هو بفتح الراء ويجوز كسرها وإثبات التاء معهما لغة اسم لمص الثدي وشرب لبنه وشرعا اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في معدة طفل أو دماغه .
والأصل في تحريمه قبل الإجماع الآية والخبر الآتيان .
وإنما جعل الرضاع سببا للتحريم لأن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزءا للرضيع باغتذائه به فأشبه منيها في النسب وتقدمت الحرمة به في باب ما يحرم من النكاح والكلام الآن في بيان ما يحصل به وحكم عروضه بعد النكاح وغيرهما مما سيأتي .
وأركانه ثلاثة مرضع ولبن ورضيع .
وبدأ بالركن الأول فقال " إنما يثبت " بالنسبة لأحكامه الآتية من تحريم النكاح وثبوت المحرمية المفيدة جواز النظر والخلوة وعدم نقض الوضوء بالمس لا بالنسبة لإرث ونفقة وعتق بملك وسقوط قود ورد شهادة وغيرها من أحكام النسب المختصة به .
بلبن امرأة .
آدمية خلية أو مزوجة " حية " حياة مستقرة حال انفصاله منها " بلغت تسع سنين " قمرية تقريبا وإن لم يحكم ببلوغها بذلك .
فخرج باللبن غيره كأن امتص من الثدي دما أو قيحا وبامرأة ثلاثة أمور أحدها الرجل فلا يثبت بلبنه على الصحيح لأنه ليس معدا للتغذية فلم يتعلق به التحريم كغيره من المائعات لكن يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت منه كما نص عليه في الأم والبويطي .
ثانيها الخنثى المشكل والمذهب توقفه إلى البيان فإن بانت أنوثته حرم وإلا فلا وإن مات قبله لم يثبت التحريم فللرضيع نكاح أم الخنثى ونحوها كما نقله الأذرعي عن المتولي وأقراه .
ثالثها البهيمة فلو ارتضع صغيران من شاة مثلا لم يثبت بينهما أخوة فتحل مناكحتهما لأن الأخوة فرع الأمومة فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع .
وبآدمية ولو عبر بها بدل المرأة كما عبر به الشافعي لكان أولى واستغنى عما قدرته في كلامه الجنية إن تصور رضاعها بناء على عدم صحة تناكحهم وهو الراجح كما مر لأن الرضاع تلو النسب بدليل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والله قطع ( 3 / 415 ) النسب بين الجن والإنس قاله الزركشي .
وب الحية لبن الميتة فإنه لا يحرم لأنه من لبن جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة .
وقيل يحرم وبه قال الأئمة الثلاثة لأن المعنى الذي يقع به التحريم هو اللبن ولا يقال مات اللبن بموتها لأن اللبن لا يموت غير أنه في ظرف ميت فهو كابن آدمية حية جعل في سقاء طاهر أو نجس على القول بنجاسته .
و بحياة مستقرة من انتهت إلى حركة مذبوح لأنها كالميتة .
و ببلغت إلى آخره ما إذا لم تبلغ ذلك فإن لبنها لا يحرم لأنه فرع الحمل والحمل لا يتأتى فيما دون ذلك فكذا فرعه بخلاف من بلغت ذلك وإن لم يحكم ببلوغها كما مر فاحتمال البلوغ قائم والرضاع تلو النسب كما مر فاكتفي فيه بالاحتمال .
تنبيه : .
أفهم اقتصاره على ما ذكر أنه لا يشترط الثيوبة وهو الأصح المنصوص وقيل يشترط لأن لبن البكر نادر فأشبه لبن الرجل .
ولو حلبت .
لبنها قبل موتها وفيها حياة مستقرة " فأوجر " بضم أوله طفل " بعد موتها حرم في الأصح " لانفصاله منها وهو حلال محترم كذا عللوا به وهو يقتضي أنه بعد الموت ليس بحلال لكن معناه أنه لا حرمة له وإلا فهو حلال بعد موتها أيضا كما مر في باب النجاسة .
