في النفس .
وهي ثلاثة قتل وشرط فيه ما مر من كونه عمدا ظلما .
وقتيل وقاتل .
وفيما إذا قتل إنسانا يظنه على حال فكان بخلافه .
وقد شرع في هذا القسم فقال " قتل مسلما ظن كفره " كأن رآه يعظم آلهتهم أو كان عليه زي الكفار " بدار الحرب " أو بصفة المحاربين بدارنا كما سيأتي " لا قصاص " عليه جزما للعذر الظاهر إن قتله ذمي لم يستعن به المسلمون لزمه القصاص كما قاله البلقيني قال وفي نص الشافعي ما يشهد له .
وكذا لا دية في الأظهر .
لأنه أسقط حرمة نفسه بمقامه في دار الحرب التي هي دار الإباحة وسواء علم في دارهم مسلما أم لا عين شخصا أم لا .
والثاني تجب الدية لأنها تثبت مع الشبهة .
أما الكفارة فتجب جزما لقوله تعالى " وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة " فإن من بمعنى في كما نقله الإمام الشافعي وغيره .
تنبيه : .
لا يكفي ظن كفره بل لا بد من ظن حرابته .
أما إذا ظنه ذميا فسيأتي في كلامه أن المذهب وجوب القصاص .
واحترز بقوله ظن كفره عما إذا لم يظنه وفيه تفصيل ذكره الرافعي في الشرحين عن البغوي وجزم به في الروضة فقال إن عرف مكانه وقصده فكقتله بدارنا عمدا وإن قصد غيره فأصابه فدية مخففة على العاقلة وإن لم يعرف مكانه ورمى سهما إلى صف الكفار في دار الحرب سواء أعلم أن في الدار مسلما أم لا نظر إن لم يعين شخصا أو عين كافرا فأخطأ وأصاب مسلما فلا قود ولا دية وكذا لو قتله في بيات أو إغارة ولم يعرفه .
وإن عين شخصا فأصابه ( 4 / 14 ) فكان مسلما لا قصاص وفي الدية قولان قالا ويشبه أن يكون هما القولين فيمن ظنه كافرا .
ولو أمن القاتل أهل دار الحرب وقتل في دارهم مسلما تزيا بزيهم قال الزركشي فالمتجه وجوب القصاص قياسا على من عهده عبدا وكان قد عتق ولم يعلم القاتل أنه عتق اه " .
وهو ظاهر إذا قلنا إن التزيي بزيهم ليس بردة وهو الصحيح عند المصنف في باب الردة .
أما إذا قلنا إنه ردة كما نقل عن النص فإنه لا قصاص عليه .
أو .
قتل من " بدار الإسلام وجبا " أي القصاص والدية لا على الاجتماع كما هو معلوم وإن أوهمته العبارة بل على البدل لأن الظاهر من حال من هو في دار الإسلام العصمة .
ويستثنى ما إذا كان في صف أهل الحرب بدارنا فإنه لا قصاص قطعا ولا دية في الأظهر .
وفي القصاص .
في قتل من ذكر بدار الإسلام " قول " في الأم بعدم وجوبه إذا عهده حربيا لأنه الذي أبطل حرمة نفسه بخروجه على هيئة الكفار أما إذا ظنه ولم يعهده حربيا فإنه القصاص قطعا بخلاف ما إذا كان بدار الحرب فإنه يكفي ظن كونه حربيا .
وإذا لم نوجب القصاص فهل تجب الدية مغلظة أو مخففة على العاقلة قولان بلا ترجيح في الروضة وأصلها أظهرهما عند الإمام الأول .
أو .
قتل " من عهده مرتدا أو ذميا أو عبدا أو " قتل من " ظنه قاتل أبيه فبان خلافه " أي إسلامه أو حريته أو عدم قتله لأبيه " فالمذهب وجوب القصاص " عليه نظرا إلى ما في نفس الأمر لأنه قتله عمدا عدوانا والظن لا يبيح القتل .
أما في الذمي ونحوه والعبد فظاهر وأما في المرتد فقال الرافعي لأن قتله إلى الإمام وقضيته أنه لا يجب القصاص على الإمام والمعتمد إطلاق المتن إذ كان من حقه التثبت وأما في الأخيرة فلأن من حقه التثبت وليس معه ما يستصحبه .
وفيما عدا الأولى قول بعدم الوجوب طرد في الأولى وفيما عدا الأخيرة طريق قاطع بالوجوب بحث الرافعي مجيئه في الأخيرة .
تنبيه : .
قوله عهده يقتضي أنه إذا ظنه مرتدا أو ذميا أو عبدا من غير أن يعهد كذلك وجوب القصاص قطعا وهو كذلك وإن حكى الإمام فيما إذا ظنه ذميا أو عبدا من غير عهد قولين .
ومحل الخلاف فيما إذا كان القاتل حرا مسلما أما إذا كان عبدا أو ذميا فإنه يجب القصاص قطعا .
ولو ضرب مريضا جهل مرضه ضربا يقتل .
مثله " المريض " لا الصحيح فمات منه " وجب القصاص " على الضارب في الأصح لأن جهله لا يبيح له الضرب .
تنبيه : .
يؤخذ من التعليل أن كل صورة أبحنا له فيها الضرب كالزوج والمعلم إذا ضرب تأديبا ضربا لا يقتل الصحيح وهو جاهل بالمرض لا يجب القصاص وهو كذلك كما في الوسيط وغيره خلافا لما أطلقه المصنف كالمحرر .
وقيل لا .
يجب قصاص لأن ما أتى به ليس بمهلك عنده .
واحترز بقوله جهل عما لو علم فيجب القصاص جزما وبقوله يقتل المريض عما لو كان يقتل الصحيح فيجب قطعا .
ثم شرع في القسم الأول وهو الأركان وقد مر شرط القتل وأما القتيل فيشترط كونه معصوما وأما القاتل فيشترط كونه مكلفا وقد بدأ بالأول وهو الركن الثاني فقال " ويشترط لوجوب القصاص " أو الدية " في " نفس " القتيل " أو طرفه العصمة بأن يوجد منه " إسلام " لخبر مسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها .
