بالتعدي بين الزوجين وهو إما أن يكون منها أو منه أو منهما .
وقد بدأ بما إذا كان التعدي منها بقوله فلو " ظهرت أمارات نشوزها " فعلا كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة وجه أو قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين " وعظها " ندبا لقوله تعالى " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن " كأن يقول لها اتق الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة .
بلا هجر .
ولا ضرب ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم فلعلها تبدي عذرا أو تتوب عما وقع منها بغير عذر وحسن أن يذكر لها ما في الصحيحين من قوله A إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح .
وفي الترمذي عن أم سلمة قال رسول الله A أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة ويستحب أن يبرها ويستميل قلبها بشيء وفي الصحيحين المرأة ضلع أعوج إن أقمتها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها على عوج فيها .
تنبيه : .
ظاهر كلامه كغيره تحريم الهجر في المضجع في هذه الحالة قال ابن النقيب تبعا للسبكي وهو ظاهر إذا فوت حقا لها من قسم أو غيره وإلا فيظهر عدم التحريم لأن الاضطجاع معها حقه فله تركه .
فإن تحقق نشوز .
منها " ولم يتكرر " ذلك منها " وعظ " ها " وهجر " ها " في المضجع " بكسر الجيم أي يجوز له ذلك لظاهر الآية ولأن في الهجر أثرا ظاهرا في تأديب النساء .
والمراد أن يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه وقيل هو ترك الوطء وقيل هو أن يقول لها هجرا أي إغلاظا في القول .
وقيل هو أن يربطها بالهجار وهو حبل يربط فيه البعير الشارد .
واحترز المصنف بالهجر في المضجع عن الهجران في الكلام فلا يجوز الهجر به لا للزوجة ولا لغيرها فوق ثلاثة أيام ويجوز فيها للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام .
وفي سنن أبي داود فمن هجره فوق ثلاثة فمات دخل النار وحمل الأذرعي تبعا لغيره التحريم على ما إذا قصد بهجرها ردها لحظ نفسه فإن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح دينها فلا تحريم قال ولعل هذا مرادهم إذ النشوز حينئذ عذر شرعي اه " .
وهذا مأخوذ من قولهم يجوز هجر المبتدع والفاسق ونحوهما ومن رجا بهجره صلاح دين الهاجر أو المهجور وعليه يحمل هجره A كعب بن مالك وصاحبيه وأول أسمائهم هم حروف مكة ونهيه A الصحابة عن كلامهم ( 3 / 260 ) وكذا هجران السلف بعضهم بعضا .
ولا يضرب في الأظهر .
فإن الجناية لم تتأكد بالتكرر وهذا ما رجحه جمهور العراقيين وغيرهم وحكاه الماوردي عن الجديد .
قلت الأظهر يضرب .
أي يجوز له ذلك " والله أعلم " كما لو أصرت عليه لظاهر الآية فتقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن .
والخوف هنا بمعنى العلم كما في قوله تعالى " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " والأولى بقاؤه على ظاهره .
وقال والمراد واهجروهن إن نشزن واضربوهن إن أصررن على النشوز وهذا ما ذكره بقوله " فإن تكرر ضرب " ولو قدمه على الزيادة وقيد الضرب فيها بعدم التكرار كان أولى .
تنبيه : .
إنما يجوز الضرب إن أفاد ضربها في ظنه وإلا فلا يضربها كما يصرح به الإمام وغيره ولا يأتي بضرب مبرح ولا على الوجه والمهالك وعبر في الأنوار بالوجوب في ذلك وهو ظاهر وعليه يحمل تعبير الشيخين ب ينبغي وهو ضرب التعزير وسيأتي فيه مزيد بيان .
والأولى له العفو عن الضرب وخبر النهي عن ضرب النساء محمول على ذلك أو على الضرب بغير سبب يقتضيه لا على النسخ إذ لا يصار إليه إلا إن تعذر الجمع وعلمنا التاريخ .
وهذا بخلاف الصبي فالأولى له عدم العفو لأن ضربه للتأديب مصلحة له وضرب الزوج زوجته مصلحة لنفسه .
