هو لغة حل القيد والإطلاق ومنه ناقة طالق أي مرسلة بلا قيد .
وشرعا حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه وعرفه المصنف في تهذيبه بأنه تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح .
والأصل فيه قبل الإجماع الكتاب كقوله تعالى " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وقوله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " والسنة كقوله A ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق رواه أبو داود بإسناد صحيح والحاكم وصححه وقوله A أتاني جبريل فقال لي راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن .
وأركانه خمسة مطلق وصيغة ومحل وولاية وقصد وقد شرع في شرط الركن الأول وهو المطلق فقال " يشترط لنفوذه " أي الطلاق من المطلق منجزا كان أو معلقا " التكليف " أي أن يكون مكلفا فيصح من السفيه والمريض أي ولو كان هازلا ولا يصح من غير مكلف كصبي ومجنون ومغمى عليه ونائم ولا تنجيزا ولا تعليقا وإن وجدت الصفة بعد الأهلية في المعلق لفساد عبارته ولخبر رفع القلم عن ثلاث نعم لو تولد جنون من سكر تعدى فيه نفذ طلاقه في جنونه وقد يتصور طلاق المجنون بغير سكر تعدى فيه والمغمى عليه والنائم بما إذا علق الطلاق في حال التكليف على صفة فوجدت وهو غير مكلف .
فإن قيل أهمل المصنف شرطين آخرين أحدهما كونه من زوج أو وكيله فلا يقع طلاق غيره إلا فيما سيأتي في المولى يطلق عليه الحاكم ثانيهما الاختيار ليخرج المكره بغير حق .
أجيب عن إهماله الأول بأنه أحاله على ما صرح به في الخلع وعلى ما سيذكره من أنه لا يصح تعليقه قبل ملك النكاح وعن الثاني بأنه أهمله لذكره حكم المكره بعد ذلك قال المصنف زيادة على الرافعي وغيره " إلا السكران " المتعدي بسكره كأن شرب خمرا أو دواء مجننا بلا حاجة فيصح منه ولو كان السكر طافحا عليه بحيث يسقط كالمغمى عليه مع أنه غير مكلف كما نقله في الروضة عن أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول تغليظا عليه لعصيانه بإزالة عقله فجعل كأنه لم يزل .
قال ولكن مراد أهل الأصول أنه غير مخاطب حال السكر ومرادنا هنا أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد .
قال الغزالي في المستصفى ولأن صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب أجاب عن قوله تعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران بأن المراد به من هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله ولذا يصح منه سائر أفعاله وأقواله مما له معا وعليه كالبيع والإجارة أو منفردين كالإسلام والطلاق ويصح طلاقه بالكناية خلافا لابن الرفعة .
وشمل ذلك الكافر وإن لم يعتقد حرمة شرب الخمر لأنه مخاطب بفروع الشريعة .
وخرج بالمتعدي غيره كمن أكره على شرب مسكر أو لم يعلم أنه مسكر أو شرب دواء مجننا لحاجة فلا يقع طلاقه لعدم تعديه .
والرجوع في معرفة السكران إلى العرف وقيل أدنى السكر أن يختل كلامه المنظوم وينكشف سره المكتوم كما عبر به الشافعي رضي الله تعالى عنه وإن لم يجعله أدنى قال ابن المقري ولا يحتاج على الوجه الصحيح إلى معرفة السكر لأنه إما صاح وإما سكران زائل العقل وحكمه حكم الصاحي سواء بل يحتاج إلى معرفة السكر في غير المتعدى به وفيما إذا قال إن سكرت فأنت طالق اه " .
أي فيحد حينئذ بما ذكر وهو حسن .
ولو قال السكران بعدما طلق إنما شربت الخمر مكرها وتم قرينة أو لم أعلم أن ما شربته مسكر صدق بيمينه نعم من يعرف حكم الإكراه فإنه يستفسر كما قاله بعض المتأخرين أما إذا شرب أو أكل ما يزيل العقل لحاجة كالتداوي فإنه كالمجنون كما صرح به في المهذب والوجيز وأصل الروضة .