أو أمان .
بعقد ذمة أو عهد أو أمان مجرد لقوله تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " إلى قوله " حتى يعطوا الجزية " ولقوله تعالى " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره " الآية .
تنبيه : .
كان الأولى أن يعبر المصنف بوجوب الضمان ليشمل الدية كما قدرتها في كلامه .
ويشترط مع الإسلام والأمان كما قال البلقيني أن لا يكون صائلا ولا قاطع طريق لا يندفع شره إلا بالقتل وإلا فهو غير معصوم في تلك الحالة مع أنه مسلم .
وأورد في المهمات على الحصر في الإسلام والأمان ضرب الرق على الأسير فإنه يصير معصوما بذلك ورده البلقيني بأنه صار بالرق مالا للمسلمين وما لهم في أمان فهو داخل في قول المصنف أو أمان .
قوله تعالى " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وأما الثاني فلقوله وإذا شرطنا الإسلام ( 4 / 15 ) والأمان " فيهدر الحربي والمرتد " أما الأول فلعموم A من بدل دينه فاقتلوه والمراد إهداره في حق المسلم .
أما في حق ذمي أو مرتد فسيأتي .
ومن عليه قصاص .
فهو معصوم على غير المستحق " كغيره " فإذا قتله غير المستحق اقتص منه لقوله تعالى " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا " فخص وليه بقتله فدل على أن وليه لا سلطان له عليه .
تنبيه : .
محل هذا فيمن لم يتحتم قتله أما إذا تحتم قتله لقطع طريق فإن الصحيح أنه يقتل قصاصا .
ولو قتله غير المستحق لا يقتل به إلا إن كان مثله .
والزاني .
المسلم " المحصن إن قتله ذمي قتل به " لأنه لا تسلط له على المسلم وإذا كان الذمي يقتل به فالمرتد والمعاهد والمؤمن بالأولى .
وخرج بقيد المسلم ما لو كان المحصن ذميا فإن الذمي غير الزاني المحصن لا يقتل به كما قال البلقيني فإن كان مثله قتل به .
أو .
قتله " مسلم " غير زان محصن " فلا " يقتل به " في الأصح " المنصوص في الأم لاستيفائه حد الله تعالى .
والثاني يجب القصاص لأن الاستيفاء للأم فأشبه ما لو قتل من عليه القصاص غير مستحقه .
وعلى الأول لا فرق بين أن يقتله قبل أمر الإمام بقتله أم لا ولا بين أن يثبت زناه بالبينة أم لا ولا بين أن يكون قبل رجوعه عن الإقرار أم لا .
ووقع في تصحيح التنبيه للمصنف أن ذلك فيما إذا ثبت زناه بالبينة فإن ثبت بالإقرار قتل به .
أما المسلم الزاني المحصن إذا قتله فإنه يقتل به أو تارك الصلاة عمدا بعد أمر الحاكم بها كالزاني المحصن .
ثم شرع في الركن الثالث وهو القاتل فقال " و " يشترط " في القاتل " تكليف وهو " بلوغ وعقل " فلا قصاص على صبي ومجنون لخبر رفع القلم عن ثلاث .
تنبيه : .
محله في المجنون إذا كان الجنون مطبقا أما المتقطع فينظر إن كان في زمن إفاقته فهو كالعاقل الذي لا جنون به وإن كان في زمن جنونه فهو كالمجنون الذي لا إفاقة له .
والمذهب وجوبه .
أي القصاص " على السكران " المتعدي بسكره لأنه مكلف عند غير المصنف ولئلا يؤدي إلى ترك القصاص لأن من رام القتل لا يعجز أن يسكر حتى لا يقتص منه .
وهذا كالمستثنى من شرط العقل وهو من قبيل ربط الأحكام بالأسباب .
وألحق به من تعدى بشرب دواء مزيل للعقل .
أما غير المتعدي فهو كالمعتوه فلا قصاص عليه .
ولو قال كنت يوم القتل صبيا أو مجنونا .
وكذبه ولي المقتول " صدق " القاتل " بيمينه إن أمكن الصبا " وقت القتل " وعهد الجنون " قبله لأن الأصل بقاؤهما بخلاف ما إذا لم يمكن صباه ولم يعهد جنونه .
ولو قامت بينة بجنونه وأخرى بعقله ولم يعلم حاله قبل ذلك أو علم حاله وكانت البينتان مقيدتين بحالة الموت تعارضتا أو لو اتفق ولي المقتول والقاتل على زوال عقله لكن الولي يقول بسكر تعدى فيه والقاتل بجنون صدق القاتل كما أطلقاه .
ولو قال .
القاتل " أنا " الآن " صبي " وأمكن " فلا قصاص " عليه " ولا يحلف " أنه صبي لأن التحليف لإثبات صباه ولو ثبت لبطلت يمينه ففي تحليفه إبطال لتحليفه وسيأتي هذا في الدعوى والبينات مع زيادة .
ولا قصاص .
ولا دية " على حربي " قتل حال حرابته وإن عصم بعد ذلك بإسلام أو عقد ذمة لما تواتر من فعله A والصحابة بعده من عدم القصاص ممن أسلم كوحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه ولعدم التزامه الأحكام .
ويجب .
القصاص " على المعصوم " بإيمان أو أمان من غير تأويل لالتزامه الأحكام أما بالتأويل بأن قتل البغاة من أهل العدل في حال الحرب فلا ضمان عليهم كما سيأتي .
تنبيه : .
عبارة المحرر ويجب على الذمي فعدل عنها المصنف إلى المعصوم لعمومها وزاد عليه قوله " و " على " المرتد " لأجل تعبيره بالمعصوم لئلا يرد على المفهوم فإنه غير معصوم وإنما أوجبنا عليه القصاص لبقاء علقة الإسلام فيه ( 4 / 16 ) .
تنبيه : .
محله في المرتد إذا لم يكن له شوكة وقوة وإلا ففيه قولان أظهرهما عند البغوي الضمان وهو الظاهر وظاهر تعبير الشرح الصغير يقتضي ترجيح المنع .
