واشتقاقها كما قال الأزهري من الولم وهو الاجتماع لأن الزوجين يجتمعان ومنه أو لم الرجل إذا اجتمع عقله وخلقه .
وهي تقع على كل طعام يتخذ لسرور حادث من عرس وإملاك وغيرهما لكن استعمالها مطلقة في العرس أشهر وفي غيره بقيد .
ويقال وليمة ختان أو غيره وهي لدعوة الإملاك وهو العقد وليمة ملاك وشندخي .
وللختان إعذار بكسر الهمزة وإعجام الذال .
وللولادة عقيقة .
وللسلامة من الطلق خرس بضم الخاء المعجمة وسين مهملة وتقال بصاد وللقدوم من السفر نقيعة من النقع وهو الغبار وهي طعام يصنع له سواء أصنعه القادم أم صنعه غيره له كما أفاده كلام المجموع في آخر صلاة المسافر .
وللبناء وكيرة من الوكر وهو المأوى .
وللمصيبة وضيمة بكسر الضاد المعجمة وقيل هذه ليست من الولائم نظرا لاعتبار السرور لكن ظاهر كلامهم أنه ( 3 / 245 ) منها ويوجه كلامهم بأن اعتبار السرور إنما هو في الغالب .
ولحفظ القرآن حذاق بكسر الحاء المهملة وبذال معجمة .
وبلا سبب مأدبة بضم الدال وفتحها .
والكل مستحب قال الأذرعي والظاهر أن استحباب وليمة الختان محله في ختان الذكور دون الإناث فإنه يخفى ويستحيا من إظهاره ويحتمل استحبابه للنساء فيما بينهن خاصة أي وهذا أوجه قال وأطلقوا استحباب الوليمة للقدوم من السفر والظاهر أن محله في السفر الطويل لقضاء العرف به .
أما من غاب يوما أو أياما يسيرة إلى بعض النواحي القريبة فكالحاضر .
وآكدها " وليمة العرس " بضم العين مع ضم الراء وإسكانها فإنها " سنة " مؤكدة لثبوتها عنه A قولا وفعلا وفي البخاري أنه A أولم على بعض نسائه بمدين من شعير وأنه أولم على صفية بتمر وسمن وأقط وأنه قال لعبد الرحمن بن عوف وقد تزوج أولم ولو بشاة .
وأقلها للتمكن شاة ولغيره ما قدر عليه .
قال النسائي والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه وبأي شيء أولم من الطعام جاز .
وهو يشمل المأكول والمشروب الذي يعمل في حال العقد من سكر وغيره .
وقد جمع بعضهم أسماء الولائم في أبيات فقال وللضيافة أسماء ثمانية وليمة العرس ثم الخرس للولد كذا العقيقة للمولود سابعة ثم الوكيرة للبنيان إن تجد ثم النقيقة عند العود من سفر وفي الجنتان هو الاعدار فاجتهد وضيمة لمصاب ثم مأدبة من غير ما سبب جاءتك بالعدد والشندخي لإملاك فقد كملت تسعا وقل للذي يدريه فاعتمد وقوله قل للذي يدريه أي الشندخي .
وأهمل الناظم عاشرا وهو الحذاق .
ولم يتعرضوا لاستحباب الوليمة للتسري وقد صح .
أنه A لما أولم على صفية قالوا إن لم يحجبها فهي أم ولد وإن حجبها فهي امرأته وفيه دليل على عدم اختصاص الوليمة بالزوجة وندبها للتسري إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية .
تنبيه : .
لم يتعرضوا لوقت الوليمة واستنبط السبكي من كلام البغوي أن وقتها موسع من حين العقد فيدخل وقتها به .
والأفضل فعلها بعد الدخول لأنه A لم يولم على نسائه إلا بعد الدخول فتجب الإجابة إليها من حين العقد وإن خالف الأفضل خلافا لما بحثه ابن السبكي في التوشيح .
وفي قول .
كما حكاه في المهذب " أو وجه " كما في غيره " واجبة " عينا لظاهر الأمر في خبر عبد الرحمن السابق .
والأول حمله على الندب قياسا على الأضحية وسائر الولائم ولأنه أمر فيه بالشاة ولو كان الأمر للوجوب لوجبت وهي لا تجب إجماعا لا عينا ولا كفاية .
تنبيه : .
لو نكح أربعا هل يستحب لكل واحدة وليمة واحدة عن الجميع أو يكفيه أو يفصل بين العقد الواحد والعقود قال الزركشي فيه نظر اه " .
والأوجه الأول كما قاله غيره .
والإجابة إليها .
أي وليمة العرس على القول بأنها سنة " فرض عين " لخبر الصحيحين إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وخبر مسلم شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله .
قالوا والمراد وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم .
ويؤيده ما في الصحيحين مرفوعا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وحكى ابن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك .
وقيل .
الإجابة إليها فرض " كفاية " لأن المقصود النكاح والتمييز عن السفاح وهو حاصل بحصول البعض .
وقيل سنة .
لأنه تمليك مال فلم يجب كغيره والخبر محمول على تأكد الاستحباب .
أما على القول بأنها واجبة فإن الإجابة تجب قطعا قاله المتولي وتابعاه .
