في الأطراف والجراحات والمعاني وفي إسقاط الشجاع وغير ذلك " يشترط لقصاص الطرف " وهو بفتح الراء ما له حد ينتهي إليه كأذن ويد ورجل " و " لقصاص " الجرح " بضم الجيم ولغيرهما مما دون النفس " ما شرط للنفس " من كون الجاني مكلفا ملتزما وكونه غير أصل للمجني عليه وكون المجني عليه معصوما ومكافئا للجاني ولا يشترط التساوي في البدل كما لا يتشرط في قصاص النفس فيقطع العبد بالعبد والمرأة بالرجل وبالعكس والذمي بالمسلم والعبد بالحر ولا عكس وكون الجناية عمدا عدوانا ومن أنه لا قصاص إلا في العمد لا في الخطأ وشبه العمد .
ومن صور الخطأ أن يقصد أن يصيب حائطا بحجر فيصيب رأس إنسان فيوضحه ومن صور شبه العمد أن يضرب رأسه بلطمة أو بحجر لا يشج غالبا لصغره فيتورم الموضع إلى أن يتضح العظم .
تنبيه : .
مراد المصنف إلحاق ذلك بالنفس في الجملة وإلا لو رد عليه بالعصا الخفيفة فإنه عمد في الشجاع لأنه يوضح غالبا وهو شبه عمد في النفس لأنه لا يقتل غالبا كما حكاه الرافعي عن التهذيب وغيره وجزم به في الروضة وما إذا كان الحجر مما يوضح غالبا فأوضح به وجب قصاص الموضحة ولو مات منها لم يجب قصاص النفس كما في الشامل عن الشيخ أبي حامد وقيده الماوردي بما إذا مات في الحال بلا سراية وإلا فيوجبه فيها أيضا وهو حسن .
وما إذا قطع السيد طرف مكاتبه فإنه يضمنه ولا يضمنه إذا قتله لأن الكتابة تبطل بالموت فيموت على ملك مكاتبه ولا تبطل بقطع طرفه وأرشه كسب له فيدفع ذلك له وهذه المسألة لا نظير لها وكان ينبغي للمصنف أن يزيد بعد قوله ما شرط للنفس عند التساوي في الصحة لئلا يرد عليه الطرف الأشل فإنه لا يقطع السليم به وإن كان كامل الخلق يقتل بالزمن والمقطوع .
و .
تقطع الأيدي الكثيرة باليد الواحدة كما " لو " اشترك جمع في قطع كأن " وضعوا سيفا " مثلا " على يده " أي المجني عليه " وتحاملوا عليه دفعة " أي اليد بتأويل العضو وفي بعض النسخ ( 4 / 26 ) عليها ويدل له قوله " فأبانوها قطعوا " كلهم أو تعمدوا كما في النفس .
فإن قيل لو سرى رجلان نصابا واحدا لم يقطعا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن القطع حق الله تعالى والحدود بالمساهلات أحق بخلاف القصاص الذي هو حق آدمي .
واحترز بقوله وتحاملوا عليه دفعة عما لو تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع كل منهم من جانب والتقت الحديدتان .
وبقوله وأبانوها عما لو أبان كل منهم بعض الطرف أو تعاونوا على قطعه بمنشار جره بعضهم في الذهاب وبعضهم في العود فإنه لا قود على أحد في الأولى خلافا لصاحب التقريب ولا في الثانية عند الجمهور لتعذر المماثلة لاشتمال المحل على أعصاب ملتفة وعروق ضاربة وساكنة مع اختلاف وضعها في الأعضاء بل على كل منهم حكومة تليق بجنايته بحيث يبلغ مجموع الحكومات دية اليد كما بحثه الرافعي وتبعه المصنف " وشجاج " مجموع " الرأس والوجه " بكسر المعجمة جمع شجة بفتحها وهي جرح فيهما أما في غيرهما فيسمى جرحا لا شجة " عشر " دليله استقراء كلام العرب .
ثم بدأ بأول الشجاج بقوله " حارصة " بمهملات " وهي ما شق الجلد قليلا " كالخدش مأخوذ من قولهم حرص القصار الثوب إذا شقه بالدق .
وتسمى أيضا القاشرة بقاف وشين معجمة والحرصة والحريصة " ودامية " بمثناة تحتية خفيفة وهي التي " تدميه " بضم أوله أي الشق من غير سيلان دم فإن سال فدامعة بعين مهملة .