ثم شرع في الركن الثاني وهو الصيغة فقال " ويقع " الطلاق من مسلم أو كافر " بصريحه " وهو ما يحتمل ظاهره غير الطلاق " بلا نية " لإيقاع الطلاق ( 3 / 280 ) ولو قال لم أنو به الطلاق لم يقبل وحكى الخطابي فيه الإجماع .
وهذا الاستثناء ممنوع لأنه قبل الخلع ليس بمالها كما يؤخذ من تعليله .
و .
يقع أيضا " بكناية " وهي ما يحتمل الطلاق وغيره لكن " بنية " لإيقاعه .
فإن قيل سيأتي أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعناه ولا يكفي قصد حروف الطلاق من غير قصده معناه فكيف يقال إن الصريح لا يحتاج إلى نية بخلاف الكناية أجيب بأن كلا منهما يشترط فيه قصد اللفظ لمعناه حتى يخرج العجمي إذا لقن كلمة الطلاق وهو لا يعرف معناها فلا يقع طلاقه .
والمراد بالنية في الكناية أن يقصد الإيقاع وليس بشرط لمن عرف معناه وحينئذ فقول المصنف بلا نية أي بلا نية الإيقاع أما قصد التلفظ به فيشترط .
نعم المكره إن نوى مع الصريح الوقوع وقع وإلا فلا .
تنبيه : .
أفهم كلامه أنه لا يقع طلاق بنية من غير لفظ وهو كذلك ولا بتحريك لسانه بكلمة الطلاق إذا لم يرفع صوته بقدر ما يسمع نفسه مع اعتدال سمعه وعدم المانع لأن هذا ليس بكلام .
تنبيه : .
لو أتى بكناية من كناية الطلاق وضم إليها من الألفاظ ما يدل على المراد ك أنت بائن بينونة محرمة لا تحلي لي أبدا لم تخرج عن كونها كناية .
واستشكل بما ذكروه في الوقف من أنه لو قال تصدقت بكذا كان كناية فلو أضاف إليه لا يباع ولا يوهب فالأصح صراحته .
فصريحه .
جزما " الطلاق " أي ما اشتق منه كما سيأتي لاشتهاره فيه لغة وعرفا " وكذا الفراق والسراح " بفتح السين أي ما أشتق منهما " على المشهور " فيهما لورودهما في القرآن بمعناه والثاني أنهما كنايتان لأنهما لم يشتهرا اشتهار الطلاق ويستعملان فيه وفي غيره .
تنبيه : .
جملة قوله وكذا الخ معطوف على الطلاق لا على صريحه وإلا يلزم حصر الصريح في الطلاق مع أن من صريحة ما مر في باب الخلع من أن الخلع صريح في الأصح إن ذكر المال وكذا المفاداة .
وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر والظاهر ما قاله الماوردي في نكاح المشرك أن كل ما كان عند المشركين صريحا في الطلاق أجري عليه حكم الصريح وإن كان كناية عندنا وكل ما كان عندهم كناية أجري عليه حكم الكناية وإن كان صريحا عندنا لأنا نعتبر عقودهم في شراكتهم فكذا طلاقهم .
وأمثلة المشتق من الطلاق " كطلقتك وأنت طالق ومطلقة " بالتشديد ويا مطلقة " ويا طالق " إن كان لم يكن اسمها ذلك وإلا فكناية كما جزم به المصنف وغيره ولو حذف المفعول كأن قال طلقت أو المبتدأ وحرف النداء كأن قال طالق لم يقع الطلاق كما هو ظاهر كلامهم وصرح به القفال في الأولى " لا أنت طلاق " فليسا بصريحين " في الأصح " بل كنايتان لأن المصادر إنما تستعمل في الأعيان توسعا .
والثاني أنهما صريحان كقوله يا طالق .
ويقاس بما ذكر فارقتك و سرحتك فهما صريحان وكذا أنت مفارقة ومسرحة و يا مفارقة ويا مسرحة و أنت فراق والفراق وسراح والسراح كنايات .
ولو قال أردت بالطلاق إطلاقها من وثاق أو بالفراق مفارقة المنزل أو فراقا بالقلب أو بالسراح تسريحها إلى منزل أهلها أو أردت غير هذه الألفاظ فسبق لساني إليها ولم يكن قرينة تدل على ذلك لم يقبل في الظاهر لأنه خلاف ما يقتضيه اللفظ عرفا ودين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمل ما ادعاه .