وصورة المسألة أن ترضعه أربع رضعات في الحياة ثم تحلب شيئا فيوجر بعد موتها أو تحلب في خمس آنية ثم يوجر بعد موتها في خمس دفعات فإنه يحرم كما سيأتي .
والثاني لا يحرم لبعد إثبات الأمومة بعد الموت .
تنبيه : .
قوله حرم بحاء وراء مشددة مفتوحتين هنا وفيما بعد .
وقوله في الأصح مخالف لتعبير الروضة بالصحيح المنصوص .
ثم شرع في الركن الثاني وهو اللبن ولا يشترط بفاء اسمه لبنا فقال " ولو جبن " أو جعل منه أقط " أو نزع منه زبد " أو عجن به دقيق وأطعم الطفل من ذلك " حرم " لحصول التغذي به .
تنبيه : .
عبارته صادقة بإطعام الزبد نفسه وباللبن الذي نزع زبده وكل منهما محرم .
ولو خلط .
اللبن " بمائع " طاهر كماء أو نجس كخمر " حرم إن غلب " بفتح الغين المعجمة على المائع بظهور أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح إذ المغلوب كالمعدوم وسواء أشرب الكل أم البعض .
فإن غلب .
بضم أوله بأن زالت أوصافه الثلاثة حسا وتقديرا " وشرب " الرضيع " الكل " حرم .
قيل أو .
شرب " البعض حرم " أيضا " في الأظهر " لوصول اللبن إلى الجوف .
وليس كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير حيث لا يؤثر فإنها تجتنب للاستقذار وهو مندرج بالكثرة ولا كالخمر المستهلكة في غيرها حيث لا يتعلق بها حد فإن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل .
والثاني لا يحرم لأن المغلوب المستهلك كالمعدوم .
والأصح أن شرب البعض لا يحرم لانتفاء تحقق وصول اللبن منه إلى الجوف فإن تحقق كأن بقي من المخلوط أقل من قدر اللبن حرم جزما .
تنبيه : .
يشترط كون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد كما حكياه عن السرخسي وأقراه .
ومحل الخلاف ما إذا شرب من المختلط خمس دفعات أو كان حلب في خمس آنية كما مر أو شرب منه دفعة بعد أن سقي اللبن الصرف أربعا فإن زالت الأوصاف الثلاثة اعتبر قدر اللبن بماء له لون قوي يستولي على الخليط فإن كان ذلك القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم وإلا فلا .
وقد يفهم تقييده بالمائع أن خلطه بالجامد لا يحرم وليس مرادا فقد مر أنه لو عجن به دقيق حرم .
وسكت عن استواء الأمرين وحكمه يؤخذ من الثانية بطريق الأولى .
ولبن المرأتين المختلط يثبت أمومتهما .
وفي المغلوب من اللبنين التفصيل المذكور فيثبت الأمومة الغالبة اللبن وكذا لمغلوبته بشرطه السابق .
ولا يضر في التحريم غلبة الريق لقطرة اللبن الموضوعة في الفم إلحاقا بالرطوبات في المعدة .
ويحرم .
براء مشددة مكسورة " إيجار " وهو صب اللبن في الحلق لحصول التغذية به كالارتضاع .
تنبيه : .
قضية إطلاقه التحريم بمجاوزة اللبن الحلق وإن لم يصل المعدة كما يفطر بمثله الصائم وليس مرادا فقد اعتبر في المحرر الوصول إلى المعدة وجريا عليه في الشرح والروضة فلو تقايأه قبل وصوله إليها لم يحرم .
وكذا إسعاط ( 3 / 416 ) وهو صب اللبن في الأنف ليصل الدماغ يحرم أيضا .
على المذهب " لحصول التغذي بذلك لأن الدماغ جوف له كالمعدة .
والطريق الثاني فيه قولان كالحقنة المذكورة في قوله " لا حقنة " وهي ما يدخل في الدبر أو القبل من دواء فلا يحرم " في الأظهر " لانتفاء التغذي لأنها لإسهال ما انعقد في المعدة .