و .
يشترط أيضا في القاتل " مكافأة " بالهمز وهي مساواته للقتيل بأن لم يفضله بإسلام أو أمان أو حرية أو أصلية أو سيادة ويعتبر حال الجناية وحينئذ " فلا يقتل مسلم " ولو زانيا محصنا " بذمي " لخبر البخاري ألا لا يقتل مسلم بكافر قال ابن المنذر ولم يصح عن النبي A خبر يعارضه ولأنه لا يقاد المسلم بالكافر فيما دون النفس بالإجماع كما قاله ابن عبد البر فالنفس بذلك أولى .
تنبيه : .
لو عبر المصنف بالكافر كان أولى لموافقة لفظ الحديث ولشموله من لم تبلغه الدعوة فإن المسلم لا يقتل به على الأصح لكنه إنما ذكر الذمي لينبه على خلاف الحنفية فإنهم يقولون إن المسلم يقتل به وحملوا الكافر في الحديث على الحربي لقوله بعد ولا ذو عهد في عهده وذو العهد يقتل بالمعاهد ولا يقتل بالحربي لتوافق المتعاطفين .
وأجيب عن حملهم على ذلك بأن قوله A لا يقتل مسلم بكافر يقتضي عموم الكافر فلا يجوز تخصيصه بإضمار وقوله ولا ذو عهد كلام مبتدأ أي لا يقتل ذو العهد لأجل عهده .
وبأنه لو كان كما قالوه لخلا عن الفائدة لأنه يصير التقدير لا يقتل المسلم إذا قتل كافرا حربيا ومعلوم أن قتله عبادة فكيف يعقل أنه يقتل به .
ويقتل ذمي به .
أي المسلم لشرفه عليه .
و .
يقتل أيضا " بذمي وإن اختلفت ملتهما " فيقتل يهودي بنصراني ومعاهد ومستأمن ومجوسي وعكسه لأن الكفر كله ملة واحدة من حيث أن النسخ شمل الجميع وإن اقتضت عبارة المتن أنه ملل إلا أن يريد اختلاف ملتهما بحسب زعمهما .
فلو أسلم .
الذمي " القاتل " كافرا مكافئا له " لم يسقط القصاص " لتكافئهما حالة الجناية لأن الاعتبار في العقوبات بحال الجناية ولا نظر لما يحدث بعدها وذلك إذا زنى الرقيق أو قذف ثم عتق يقام عليه حد الأرقاء .
فإن قيل في هذا قتل مسلم بكافر وقد منعتم من ذلك .
أجيب بالمنع بل هو قتل كافر بكافر إلا أن الموت تأخر عن حال القتل .
ومنهم من حمل عليه حديث أنه A قتل يوم خيبر مسلما بكافر وقال أنا أكرم من وفى بذمته رواه أبو داود في مراسيله .
ويقتل رجل بامرأة وخنثى كعكسه وعالم بجاهل كعكسه وشريف بخسيس وشيخ بشاب كعكسهما لأنه A كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالأنثى رواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم .
وقيس بما فيه البقية .
ولو جرح ذمي .
أو نحوه " ذميا " أو نحوه " وأسلم الجارح ثم مات المجروح " بسراية تلك الجراحة " فكذا " لا يسقط القصاص في النفس " في الأصح " للتكافؤ حالة الجرح المفضي إلى الهلاك .
وإنما اعتبرت لأنها حالة الفعل الداخل تحت الاختيار ولهذا لو جرح الجارح ومات المجروح وجب القصاص .
والثاني يسقط نظرا في القصاص إلى المكافأة وقت الزهوق .
وكما لا يسقط القصاص لا تسقط الكفارة كالديون اللازمة في الكفر .
تنبيه : .
قد علم من تعليل الثاني أن محل الخلاف إذا لم يسلم المجروح فإن أسلم ثم مات وجب القصاص قطعا .
ومحله أيضا في قصاص النفس أما لو قطع طرفا ثم أسلم القاطع ثم سرى وجب قصاص الطرف قطعا .
وفي الصورتين .
وهما إسلام القاتل بعد قتله أو جرحه لا يقتص له وارثه الكافر بل " إنما يقتص " له " الإمام " لكن " بطلب الوارث " ولا يفوضه إليه تحرزا من تسليط الكافر على المسلم فإن أسلم فوض إليه لزوال المانع .
أما إذا لم يطلب فليس للإمام أن يقتص وإن كان هو الوارث فله أن يقتص .
والأظهر قتل مرتد .
انتقل من إسلام إلى كفر " بذمي " ومستأمن ومعاهد سواء عاد إلى الإسلام أم لا كما قاله في الأم لاستوائهما في الكفر بل المرتد أسوأ حالا من الذمي لأنه مهدر الدم ولا تحل ذبيحته ولا مناكحته ولا يقر بالجزية فأولى أن يقتل بالذمي الثابت له ذلك أي غالبا وإلا فقد يتخلف عنه بعضها كالمجوسي إذا عقدت له الذمة .
والثاني لا يقتل به لبقاء علقة الإسلام في المرتد .
ويؤخذ من التعليل ( 4 / 17 ) أن المرتد من التهود إلى التنصر أو عكسه يقتل بالذمي قطعا وهو كذلك كما قاله الزركشي .
و .
الأظهر أيضا قتل مرتد " بمرتد " لتساويهما كما لو قتل الذمي ذميا والثاني لا لأن المقتول مباح الدم .
تنبيه : .
ما اقتضاه كلامه من أن الخلاف قولان كما قدرته في كلامه هو الصواب فقد نص عليهما في الأم وإن نقلاه في الشرحين والروضة وجهين .
لا ذمي .
بالجر بخطه أي أو نحوه فلا يقتل .
بمرتد .
في الأظهر لما مر والثاني يقتل به لما مر أيضا وحكى الجمهور الخلاف في هذه وجهين ويقتل المرتد بالزاني المسلم المحصن كما يقتل بالذمي ولا يقتل زان محصن به لاختصاصه بفضيلة الإسلام ولخبر لا يقتل مسلم بكافر .
تنبيه : .