وبهذا الاعتبار تكون الشجاج أحد عشر كما سيأتي " وباضعة " بموحدة ومعجمة مكسورة ثم عين مهملة وهي التي " تقطع " أي تشق " اللحم " الذي بعد الجلد شقا خفيفا من البضع وهو القطع " ومتلاحمة " بمهملة وهي التي " تغوص فيه " أي اللحم ولا تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم .
سميت بذلك تفاؤلا بما تؤول إليه من الالتحام وتسمى أيضا الملاحمة " وسمحاق " بسين مكسورة وحاء مهملتين وهي التي " تبلغ الجلد التي بين اللحم والعظم " سميت بذلك لأن تلك الجلدة يقال لها سمحاق الرأس مأخوذة من سماحيق البطن وهي الشحم الرقيق وقد تسمى هذه الشحمة الملطاء والملطاة واللاطية " وموضحة " وهي التي " توضح " أي تكشف " العظم " بحيث يقرع بالمرود وإن لم يشاهد العظم من أجل الدم الذي يستره حتى لو غرز إبرة في رأسه ووصلت إلى العظم كان إيضاحا " وهاشمة " وهي التي " تهشمه " أي تكسره سواء أوضحته أم لا " ومنقلة " بكسر القاف المشددة أفصح من فتحها وتسمى أيضا المنقولة وهي التي " تنقله " بالتخفيف والتشديد من محل إلى آخر سواء أوضحته وهشمته أو لا " ومأمومة " بالهمز جمعها مآميم كمكاسير وتسمى أيضا آمة وهي التي " تبلغ خريطة الدماغ " المحيطة به وهي أم الرأس " ودامغة " بمعجمة وهي التي " تخرقها " أي خريطة الدماغ وتصل إليه وهي مذففة غالبا .
تنبيه : .
أفهم كلامه أن جميع هذه الشجاج تتصور في الوجه وهو ظاهر في الجبهة ويتصور ما عدا المأمومة والدامغة في خد وقصبة أنف ولحي أسفل وسائر البدن وهذه العشرة هي المشهورة وزاد أبو عبيد الدامعة بالعين المهملة بعد الدال ولذلك عدها الماوردي أحد عشر .
ويجب القصاص .
من هذه العشرة " في الموضحة فقط " لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها .
وأما غيرها فلا يؤمن الزيادة والنقصان في طول الجراحة وعرضها ولا يوثق باستيفاء المثل ولذلك لا يجب القصاص في كسر العظام " وقبل " يجب في الموضحة " وفيما قبلها " من الشجاع أيضا " سوى الحارصة " فلا يجب القصاص فيها جزما وهي الدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق لإمكان الوقوف على نسبة المقطوع في الجملة .
تنبيه : .
استثناء الحارصة مما زاده المصنف على المحرر .
قال في الدقائق ولا بد منه فإن الحارصة لا قصاص فيها قطعا وإنما الخلاف في غيرها اه " .
وفي الكفاية أن كلام جماعة يفهم خلافا فيها .
وقال في المطلب إن كلام الشافعي في المختصر ( 4 / 27 ) يقتضي القصاص فيها وعلى هذا فلا يحتاج إلى استيفائها " ولو أوضح في باقي البدن " كأن كشف عظم الصدر أو العتق أو الساعد أو الأصابع " أو قطع بعض مارن " وهو بكسر الراء ما لان من الأنف " أو " قطع بعض " أذن " أو شفة ولسان أو حشفة " ولم يبنه وجب القصاص في الأصح " وفي الروضة كأصلها الأظهر .
أما في الإيضاح فلقوله تعالى " والجروح قصاص " ولما مر في الموضحة ووجه عدم الوجوب فيه القياس على الأرش فإنه لا أرش فيه مقدر ونقضه الأول بالأصبع الزائدة فإنه يقتص بمثلها ولا أرش لها مقدر وكذا الساعد بلا كف واليد الشلاء وهذا عكس الجائفة فإن لها أرشا مقدرا ولا قصاص فيها .
وأما في القطع فلتيسر اعتبار الممائلة وبقدر المقطوع بالجزئية كالثلث والربع ويستوفي من الجاني مثله لا بالمساحة لأن الأطراف المذكورة تختلف كبرا وصغرا بخلاف الموضحة كما سيأتي .