والثاني تحرم كما يحصل بها الفطر .
ودفع بأن الفطر يتعلق بالوصول إلى جوف وإن لم يكن معدة ولا دماغا بخلافه هنا ولهذا لم يحرم التقطير في الأذن أو الجراحة إذا لم يصل إلى المعدة ولا بد أن يكون من منفذ مفتوح فلا يحرم وصوله إلى جوف أو معدة بصبه في العين بواسطة المسام .
ثم شرع في الركن الثالث وهو الرضيع فقال " وشرطه " أي ركنه " رضيع " وله شروط شرع في ذكرها بقوله " حي " حياة مستقرة فلا أثر لوصول اللبن إلى جوف الميت بالاتفاق لخروجه عن التغذية ونبات اللحم وكذا إذا انتهى إلى حركة مذبوح فإن حكمه حكم الميت .
تنبيه : .
لو قال المصنف وشرطه حياة رضيع لاستغنى عما قدرته .
لم يبلغ سنتين .
بالأهلة فإن انكسر الشهر الأول ثم عدده ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين فإن بلغهما لم يحرم ارتضاعه لقوله تعالى " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " جعل تمام الرضاعة في الحولين فأفهم بأن الحكم بعد الحولين بخلافه ولخبر لا رضاع إلا ما كان في الحولين رواه الدارقطني وغيره وما في مسلم أن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول الله A أرضعيه أي خمس رضعات حتى يدخل عليك فهو رخصة خاصة بسالم كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه .
وقال ابن المنذر ليس يخلو أند يكون منسوخا أو خاصا بسالم كما قالت أم سلمة وسائر أزواج النبي A وهن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم .
تنبيه : .
ابتداء الحولين من تمام انفصال الرضيع كما في نظائره فإن ارتضع قبل تمامه لم يؤثر وقول الزركشي والأشبه ترجيح التأثير لوجود الرضاع حقيقة وهو قياس ما صححه فيمن انفصل بعضه فحز جان رقبته وهو حي من أنه يضمن بالقود أو الدية وعليه تحسب المدة من حين ارتضع ممنوع لما فيه من ارتكاب إحداث قول ثالث إذ المحكي في ابتداء المدة وجهان ابتداء الخروج وانتهاؤه وبذلك فارق مسألة الحز مع أنها خارجة عن نظائرها على اضطراب فيها استصحابا للضمان في الجملة إذ الجنين يضمن بالغرة .
وكلام المصنف يقتضي أنه لو تم الحولان في الرضعة الأخيرة لا تحريم وهو ظاهر نص الأم وغيره ولكن المذهب كما في التهذيب وجرى عليه ابن المقري أنه لا يحرم لأن ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر كما لو قالوا لم يحصل في جوفه إلا خمس قطرات في كل رضعة قطرة حرم .
وخمس رضعات .
لما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله A وهن فيما يقرأ من القرآن أي يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ لقربه .
وقيل يكفي رضعة واحدة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم قوله تعالى " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم " .
وأجاب الأول بأن السنة تثبت كآية السرقة .
ولم يأخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه في هذا بقاعدته وهي الأخذ بأقل ما قيل لأن شرط ذلك عنده أن لا يجد دليلا سواه والسنة ناصة على الخمس لأن عائشة Bها لما أخبرت أن التحريم بالعشرة منسوخ بالخمس دل على ثبوت التحريم بالخمس لا بما دونها ولو وقع التحريم بأقل منها بطل أن يكون الخمس ناسخا وصار منسوخا كالعشر .
فإن قيل القرآن لا يثبت بخبر الواحد فلا يحتج به .
أجيب بأنه وإن لم يثبته قرآنا بخبر الواحد لكن ثبت حكمه والعمل به فالقراءة الشاذة منزل منزلة الخبر .
وقيل يكفي ثلاث رضعات لمفهوم خبر مسلم لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وإنما قدم مفهوم الخبر الأول على هذا لاعتضاده بالأصل وهو عدم التحريم .