يقدم قتل المرتد بالقصاص الواجب عليه على قتله بالردة لأنه حق آدمي فإن عفا على مال أخذ من تركته وقتل بالردة ولا دية لمرتد وإن قتله مثله كما جزم به ابن المقري لأنه لا قيمة لدمه وقيل تجب وهل هي دية مسلم لبقاء علقة الإسلام وأخس الديات وجهان أصحهما الثاني " ولا يقتل حر بمن فيه رق " وإن قل لقوله تعالى " الحر بالحر والعبد بالعبد " فاقتضى الحصر أن لا يقتل حر بعبد ولخبر البيهقي لا يقاد حر بعبد وللاتفاق أنه لا يقطع طرف حر بطرف عبد فأولى أن لا يقتل به لأن حرمة النفس أعظم من حرمة الأطراف وسواء في ذلك المكاتب والمدبر وأم الولد وعبده وعبد غيره .
وأما خبر من قتل عبده قتلناه ومن جدع أنفه جدعناه ومن خصاه خصيناه الذي استدل به النخعي و أبو حنيفة و داود لقتل السيد بعبده فمنقطع وقال البيهقي إنه منسوخ وابن المنذر ليس بثابت وإن صح فمحمول على ما إذا أعتقه ثم قتله فيفيد أن تقدم الملك لا يمنع ذلك " .
فائدة : .
حكى الروياني أن بعض فقهاء خراسان سئل في مجلس أميرها عن قتل الحر بالعبد فقال أقدم حكاية ثم قال كنت في أيام تفقهي ببغداد نائما ذات ليلة على شاطىء دجلة فسمعت ملاحا يترنم ويقول خذوا بدمي هذا الغزال فإنه رماني بسهمي مقلتيه على بعد ولا تقتلوه إنني أنا عبده ولم أر حرا قط يقتل العبد فقال الأمير حسبك فقد أغنيت عن الدليل .
قال الثعالبي وكان أبو الحسن الماسرخسي ينشد في تدريسه هذين البيتين .
تنبيه : .
لو قتل الحر المسلم شخصا لا يعلم أنه مسلم أو كافر ولا أنه حر أو عبد فلا قصاص للشبهة كذا نقلاه عن صاحب البحر وأقراه فإن قيل هذه المسألة مثل مسألة اللقيط سواء وقد صححا فيها وجوب القصاص بقتله قبل البلوغ وعللوه بأن الدار دار حرية وإسلام ولا يظهر بين المسألتين فرق .
أجيب بأن محل ما هنا في قتله بدار الحرب وما هناك في قتله بدارنا بقرينة تعليلهم وجوب القصاص فيه بأن الدار دار حرية وإسلام .
وأجاب بعضهم بأن ما هنا محله إذا لم يكن له ولي يدعي الكفاءة وإلا فهي مسألة اللقيط وبعضهم بأن صورة اللقيط علم فيها التقاطه فجرى عليه حكم الدار وصورة البحر لم يعلم التقاطه حتى يجري عليه حكم الدار وإنما نص المصنف على البعض ليعلم منه حكم كامل الرق من باب أولى .
ويقتل قن ومدبر ومكاتب وأم ولد بعضهم ببعض .
ولو كان المقتول لكافر والقاتل لمسلم للتساوي في الملك ولا نظر إلى ما انعقد لهؤلاء من سبب الحرية وإنما المؤثر الحرية الناجزة .
تنبيه : .
استثنى المكاتب إذا قتل عبده لا يقتل به كما لا يقتل الحر بعبده ولو كان المقتول أباه على الأصح في الروضة خلافا لما في الشرح الصغير لأنه مملوكه والسيد لا يقتل بمملوكه " ولو قتل عبد عبدا ثم عتق القاتل أو " جرح عبد عبدا ثم " عتق " الجارح " بين الجرح والموت فكحدوث الإسلام " لذمي قتل أو جرح .
وحكمه كما سبق وهو عدم سقوط القصاص في القتل جزما وكذا في الجرح على الأصح .
ولو أسلم الذمي أو عتق الرقيق عقب إرسال المسلم في الأول والحر في الثاني سهما وقبل الإصابة لا قصاص لأنه لم يساوه من أول الفعل ( 4 / 18 ) .
تنبيه : .
لو قتل شخص عبدا من ثلاثة عتق أحدهم مبهما ثم خرجت قرعة العتق على المقتول بان أنه قتل حرا وكانت ديته لورثته وهل يجب على قاتله قصاص .
قال القاضي ظاهر المذهب لا بخلاف ما لو قال لعبده أنت حر قبل جرح فلان إياك بيوم مثلا فإذا جرحه وسرى إلى النفس ومات فالصحيح وجوب القصاص وحكى الرافعي ذلك في باب العتق عن بعض الأصحاب وجزم به في التتمة .
ومن بعضه حر لو قتل مثله .
أي مبعضا سواء ازدادت حرية القاتل على حرية المقتول أم لا حرية بجزء رق وهو ممتنع " وقيل إن لم تزد حرية القاتل وجب " القصاص سواء أتساويا أم كانت حرية المقتول أكثر لتساويهما في الحرية والرق في الصورة الأولى ولأنه في الثانية مفضول والمفضول يقتل بالفاضل وأصل الخلاف قولا الحصر والإشاعة .
أما إذا كانت حرية القاتل أكثر فلا قصاص قطعا لانتفاء المساواة ولم يرجح في الروضة وأصلها شيئا من الوجهين بل قالا إن الأول أصح عند المتأخرين والثاني أشهر عند المتقدمين وإذا لا يحسن التعبير بقيل بل التعبير بالأصح لقوة الخلاف والفضيلة في شخص لا تجبر النقص فيه " و " لهذا قال المصنف " لا قصاص " واقع " بين عبد مسلم وحر ذمي " لأن المسلم لا يقتل بالذمي والحر لا يقتل بالعبد ولا تجبر فضيلة كل منهما نقيصته ولو قتل ذمي عبدا ثم نقض العهد واسترق لا يجوز قتله وإن صار كفؤا له لأن الاعتبار بوقت الجناية ولم يكن مكافئا له " ولا " قصاص " بقتل ولد " للقاتل " وإن سفل " لخبر الحاكم و البيهقي وصححاه لا يقاد للابن من أبيه ولرعاية حرمته ولأنه كان سببا في وجوده فلا يكون سببا في عدمه .
