وهذا شروع منه في الركن الثالث وهو القصد .
إذا " مر بلسان نائم " أو من زال عقله بسبب لم يعص به " طلاق لغا " وإن قال بعد استيقاظه أو إفاقته أجزته أو أوقعته لحديث رفع القلم عن ثلاث وذكر منها النائم حتى يستيقظ ولانتفاء القصد .
تنبيه : .
كان المصنف مستغنيا عن هذا باشتراط التكلف أول الباب .
ولو تلفظ بالطلاق ثم قال كنت حينئذ صبيا أو نائما وأمكن ذلك صدق بيمينه كما قاله الروياني وإن قال في الروضة في تصديق النائم نظر فإنه لا إمارة عليه بخلاف الصبي .
ولو سبق لسانه بطلاق بلا قصد .
لحروف الطلاق لمعناه " لغا " ما سبق لسانه إليه لما مر وكذا إذا تلفظ بالطلاق حاكيا كلام غيره وكذلك الفقيه إذا تكرر لفظ الطلاق في درسه وتصويره .
تنبيه : .
لا حاجة لقوله بلا قصد مع قوله سبق ولو قال لا بقصد كان أعم .
ولا يصدق ظاهرا .
في دعواه سبق ( 3 / 288 ) لسانه بالطلاق لتعلق حق الغير به ولأن الظاهر الغالب أن البالغ العاقل لا يتكلم بكلام إلا ويقصده .
إلا بقرينة .
كأن دعاها بعد طهرها من الحيض إلى فراشه وأراد أن يقول أنت الآن ظاهرة فسبق لسانه فقال أنت اليوم طالقة .
تنبيه : .
لو ظنت صدقه في دعواه السبق فلها قبول قوله وكذا للشهود أن لا يشهدوا عليه بالطلاق كما ذكره في أصل الروضة هنا وذكر أواخر الطلاق أنه لو سمع لفظ رجل بالطلاق وتحقق أنه سبق لسانه إليه لم يكن له أن يشهد عليه بمطلق الطلاق وكان ما هنا فيما إذا ظنوا وما هناك فيما إذا تحققوا كما يفهمه كلامه .
قال شيخنا ومع ذلك فيما هنا نظر اه " .
والأولى إلحاق ما هنا بما هناك كما قاله بعض المتأخرين .
ولو كان اسمها طالقا فقال .
لها " يا طالق " بضم القاف بخطه " وقصد النداء لم تطلق " جزما لأنه صرفه عن معناه وكونها اسمها كذلك قرينة تسوغ تصديقه .
تنبيه : .
المراد قصد ندائها باسمها وإلا فنداؤها مقصود وإن أراد الطلاق " وكذا إن أطلق " بأن لم يقصد شيئا وكان اسمها ذلك عند النداء لم تطلق أيضا " في الأصح " حملا على النداء ولأنه لم يقصد الطلاق واللفظ هنا مشترك والأصل دوام النكاح .
أما إذا كان اسمها ذلك ثم غير إلى غيره ثم خطابها به بعد التغيير طلقت عند الإطلاق كما ذكره الرافعي في نظير المسألة من العتق في نداء عبده المسمى بحر يا حر .
وإن كان اسمها طارقا أو طالبا .
أو طالعا أو نحوها من الأسماء التي تقارب حروف طالق " فقال " لها يا طالق وقال أردت " النداء " لها باسمها " فالتف " بلساني " الحرف صدق " ظاهرا لظهور القرينة .
ولو خاطبها بطلاق .
لها " هازلا " وهو قصد اللفظ دون معناه " أو لاعبا " بأن لم يقصد شيئا لقولها له في معرض دلال أو ملاعبة أو استهزاء طلقني فيقول لها لاعبا أو مستهزئا طلقتك .
أو .
خاطبها بطلاق " وهو يظنها أجنبية " ويصدق ذلك بصور إما " بأن كانت في ظلمة " أو من وراء حجاب " أو " بأن " نكحها " له " وليه أو وكيله ولم يعلم " بالنكاح أو نسيه أو نحو ذلك " وقع الطلاق " .
أما في الأوليين فلأنه أتى باللفظ عن قصد واختيار وعدم رضاه بوقوعه لظنه أنه لا يقع لا أثر له لخطأ ظنه وفي حديث حسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح الإسناد ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة .
قال البغوي وخص في الحديث الثلاث لتأكد أمر الفرج وإن كان البيع وسائر التصرفات تنعقد بالهزل على الأصح اه " .
وأما فيما بعدهما فلأنه أوقع الطلاق في محله وظن غير الواقع لا يدفعه .
تنبيه : .
عطف المصنف اللعب على الهزل يقتضي تغايرهما وكلام أهل اللغة يقتضي ترادفهما قال الزمخشري في الفائق الهزل واللعب من وادي الاضطراب .
وعبارة المحرر على سبيل اللعب والهزل وهي تقتضي اتحادهما والذي يشهد له الاستعمال أن الهزل يختص بالكلام واللعب أعم وظاهر إطلاق المصنف الوقوع أنه يقع ظاهرا وباطنا لكن قضية كلام الروضة أنه لا يقع في مسألة الظن باطنا وهو الظاهر وإن قال الأذرعي قضية كلام الروياني أن المذهب الوقوع باطنا .
ولو نسي أن له زوجة فقال زوجتي طالق طلقت كما نقلاه عن النص وأقراه .
وما جزم به المصنف من وقوع الطلاق فيما إذا ظنها أجنبية يتشكل عليه مسألة ذكرها الخوارزمي في الكافي فقال رجل تزوج امرأة في الرستاق فذهبت إلى البلد وهو لا يعلم فقيل له ألك زوجة في البلد وهو لا يعلم فقال إن كان لي زوجة في البلد فهي طالق وكانت هي في البلد فعلى قول حنث الناسي .
قال البلقيني وأكثر ما يلمح في الفرق بينهما صورة التعليق .
ولو كان واعظا مثلا وطلب من الحاضرين شيئا فلم يعطوه فقال متضجرا منهم طلقتكم وفيهم امرأته ولم يعلم بها لم تطلق كما بحثه في أصل الروضة بعد نقله عن الإمام أنه أفتى بخلافه قال المصنف لأنه لم يقصد معنى الطلاق ولأن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل واعترض عليه بمنع أنه لم يقصد معنى الطلاق إذ معناه الفرقة وقد ( 3 / 289 ) نواها وبأن دليل الدخول هنا موجود وهو مشافهة الحاضرين وعدم علمه بأن زوجته فيهم لا يمنع الإيقاع كمن خاطبها يظنها غيرها .
وأجيب عن الأول بأن معنى الطلاق شرعا قطع عصمة النكاح ولم يقصده الواعظ بخلاف من خاطب زوجته يظنها غيرها وعن الثاني بأن ذلك إنما يكون بحسب القصد للتغليب ولا قصد .
ولو لفظ أعجمي .
أو غيره " به " أي الطلاق " بالعربية " أو غيرها مما لا يعرفه " ولم يعرف معناه " سواء ألقنه أم لا " لم يقع " لانتفاء قصده وقيده المتولي بمن لم يكن مخالطا لأهل اللسان وإلا لم يقبل ظاهرا ويصدق في أنه لا يعرف معناه لأنه الظاهر من حاله قاله في الاستقصاء .
وقيل إن نوى .
العجمي به " معناها " أي العربية عند أهلها " وقع " لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه .
وأجاب الأول بأنه إذا لم يعرف معناه لا يصح قصده ولو لم يعرف معناه وقصد به قطع النكاح لم تطلق كما لو أراد الطلاق بكلمة لا معنى لها .
ولا يقع طلاق مكره .
بغير حق خلافا لأبي حنيفة كما لا يصح إسلامه لقوله A رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولخبر لا طلاق في إغلاق أي إكراه رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده على شرط مسلم ولأنه قول لو صدر منه باختياره طلقت زوجته وصح إسلامه فإن أكره عليه بباطل لغا كالردة .
نعم تقدم في شروط الصلاة أنه لو تكلم فيها مكرها بطلت صلاته لندرة الإكراه فيها فإن كان الإكراه بحق وقع الطلاق وصح الإسلام وصور الطلاق بحق جمع بإكراه القاضي المولى بعد مدة الإيلاء على طلقة واحدة فإن أكره على الثلاث فتلفظ بها لغا الطلاق لأنه يفسق بذلك وينعزل به .
فإن قيل المولى لا يؤمر بالطلاق عينا بل به أو بالفيئة ومثل هذا ليس بإكراه يمنع الوقوع كما لو أكره على أن يطلق زوجته أو يعتق عبده فأتى بأحدهما فإنه ينفذ .
