هو لغة مأخوذ من الظهر لأن صورته الأصلية أن يقول لزوجته أنت علي كظهر أمي .
وخصوا الظهر دون البطن والفخذ وغيرهما لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج وقيل من العلو قال تعالى " فما اسطاعوا أن يظهروه " أي يعلوه وكان طلاقا في الجاهلية وقيل في أول الإسلام ويقال كانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر فتبقى لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره فغير الشارع حكمه إلى تحريمها بعد العود ولزوم الكفارة كما سيأتي .
وحقيقته الشرعية تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حلا على ما يأتي بيانه وسمي هذا المعنى ظهارا لتشبيه الزوجة بظهر الأم وهو من الكبائر قال تعالى " وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " .
والأصل في الباب قبل الإجماع قوله تعالى " والذين يظاهرون من نسائهم " الآية نزلت في أوس بن الصامت لما ظاهر من زوجته فاشتكت إلى رسول الله A فقال حرمت عليه فقالت انظر في أمري فإني لا أصبر عنه فقال A حرمت عليه وكررت وهو يقول حرمت عليه فلما أيست اشتكت إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " الآيات .
رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان .
وروي أنه A قال مريه أن يعتق رقبة فقالت أي رقبة والله لا يجد رقبة وما له خادم غيري فقال مريه فليصم شهرين متتابعين فقالت ما يقدر على ذلك إنه يشرب في اليوم كذا كذا مرة فقال مريه فليطعم ستين مسكينا فقالت أنى له ذلك فائدة سورة المجادلة في كل آية منها اسم الله تعالى مرة أو مرتين أو ثلاثا وليس في القرآن سورة تشابهها في ذلك وهي نصف القرآن عددا وعشرة باعتبار الأجزاء .
وله أركان أربعة مظاهر ومظاهر منها وصيغة ومشبه به وقد أخذ في بيانها مبتدءا بأولها فقال " يصح " الظهار " من كل زوج " فلا تصح مظاهرة السيد من أمته ولو كانت أم ولد لأن الله تعالى أناط حكمه بالنساء ومطلقه ينصرف إلى الزوجات .
مكلف .
بأن يكون بالغا عاقلا فلا يصح من صبي ومجنون ومغمى عليه لما مر في الطلاق .
نعم لو علق المكلف الظهار على صفة هو مجنون أو مغمى عليه حصل الظهار قطعا قاله ابن كج .
ولا بد أن يكون مختارا فلا يصح ظهار المكره وسيأتي ظهار السكران .
فلو قال شرطه زوج يصح طلاقه كما قال في الإيلاء كان أخصر وأعم لدخول ظهار السكران .
ولو .
هو " ذمي " لعموم الآية وإنما صرح به مع دخوله فيما سبق لخلاف أبي حنيفة ومالك فيه من جهة أن الله شرط فيه الكفارة وليس هو من أهلها .
لنا أنه لفظ يقتضي تحريم الزوجة فيصح منه كالطلاق والكفارة فيه شائبة الغرامة ويتصور منه الإعتاق عن الكفارة كأن يرث عبدا مسلما أو يسلم عبده أو يقول المسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي ( 3 / 353 ) والحربي كالذمي كما صرح به الروياني وغيره فلو عبر المصنف بالكافر لشمله .
تنبيه : .
كثيرا ما يرفع المصنف ما بعد لو كما سبق له قوله ولو طين وماء كدر على أنه خبر مبتدأ محذوف كما قدرته ولكن الكثير نصبه على حذف كان واسمها كقوله A ولو خاتما .
و .
لو هو " خصي " ومجبوب وممسوح وعنين كالطلاق زاد في المحرر وعبد لأجل خلاف مالك فيه إذ لا يتصور منه الإعتاق ونحن نقول هو عاجز فيعدل عنه إلى الصوم .
وظهار سكران كطلاقه .
وتقدم في كتاب الطلاق صحة طلاقه فظهاره كذلك .
والركن الثاني المظاهر منها وهي زوجة يصح طلاقها فيدخل في ذلك والمريضة والرتقاء والقرناء والكافرة والرجعية وتخرج الأجنبية ولو مختلعة والأمة كما مر فلو قال لأجنبية إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي أو قال السيد لأمته أنت علي كظهر أمي لم يصح .
