق لغرض فاسد كسرقة أو أذى كالقاعد في ضيق كما قاله الأذرعي .
قال الماوردي لو كان الوقوف يضر بالمار كان كالجلوس فيضمن به دية العاثر وإن كان القعود والاضطجاع لا يضرهم فكالقيام فلو عثر الماشي بواقف أو قاعد أو نائم في ملكه أو مستحق منفعته فهلكا أو أحدهما فالماشي ضامن ومهدر لأنه قتل نفسه وغيره دونهم فليسوا بضامنين ولا مهدرين وإنما يهدر الماشي إن دخلا بلا إذن ممن ذكر فإن دخل بإذن لم يهدر ولو وقف أو قعد أو نام في ملك الغير تعديا فعثر به المالك وهو ماش فهو هدر لتعديه .
تتمة المسجد لقائم أو قاعد فيه وكذا نائم معتكف به كالملك لهم فعلى عاقلة العاثر ديتهم وهو مهدر ولنائم فيه غير معتكف أو قائم أو قاعد فيه لما ينزه عنه المسجد كالطريق فيفصل فيه بين الواسع والضيق كما مر .
وما تقدم من تضمين واضع القمامة والحجر والحافر والمدحرج والعاثر وغيرهم المراد به وجوب الضمان على عاقلتهم بالدية أو بعضها كما مرت الإشارة إليه لا وجوب الضمان عليهم أنفسهم كما نص عليه الشافعي والأصحاب