ولا يشترط اتفاق صفات الرضعات بل لو أوجر مرة وسعط مرة وارتضع مرة وأكل مما صنع منه مرتين ثبت التحريم .
قيل الحكمة في كون التحريم بخمس أن الحواس التي هي سبب الإدراك خمس ( 3 / 417 ) .
تنبيه : .
ضاد رضعات مفتوحة لما تقرر في علم النحو أن فعلة علما كانت أو مصدرا تفتح عينها في الجمع نحو ظبيات وحسرات وإن كانت صفة سكنت عينها كعصبات .
و .
الخمس رضعات " ضبطهن بالعرف " إذ لا ضابط لها في اللغة ولا في الشرع فرجع فيه إلى العرف كالحرز في السرقة فما قضي بكونه رضعة أو رضعات اعتبر وإلا فلا .
فلو قطع .
الرضيع الارتضاع بين كل من الخمس " إعراضا " عن الثدي " تعدد " عملا بالعرف .
قال الأذرعي وفي الصدر حكة من قولهم لو طارت قطرة إلى فيه واختلطت بريقه وعبرته عد رضعة ومثله إسعاط قطرة وقد ضبطوا ذلك بالعرف والظاهر أن أهل العرف لا يعدون هذا رضعة وكيف هذا مع ورود الخبر إن الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم اه " .
وهذا نظير قولهم في بدو الصلاح يكتفي فيه بثمرة واحدة وفي اشتداد الحب بسنبلة واحدة فحيث لم يكن لها ضابط بقلة ولا بكثرة اعتبرنا أقل ما يقع عليه الاسم .
وما أجاب به الغزي من أن أقل الرضعة لا حد له والضبط إنما هو لكثرتها ممنوع .
تنبيه : .
كلام المصنف يقتضي أنها لو قطعت عليه المرضعة لشغل وأطالته ثم عاد لم يعتد بذلك رضعة وهو ما جرى عليه صاحب التنبيه .
كما لو حلف لا يأكل إلا مرة فقطع عليه إنسان الأكل بغير اختياره ثم عاد وأكل بعد تمكنه لم يحنث .
والأصح كما في أصل الروضة أنه يعتد به لأن الرضاع يعتبر فيه فعل المرضعة والرضيع على الانفراد بدليل ما لو ارتضع من امرأة نائمة أو أوجرته لبنا وهو نائم وإذا ثبت ذلك وجب أن يعتد بقطعها كما يعتد بقطعه .
أو .
قطعه " للهو " أو نحوه كنومة خفيفة أو تنفس أو ازدراد ما جمعه من اللبن في فمه " وعاد في الحال " فلا تعدد بل الكل رضعة واحدة .
فإن طال لهوه أو نومه فإن كان الثدي في فمه فرضعة وإلا فرضعتان فتقييد الروضة مسألة للهو ببقاء الثدي في فمه محمول على ما إذا لم يطل فلا يشترط أن يكون الثدي في فمه كما نص عليه في المختصر ويفهمه إطلاق المتن .
أو تحول .
الرضيع بنفسه أو بتحويل المرضعة في الحال " من ثدي إلى ثدي " آخر أو قطعته المرضعة لشغل خفيف ثم عادت " فلا " تتعدد حينئذ فإن لم تتحول في الحال تعدد الإرضاع .
تنبيه : .
محل ما ذكر في المرضعة الواحدة أما إذا تحول من ثدي امرأة إلى ثدي أخرى في الحال فإنه يتعدد في الأصح لأن الرضعة أن يترك الثدي ولا يعود إليه إلا بعد مدة طويلة وقد وجد " .
فائدة : .
الثدي بفتح الثاء يذكر ويؤنث والتذكير أشهر ويكون للرجل والمرأة ولكن استعماله في المرأة أكثر حتى أن بعضهم خصه بها .
ولو حلب منها .