تنبيه : .
لو حكم حاكم بقتل الحر بالعبد أو الأصل بالفرع نقض حكمه في الثاني دون الأول إلا إن أضجع الأصل فرعه وذبحه فلا ينقض حكمه لقول مالك بوجوب القصاص وشمل كلام المصنف الأب والأم والأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأم والأب جميعا لأن الحكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه من ذكر كالنفقة وذكره الولد في مسائل الكفاءة يوهم أن الولد لا يكافىء أباه وصرح به بعضهم .
لكن قال في البسيط إنه فاسد واستدل بأن الولد يكافىء العم وعمه يكافىء أباه ومكافىء المكافىء مكافىء .
قال ابن الرفعة وقوله A المسلمون تتكافأ دماؤهم يدل عليه وهل يقتل بولده المنفي باللعان وجهان ويجريان في القطع بسرقة ماله وقبول شهادته له .
قال الأذرعي والأشبه أنه يقتل به ما دام مصرا على النفي اه " .
والأوجه أنه لا يقتل به مطلقا للشبهة كما قاله غيره .
ولا .
قصاص " له " أي الولد على الوالد كأن قتل زوجة نفسه وله منها ولد أو قتل زوجة ابنه أو لزمه قود فورث بعضه ولده كأن قتل أبا زوجته ثم ماتت الزوجة وله منها ولد لأنه إذا لم يقتل بجنايته على ولده فلان لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق أولى " ويقتل " الولد " بوالديه " بكسر الدال بخطه على لفظ الجمع وإن علوا أي بكل واحد منهم كغيرهم بل أولى وتقتل المحارم بعضهم ببعض .
وقد صرح به في المحرر وأسقطه المصنف لأنه مفهوم مما ذكر .
تنبيه : .
يستثنى من إطلاق المصنف ما إذا قتل المكاتب أباه وهو يملكه كما مر وما إذا ورث القاتل القصاص كما سيأتي ويقتل العبد بعبد لوالده ولا يقتل الولد المسلم بالوالد الكافر .
ولو تداعيا .
قتيلا " مجهولا " نسبه " فقتله أحدهما " قبل تبين حاله فلا قصاص في الحال لأن أحدهما أبوه وقد اشتبه الأمر فهو كما لو اشتبه طاهر بنجس لا يستعمل أحدهما بغير اجتهاد بل يعرض على القائف " فإن ألحقه القائف بالآخر اختص " الآخر لثبوت أبوته وانقطاع نسبه عن القاتل فلو اشتركا في قتله وألحقه القائف بأحدهما اقتص من الآخر لأنه شريك الأب " وإلا " بأن لم يلحقه القائف بالآخر " فلا " يقتص لعدم ثبوت الأبوة .
وأورد على مفهومه ما لو ألحقه بغيرهما فإنه يجب القصاص مع أنه يصدق أنه لم يلحقه بالآخر .
وهو ظاهر إن قرىء أقتص بضم الهمزة فإن قرىء بكسرها فلا يرد ( 4 / 19 ) .
تنبيه : .
كلامه قد يفهم أنه لو رجع القاتل عن الاستلحاق أنه لا يقتص الآخر منه وليس مرادا بل يقتص منه ولو رجعا عن تنازعهما لم يقبل رجوعهما لأنه صار ابنا لأحدهما وفي قبول الرجوع إبطال حقه من النسب هذا إن لم يكن لحوق الولد بأحدهما بالفراش بل بالدعوى كما هو الفرض .
أما إذا كان بالفراش كأن وطئت امرأة بنكاح أو شبهة في عدة من نكاح وأتت بولد وأمكن كونه من كل منهما فلا يكفي رجوع أحدهما في لحوق الولد بالآخر وإنما يلحق به بالقائف ثم بانتسابه إليه إذا بلغ .
ولو قتل أحد أخوين .
شقيقين حائزين للميراث " الأب و " قتل " الآخر الأم " وكان زهوق روحهما " معا " سواء أكان بينهما زوجية أم لا " فلكل " منهما " قصاص " على أخيه الآخر لأنه قتل مورثه هذا يقتص بأبيه وهذا بأمه ولا يرث كل قاتل من قتيله شيئا والمعية والترتيب الآتي بزهوق الروح لا بالجناية وتعبير المصنف بالقتل يشير إليه فلو عفا أحدهما عن الآخر كان للمعفو عنه قتل العافي " و " إن لم يعف واحد منهما أو تنازعا في التقديم للقصاص فإنه " يقدم " له " بقرعة " إذ لا مزية لأحدهما على الآخر ويصح التوكيل في القصاص لمن خرجت قرعته لأنه يقتص له في حياته دون من لم تخرج قرعته لأن الوكالة تبطل بقتله فلو وكل كل منهما وكيلا قبل القرعة ليقتص له صح ثم يقرع بين الوكيلين وحين يقتص من أحدهما ينعزل وكيله لأن الوكيل ينعزل بموت موكله .
قال البلقيني فلو اقتص الوكيلان معا فهل يقع الموقع لم أقف فيه على نقل والظاهر أن قتلهما وقع وهما معزولان من الوكالة لأن شرط دوام استحقاق الموكل قتل من وكل في قتله أن يبقى عند قتله حيا وهو مفقود في ذلك .
أي فلا يقع الموقع فيجب على كل منهما دية ولا قصاص عليها كالوكيل إذا اقتص جاهلا بعد عفو الموكل فإن لم يتنازعا بل طلب أحدهما القصاص دون الآخر أجيب الطالب .
تنبيه : .
استثنى البلقيني من اشتراط القرعة صورتين .
إحداهما إذا قطع كل منهما من مقتوله عضوا وماتا بالسراية معا فلكل منهما طلب قطع عضو الآخر حالة قطع عضوه .