فإن كانت قرينة كما لو قال ذلك وهو يحلها من وثاق قبل ظاهرا لوجود القرينة الدالة على ذلك .
فإن صرح بما ذكر كأن قال أنت طالق من وثاق أو من العمل أو سرحتك إلى كذا كان كناية إن قصد أن يأتي بهذه الزيادة قبل فراغه من الحلف وإلا فصريح ويجري ذلك فيمن يحلف بالطلاق من ذراعه أو فرسه أو رأسه أو نحو ذلك .
ولو أتى بالتاء المثناة من فوق بدل الطاء كأن يقول أنت تالق كانت كناية كما أفاده شيخي قال سواء كانت لغته كذلك أم لا ولو قال نساء المسلمين طوالق لم تطلق زوجته إن لم ينو طلاقها بناء على الأصح من أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه وليس قوله بانت مني امرأتي أو حرمت علي إقرار بالطلاق لأنه كناية فيتوقف على النية .
وترجمة .
لفظ " الطلاق بالعجمية صريح على المذهب " لشهرة استعمالها في معناها عند أهلها شهرة استعمال العربية عند أهلها ويفرق بينها وبين عدم صراحة نحو حلال الله علي حرام عند المصنف كما سيأتي بأنها موضوعة للطلاق بخصوصه ( 3 / 281 ) بخلاف ذلك وإن اشتهر فيه .
والطريق الثاني وجهان أحدهما أنه كناية اقتصارا في الصريح على العربي لوروده في القرآن وتكرره على لسان حملة الشرع .
تنبيه : .
اقتصار المصنف على الطلاق قد يفهم أن ترجمة الفراق والسراح كناية وهو كذلك كما صححه في أصل الروضة وجزء به ابن المقري في روضه للاختلاف في صراحتهما بالعربية فضعفا بالترجمة فإن قيل تخصيص المصنف الترجمة بالعجمية قاصر فإن غير العجمية من اللغات كذلك ولهذا عبر في المحرر بسائر اللغات .
أجيب بأن مراده بالعجمية ما عدا العربية من سائر اللغات .
و .
كل من " أطلقتك وأنت مطلقة " بسكون الطاء " كناية " لعدم اشتهاره في معنى الطلاق .
تنبيه : .
قول المصنف كناية أولى من قول المحرر ليس بصريح إذ لا يلزم من نفي صراحته إثبات كنايته .
ولو اشتهر .
عرفا " لفظ للطلاق كالحلال " بضم اللام علي حرام " أو حلال الله علي حرام " أو أنت علي حرام وكذا الحرام يلزمني أو علي الحرام كما بحثه الزركشي " فصريح في الأصح " عند من اشتهر عندهم كما قاله الرافعي تبعا للمراوزة لغلبة الاستعمال وحصول التفاهم عندهم .
قلت الأصح .
المنصوص وعليه الأكثرون " أنه كناية " مطلقا " والله أعلم " لأن الصريح إنما يؤخذ من ورود القرآن به وتكرره على لسان حملة الشرع وليس المذكور كذلك أما من لم يشتهر عندهم فكناية في حقهم جزما .
تنبيه : .
قول الزوج لزوجته ألقيت عليك طلقة كناية في الثانية كما قاله شيخنا وإن كان كلام الرافعي يميل إلى الصراحة .
وقوله لها لم يبق بيني وبينك شيء وبيعه لها بصيغة البيع بلا عوض أو به أو أبرأتك أو عفوت عنك أو برئت من نكاحك أو برئت إليك من طلاقك كناية ومعناه في الأخيرة برئت منك بواسطة إيقاع الطلاق عليك وهذا بخلاف قوله لها برئت من طلاقك فليس بكناية فلا يقع به طلاق وإن نواه وإن قال الأذرعي لا يبعد إيقاعه به .
وقوله الطلاق لازم لي أو واجب علي صريح بخلاف قوله فرض علي للعرف في ذلك .
قال في البحر عن المزني ولو قال علي الطلاق فهو كناية وقال الصيمري إنه صريح وهو كما قال شيخنا أوجه بل قال الزركشي وغيره إنه الحق في هذا الزمن لاشتهاره في معنى التطليق .