ثم شرع في الركن الثالث وهو الصيغة فقال " وصريحه " أي الظهار " أن يقول " الزوج " لزوجته " المذكورة " أنت على أو مني أو معي أو عندي " أو لدي أو نحو ذلك " كظهر أمي " في تحريم ركوب ظهرها وأصله إتيانك علي كركوب ظهر أمي بحذف المضاف وهو إتيان فانقلب الضمير المتصل المجرور ضميرا مرفوعا منفصلا " وكذا " قوله " أنت كظهر أمي " بحذف الصلة " صريح على الصحيح " ولا يضر حذفها كما أن قوله أنت طالق صريح وإن لم يقل مني .
والثاني أنه كناية لاحتمال أن يريد أنت على غيري كظهر أمه بخلاف الطلاق .
وعلى الأول لو قال أردت به غيري لم يقبل كما صححه في الروضة وأصلها وجزم به الإمام والغزالي وبحث بعضهم قبول هذه الإرادة باطنا .
تنبيه : .
المراد بالأم أم المحرمية فلو شبه زوجته بواحدة من زوجات النبي A فإنهن أمهات المؤمنين كان لغوا .
وقوله .
لها " جسمك أو بدنك " أو جملتك " أو نفسك " أو ذاتك " كبدن أمي أو جسمها أو جملتها " أو ذاتها " صريح " لتضمنه الظهر وظاهر كلامه الجزم بذلك وإن لم يذكر الصلة وهو مخالف للمحرر والروضة كأصلها من التصريح بالصلة .
أما إذا لم يذكرها فيجري فيه الخلاف المتقدم .
ولو قال قوله الخ كالتشبيه بالظهر لسلم من ذلك .
والأظهر .
الجديد " أن قوله " لها أنت علي " كبدها أو بطنها أو صدرها " ونحوها من الأعضاء التي لا تذكر في معرض الكرامة والإعزاز مما سوى الظهر " ظهار " لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهر .
والثاني أنه ليس بظهار لأنه ليس على صورة الظهار المعهودة في الجاهلية " وكذا " قوله أنت علي " كعينها " أو رأسها أو نحو ذلك مما يحتمل الكرامة كقوله أنت كأمي أو روحها أو وجهها ظهار " إن قصد ظهارا " أي نوى أنها كظهر أمه في التحريم " وإن قصد كرامة فلا " يكون ظهارا لأن هذه الألفاظ تستعمل في الكرامة والإعزاز .
وكذا .
لا يكون ظهارا " إن طلق في الأصح " وعبر في المحرر بالأشبه وفي الروضة بالأرجح حملا على الكرامة لاحتمالها .
والثاني يحمل على الظهار واختاره الإمام الغزالي لأن اللفظ صريح في التشبيه ببعض أجزاء الأمي " وقوله " لها " رأسك أو ظهرك أو يدك " أو رجلك أو بدنك أو جلدك أو شعرك أو نحو ذلك " علي كظهر أمي ظهار في الأظهر " لما مر في قوله كيدها أو بطنها وكان ينبغي أيضا أن يمثل بالجزء الشائع كالصنف والربع .
والثاني ليس بظهار لأنه ليس على صورة الظهار المعهودة في الجاهلية ونقله الغزالي قولا قديما وعليه ينبغي التعبير بالجديد لا بالأظهر وإن اشتمل تعبيره على النوع المسمى في البديع بالجناس اللفظي ( 3 / 354 ) .
تنبيه : .
تخصيص المصنف الأمثلة بالأعضاء الظاهرة من الأم قد يفهم إخراج الأعضاء الباطنة كالكبد والقلب وبه صرح صاحب الرونق واللباب .
والأوجه كما اعتمده بعض المتأخرين أنها مثل الظاهرة كما اقتضاه اطلاقهم البعض .
والتشبيه بالجدة .
من الجهتين وإن بعدت كقوله أنت على كظهر جدتي " ظهار " لأنها تسمى أما ولها ولادة وتشارك الأم في العتق وسقوط القود ووجوب النفقة .
والمذهب طرده .
أي التشبيه المقتضي للظهار " في كل محرم " نسب أو رضاع أو مصاهرة وقع التشبيه بها و " لم يطرأ تحريمها " على المظاهر بأن لم تزل محرمة عليه كبنته وأخته من النسب ومرضعة أمه أو أبيه لمساواتهن الأم في التحريم المؤبد .