ثانيتهما لو قتلاهما معا في قطع الطريق فللإمام إن يقتلهما معا لأنه حد وإن غلب فيه معنى القصاص لكنه لا يتوقف على الطلب " فإن اقتص بها " أي القرعة " أو " اقتص " مبادرا " بلا قرعة " فلوارث المقتص منه قتل المقتص " بالقرعة أو المبادرة " إن لم نورث قاتلا بحق " وهو الأصح كما سبق في كتاب الفرائض أو ورثناه على المرجوح وكان هناك من يحجبه كأن يكون لذلك الأخ ابن فإن ورثناه ولم يكن هناك من يحجبه سقط القصاص عنه لأنه ورث القصاص المستحق على نفسه أو بعضه " وكذا إن قتلا " أي الأخوان " مرتبا " بأن تأخر زهوق روح أحدهما " ولا زوجية " حينئذ بين الأبوين فلكل منهما حق القصاص على الآخر .
تنبيه : .
قضية كلامه أنه يقدم بالقرعة وهو ما اعتمده البلقيني .
ولكن الراجح كما نقله الإمام عن الأصحاب أنه يبدأ بالقاتل الأول لتقدم سببه مع تعلق الحق بالعين ولا يصح توكيل القاتل الأول في قتل أخيه لأنه إنما يقتل بعد قتله وبقتله تبطل الوكالة هذا ما نقله الروياني عن الأصحاب وهو المعتمد .
ثم قال وعندي أن توكيله صحيح ولهذا لو بادر وكيله فقتل لم يلزمه شيء .
لكن إذا قتل موكله بطلت الوكالة .
فرع لو علم سبق دون عين السابق .
فمقتضى كلامه التوقف إلى البيان ويحتمل أن يقرع والأول أظهر .
وإلا .
بأن كانت الزوجية باقية بين الأبوين " فعلى " أي فالقصاص على القاتل " الثاني فقط " أي دون الأول لأنه إذا سبق قتل لم يرث منه قاتله ويرثه أخوه والأم وإذا قتل الآخر الأم ورثها الأول فتنتقل إليه حصتها من القصاص ويسقط باقيه ويستحق القصاص على أخيه ولو سبق قتل الأم سقط القصاص عن قاتلها واستحق قتل أخيه .
فروع الأول .
إخوة أربعة قتل الثاني أكبرهم ثم الثالث أصغرهم ولم يخلف القتيلان غير القاتلين فللثاني أن ( 4 / 20 ) يقتص من الثالث ويسقط القصاص عنه لما ورثه من قصاص نفسه وذلك لأنه لما قتل الأكبر صار القصاص للثالث والأصغر فإذا قتل الثالث الصغير ورث الثاني ما كان الأصغر يستحقه .
الثاني من استحق قتل من يستحق قتله كأن قتل زيد ابنا لعمرو وعمرو ابنا لزيد وكل منهما منفرد بالإرث كان لكل منهما القصاص على الآخر لأن التقاص لا يجوز في القصاص .
الثالث لو شهد اثنان على أبيهما بقتل قبلت شهادتهما وقتل بها لانتفاء التهمة بل ذلك أبلغ في الحجة وقيل لا تقبل الشهادة لنرتب القتل عليها كما أنه لا يقتل بقتل ولده .
ويقتل الجمع بواحد .
وإن تفاضلت جراحاتهم في العدد والفحش والأرش سواء أقتلوه بمحدد أم بغيره كأن ألقوه من شاهق أو في بحر لما روى مالك أن عمر رضي الله تعالى عنه قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة أي حيلة بأن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد وقال لو تمالأ أي اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا ولم ينكر عليه أحد فصار ذلك إجماعا ولأن القصاص عقوبة تجب على الواحد فيجب للواحد على الجماعة كحد القذف ولأنه شرع لحقن الدماء فلو لم يجب عند الاشتراك لكان كل من أراد أن يقتل شخصا استعان بآخر على قتله واتخذ ذلك ذريعة لسفك الدماء لأنه صار آمنا من القصاص .
تنبيه : .
إنما يعتد في ذلك بجراحة كل واحد منهم إذا كان مؤثرة في زهوق الروح فلا عبرة بخدشة خفيفة والولي يستحق دم كل شخص بكماله إذ الروح لا تتجزأ ولو استحق بعض دمه لم يقتل وقيل البعض بدليل أنه لو آل الأمر إلى الدية لم يلزمه شيء إلا بالحصة ولكن لا يمكن استيفاؤه إلا بالجميع فاستوفى لتعذره وأبطل الإمام القياس على الدية بقتل الرجل المرأة فإن دمه مستحق فيها وديتها على النصف " وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية " وعن جميعهم على الدية .
ثم إن كان القتل بجراحات وزعت الدية " باعتبار " عدد " الرؤوس " لأن تأثير الجراحات لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة وإن كان بالضرب فعلى عدد الضربات لأنها تلاقي الظاهر ولا يعظم فيها التفاوت بخلاف الجراحات .
تنبيه : .
من اندملت جراحته قبل الموت لزمه مقتضاها دون قصاص النفس لأن القتل هو الجراحة السارية ولو جرحه اثنان متعاقبان وادعى الأول اندمال جرحه وأنكره الولي ونكل وحلف مدعي الاندمال سقط عنه قصاص النفس فإن عفا الولي عن الآخر لم يلزمه إلا نصف الدية إذ لا يقبل قول الأول عليه إلا أن تقوم بينة بالاندمال فيلزمه كمال الدية .
قاعدة لا يقتص من شريك مخطىء أو شبه عمد ويقتص من شريك من امتنع قوده لمعنى فيه إذا تعمدا جميعا .
وقد شرع في القسم الأول بقوله " ولا يقتل شريك مخطىء وشبه عمد " لأن الزهوق حصل بفعلين أحدهما يوجبه والآخر ينفيه فغلب المسقط كما إذا قتل المبعض رقيقا وفهم من نفيه القتل وجوب الدية فيجب على عاقلة غير المعتمد نصف الدية مخففة أو مثقلة وعلى المعتمد نصفها مغلظة سواء تعدد الجارح كما هنا أم اتحد كما سيأتي واستثنى الزركشي و الدميري و ابن قاسم ما لو قطع شخص طرف رجل عمدا ثم قطع آخر طرفه الثاني خطأ ثم سرى إلى نفسه ومات فعلى المعتمد القصاص وهو ممنوع فإن شريك المخطىء لا قصاص عليه .