لبن " دفعة وأوجره " أي وصل إلى جوف الرضيع أو دماغه بإيجار أو إسعاط أو غير ذلك " خمسا " أي في خمس مرات " أو عكسه " بأن حلب منها خمسا وأوجر الرضيع دفعة " فرضعة " واحدة في الصورتين اعتبارا في الأولى بحالة الانفصال من الثدي وفي الثانية بحالة وصوله إلى جوفه دفعة واحدة " وفي قول خمس " فيهما تنزيلا في الأولى للإناء منزلة الثدي ونظرا في الثانية إلى حالة الانفصال من الثدي .
أما لو حلب منهما خمس دفعات وأوجره في خمس دفعات من غير خلط فهو خمس قطعا وإن خلط ثم فرق وأوجره خمس دفعات فخمس على الأصح وقيل واحدة لأنه بالخلط صار كالمحلوب دفعة .
تنبيه : .
قوله منها فرض الخلاف في الواحدة فلو حلب خمس نسوة في إناء وأوجره لطفل دفعة واحدة حسب من كل واحدة رضعة وإن أوجره في خمس دفعات فكذلك على الأصح وقيل خمس .
و .
لا بد من تيقن الخمس رضعات وتيقن كون الرضيع قبل الحولين فعلى هذا " لو شك " في رضيع " هل " رضع " خمسا أم أقل أو هل رضع في حولين أم بعد " أي بعد الحولين أو في دخول اللبن جوفه أو دماغه أو في أنه لبن امرأة أو بهيمة أو في أنه حلب في حياتها " فلا تحريم " لأن الأصل عدم ما ذكر ولا يخفي الورع .
وفي .
المسألة " الثانية " في كلام المصنف " قول ( 3 / 418 ) أو وجه " بالتحريم لأن الأصل بقاء الحولين ورجح الشرح الصغير أنه قول .
تنبيه : .
كلامه يشعر بأنه لا خلاف في الأولى وهو كذلك .
و .
اعلم أن الحرمة تسري من المرضعة والفحل إلى أصولهما وفروعهما وحواشيهما ومن الرضيع إلى فروعه فقط .
إذا علمت ذلك ووجدت الشروط المذكورة فنقول " تصير المرضعة " بذلك " أمه " بنص القرآن " والذي منه اللبن " المحترم وهو الفحل " أباه وتسري " أي تنتشر " الحرمة " من الرضيع " إلى أولاده " فقط كما مر سواء كانوا من النسب أم من الرضاع ولذلك احترز المصنف بقوله أولاده عن آبائه وإخوته فلا تسري الحرمة إليهم فلأبيه وأخيه نكاح المرضعة وبناتها ولزوج المرضعة أن يتزوج بأم الطفل وأخته .
قال الجرجاني في المعاياة وإنما كانت الحرمة المنتشرة منها أي المرضعة إليه أي الطفل أعم من الحرمة المنتشرة منه إليها لأن التحريم بفعلها أي غالبا فكان التأثير أكثر ولا صنع للطفل فيه أي غالبا فكان تأثير التحريم فيه أخص اه " .
ولما كان اللبن للفحل كان كالأم .
تنبيه : .
جعل الشارح ضمير أولاده للفحل والأولى عوده للرضيع كما تقرر بل قال ابن قاسم إن ما فعله الشارح سهو .
و .
اعلم أنه لا تلازم بين الأبوة والأمومة فقد توجد الأمومة دون الأبوة كبكر در لها لبن أو ثيب لا زوج لها وقد توجد الأبوة دون الأمومة .
إذ علمت ذلك فنقول " لو كان لرجل خمس مستولدات أو " له " أربع نسوة " دخل بهن " وأم ولد فرضع طفل من كل رضعة " ولو متواليا " صار ابنه في الأصح " لأن لبن الجميع منه " فيحرمن عليه " أي على الطفل " لأنهن موطوءات أبيه " لا لكونهن أمهات له .
والثاني لا يصير ابنه لأن الأبوة تابعة للأمومة ولم تحصل .
ولو كان .