فقول ابن الصلاح في فتاويه أنه لا يقع به شيء محمول على أنه لم يشتهر في زمنه ولم ينو به الطلاق .
وقوله لها طلقك الله ولغريمه أبرأك الله وقوله لأمته أعتقك الله صريح في الطلاق والإبراء والعتق إذ لا يطلق الله ولا يبرىء ولا يعتق إلا والزوجة طالق والغريم بريء والأمة معتقة .
فإن قيل قد تقدم في البيع أن باعك الله و أقالك الله كناية فهلا كان ما ذكر كذلك أجيب بأن الصيغ هنا قوية لاستقلالها بالمقصود بخلاف صيغتي البيع والإقالة .
وقوله لها طلاقك علي أو لست زوجتي كناية وفارق الأول منهما على الطلاق على قول الصيمري باحتماله طلاقك فرض علي مع عدم اشتهاره بخلاف علي الطلاق .
وكنايته .
أي الطلاق " كأنت خلية " أي خالية مني وكذا يقدر الجار والمجرور فيما بعده " برية " بهمز وتركه بخطه وحيث قلت بخطه المراد المصنف أي منفصلة " بتة " بمثناة قبل آخره أي مقطوعة الوصلة مأخوذة من البت وهو القطع .
تنبيه : .
تنكير البتة جوزه الفراء والأصح وهو مذهب سيبويه أنه لا يستعمل إلا معرفا باللام .
بتلة .
أي متروكة النكاح ومنه نهى عن التبتل .
بائن .
من البين وهو الفراق .
تنبيه : .
قوله بائن هو اللغة الفصحى والقليل بائنة .
اعتدي استبرئي رحمك .
أي لأني طلقتك وسواء في ذلك المدخول بها وغيرها " إلحقي بأهلك " بكسر الهمزة وفتح الحاء وقيل بالعكس وجعله المطرزي خطأ أي لأني ( 3 / 282 ) طلقتك سواء أكان لها أهل أم لا .
حبلك على غاربك .
أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء وزمامه على غاربه وهو ما تقدم من الظهر وارتفع من العتق ليرعى كيف شاء .
لا أنده سربك .
من النده وهو الزجر أي لا أهتم بشأنك لأني طلقتك والسرب بفتح السين وسكون الراء المهملتين الإبل وما يرعى من المال أما بكسر السين فالجماعة من الظباء والبقر ويجوز كسر السين هنا .
اعزبي .
بمهملة ثم زاي أي تباعدي عني " اغربي " بمعجمة ثم راء أي صيري غريبة بلا زوج .
دعيني .
أي اتركيني لأني طلقتك .
ودعيني .
بتشديد الدال المكسورة من الوداع فواوه أصلية لا عاطفة أي لأني طلقتك .
ونحوها .
كقوله لا حاجة لي فيك أي لأني طلقتك أي مرارة الفراق .
وتزودي أي استعدي للحوق بأهلك .
وتقنعي واستتري أي لأني طلقتك فأنت محرمة علي فلا تحل لي رؤيتك .
وتجرعي أي كأس الفراق .
وابعدي لأنك أجنبية مني .
واذهبي أي إلى أهلك لأني طلقتك لا اذهبي إلى بيت أبوي إن نوى الطلاق بمجموعه لأن قوله إلى بيت أبوي لا يحتمل الطلاق فإن نواه بقوله اذهبي وقع إذ ضابط الكناية كل لفظ له إشعار قريب بالفراق ولم يشع استعماله فيه شرعا ولا عرفا كسافري واخرجي ويا بنتي إن أمكن كونها بنته وإن كانت معلومة النسب من غيره كما إذا قاله لأمته وإنما لم يكن صريحا لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة .
وتزوجي وانكحي أي لأني طلقتك .
وأحللتك أي للأزواج لأني طلقتك وفتحت عليك الطلاق أي أوقعته .
ولعل الله يسوق إليك الخير أي بالطلاق .
وبارك الله لك أي في الفراق لا إن قال بارك الله فيك فليس بكناية لأن معناه بارك الله لي فيك وهو يشعر برغبته فيها .