ووجه عدم الوجوب فيما ذكر القياس على المتلاحمة .
تنبيه : .
اقتصار المصنف على بعض المارن والأذن يقتضي انتفاء القصاص في بعض الكوع ومفصل الساق من القدم إذا لم يبنه وهو الأظهر لعدم تحقق الممائلة في قطعه لكن يرد عليه بعض الشفة واللسان والحشفة فإن إبانتها كبعض الأذن كما قدرته في كلامه وقد يفهم كلامه أنه إذا أبان ما ذكر لا يكون كذلك وليس مرادا بل الصحيح الوجوب .
وقد يفهم أيضا طرد الخلاف فيما إذا بقي المقطوع معلقا بجلدة فقط والمجزوم في الروضة وأصلها أنه يجب القصاص أو كمال الدية لأنه أبطل فائدة العضو ثم إذا انتهى القطع في القصاص إلى تلك الجلدة حصل القصاص ثم يراجع أهل الخبرة في تلك الجلدة ويفعل فيها المصلحة من قطع أو ترك .
قال في الروضة ولا قصاص في إطار شفة بكسر الهمزة وتخفيف المهملة وهو المحيط بها إذ ليس له حد مقدر اه " .
وهذا هو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري وإن قال الإسنوي أنه غلط وصوابه هنا السه بمهملة بعدها هاء بلا فاء وهو حلقة الدبر لأن المحيط بها لا حد له .
قال وهي كذلك في نسخ الرافعي الصحيحة اه " .
وعلى الأول هما مسألتان لا قصاص في كل منهما .
ويجب .
القصاص " في القطع من مفصل " لانضباطه وهو بفتح ميمه وكسر صاده واحد مفاصل الأعضاء موضع اتصال عضو بآخر على مقطع عظمين برباطات واصلة بينهما إما مع دخول أحدهما في الآخر كالركبة أولا كالكوع " حتى في أصل فخذ " وهو ما فوق الورك " ومنكب " وهو مجمع ما بين العضد والكتف " إن أمكن " القصاص فيهما " بلا إجافة " وهي جرح ينفذ إلى جوف كما سيأتي لإمكان المماثلة " وإلا " أي وإن لم يمكن إلا بها " فلا " يجب القصاص " على الصحيح " سواء أجافه الجاني أم لا لأن الجوائف لا تنضبط ضيقا وسعة وتأثيرا ونكاية ولذلك امتنع القصاص فيها والثاني يجب إن أجافه الجاني وقال أهل النظر يمكن أن يقطع ويجاف مثل تلك الجائفة لأن الجائفة هنا نابعة .
تنبيه : .
محل الخلاف إذا لم يمت بالقطع فإن مات به قطع الجاني وإن لم يمكن بلا إجافة كما سيأتي إيضاحه " ويجب " القصاص " في فقء عين " أي تعويرها بعين مهملة " وقطع أذن وجفن " وهو بفتح الجيم وحكي كسرها غطاء العين من فوق ومن أسفل " ومارن " وتقدم ضبطه " وشفة " بفتح الشين سفلى أو عليا وأصلها شفهة بدليل جمعها على شفاه " ولسان " ويذكر ويؤنث " وذكر وأنثيين " وإن لم يكن لها مفاصل لأن لها نهايات مضبوطة فألحقت بالمفاصل .
تنبيه : .
شمل إطلاقه وجوب القصاص بقطع الأذن مالوردها في حرارة الدم والتصقت وهو كذلك لأن الحكم متعلق بالإبانة وقد وجدت والمراد بالأنثيين البيضتان .
وأما الخصيتان فالجلدتان اللتان فيهما البيضتان قاله ابن السكيت " وكذا أليان " بهمزة مفتوحة ومثناة تحتية تثنية إلية وفي لغة قليلة إليتان بزيادة التاء المثناة من فوق وهم اللحمان الناتئان بين الظهر والفخذ " وشفران " وهما بضم الشين المعجمة تثنية شفر وهو حرف الفرج اللحم ( 4 / 28 ) المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم وشفر كل شيء حرفه .
وأما شفر العين فمنبت هدبها وحكي فيه الفتح يجب القصاص فيهما " في الأصح " لما مر والثاني المنع لأنه لا يمكن استفاؤها إلا بقطع غيرها .