للرجل " بدل المستولدات بنات أو أخوات " فرضع طفل من كل رضعة " فلا حرمة " بين الرجل والطفل " في الأصح " لأن الجدودة للأم في الصورة الأولى والخؤولة في الصورة الثانية إنما يثبتان بتوسط الأمومة ولا أمومة هنا .
والثاني تثبت الحرمة تنزيلا للبنات أو الأخوات منزلة الواحدة أي منزلة ما لو كان له بنت أو أخت أرضعت الطفل خمس رضعات .
فرع لو ارتضعت صغيرة .
تحت رجل من كل من موطوءاته الخمس رضعة واللبن لغيره حرمت عليه قال ابن المقري لكونها ربيبته وأقره شيخنا على ذلك في شرحه وقال نقله الأصل عن ابن القاص اه " .
وفيه نظر واضح لأن الأمومة لم تثبت فلا تكون ربيبة ولعل هذه مقالة لابن القاص .
وآباء المرضعة من نسب أو رضاع أجداد للرضيع .
كما مر من أن الحرمة تسري إلى أصولها فلو كان الرضيع أنثى حرم عليهم نكاحها .
وأمهاتها .
من نسب أو رضاع " جداته " لما مر فلو كان الرضيع ذكرا حرم عليه نكاحهن .
وأولادها من نسب أو رضاع إخوته وأخواته .
لما مر من أن الحرمة تسري إلى فروعها .
وإخوتها وأخواتها .
من نسب أو رضاع " أخواله وخالاته " لما مر من أن الحرمة تسري إلى حواشيها فيحرم التناكح بينه وبينهم وكذا بينه وبين أولاد الأولاد بخلاف أولاد الإخوة والأخوات لأنهم أولاد أخواله وخالاته .
وأبو ذي .
أي صاحب " اللبن جده وأخوه عمه " أي الرضيع " وكذا الباقي " من أقارب صاحب اللبن على هذا القياس فأمه جدته وأولاده إخوته وأخواته أعمامه وعماته لما مر من أن الحرمة تسري إلى أصول صاحب اللبن وفروعه وحواشيه .
واللبن لمن نسب إليه ولد .
أو سقط " نزل " أي در ( 3 / 419 ) اللبن " به بنكاح أو وطء شبهة " كما في الولد إتباعا للرضاع بالنسب والنسب فيه ثابت فقول ابن القاص تشترط في حرمة الرضاع في حق من ينسب إليه الولد إقراره بالوطء فإن لم يكن ولحقه الولد بمجرد الإمكان لم تثبت الحرمة مخالف لما ذكر ولظاهر كلام الجمهور فالمعتمد خلافه .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف أنه لو ثار للمرأة لبن قبل أن يصيبها الزوج أو بعد الإصابة ولم تحبل ثبوت حرمة الرضاع في حقها دون الزوج وبه جزم القاضي الحسين فيما قبل الإصابة وقال فيها بعد الإصابة وقبل الحمل المذهب ثبوته في حقها دونه .
وقال الشافعي في رواية حرملة ثبت في حقه أيضا لأنه ثور أعضاءها بالوطء والأصح هو الأول اه " .
قال الزركشي وعليه اقتصر في الكافي ونقله الأذرعي عن فروع ابن القطان ولم يذكر كلام القاضي وصاحب الكافي .
فإن قيل كان ينبغي للمصنف أن يقول أو ملك يمين فإن الولد منه كالولد بالنكاح .
أجيب بأنه استغنى عنه بما ذكره قبل أن المستولدة كالزوجة .
لا .
بوطء " زنا " فلا يحرم على الزاني نكاح صغيرة ارتضعت بلبنه لأنه لا حرمة له لكن يكره له نكاحها كنكاح بنته من الزنا .
ولو نفاه .
أي نفى من نسب إليه الولد " بلعان انتفى اللبن " النازل به كالنسب " عنه " فلو ارتضعت به صغيرة حلت للنافي ولو عاد واستلحق الولد بعد اللعان لحقه الرضيع أيضا .
ولو وطئت منكوحة .