والثاني المنع لورود النص في الأم .
تنبيه : .
ظاهر كلامه جريان الطرق في كل المحارم وليس مرادا بل الخلاف في محرم النسب قولان وفي محرم الرضاع والمصاهرة طرق .
لا مرضعة .
للمظاهر " وزوجة ابن " له لأنهما كانتا حلالا له في وقت فيحتمل إرادته .
وأما بنت مرضعته فإن ولدت بعد ارتضاعه فهي لم تحل له في حالة من الحالات بخلاف المولودة قبله وكالمولودة بعده المولودة معه كما بحثه بعض المتأخرين .
تنبيه : .
لو حذف التاء من مرضعة كما مر له في الصوم حيث قال وأما الحامل والمرضع الخ كان أولى .
ولو شبه .
زوجته " بأجنبية ومطلقة وأخت زوجة وأب " للمظاهر " وملاعنة " له " فلغو " هذا التشبيه لأن الثلاثة الأول يشبهن الأم في التحريم المؤبد والأب أو غيره من الرجال كالابن والغلام ليس محلا للاستمتاع والخنثى هنا كالذكر لما ذكر والملاعنة وإن كان تحريمها مؤبدا ليس للمحرمية والوصلة وكذا لو شبهها بمجوسية أو مرتدة .
تنبيه : .
تعدية المصنف شبه بالباء جائز كما في المحكم وغيره ومنعه ابن عصفور وجعله لحنا وقال المسموع تعديه بنفسه ورد عليه ابن مالك بقول عائشة رضي الله تعالى عنها شبهتمونا بالحمر .
واعلم أن ما سبق حكم تنجيز الظهار وأما حكم تعليقه فذكره بقوله " ويصح تعليقه " لأنه يتعلق به التحريم كالطلاق والكفارة وكل منهما يجوز تعليقه وتعليق الظهار " كقوله " إذا جاء زيد أو إذا طلعت الشمس فأنت علي كظهر أمي فإذا وجد الشرط صار مظاهر الوجود المعلق عليه .
وكذا لو قال " إن ظاهرت من زوجتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي " وهما في عصمته " فظاهر " من الأخرى " صار مظاهرا منهما " عملا بموجب التنجيز والتعليق .
ولو علق الظهار بدخولها الدار فدخلت وهو مجنون أو ناس فمظاهر منها كنظيره في الطلاق المعلق بدخولها .
وإنما يؤثر الجنون والنسيان في فعل المحلوف على فعله ولا عود منه حتى يفيق من جنونه أو يتذكر بعد نسيانه ثم يمسك المظاهر منها زمنا يمكن فيه الطلاق ولم يطلق .
ولو قال إن ظاهرت من فلانة .
فأنت علي كظهر أمي .
وقوله " وفلانة أجنبية " ليس من بقية كلام المظاهر على جهة الشرط بل إخبار عن الواقع " فخاطبها " أي الأجنبية " بظهار لم يظهر مظاهرا من زوجته " لانتفاء المعلق عليه شرعا " إلا أن يريد اللفظ " أي إن تلفظت بالظهار منها فيصير مظاهرا من زوجته لوجود المعلق عليه .
فلو نكحها .
أي الأجنبية " وظاهر منها " بعد نكاحها " صار مظاهرا " " من زوجته الأولى لوجود المعلق عليه .
ولو قال .
إن ظاهرت " من فلانة الأجنبية " فزوجتي علي كظهر أمي " فكذلك " أي فإن خاطبها بظهار قبل نكاحها لم يصر مظاهرا من زوجته إلا أن يريد اللفظ أو بعد نكاحها صار مظاهرا .
وقيل لا يصير مظاهرا .
منها " وإن نكحها وظاهر " منها بعد نكاحها لأنها ليست بأجنبية حين الظهار فلم يوجد المعلق عليه .
ورد هذا بأن ذكر الأجنبية في المعلق عليه للتعريف لا للاشتراط قال ( 3 / 355 ) الزركشي ويشهد له قول النحاة إن الصفة في المعرفة للتوضيح نحو زيد العالم وفي النكرة للتخصيص نحو مررت برجل فاضل .
ولو قال إن ظاهرت منها وهي أجنبية .