تنبيه : .
قد يفهم كلامه أنه لا خلاف فيما قبل الأليين وليس مرادا بل هو جار في الشفة واللسان لكنه ضعيف فيهما ولهذا عبر في الروضة فيهما بالصحيح وفي الأليين والشفرين بالأصح .
ولا قصاص في كسر عظام .
لعدم الوثوق بالمماثلة لأن الكسر لا يدخل تحت الضبط وسيأتي الكلام في السر " وله " أي المجني عليه بكسر عظم مع الإبانة " قطع أقرب مفصل إلى " أسفل " موضع الكسر " لأن فيه تحصيل استيفاء بعض الحق والميسور لا يسقط بالمعسور " و " له " حكومة الباقي " لأنه لم يأخذ عوضا عنه فلو كسر ذراعه اقتص في الكف وأخذ الحكومة لما زاد وله العفو عن الجناية ويعدل إلى المال كما في الروضة كأصلها .
تنبيه : .
في كلامه أمور أحدها قوله أقرب مفصل يفهم اعتبار اتحاد وليس مرادا فلو كسر العظم من نفس الكوع كان له التقاط الأصابع وإن تعددت المفاصل كما جزما به في الروضة وأصلها .
ثانيها قضيته أنه إذا كسر عظم العضد لا يمكن من قطع الكوع وسيأتي في كلامه أن له ذلك على الأصح ثالثها أنه لو أطلق ذلك وقيده البلقيني بأن يحصل بالكسر انفصال العضو كما قدرته في كلام المصنف .
قال ويدل عليه قوله بعد ولو كسر عضده وأبانه .
قال فلو حصل الكسر من غير انفصال فليس له أن يقطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر " ولو أوضحه وهشم أوضح " المجني عليه الجاني لإمكان القصاص في الموضحة " وأخذ " منه " خمسة أبعرة " عن أرش الهشم لتعذر القصاص فيه " ولو أوضح ونقل " العظم " أوضح " المجني عليه لما مر " وله عشرة أبعرة " أرش التنقيل المشتمل على الهشم لتعذر القصاص فيما ذكر .
تنبيه : .
لو أوضح وأم أوضح لما مر وأخذ بين الموضحة والمأمومة وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث لأن في المأمومة ثلث الدية كما سيأتي .
ولو قطعه .
أي كفه " من الكوع " وكف الجاني والمجني عليه كاملتان " فليس له " ترك الكف و " التقاط أصابعه " لأنه قادر على محل الجناية ومهما أمكنه المماثلة لا يعدل عنها بل لو طلب قطع أنملة واحدة لم يمكن من ذلك فإن كانت كف المجني عليه ناقصة أصبعا مثلا لم تقطع السليمة بها وله أن يلتقط أربع أصابع منها كما سيأتي في الباب عقب هذا والكوع بضم الكاف ويقال له أيضا الكاع وهو العظم الذي في مفصل الكف يلي الإبهام وما يلي الخنصر كرسوع وأما البوع فهو العظم الذي عند أصل الإبهام من الرجل بكسر الراء ومنه قولهم لا يعرف كوعه من بوعه أي لا يدري من غباوته ما اسم العظم الذي عند إبهام يده من الذي عند إبهام رجله وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب صفة الصلاة .
وأما الباع فهو ما بين طرفي يدي الإنسان إذا مدهما يمينا وشمالا " فإن فعله " أي قطع الأصابع " عزر " وإن قال لا أطلب للباقي قصاصا ولا أرشا لعدوله عن المستحق .
نعم إن كان ممن يخفى عليه ذلك ينبغي أنه لا يعزر " ولا غرم " لأنه يستحق إتلاف الجملة فلا يلزمه بإتلاف البعض غرم " والأصح أن له قطع الكف بعده " لأنه مستحق كما أن مستحق النفس لو قطع يد الجاني له أن يعود ويحز رقبته فإن قيل قد قالوا أنه لو قطعه من نصف ساعده فلقط أصابعه لا يمكن من قطع كفه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه ثم بالتمكين لا يصل إلى تمام حقه بخلافه هنا والثاني المنع لأن فيه زيادة ألم آخر وعلى الأول لو ترك قطع الكف وطلب حكومتها لم يجب لذلك .