والنشوز هو الخروج من المنزل بغير إذن الزوج لا إلى القاضي لطلب الحق منه ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفت لها وكمنعها الزوج من الاستمتاع ولو غير الجماع لا منعها له منه تدللا ولا الشتم له ولا الإيذاء له باللسان أو غيره بل تأثم به وتستحق التأديب عليه ويتولى تأديبها بنفسه على ذلك ولا يرفعها إلى قاض ليؤدبها لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب بخلاف ما لو شتمت أجنبيا وينبغي كما قال الزركشي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين الرفع إلى القاضي ولو ضربها وادعى أنه بسبب نشوز وادعت عدمه ففيه احتمالان في المطلب قال والذي يقوى في ظني أن القول قوله لأن الشرع جعله وليا في ذلك والولي يرجع إليه في مثل ذلك " .
فائدة : .
ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا .
والرقيق يمتنع من حق سيده وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها والأولى خلافه .
ثم شرع فيما إذا كان التعدي منه بقوله " فلو منعها حقا " لها " كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته " إذا طلبته لعجزها عنه بخلاف نشوزها فإن له إجبارها على إيفاء حقه لقدرته فإن لم يكن الزوج مكلفا أو كان محجورا عليه ألزم وليه توفيته بشرط .
فإن أساء خلقه وآذاها .
بضرب أو غيره " بلا سبب نهاه " عن ذلك ولا يعزره " فإن عاد " إليه وطلبت تعزيره من القاضي " عزره " بما يليق به لتعديه عليها " .
فائدة : .
الخلق بضم اللام وإسكانها السجية والطبع ولهما أوصاف حسنة وأوصاف قبيحة وقد روي أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وقال القائل بمكارم الأخلاق كن متخلقا ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي وانفع صديقك إن أردت صداقة وادفع عدوك بالتي فإذا الذي أي بقية الآية وإنما لم يعززه في المرة الأولى وإن كان القياس جوازه إذا طلبته .
قال السبكي ولعل ذلك لأن إساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزيز عليها يورث وحشة بينهما فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما فإن عاد عزره وأسكنه يجنب ثقة يمنع الزوج من التعدي عليها .
وهل يحال بين الزوجين قال الغزالي يحال بينهما حتى يعود إلى العدل ولا يعتمد قوله في العدل وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن اه " .
وفصل الإمام فقال إن ظن الحاكم تعديه ولم يثبت عنده لم يحل بينهما وإن تحققه أو ثبت عنده وخاف أن يضربها ضربا مبرحا لكونه جسورا ( 3 / 261 ) حال بينهما حتى يظن أنه عدل إذ لو لم يحل بينهما واقتصر على التعزير لربما بلغ منها مبلغا لا يستدرك اه " .
وهذا ظاهر .
فمن لم يذكر الحيلولة أراد الحال الأول ومن ذكرها كالغزالي والحاوي الصغير والمصنف في تنقيحه أراد الثاني والظاهر كما قال شيخنا أن الحيلولة بعد التعزيز والإسكان وإن كان لا يتعدى عليها لكنه يكره صحبتها لكبر أو مرض أو نحوه ويعرض عنها فلا شيء عليه .
ويسن لها أن تستعطفه بما يجب كأن تسترضيه بترك بعض حقها كما تركت سودة نوبتها ل عائشة فكان A يقسم لها يومها ويوم سودة كما أنه يسن له إذا كرهت صحبته لما ذكر أن يستعطفها بما تحب من زيادة نفقة ونحوها .
ثم شرع فيما إذا كان التعدي منهما بقوله " وإن قال كل " من الزوجين " إن صاحبه متعد " عليه وأشكل الأمر بينهما " تعرف القاضي الحال " الواقع بينهما " بثقة " واحد " يخبرهما " بفتح المثناة التحتية أوله وضم الباء الموحدة بعد الخاء المعجمة ويكون الثقة جارا لهما فإن لم يتيسر أسكنهما في جنب ثقة يتعرف حالهما ثم ينهى إليه ما يعرفه .
واكتفى هنا بثقة واحد تنزيلا لذلك منزلة الرواية لما في إقامة البينة عليه من العسر وظاهر هذا أنه لا يشترط في الثقة أن يكون عدل شهادة بل يكفي عدل الرواية ولهذا قال الزركشي والظاهر من كلامهم اعتبار من تسكن النفس بخبره لأنه من باب الخبر لا الشهادة .