أجيب بأن الطلاق قد يتعين في بعض صور المولى كما لو آلى وهو غائب فمضت المدة فوكلت بالمطالبة فرفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه فإن القاضي يأمره بالفيئة باللسان في الحال وبالمسير إليها أو بحملها إليه أو الطلاق فإن لم يفعل ذلك حتى مضى مدة إمكانه ذلك ثم قال أسير إليها الآن لم يمكن بل يجبر على الطلاق عينا هكذا أجاب به ابن الرفعة .
وهو إنما يأتي تفريعا على مرجوح وهو أن القاضي يكره المولى على الفيئة أو الطلاق والأصح أن الحاكم هو الذي يطلق على المولى الممتنع كما سيأتي في بابه وحينئذ فلا إكراه أصلا حتى يحترز عنه بغير حق .
ويستثنى من إطلاق المكره ما لو أكره شخصا على طلاق زوجة نفسه فإنه يقع لأنه إذن وزيادة ولا يستثنى ما إذا أكره على الطلاق فنوى لأن هذا ليس مكرها .
ولو أكره غير الزوج الوكيل في الطلاق عليه لغا أو الزوج وقع لأنه أبلغ في الإذن كما مر .
وأما الإكراه على الإسلام بحق فإكراه المرتد والحربي عليه بخلاف الذمي فإنه مقر على كفره بالجزية والمعاهد كالذمي كما بحثه ابن الرفعة .
فإن ظهرت .
من مكره بفتح الراء " قرينة اختيار " منه للطلاق " بأن " أي كأن " أكره " بضم الهمزة " على ثلاث فوحد " أي طلق واحدة " أو " على طلاق " صريح أو " على " تعليق " له " فكنى " ونوى " أو نجز أو على " أن يقول " طلقت " زوجتي " فسرح " بتشديد الراء أي قال سرحتها " أو " وقع الإكراه " بالعكوس " لهذه الصور بأن أكره على واحدة فثلث أو كناية فصرح أو تنجيز فعلق أو على أن يقول سرحت فقال طلقت " وقع " الطلاق في الجميع لأن مخالفته تشعر باختياره فيما أتى به .
وشرط .
حصول " الإكراه قدرة المكره " بكسر الراء " على تحقيق ما هدد به " المكره بفتحها تهديدا عاجلا ظلما " بولاية أو تغلب وعجز المكره " بفتح الراء " عن دفعه " أي المكره بكسرها " بهرب وغيره " كاستغاثة بغيره " وظنه أنه إن امتنع " من فعل ما أكره عليه " حققه " أي فعل ما خوفه به لأنه لا يتحقق العجز ( 3 / 290 ) إلا بهذه الأمور الثلاثة .
تنبيه : .
تعبيره بالظن يقتضي أنه لا يشترط تحققه وهو الأصح .
وخرج بعاجلا ما لو قال لأقتلنك غدا فليس بإكراه وب ظلما ما لو قال ولي القصاص للجاني طلقها وإلا اقتصصت منك لم يكن إكراها .
ويحصل .
الإكراه " بتخويف بضرب شديد أو " ب " حبس " طويل كما نقله الشامل عن النص " أو إتلاف مال " .
وقوله " ونحوها " من زيادته أي مما يؤثر العاقل لأجله الإقدام على ما أكره عليه .
ويختلف الإكراه باختلاف الأشخاص والأسباب المكره عليها فقد يكون الشيء إكراها في شخص دون آخر وفي سبب دون آخر فالإكراه بإتلاف مال يضيق على المكره بفتح الراء كخمسة دراهم في حق الموسر ليس بإكراه على الطلاق لأن الإنسان يتحمله ولا يطلق بخلاف المال الذي يضيق عليه .
والحبس في الوجيه إكراه وإن قل كما قاله الأذرعي .
والضرب اليسير في أهل المروءات إكراه .
والتهديد بقتل أصله وإن علا أو فرعه وإن سفل إكراه بخلاف ابن العم ونحوه بل يختلف ذلك باختلاف الناس كما مر .
وقيل يشترط .
في الإكراه " قتل " لنفسه لأن ما دونه يدوم معه النظر والاختيار .
وقيل يشترط .