لأن حكومة الكف تدخل في دية الأصابع وقد استوفى الأصابع المقابلة بالدية فأشبه ما لو قطع مستحق النفس يدي الجاني ثم عفا عن حز الرقبة وطلب الدية لم يجب إليها لأنه قد استوفى ما يقابلها وقد يشكل هذا على ما يأتي في الباب الآتي من أنه لو قطع كامل الأصابع يدا ناقصة أصبعا فإن المصنف قال هناك فإن شاء المقطوع أخذ دية أصابع الأربع ( 4 / 29 ) وإن شاء لقطها والأصح أن حكومة منابتهن تجب إن لقط لا إن أخذ ديتهن وعلل بأن الحكومة من جنس الدية بخلاف القصاص فإنه ليس من جنسها فدخلت فيها دونه وقد يجاب بأنه هنا متمكن من استيفاء حقه بخلافه فيما سيأتي ولو قطع يده من المرفق فرضي عنها بكف وأصبع لم يجز لعدوله عن محل الجناية مع القدرة عليه فإن قطعها من الكوع عزر ولا غرم عليه لما مر وهدر الباقي فليس له قطعة ولا طلب حكومته لأنه بقطعه من الكوع ترك بعض حقه وقنع ببعضه كما نقله الإمام و البغوي عن الأصحاب وإن قال البغوي عندي له حكومة الساعد ويفارق ما مر في الصورة السابقة من أن له قطع الباقي بأن القاطع من الكوع مستوف لمسمى اليد بخلاف ملتقط الأصابع " ولو كسر عضده وأبانه " أي المكسور قطع من الموفق لأنه أقرب مفصل إلى محل الجناية والعضد من مفصل المرفق إلى الكتف " وله حكومة الباقي " لتعذر القصاص فيه .
فإن قيل هذه المسألة قد علمت من قوله قبل وله قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر وحكومة الباقي فلا فائدة لذكرها .
أجيب بأنه إنما أعادها لأجل التفريع عليها وهو قوله " فلو طلب الكوع " للقطع " مكن " منه " في الأصح " لأنه عاجز عن القطع في محل الجناية وهو بالعدول تارك لبعض حقه فلا يمنع منه وله حكومة الساعد مع حكومة المقطوع من العضد لأنه لم يأخذ عوضا عنه .
والثاني ورجحه في الشرح الصغير وصاحب الأنوار لا لعدوله عما هو أقرب إلى محل الجناية .
ولم يصرحا في الشرح والروضة بترجيح .
قال البلقيني والأرجح ما في المنهاج وتبعه الدميري وعلى ما في الشرح الصغير لو قطع من الكوع ثم أراد القطع من المرفق لم يمكن كما جزما به في الروضة وأصلها .
قال الزركشي ويحتاج إلى الفرق بينه وبين مسألة التقاط الأصابع فإن له قطع الكف بعده اه " .
وفرق بأنه هناك يعود إلى محل الجناية وههنا إلى غير محلها وإنما جوزنا قطع ما دونه للضرورة فإذا قطع مرة لم يكرره .
ولو أوضحه .
مثلا " فذهب ضوءه " من عينيه معا " أوضحه " طلبا للمماثلة " فإن ذهب الضوء " من عيني الجاني فذاك " وإلا " بأن لم يذهب بذلك " أذهبة " إن أمكن ذهابه مع بقاء الحدقة بقول أهل الخبرة " بأخف " أمر " ممكن " في إذهاب به كطرح كافور و " كتقريب حديدة محماة من حدقته " كما أذهب ضوءه بها شمة ونحوها مما لا يجري فيه القصاص قال لم يمكن إذهاب الضوء أصلا أو لم يمكن إلا بإذهاب الحدقة سقط القصاص ووجبت الدية كما قاله المتولي وغيره .