فإن قيل إنه يقتص من المعتمد في الطرف ولا قصاص على الطرف قاطع الآخر خطأ ولا قصاص عليهما في النفس للسراية إليها بجنايتين إحداهما خطأ والأخرى عمد .
أجيب بأن هذا ممنوع أيضا لأنهم استثنوا ذلك من قول المصنف ولا يقتل شريك مخطىء وأما قصاص الطرف فهو ظاهر معلوم من كلامه فيما مر .
ثم شرع في القسم الثاني من القاعدة المتقدمة بقوله " ويقتل شريك الأب " في قتل ولده وعلى الأب نصف الدية مغلظة وفارق شريك الأب شريك المخطىء بأن الخطأ شبهة في فعل الخاطىء والفعلان مضافان إلى محل واحد فأورث شبهة القصاص كما لو صدر من واحد وشبهة الأبوة في ذات الأب لا في الفعل وذات الأب متميزة عن ذات الأجنبي فلا تورث شبهة في حقه " و " يقتل " عبد شارك حرا في ( 4 / 21 ) قتل " عبد و " يقتل " ذمي شارك مسلما في " قتل " ذمي " ونحوه لأن كلا من العبد والذمي لو انفرد اقتص منه فإذا شاركه في العمدية من لا يقتص منه لمعنى فيه وجب أيضا كما لو رمى اثنان سهما إلى واحد ومات أحدهما قبل الإصابة فإنه يجب القصاص على الآخر .
وكما لو كانا عامدين فعفا الولي عن أحدهما " وكذا " يقتل " شريك حربي " في قتل مسلم " و " كذا شريك " قاطع قصاصا أو " قاطع " حدا " كأن جرحه بعد القطع المذكور غير القاطع ومات بالقطع والجرح " و " كذا يقتل " شريك " جارح " النفس " كأن جرح الشخص نفسه وجرحه غيره فمات بهما " و " كذا شريك " دافع الصائل " كأن جرحه بعد دفع الصائل فمات بهما وكذا يقتل شريك صبي ومميز ومجنون له نوع تمييز في قتل من يكافئه وكذا يقتل شريك السبع والحية القاتلين غالبا في قتل من يكافئه وكذا يقتل عبد شارك سيدا في قتل عبده " في الأظهر " لحصول الزهوق فيما ذكر بفعلين عمدين وامتناع القصاص على الآخر لمعنى يخصه فصار كشريك الأب والثاني لا يقتل في الصور المذكورة لأنه شريك من لا يضمن فهو أخف حالا من شريك الخاطىء الذي فعله مضمون بالدية فإذا لم توجب القصاص على شريكه فهنا أولى ويفارق شريك الأب بأن فعله مضمون بخلافه هنا .
تنبيه : .
ما تقرر في مسألة شريك السبع والحية هو ما في الروضة وأصلها ووقع في تصحيح التنبيه للمصنف أنه لا يقتص منه مطلقا وجرى عليه صاحب الأنوار والأول هو ما نص عليه الشافعي في الأم ولو جرحه شخص خطأ ونهشته حية وسبع ومات من ذلك لزمه ثلث الدية كما لو جرحه ثلاثة نفر وخرج بالخطأ العمد فيقتص من صاحبه كما مر .
ولو جرحه .
أي واحد شخصا " جرحين عمدا أو خطأ " بالنصب على البدلية من جرحين " ومات بهما أو " جرحه جرحين مضمونا وغير مضمون كمن " جرح حربيا أو مرتدا " أو عبد نفسه أو صائلا " ثم أسلم " المجروح أو عتق العبد أو رجع الصائل " وجرحه " أي من ذكر بعد ذلك " ثانيا ومات بهما " بالجرحين أو جرح شخصا بحق كقصاص وسرقة ثم جرحه عدوانا أو جرح حربيا مثلا ثم أسلم في جرحه ثانيا فمات بالسراية " لم يقتل " ذلك الواحد أما في الأولى فلأن الزهوق لم يحصل بالعمد المحض فيجب نصف الدية المخففة على عاقلته ونصف الدية المغلظة في ماله وأما في باقي الصور فلأن الموت حصل بمضمون وغير مضمون فغلب مسقط القصاص كما مر ويثبت موجب الجرح الثاني من قصاص وغيره ولو وقعت إحدى الجراحتين بأمره لمن لا يميز كان الحكم كذلك كما قاله الزركشي لأنه كالآلة " ولو داوى " المجروح ولو بنائبه " جرحه بسم مذفف " أي قاتل في الحال كأن شربه أو وضعه على الجرح " فلا قصاص " ولا دية " على جارحه " في النفس لأن المجروح قتل نفسه فصار كما لو جرحه إنسان فذبح هو نفسه .
أما الجرح فعلى الجارح ضمانه .
تنبيه : .
لو قال المصنف فلا ضمان في النفس كان أولى واستغنى عما قدرته في كلامه .
وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين أن يعلم المجروح حال السم أو لا .
وبه صرح الماوردي و الروياني .
وإن لم يقتل .
ذلك " السم غالبا فشبه " أي فالمداواة به شبه " عمد " فلا قصاص على جارحه في النفس لأنه شريك لصاحب شبه عمد بل عليه نصف الدية المغلظة والقصاص في الطرف إن اقتضاه الجرح " وإن قتل غالبا وعلم " المجروح " حاله فشريك جارح نفسه " في أصح الطريقين وعليه القود في الأظهر كما سبق تنزيلا لفعل المجروح منزلة العمد " وقيل " هو " شريك مخطىء " لأنه قصد التداوى فأخطأ فلا قود على شريكه .
وهذه الطريقة الثانية فلم يرد المصنف هنا بقيل حكاية وجه بل هو إشارة إلى هذه الطريقة وإن كان في ذلك خفاء ( 4 / 22 ) .