و .
إذا تبين له حالهما " منع الظالم " من عوده لظلمه وطريقه في الزوج ما سلف وفي الزوجة بالزجر والتأديب كغيرها .
فإن اشتد الشقاق .
بكسر الشين أي الخلاف والعداوة بينهما مأخوذ من الشق وهو الناحية إذ كل واحد صار في ناحية وذلك بأن دام بينهما التساب والتضارب وفحش ذلك .
بعث .
القاضي " حكما من أهله وحكما من أهلها " لنظر في أمرهما بعد اختلاء حكمه به وحكمها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك ولا يخفى حكم عن حكم شيئا إذا اجتمعا ويصلحا بينهما أو يفرقا بطلقة إن عسر الإصلاح على ما يأتي الآية " وإن خفتم شقاق بينهما " والخطاب فيها للحكام وقيل للأولياء .
والبعث واجب كما صححه في زيادة الروضة وجزم به الماوردي وإن صحح في المهمات والاستحباب لنقل البحر له عن نص الشافعي وقال الأذرعي بل ظاهر نص الأم الوجوب .
وأما كونهما من أهلهما فمستحب غير مستحق إجماعا كما في النهاية لأن القرابة لا تشترط في الحاكم ولا في الوكيل .
تنبيه : .
اقتضى كلام المصنف عدم الاكتفاء بحكم واحد وهو الأصح لظاهر الآية ولأن كلا من الزوجين يتهمه ولا يفشي إليه سره .
وهما وكيلان .
في الأظهر " لهما " أي عنهما .
وفي قول .
هما حاكمان " موليان من الحاكم " واختاره جمع لأن الله تعالى سماهما حكمين والوكيل مأذون ليس بحكم .
ووجه الأول أن الحال قد يؤدي إلى الفراق والبضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان فلا يولى عليهما ولأن الطلاق لا يدخل تحت الولاية إلا في المولى وهو خارج عن القياس .
فعلى الأول يشترط رضاهما .
يبعث الحكمين .
ويشترط في الحكمين التكليف والإسلام والحرية والعدالة والاهتداء إلى المقصود بما بعثا له ولا يشترط فيهما الذكورة وإنما اشترط فيهما ذلك مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه .
فيوكل .
الزوج إن شاء " حكمه بطلاق وقبول عوض خلع وتوكل " الزوجة إن شاءت " حكمها ببذل عوض " للخلع " وقبول طلاق به " أي العوض كسائر الوكلاء .
ويفرق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا وإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما حتى يجتمعا على شيء .
فإن أغمى على أحد الزوجين أو جن ولو بعد استعلام الحكمين رأيه لم ينفذ أمرهما لأن الوكيل ينعزل بالإغماء والجنون وإن أغمى على أحدهما أو جن قبل البعث لم يجز بعث الحكمين وإن غاب أحدهما بعد بعث الحكمين نفذ أمرهما كما في سائر الوكلاء فإن لم يرض الزوجان ببعث الحكمين ولم يتفقا على شيء أدب القاضي الظالم منهما واستوفى المظلوم حقه ويعمل بشهادة الحكمين .
وعلى القول الثاني يشترط في الحكمين الذكورة ( 3 / 262 ) زيادة على ما مر لا الاجتهاد ولا يشترط رضا الزوجين ببعثهما ويحكمان بما يرياه مصلحة من الجمع والتفريق .
خاتمة يعتبر رشد الزوجة ليتأتى بذلها العوض لا رشد الزوج لأنه يجوز خلع السفيه فيجوز توكيله فيه .
ولو قال الزوج لوكيله خذ مالي منها ثم طلقها أو طلقها على أن تأخذ مالي منها اشترط تقديم أخذ المال على الطلاق وكذا لو قال خذ مالي منها وطلقها كما نقله في الروضة عن تصحيح البغوي وأقره لأن الوكيل يلزمه الاحتياط فيلزمه ذلك وإن لم تكن الواو للترتيب فإن قال طلقها ثم خذ مالي منها جاز تقديم أخذ المال على ما ذكر لأنه زيادة خير قال الأذرعي وكالتوكيل من جانب الزوج فيما ذكر التوكيل من جانب الزوجة كأن قالت خذ مالي منه ثم اختلعني