فيه " قتل " لنفسه " أو قطع " لطرفه " أو ضرب مخوف " لإفضائه إلى القتل ولا يحصل الإكراه ب طلق زوجتك وإلا قتلت نفسي أو كفرت أو أبطلت صومي أو صلاتي .
قال الأذرعي في وإلا قتلت نفسي كذا أطلقوه ويظهر عدم الوقوع إذا قاله من لو هدد بقتله كان مكرها كالولد اه " .
وهو حسن .
ولا تشترط .
في عدم وقوع طلاق المكره " التورية " وهي من ورى أي جعل البيان وراءه .
بأن .
أي كأن " ينوي " بقوله طلقت زينب مثلا " غيرها " أي زوجته .
أو ينوي بالطلاق حل الوثاق أو يقول عقيب اللفظ إن شاء سرا كما قاله في المحرر .
وعبارة الروضة وأصلها أو قال في نفسه إن شاء الله .
فإن قيل لا أثر للتعليق بمشيئة الله تعالى بمجرد النية لا ظاهرا ولا باطنا بل لا بد من التلفظ به .
أجيب بأن المراد بقوله في نفسه تلفظه بمشيئة الله تعالى سرا بحيث لم يسمعه المكره لا أنه نواه وأن ما ذكره من اشتراط التلفظ بالتعليق بمشيئة الله تعالى محله في غير المكره أما هو فيكتفي بقلبه كما نقله الأذرعي عن القاضي الحسين عن الأصحاب .
وهي فائدة حسنة .
وضابط التورية أن ينوي ما لو صرح به لقبل ولم يقع الطلاق وهذا لو عبر المصنف بقوله كأن بالكاف كما حولت به عبارته لكان أولى وهذا يقع في كلام الشيخين كثيرا وفيه تساهل .
وقيل إن تركها .
أي التورية " بلا عذر " له " وقع " لإشعاره بالاختيار فإن تركها لعذر كدهشة لم يقع قطعا كما قاله في المحرر .
فرع لو قال له اللصوص .
لا نخليك حتى تحلف بالطلاق أنك لا تخبر بنا فحلف بذلك فهو إكراه منهم له على الحلف فإذا أخبر بهم لم يقع عليه طلاق .
ولو أكره ظالم شخصا أن يدله على زيد مثلا أو ماله وقد أنكر معرفة محله فلم يخله حتى يحلف له بالطلاق فحلف به كاذبا أنه لا يعلمه طلقت لأنه في الحقيقة لم يكره على الطلاق بين خير وبينه وبين الدلالة .
ولو قال طلقت مكرها فأنكرت زوجته وهناك قرينة كالحبس فالقول قوله بيمينه وإلا فلا .
ولو ادعى الصبا بعد طلاقه وأمكن صدقه صدق بيمينه .
فإن قيل قد جزموا في الأيمان بعدم تصديق مدعي عدم قصد الطلاق والعتاق ظاهرا لتعلق حق الغير بهما فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ما ذكر هناك لا يشبه هذا فإن الزوج تلفظ تم بصريح الطلاق ثم ادعى صرفه بعدم القصد والمدعى هنا طلاق مقيد بحاله لا يصح فيها الطلاق فقبل قوله لعدم مخالفته الظاهر .
ومن أثم بمزيل عقله من شراب .
خمر أو غيره " أو دواء " بنبيذ أو غيره " نفذ طلاقه وتصرفه له " قولا وفعلا " و " نفذ أيضا تصرفه " عليه قولا وفعلا " كإسلام وردة وقطع وقتل " على المذهب " المنصوص .
أما السكران ( 3 / 291 ) فاحتج له الشافعي Bه بحديث رفع القلم عن ثلاث قال والسكران ليس في معنى واحد من هؤلاء فإنه يجب عليه قضاء الصلاة والصوم وغيرهما فالقلم غير مرفوع عنه بخلاف المجنون .
قال الشافعي Bه وهو قول أكثر من لقيته من المفتين .
وأما المتداوي فإنه في معناه .
وفي قول لا .
ينفذ شيء من تصرفه لأنه ليس له فهم صحيح .
وقيل .
ينفذ تصرفه " عليه " كالطلاق والإقرار تغليظا عليه واحترز بقوله أثم عما إذا لم يأثم كما إذا أوجز خمرا أو أكره على شربها أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي فإنه لا يقع طلاقه ولا يصح تصرفه .