ووهبتك لأهلك أو للناس أو للأزواج أو للأجانب .
ولا حاجة لي فيك أنت وشأنك وسلام عليك قاله ابن الصلاح لأنه يقال عند الفراق .
قال في المحرر ولا تكاد تنحصر .
والإعتاق .
صريحه وكنايته " كناية طلاق " لاشتراكهما في إزالة الملك فقوله لزوجته أعتقتك أو لا ملك لي عليك إن نوى به الطلاق طلقت وإلا فلا .
وعكسه .
أي صريح الطلاق وكنايته كناية إعتاق لما مر .
فقوله لرقيقه طلقتك أو أنت خلي أو نحو ذلك إن نوى به العتق عتق وإلا فلا .
نعم قوله لعبده اعتد أو استبرىء رحمك لغو لا يعتق به وإن نواه لاستحالة ذلك في حقه ومثله كما بحثه شيخنا الخنثى وكناية في الأمة .
وقوله لعبده أو أمته أنا منك حر أو أعتقت نفسي لغو لا يعتق به وإن نواه بخلاف الزوجة لأن الزوجية تشمل الجانبين بخلاف الرق فإنه يختص بالمملوك .
وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه .
وإن اشتركا في إفادة التحريم لأن تنفيذ كل منهما في موضوعه ممكن فهذه المسألة من فروع قاعدة ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره فلو قال لزوجته أنت علي كظهر أمي ونوى الطلاق أو أنت طالق ونوى الظهار لم يقع ما نواه بل يقع مقتضى الصريح .
واستثنى من هذه القاعدة مسائل منها ما لو قال المستحق عليه للمستحق أردت بقولي أحلتك الوكالة وقال المستحق بل أردت الحوالة وصدق المستحق عليه بيمينه ومنها ما لو قال تصدقت فإنه صريح في بابه وكناية في الوقف .
ومنها ما لو قال لزوجته فسخت نكاحك وهو متمكن من الفسخ بعيبها ونوى الطلاق فهو طلاق مع أن الفسخ صريح في رفع نكاح المعيبة بحيث تبين به من غير طلاق فقد وجد نفاذا في موضوعه حينئذ وهو كناية في الطلاق .
ومنها ما لو أسلم على أكثر من أربع فقال لإحداهن فارقتك فإنه فسخ وإن كان لفظه صريحا في الطلاق .
ومنها ما لو قال لزوجته أنت علي حرام كظهر أمي فالمجموع كناية في الطلاق مع أنه إذا أطلق كان ظهارا .
ولو قال .
لزوجته رأسك أو فرجك أو " أنت علي حرام أو حرمتك ونوى " بذلك " طلاقا " رجعيا أو بائنا وإن تعدد " أو " نوى به " ظهارا " أي أنها عليه كظهر أمه " حصل " ما نواه لأن كلا منهما يقتضي التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام .
أو نواهما .
أي الطلاق والظهار معا وكذا متعاقبين كما قاله الشيخ أبو علي أي قبل الفراغ من اللفظ كأن أراد ( 3 / 283 ) أحدهما في أوله والآخر في آخره " تخير وثبت ما اختاره " منهما ولا يثبتان جميعا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه .
وقيل .
الواقع " طلاق " لأنه أقوى لإزالته الملك .
وقيل ظهار .
لأن الأصل بقاء النكاح .
تنبيه : .
هذان الوجهان مزيدان على المحرر .
قال في البحر عن المزني ولو قال علي الطلاق فهو كناية وقال الصيمري إنه صريح وهو كما قال شيخنا أوجه بل قال الزركشي وغيره إنه الحق في هذا الزمن لاشتهاره في معنى التطليق .
أو .
نوى بذلك " تحريم عينها " أو فرجها أو وطئها قال الماوردي أو رأسها " لم تحرم " عليه وإن كره له ذلك لما روى النسائي أن رجلا سأل ابن عباس Bهما قال إني جعلت امرأتي علي حراما فقال كذبت ليست عليك بحرام ثم قرأ قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " الآية .
و .
لكن " عليه كفارة يمين " أي مثلها لأن ذلك ليس بيمين لأن اليمين إنما تنعقد باسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته .
ولا يتوقف وجوبها على الوطء كما لو قال ذلك لأمته أخذا من قصة مارية لما قال لها رسول الله A هي علي حرام نزل قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " إلى قوله " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " أي أوجب عليكم كفارة ككفارة أيمانكم " وكذا " لا تحرم عليه وإن كره له ذلك وعليه كفارة يمين في الحال أي مثلها كما مر .
إن لم تكن .
له " نية " في قوله أنت علي حرام " في الأظهر " لعموم ما مر .
والثاني .
أن هذا القول " لغو " فلا كفارة عليه فيه .
وعلى الأول لو قال أردت به اليمين على ترك الوطء لم تسقط عنه الكفارة إذ لا يقبل قوله لما مر أن اليمين إنما تنعقد باسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته .
وإن قاله .
أي أنت علي حرام أو نحوه مما مر " لأمته ونوى عتقا ثبت " لأنه كناية فيه أو طلاقا أو ظهارا لغا إذ لا مجال له في الأمة .
أو تحريم عينها .
أو نحوها مما مر وهي حلال له .
أو لا نية .
له " فكالزوجة " فيما مر فلا تحرم عليه بذلك .
ويلزمه كفارة يمين قطعا في الأولى وعلى الأظهر في الثانية .
أما إذا كانت الأمة غير حلال له فإن كانت محرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا كفارة عليه لصدقه في وصفها بتحريمها عليه وفي وجوب الكفارة بقوله ذلك لأمته المزوجة والمعتدة والمجوسية ونحوها كالمرتدة والوثنية والمستبرأة وجهان يجريان في زوجة أحرمت أو اعتدت بشبهة أوجههما لا كما جزم به الروياني في أمته المعتدة والمجوسية والقاضي في المعتدة عن شبهة والمجوسية والمرتدة ولا كفارة بذلك في رجعية لصدقه في وصفها وتجب في حائض ونفساء وصائمة ونحوها كمصلية لأنها عوارض سريعة الزوال .
ولو .
حرم الشخص غير الأبضاع كأن " قال هذا الثوب أو الطعام أو العبد حرام علي فلغو " لا كفارة فيه بخلاف الأبضاع لاختصاصها بالاحتياط ولشدة قبولها التحريم بدليل تأثير الظهار فيها دون الأموال وكالأموال قول الشخص لآخر ليس بزوجة ولا أمة له أنت علي حرام كما بحثه شيخنا C .
تنبيه : : ات لو حرم كل ما يملك وله نساء وإماء لزمته الكفارة كما علم مما مر ويكفيه كفارة واحدة لو حلف لا يكلم جماعة وكلمهم ومثله ما لو قال لأربع زوجات أنتن علي حرام كما صرح به في الروضة هنا وما نقله في الظهار عن الإمام من تعددها ضعيف .
ولو حرم زوجته مرات في مجلس أو مجالس ونوى التأكيد وكذا إن طلق سواء أكان في مجلس أو مجالس كما في الروضة في الأولى وبحثه شيخنا في الثانية كفاه كفارة واحدة .
وإن نوى الاستئناف تعددت بعدد المرات كما الروضة في الثانية وبحثه الزركشي في الأولى وإن أفهم كلامها خلافه .
فإن قيل لو نوى الاستئناف في نظيره من الأيمان لا تتعدد الكفارة فكان القياس أن يكون هنا كذلك .
أجيب بأن الحرام لما كان يصلح للطلاق نزل منزلته والطلاق إذا نوى به الاستئناف يتعدد لأنه محصور في عدد فقصد الاستئناف يقتضي استيفاءه بخلاف الكفارة ولأن الكفارة تشبه الحدود المتحدة الجنس فتتداخل بخلاف الطلاق .
ولو قال أنت علي كالميتة ( 3 / 284 ) أو الخمر أو الخنزير أو الدم فكقوله أنت حرام علي فيما مر .
نعم إن قصد به الاستقذار فلا شيء عليه ولا تلحق الكناية بالصريح مواطأة كالتواطؤ على جعل قوله أنت علي حرام كطلقتك كما تكون كما لو ابتدأ به ولا سؤال المرأة الطلاق ولا قرينة من غضب ونحوه .
وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ .
كما في المحرر وجرى عليه البلقيني فلو قارنت أوله وعزبت قبل آخره لم يقع طلاق .
وقيل يكفي .
اقترانها " بأوله " فقط وينسحب ما بعده عليه ورجحه الرافعي في الشرح الصغير ونقل في الكبير ترجيحه عن الإمام وغيره وصوبه الزركشي .
والذي رجحه ابن المقري وهو المعتمد أنه يكفي اقترانها ببعض اللفظ سواء أكان من أوله أو وسطه أو آخره لأن اليمين إنما تعتبر بتمامها .
تنبيه : .
اللفظ الذي يعتبر قرن النية به هو لفظ الكناية كما صرح به الماوردي والروياني والبندنيجي ومثل له الرافعي تبعا لجماعة بقرنها بأنت من أنت بائن مثلا وصوب في المهمات الأول لأن الكلام في الكناية .
والأوجه كما قال شيخنا الاكتفاء بما قاله الرافعي لأن أنت وإن لم يكن جزءا من الكناية فهو كالجزء منها لأن معناها المقصود لا يتأدى بدونه .
وإشارة ناطق .
وإن فهمها كل أحد " بطلاق " كأن قالت له زوجته طلقني فأشار بيده أن اذهبي " لغو " لا يقع بها شيء لأن عدوله عن العبارة إلى الإشارة يفهم أنه غير قاصد الطلاق وإن قصده بها فهي لا تقصد للإفهام إلا نادرا .
وقيل .
هي " كناية " لحصول الإفهام بها في الجملة .
تنبيه : .
خرج بإشارة الناطق بالطلاق إشارة لمحل الطلاق كقول من له زوجتان امرأتي طالق مشيرا لإحداهما وقال أردت الأخرى فإنه يقبل كما رجحه في زيادة الروضة آخر المسائل المنثورة قبيل الباب السادس في تعليق الطلاق وإشارته بأمان ونحوه مما يلتحق بعبارته فليست لغوا ومما لم يلحقوه بالعبارة إشارته في الصلاة وإشارته إلى من حلف لا يكلمه فأشار إليه فإن صلاته لا تبطل ولا يحنث .
ويعتد بإشارة أخرس .
ولو قدر على الكناية كما صرح به الإمام " في العقود " كالبيع والنكاح وفي الأقارير والدعاوى " و " في " الحلول " كالطلاق والعتق .
واستثنى في الدقائق شهادته وإشارته في الصلاة فلا يعتد بها ولا يحنث بها في الحلف على عدم الكلام .
فإن فهم طلاقه .
مثلا " بها " أي الإشارة " كل أحد " من فطن وغيره " فصريحة إشارته لا تحتاج لنية كأن قيل له كم طلقت زوجتك فأشار بأصابعه الثلاث .
وإن اختص بفهمه .
أي بفهم طلاقه بإشارته " فطنون " بكسر الطاء بخطه ويجوز ضمها أي أهل الفطنة والذكاء ضد الغبي " فكناية " يحتاج للنية .
تنبيه : .
تفسير الأخرس صريح إشارته في الطلاق بغير طلاق كتفسير اللفظ الشائع في الطلاق بغيره فلا يقبل منه ظاهرا إلا بقرينة .
لو كتب ناطق .
على ما يثبت عليه الخط كرق وثوب وحجر وخشب لا على نحو ماء كهواء " طلاقا " أو نحوه مما لا يغتفر إلى قبول كالإعتاق والإبراء والعفو عن القصاص كأن كتب زوجتي أو كل زوجة لي طالق أو عبدي حر " ولم ينوه " أي الطلاق أو نحوه " فلغو " لا يعتد به على الصحيح .
وإن نواه .
ولم يتلفط به " فالأظهر وقوعه " لأن الكناية طريق في إفهام المراد وقد اقترنت بالنية ولأنها أحد الخطابين فجاز أن يقع بها الطلاق كاللفظ .
والثاني لا لأنه فعل من قادر على القول فلم يقع به الطلاق كالإشارة من الناطق .
فإن قرأ ما كتبه حال الكتابة أو بعدها فصريح فإن قال قرأته حاكيا ما كتبته بلا نية طلاق صدق بيمينه وفائدة قوله هذا إذا لم تقارن الكتب النية وإلا فلا معنى لقوله .