فأنت علي كظهر أمي " فلغو " أي لا يكون مظاهرا من زوجته لأن قوله وهي أجنبية من بقية كلام المظاهر على جهة الشرط وهو تعليق بمستحيل فأشبه قوله إن بعت الخمر فأنت طالق وأتى بلفظ البيع فإنه لا يقع الطلاق ومثل قوله وهي أجنبية ما لو قال إن ظاهرت من فلانة أجنبية لاستحالة اجتماع ما علق به ظهارها من ظهار فلانة حالة كونها أجنبية .
فلو أراد اللفظ بظهارها في الصورتين كان مظاهرا كما صرح به ابن المقري .
ولو قال أنت طالق كظهر أمي ولم ينو .
بمجموع كلامه هذا شيئا " أو نوى " به " الطلاق " فقط " أو الظهار " فقط " أو " نوى به " هما " معا " أو " نوى " الظهار بأنت طالق والطلاق بكظهر أمي طلقت " في هذه الحالات الخمس " ولا ظهار " أما وقوع الطلاق فلإتيانه بصريح لفظه وأما انتفاء الظهار في الأوليين فلعدم استقلال لفظه مع عدم نيته وأما في الباقي فلأنه لم ينوه ولفظ الطلاق لا ينصرف إلى الظهار وعكسه كما مر في الطلاق .
وأشار إلى حالة أخرى لهذه المسألة بقوله " أو " نوى " الطلاق بأنت طالق و " نوى " الظهار بالباقي " وهو كظهر أمي " طلقت " قطعا " وحصل الظهار إن كان طلاق رجعة " لأن الظهار يصح من الرجعية وقد أتى به مع النية .
وهو إما على حذف المبتدأ أي أنت طالق كظهر أمي كما قدره القاضي أبو الطيب أو على تعدد الخبر أي يجعل طالق و ظهر أمي خبرين عن أنت .
واحترز بقوله طلاق رجعة عن البائن فإنه لا ظهار فيها لأنها أجنبية .
ولو قال أنت كظهر أمي طالق عكس ما في المتن وأراد الظهار ب أنت علي كظهر أمي والطلاق ب أنت طالق حصلا ولا عود لأنه عقب الظهار بالطلاق فإن راجع كان عائدا كما سيأتي .
وإن أطلق فمظاهر ولا طلاق على قياس ما مر في عكسه فإن أرادهما بجميع اللفظين وقع الظهار فقط وكذا إن أراد به أحدهما أو أراد الطلاق ب أنت كظهر أمي والظهار ب طالق .
تتمة لو قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى بمجموعه الظهار فمظاهر لأن لفظ الحرام إظهار مع النية فمع اللفظ والنية أولى .
وإن نوى به الطلاق فطلاق لأن لفظة الحرام مع نية الطلاق كصريحه .
ولو أرادهما بمجموعه أو بقوله أنت علي حرام اختار أحدهما فيثبت ما اختاره منهما وإنما لم يقعا جمعا لتعذر جعله لهما لاختلاف موجبهما .
وإن أراد بالأول الطلاق وبالآخر الظهار والطلاق رجعي حصلا لما مر في نظيره .
وإن أراد بالأول الظهار وبالآخر الطلاق وقع الظهار فقط إذ الآخر لا يصلح أن يكون كناية في الطلاق لصراحته في الظهار وإن أطلق وقع الظهار فقط لأن لفظ الحرام ظهار مع النية فمع اللفظ أولى وأما عدم وقوع الطلاق فلعدم صريح لفظه ونيته .
وإن أراد بالتحريم تحريم عينها لزمه كفارة يمين لأنها مقتضاه ولا ظهار إلا إن نواه ب كظهر أمي .
ولو أخر لفظ التحريم عن لفظ الظهار .
فقال أنت علي كظهر أمي حرام فمظاهر لصريح لفظ الظهار ويكون قوله حرام تأكيدا سواء أنوى تحريم عينها فيدخل مقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى في مقتضى الظهار وهو الكفارة العظمى أم أطلق فإن نوى بلفظ التحريم الطلاق وقعا ولا عود لتعقيبه الظهار بالطلاق .
ولو قال أنت مثل أمي أو كروحها أو عينها ونوى الطلاق كان طلاقا لما مر أن ذلك ليس صريح ظهار