وقال الأذرعي إنه متعين ولو نقص الضوء امتنع القصاص إجماعا " ولو لطمة " أي ضربة على وجهه بباطن راحته " لطمة تذهب ضوءه " بفتح الضاد وضمها من عينيه " غالبا فذهب " ضوءه " لطمة مثلها " طلبا للماثلة ليذهب بها ضوءه " فإن لم يذهب " باللطمة " أذهب " بالطريق المتقدر مع بقاء الحدقة إن أمكن وإلا أخذت الدية وفي وجه رجحه البغوي واستحسنه في الروضة كأصلها لا يقتص في اللطمة لعدم انضباطها ولهذا لو انفردت عن إذهاب الضوء لم يجب فيها قصاص وأما لو ذهب الضوء من إحدى عينيه فإنه لا يلطم لاحتمال أن يذهب منهما بل يذهب بالمعالجة إن أمكن وإلا فالدية واحترز بغالبا عما إذا لم تذهب اللطمة غالبا الضوء فإنه لا قصاص فيها كما صرح به الروياني .
والسمع .
أي إذهابه بجناية على الأذن " كالبصر يجب القصاص فيه بالسراية " لأن له محلا مضبطا .
وقيل لا قود فيه لأنه في غير محل الجناية فلا يمكن القصاص فيه .
قال البلقيني وهو الصواب فقد نص عليه في الأم وقال الأذرعي إنه المذهب المنصوص اه " .
ومع هذا المعتمد ما في المتن " وكذا البطش والذوق والشم " أي إذهابها بجناية على يد أو رجل أو أو رأس يجب القصاص فيها بالسراية " في الأصح " في الجميع لأن لها محال مضبوطة ولأهل الخبرة طرق في إبطالها .
والثاني المنع إذ لا يمكن القصاص فيها ( 4 / 30 ) .
تنبيه : .
ذكر المصنف من الحواس أربعة وسكت عن اللمس والكلام والعقل .
فأما الأول فلأنه إن زال بزوال البطش فقد ذكر وإن لم يزل لم يتحقق زوال اللمس وإن فرض تخدير ففيه حكومة .
وأما الثاني فقال الإمام لا يبعد إلحاقه بالبصر .
وأما الثالث فلا قصاص فيه للاختلاف في محله فقيل في القلب .
وقيل في الرأس " و " لا يجب القصاص في الأجسام بالسراية فعلى هذا " لو قطع أصبعا " أو أنملة أو نحو ذلك " فتأكل " أو شل " غيرها " كأصبع أو كف أو أوضحه فذهب شعر رأسه " فلا قصاص في المتأكل " والذاهب بالسراية لعدم تحقق العمدية بل فيه الدية أو الحكومة في مال الجاني لأنه سراية جناية عمد وإن جعلناها خطأ في سقوط القصاص ويطالب بدية المتأكل عقب قطع أصبع الجاني لأنه وإن سرى القطع إلى الكف لم يسقط باقي الدية فلا معنى لانتظار السراية بخلاف ما لو سرت الجناية إلى النفس فاقتص بالجناية لم يطالب في الحال فلعل جراحة القصاص تسري فيحصل التقاص ويفارق هذا إذهاب البصر ونحوه من المعاني فإن ذلك لا يباشر بالجناية بخلاف الأصبع ونحوها من الأجسام فيقصد بمحل البصر مثلا نفسه ولا يقصد بالأصبع غيرها مثلا .
فلو اقتص في أصبع من خمسة فسرى لغيرها لم تقع السراية قصاصا بل يجب على الجاني للأصابع الأربع أربعة أخماس الدية ولا حكومة لمنابت الأصابع بل تدخل في ديتها ولو ضرب يده فتورمت ثم سقطت بعد أيام وجب القصاص كما حكاه الشيخان في الفروع المنثورة قبيل الديات عن البغوي وخالف ما نحن فيه لأن الجناية على اليد مقصودة فتأخير السقوط لا يمنع القود .
خاتمة لو اقتص من الجاني عليه خطأ أو شبه عمد ففي كونه مستوفيا خلاف والأصح أنه مستوف كما جرى عليه شيخنا في شرح الروض وإن جرى صاحب الحاوي ومن تبعه على عكسه وإن اقتص من قاتل مورثه وهو صبي أو مجنون لم يكن مستوفيا لعدم أهليته للاستيفاء فإن قيل لو أتلف وديعته فإنه يكون مستوفيا لحقه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الوديعة لو تلفت بريء الوديع ولو مات للجاني لم يبرأ وإذا لم يكن مستوفيا فإن الدية تتعلق بتركة الجاني ويلزمه دية عمد بقتله الجاني لأن عمده عمد فإن اقتص بإذن الجاني أو تمكينه بأن أخرج إليه طرفه فقطعه فهدر والطرف كالنفس فيما ذكر