ولو كتب الأخرس أن زوجته طالق كان كناية على الصحيح فيقع إن نوى وإن لم يشر معها أما إذا رسم صورة على ماء أو في هواء فليس بكناية في المذهب .
وفرع المصنف على وقوع الطلاق بالكناية ما تضمنه قوله " فإن كتب " شخص في كتاب طلاق زوجته صريحا أو كناية كما في الروضة وأصلها ونوى وعلق ( 3 / 285 ) الطلاق ببلوغ الكتاب كقوله " إذا بلغك كتابي " أو وصل إليك أو أتاك " فأنت طالق فإنما تطلق ببلوغه " لها مكتوبا كله مراعاة للشرط فإن انمحى كله قبل وصوله لم تطلق كما لو ضاع ولو بقي أثره بعد المحو وأمكن قراءته طلقت .
ولو ذهب سوابقه ولواحقه كالبسملة والحمدلة وبقيت مقاصده وقع بخلاف ما لو ذهب موضع الطلاق أو انمحق لأنه لم يبلغها جميع الكتاب ولا ما هو المقصود الأصلي منه .
تنبيه : .
احترز بقوله كتب عما لو أمر أجنبيا فكتب لم تطلق وإن نوى الزوج كما لو أمر أجنبيا أن يقول لزوجته أنت بائن ونوى الزوج كما جزما به خلافا للصيمري في قوله إنه لا فرق بين أن يكتب بيده وبين أن يملي على غيره .
وبقوله طالق عما لو كتب كناية من كنايات الطلاق كما لو كتب زوجتي بائن ونوى الطلاق فإنه لا يقع كما اقتضاه كلام المهذب لأن الكناية كناية فلا تصح بكناية إذ لا يكون للكناية كناية كما قاله بعض الشراح وهو مردود بما تقدم عن الروضة وأصلها .
فرع لو كتب إذا بلغك نصف كتابي .
هذا فأنت طالق فبلغها كله طلقت كما قاله المصنف فإن ادعت وصول كتابه بالطلاق فأنكر صدق بيمينه فإن أقامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا برؤية الشاهد بكتابه وحفظه عنده لوقت الشهادة .
وإن كتب إذا قرأت كتابي .
فأنت طالق " وهي قارئة فقرأته طلقت " لوجود المعلق عليه .
تنبيه : .
عبارته تقتضي أمرين أحدهما اشتراط اللفظ به إذ القراءة تعطي ذلك لكن نقل الإمام الاتفاق على أنها لو طالعته وفهمت ما فيه طلقت وإن لم تتلفظ بشيء .
الثاني اشتراط قراءة جميعه .
والظاهر الاكتفاء بقراءة المقاصد كما بحثه الأذرعي فحكم قراءة بعض الكتاب كوصول بعضه كما مر حكمه .
وإن قرىء عليها فلا .
تطلق " في الأصح " لعدم قراءتها مع الإمكان .
والثاني تطلق لأن المقصود إطلاعها على ما في الكتاب وقد وجد فإن قيل يشكل على الأول ما إذا كتب للقاضي من ولاه إذا قرأت كتابي فأنت معزول وهو قارىء فقرىء عليه فإنه ينعزل فهلا سوى بينهما كما صوبه الإسنوي أجيب بأن عادة الحكام قراءة الكتب عليهم والمقصود إعلامه بالحال وليس المراد تعليق العزل لأن العزل لا يجوز تعليقه فلم يبق إلا مجرد العلم بالعزل وهو حاصل بقراءة غيره عليه وأما الطلاق فيقبل التعليق وإنما يتحقق وقوعه بوجود الصفة .
وإن لم تكن قارئة .
أي والزوج يعلم ذلك " فقرىء عليها طلقت " لأن القراءة في حق الأمي محمولة على الاطلاع على ما في الكتاب وقد وجد بخلاف القارئة أما إذا لم يعلم الزوج حالها فإنها لا تطلق على الأقرب في الروضة وأصلها فترد هذه الصورة على إطلاق المتن .
ولو علق بوصول الكتاب ثم علق بوصول الطلاق ووصل إليها طلقت طلقتين