تنبيه : .
قضية توجيه الثاني أنه لو قصد قتل نفسه ليستريح من الألم مثلا كان شريك قاتل نفسه قطعا وهو كذلك واحترز بقوله وعلم حاله عما إذا لم يعلم فلا قصاص جزما لأنه شريك مخطىء ولو خاط المجروح جرحه في لحم حي ولو تداويا خياطة تقتل غالبا ففي القصاص الطريقان بخلاف ما لو خاطه في لحم ميت فإنه لا أثر له ولا للجلد كما فهم بالأولى لعدم الإيلاء المهلك فعلى الجارح القصاص أو كمال الدية ولو خاطه غيره بلا أمر منه اقتص منه ومن الجارح وإن كان الغير إماما لتعديه مع الجارح فإن خاطه الإمام لصبي أو مجنون لمصلحة فلا قصاص عليه بل تجب دية مغلظة على عاقلته نصفها ونصفها الآخر في مال الجارح ولا قصاص عليه ولو قصد المجروح أو غيره الخياطة في لحم ميت فوقع في لحم حي فالجارح شريك مخطىء وكذا لو قصد الخياطة في الجلد فوقع في اللحم والكي فيما ذكر كالخياطة فيه ولا أثر لدواء لا يضر ولا اعتبار بما على المجروح من قروح ولا بما به من مرض وضنى .
قال الرافعي لأن ذلك لا يضاف إلى أحد ولا يدخل تحت الاختيار .
ولو .
ضربوه بسياط مثلا " فقتلوه وضرب كل واحد " منهم لو انفرد " غير قاتل ففي القصاص عليهم أوجه " أحدها يجب على الجميع القصاص كيلا يصير ذريعة إلى القتل .
والثاني لا يجب على واحد منهم لأن فعل كل واحد شبه عمد والثالث وهو " أصحها يجب " عليهم " إن تواطؤوا " أي اتفقوا على ضربه تلك الضربات وكان ضرب كل واحد يؤثر في الزهوق بخلاف ما إذا وقع اتفاقا بل تجب عليهم الدية باعتبار عدد الضربات لأنها تلاقي ظاهر البدن فلا يعظم فيها التفاوت بخلاف الجراحات ويخالف الجراحات حيث لا يعتبر فيها التواطؤ لأن نفس الجرح يقصد به الإهلاك بخلاف الضرب بالسوط واحترز بقوله وضرب كل واحد غير قاتل عما لو كان قاتلا فإن عليهم القصاص مطلقا ولو ضربه واحد ضربا يقتل كأن ضربه خمسين سوطا ثم ضربه الآخر سوطين أو ثلاثة حال الألم من ضرب الأول عالما بضربه اقتص منهما لظهور قصد الإهلاك منهما أو جاهلا به فلا قصاص على واحد منهما لأنه لم يظهر قصد الإهلاك من الثاني والأول شريك فعلى الأول حصة ضربه من دية العمد وعلى الثاني حصة ضربه من دية شبهه وإن ضرباه بالعكس فلا قصاص على واحد منهما لأن ضرب الأول شبه عمد والثاني شريكه بل يجب على الأول حصة ضربه من دية شبه العمد والثاني حصة ضربه من دية العمد " ومن قتل جمعا " أو قطع أطرافهم مثلا " مرتبا قتل " أو قطع " بأولهم " إن لم يعف لسبق حقه .
تنبيه : .
شمل كلامه ما إذا كان القاتل حرا أو عبدا وهو كذلك .
وقيل إن كان عبدا قتل بجميعهم فإن عفا الأول قتل بالثاني وهكذا والاعتبار في التقديم والتأخير بوقت الموت لا بوقت الجناية .
أو معا .
أي دفعة كأن جرحهم أو هدم عليهم جدارا فماتوا في وقت واحد أو أشكل أمر المعية والترتيب أو علم سبق ولم يعلم عين السابق فبالقرعة وجوبا .
وقيل ندبا قطعا للنزاع فمن خرجت قرعته قتل أو قطع به وليس لولي الثاني أن يجبر ولي الأول على المبادرة إلى القصاص أو العفو بل حقه على التراخي " وللباقين " من المستحقين " الديات " لتعذر القصاص عليهم كما لو مات الجاني فإن اتسعت التركة لجميعهم فذاك وإلا قسمت بين الجميع بحسب استحقاقهم .
تنبيه : .
قضية كلامه تعين القرعة وليس مرادا بل لو تراضوا بتقديم واحد بلا قرعة جاز إذ الحق لا يعدوهم فإن بدا لهم ردوا إليها قاله الإمام وأقراه ولو طلبوا الاشتراك في القصاص والديات لم يجابوا لذلك ولو كان ولي القاتل الأول أو بعض أولياء القتلى صبيا أو مجنونا أو غائبا حبس القاتل إلى بلوغه وإفاقته وقدومه .
قلت .
كما قال الرافعي في الشرح " فلو قتله غير الأول " من المستحقين في الأولى أو غيره من خرجت قرعته منهم في الثانية " عصى " لأنه قتل نفسا منع من قتلها وعزر لإبطال حق غيره " ووقع " قتله " قصاصا " لأن حقه يتعلق به بدليل ما لو عفا الأول فإنه ينتقل إلى من بعده " وللأول " أو من خرجت قرعته " دية " يعني وللباقين الديات " والله أعلم " لتعذر ( 4 / 23 ) القصاص عليهم بغير اختيارهم ولو قتلوه كلهم أساءوا ووقع القتل موزعا عليهم ورجع كل منهم بالباقي له من الدية فلو كانوا ثلاثة أخذ كل واحد منهم ثلث حقه وله ثلثا الدية ولو قتله أجنبي وعفا الوارث على مال اختص بالدية ولي القتيل الأول وهل المراد دية القتيل أو القاتل وحكى المتولي فيه وجهين وفائدتهما فيما لو اختلف قدر الديتين فعلى الثاني لو كان القتيل رجلا والقاتل امرأة وجب خمسون من الإبل وفي العكس مائة والأوجه الوجه الأول كما دل عليه كلامهم في باب العفو عن القود