تنبيه : .
مقتضى إطلاق المصنف أنه لو تعدى بسكره ثم نشأ عن سكره جنونه أن حكمه كالسكران وهو كذلك كما صرح به في البحر .
وفيه أيضا لو أوقع السكران الطلاق ثم ادعى الإكراه على الشرب أو الجهل بإسكار ما شربه ورام عدم الوقوع صدق بيمينه قال الأذرعي وينبغي استفساره فإن ذكر إكراها معتبرا فذاك فإن أكثر الناس يظن ما ليس بإكراه إكراها اه " .
وهذا ظاهر إذا كان ممن يخفى عليه ذلك .
ثم في شرع في الركن الرابع وهو المحل أي المرأة فقال " ولو قال " شخص لزوجته أنت طالق أو طلقتك فذاك واضح وكذا لو قال جسمك أو جسدك أو روحك أو شخصك أو جثتك أو ذاتك طالق .
وإن طلق جزءا منها كقوله يدك أو رجلك أو نحو ذلك من أعضائها المتصلة بها أو " ربعك أو بعضك أو جزؤك " سواء أكان معلوما كالمثال الأول أو مبهما كالمثال الثاني والثالث أصليا كان أو زائدا ظاهرا كما مر أو باطنا ومثل له بقوله " أو كبدك " أو كان الجزء مما ينفصل منها في الحياة ومثل له بقوله " أو شعرك أو ظفرك طالق وقع " الطلاق جزما واحتجوا له بالإجماع ولأنه طلاق صدر من أهله فلا ينبغي أن يلغى وتبعيضه متعذر لأن المرأة لا تتبعض في حكم النكاح فوجب تعميمه وبالقياس على العتق بجامع أن كلا منهما إزالة ملك يحصل بالصريح والكناية .
ونظر في القياس بأن العتق محبوب والطلاق مبغوض وبأن العتق يقبل التجزئة فصحت إضافته للبعض بخلاف الطلاق .
وكذا دمك .
طالق يقع به الطلاق " على المذهب " لأن به قوام البدن كالروح وفي وجه لا يقع لأنه كفضلة وقطع بعضهم بالأول " لا فضلة كريق وعرق " وبول لا يقع بها طلاق لأنها غير متصلة اتصال خلقة بخلاف ما قبلها .
وكذا مني ولبن .
لا يقع بهما " في الأصح " لأنهما وإن كان أصلهما دما فقد تهيأ للخروج بالاستحالة كالبول .
والثاني الوقوع كالدم لأنه أصل كل واحد منهما وكالفضلات الأخلاط كالبلغم .
ولا بالجنين لأنه شخص مستقل بنفسه وليس محلا للطلاق .
ولا بالعضو الملتحم بالمرأة بعد الفصل منها لأنه كالمنفصل بدليل وجوب قطعة وعدم تعلق القصاص به قال الزركشي ويؤخذ من عدم الوقوع عدم نقص الوضوء به .
ولا بالمعاني القائمة بالذات كالسمع والبصر والحركة وسائر الصفات المعنوية كالحسن والقبح والملاحة لأنها ليست أجزاء من بدنها والشحم والسمن جزءان من البدن فيقع بالإضافة إلى كل منهما الطلاق وإن توزع الأول .
ولو قال اسمك طالق لم تطلق إن لم يرد به الذات فإن أرادها به طلقت .
وإن قال نفسك بإسكان الفاء طالق طلقت لأنها أصل الآدمي أما بفتح الفاء فلا لأنه أجزاء من الهواء يدخل الرئة ويخرج منها لا جزء من المرأة ولا صفة لها .
ولو قال حياتك طالق طلقت إن أراد بها الروح وإن أراد المعنى فلا كسائر المعاني وإن أطلق فهو كالأول كما بحثه بعض المتأخرين .
تنبيه : .
الطلاق فيما مر يقع على الجزء ثم يسري إلى باقي البدن كما في العتق فلو قال إن دخلت الدار فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت لم تطلق كمن خاطبها بذلك ولا يمين لها كما قال " ولو قال لمقطوعة يمين " مثلا " يمينك " وذكره على إرادة العضو ولو أنث قال يمناك " طالق لم يقع على المذهب " المنصوص لفقدان الذي يسري منه الطلاق إلى الباقي كما في العتق وكما لو قال لها لحيتك أو ذكرك طالق .