أي وطئها واحد " بشبهة أو وطىء اثنان " امرأة " بشبهة فولدت " ولدا " فاللبن " النازل به " لمن لحقه الولد " منهما إما " بقائف " وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى آخر كتاب الدعوى والبينات إن أمكن كونه منهما .
أو .
لمن لحقه الولد بسبب " غيره " بأن انحصر الإمكان في واحد منهما أو لم يكن قائف أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو أشكل عليه الأمر وانتسب الولد لأحدهما بعد بلوغه أو بعد إفاقته من جنون ونحوه فالرضيع من ذلك اللبن ولد رضاع لمن لحقه ذلك الولد لأن اللبن تابع للولد .
فإن مات الولد قبل الانتساب وله ولد قام مقامه أو أولاد وانتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك دام الإشكال فإن ماتوا قبل الانتساب أو بعده فيما إذا انتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك أو لم يكن له ولد ولا ولد أنتسب الرضيع حينئذ أما قبل انقراض ولده وولد ولده فليس له الانتساب بل هو تابع للولد أو ولده .
ولا يجبر على الانتساب بخلاف الولد وأولاده فإنهم يجبرون عليه لضرورة النسب .
والفرق أن النسب يتعلق به حقوق له وعليه كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القود ورد الشهادة فلا بد من دفع الإشكال .
والمتعلق بالرضاع حرمة النكاح وجواز النظر والخلوة وعدم نقض الطهارة كما مر والإمساك عنه سهل فلم يجبر عليه الرضيع ولا يعرض أيضا على القائف .
ويفارق ولد النسب بأن معظم اعتماد القائف على الأشباه الظاهرة دون الأخلاق .
وإنما جاز انتسابه لأن الإنسان يميل إلى من ارتضع .
ولا تنقطع نسبة اللبن عن .
صاحبه من " زوج " أو غيره " مات أو " زوج " طلق " وله اللبن " وإن طالت المدة " كعشر سنين وله لبن ارتضع منه جمع بترتيب " أو انقطع " اللبن " وعاد " إذ لم يحدث ما يحال اللبن عليه إذ الكلام في الحلية فاستمرت نسبته إليه " فإن نكحت " بعد موت أو طلاق من ذكر زوجا " آخر " أو وطئت بشبهة " وولدت منه فاللبن بعد الولادة له " أي للآخر أو للواطىء بشبهة لأن اللبن يتبع الولد والولد للثاني فكذلك اللبن .
وقبلها .
أي الولادة يكون " للأول إن لم يدخل وقت ظهور لبن حمل الثاني " لأن الأصل بقاء الأول ولم يحدث ما يغيره وسواء أزاد على ما كان أم لا انقطع ثم عاد أم لا ويرجع في أول مدة يحدث فيها لبن الحمل للقوابل على النص .
وقيل إن أول مدته أربعون يوما وقيل أربعة أشهر .
وكذا إن دخل .
وقت ظهور لبن حمل الثاني يكون اللبن أيضا للأول دون الثاني لأن اللبن غذاء للولد لا ( 3 / 420 ) للحمل فيتبع المنفصل .
وفي قول للثاني .
لأن الحمل ناسخ فقطع حكم ما قبله كالولادة .
وفي قول لهما .
معا لأن احتمال الأمرين يوجب تساويهما .
تنبيه : .
أطلق القول الثاني ومحله إذا انقطع اللبن مدة طويلة ثم عاد كما في الشرح والروضة أما إذا لم ينقطع أو انقطع مدة يسيرة فليس فيه قول أنه للثاني فقط بل للأول أو لهما أو للأول إن لم يزد ولهما إن زاد .
تتمة لو حملت مرضعة مزوجة من زنا فاللبن للزوج ما لم تضع فإذا وضعت كان اللبن للزنا نظير ما لو حملت بغير زنا .
ولو نزل لبكر لبن وتزوجت وحبلت من الزوج فاللبن لها لا للزوج ما لم تلد ولا أب للرضيع فإن ولدت منه فاللبن بعد الولادة له