والطريق الثاني تخريجه على الخلاف فإن جعلناه ( 3 / 292 ) من باب التعبير بالبعض عن الكل وقع أو من باب السراية فلا .
وصور الروياني المسألة بما إذا فقدت يمينها من الكتف وهو يقتضي أنها تطلق في المقطوعة من الكف أو من المرفق وهو كذلك لأن اليد حقيقة إلى المنكب كما مر في باب الوضوء .
قال في البحر ولو قال حفصة طالق ورأس عمرة برفع رأس طلقتا أو بجره لم تطلق عمرة اه " .
وهذا ظاهر فيمن يعرف العربية أما غيره فتطلق عمرة مطلقا .
ولو قال لأمته يدك أم ولد أو للملتقط يدك ابني لم يثبت به استيلاد ولا نسب لعدم السراية فيهما .
ولو قال أنا منك طالق ونوى تطليقها .
أي إيقاع الطلاق عليها " طلقت " لأن عليه حجرا من جهتها حيث لا ينكح معها أختها ولا أربعا ويلزمه صونها ومؤنتها فيصح إضافة الطلاق إليه لحل السبب المقتضي لهذا الحجر ولأن المرأة مقيدة والزوج كالقيد عليها والحل يضاف إلى القيد كما يضاف إلى المقيد فيقال حل فلان المقيد وحل القيد عنه .
وإن لم ينو طلاقا فلا .
تطلق لأن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله فشرط فيه ما شرط في الكناية من قصد الإيقاع " وكذا " لا تطلق " إن لم ينو " مع نية الطلاق " إضافته إليها في الأصح " لأن محل الطلاق المرأة لا الرجل واللفظ مضاف إليه فلا بد من نية صارفة تجعل الإضافة إليه إضافة إليها .
والثاني تطلق لوجود نية الطلاق ولا حاجة للتنصيص على المحل نطقا أو نية .
تنبيه : .
عبارته تصدق بصورتين الأولى أن لا ينوي إيقاعه عليها ولا عليه .
والثانية أن ينوي تطليق نفسه لكن عبر في الروضة في الأولى بالصحيح وفي الثانية القطع بعدم الوقوع وقيل بجريان الخلاف .
والتقييد بقول المصنف منك وقع أيضا في الروضة وأصلها وهو يوهم أنه لو أسقطها لم يقع وكلام القاضي يقتضي عدم اعتبارها وهو الظاهر لانتظام هذا العمل بدونها وجرى عليه في المهمات ولهذا حذفها الدارمي في الاستذكار قال وحينئذ فإن كانت له زوجة واحدة وقصد طلاقها فواضح وإن كان له زوجات وقصد طلاق واحدة منهن وقع على واحدة ويعين .
ولو قال أنا منك بائن .
أو نحوه من الكنايات " اشترط نية " أصل " الطلاق " قطعا كسائر الكنايات " وفي " نية " الإضافة " إليها " الوجهان " في قوله أنا منك طالق أصحهما اشتراطها فإن نوى الطلاق مضافا إليها وقع وإلا فلا لما مر .
تنبيه : .
لا حاجة إلى هذه المسألة بعد ذكر المسألة قبلها لأن النية إذا شرطت في الصريح وهو أنا منك طالق ففي الكناية وهو أنا منك بائن أولى اللهم إلا أن يقال إنما ذكرها تمييزا بين الكناية القريبة والبعيدة وهي استبراء رحمه الذي تضمنه قوله " ولو قال استبرئي رحمي منك " أو أنا معتد منك أو نحو ذلك كاستبرئي الرحم التي كانت لي " فلغو " وإن نوى به الطلاق لأن اللفظ غير منتظم في نفسه والكناية شرطها احتمال اللفظ المراد .
وقيل إن .
نوى بهذا اللفظ " طلاقها وقع " ويكون المعنى عليه استبرئي الرحم التي كانت لي وبه صور المسألة في الشرح الصغير .
تنبيه : .
قوله منك ليس بقيد فلو لم يذكره كان الحكم كذلك .
ولو قال شخص لآخر طلق امرأتي فقال له طلقتك ونوى وقوعه عليه لم تطلق كما قاله في التتمة لأن النكاح لا تعلق له بالأجنبي بخلاف المرأة مع الزوج