تنبيه : .
قضية قوله إليها عدم الإجابة إلى غيرها من الولائم وهو الصحيح بل هي سنة لما في مسند أحمد عن الحسن قال دعي عثمان بن أبي العاصي إلى ختان فلم يجب وقال لم يكن يدعي له على عهد رسول الله A .
وقيل يطرد الخلاف السابق واختاره السبكي وغيره ففي مسلم من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب وفي سنن أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غيره وقضيتهما وجوب الإجابة في سائر الولائم وبه أجاب ( 3 / 246 ) جمهور العراقيين كما قاله الزركشي .
وإنما تجب .
الإجابة " أو تسن " كما مر " بشرط " أي بشروط منها " أن لا يخص " بالدعوة " الأغنياء " لغناهم لخبر شر الطعام بل يعم عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته وإن كانوا كلهم أغنياء .
وليس المراد أن يعم جميع الناس لتعذره بل لو كثرت عشيرته أو نحوها .
أو خرجت الضبط أو كان فقيرا لا يمكنه استيعابها فالوجه كما قال الأذرعي عدم اشتراط عموم الدعوة بل الشرط أن لا يظهر منه قصد التخصيص قال بعض المتأخرين ولو لغير الأغنياء وليس بظاهر بل لو خص بذلك الفقراء كان أولى .
ومنها أن يكون الداعي مسلما فلو كان كافرا لم تجب إجابته لانتفاء طلب المودة معه ولأنه يستقذر طعامه لاحتمال نجاسته وفساد تصرفه ولهذا لا يستحب إجابة الذمي كاستحباب إجابة المسلم فيما يستحب فيه إجابته ويؤخذ من هذا أنه يستحب إجابة الذمي وإن كرهت مخالطته .
ومنها أن يكون المدعو مسلما أيضا فلو دعا مسلم كافرا لم تجب إجابته كما قاله الماوردي والروماني .
و .
منها " أن يدعوه في اليوم الأول فإن أولم ثلاثة " من الأيام أو أكثر " لم تجب " إجابته " في " اليوم " الثاني " قطعا بل تسن فيه " وتكره في الثالث " وفيما بعده ففي سنن أبي داود وغيره أنه A قال الوليمة في اليوم الأول حق وفي الثاني معروف وفي الثالث أي وفيما بعده رياء وسمعة .
نعم لو لم يمكنه استيعاب الناس في اليوم الأول لكثرتهم أو صغر منزله أو غيرهما وجبت الإجابة لأن ذلك في الحقيقة كما قال الأذرعي كوليمة واحدة دعي الناس إليها أفواجا في يوم واحد ولو أولم في يوم واحد مرتين لغير عذر مما مر فالظاهر كما قال الزركشي أن الثانية كاليوم الثاني فلا تجب الإجابة .
ومنها أن يكون الداعي مطلق التصرف فلا تطلب إجابة المحجور عليه لصبا أو جنون أو سفه وإن أذن وليه لأنه مأمور بحفظ ماله لا بإتلافه .
نعم إن اتخذها الولي من ماله وهو أب أو جد فالظاهر كما قال الأذرعي وجوب الحضور .
و .
منها " أن لا يحضره " أي يدعوه " لخوف " منه لو لم يحضره " أو طمع في جاهه " أو إعانته على باطل بل للتودد والتقرب وكذا لا يقصد شيء كما اقتضاه كلامه ومنها أن يعين المدعو بنفسه أو نائبه لا أن نادى في الناس كأن قال لغيره ادع من شئت أو فتح الباب وقال ليحضر من أراد لأن الامتناع حينئذ لا يورث وحشة .
ومنها أن لا يعتذر المدعو إلى الداعي ويرضى بتخلفه وإلا زال الوجوب .
ومنها أن لا يسبق الداعي غيره فلو دعاه اثنان أجاب السابق فإن جاءا معا أجاب أقربهما رحما ثم داره .
ومنها أن لا يدعوه من أكثر ماله حرام فمن كان كذللك كرهت إجابته فإن علم أن عين الطعام حرام حرمت إجابته وإلا فلا وتباح الإجابة ولا تجب إذا كان في ماله شبهة ولهذا قال الزركشي لا تجب الإجابة في زماننا اه " .
ولكن لا بد أن يغلب على الظن أن في مال الداعي شبهة .
ومنها أن لا يكون الداعي امرأة أجنبية وليس في موضع الدعوة محرم لها ولا للمدعو وإن لم يحل بها .
ومنها أن يكون المدعو حرا فلو دعا عبدا لزمه إن أذن له سيده وكذا المكاتب إن لم يضر حضوره بكسبه فإن ضر وأذن له سيده فوجهان والأوجه عدم الوجوب والمحجور في إجابة الدعوة كالرشيد .
ومنها أن يدعوه في وقت الوليمة وقد تقدم .
ومنها أن لا يكون المدعو قاضيا فإن كان لم تجب الإجابة كما بحثه بعض المتأخرين وكذا كل ذي ولاية عامة .
ومنها أن لا يكون معذورا بمرخص في ترك الجماعة كما قاله الرويائي و الماوردي .
ومنها أن لا يكون الداعي ظالما أو فاسقا أو شريرا أو متكلفا طلبا للمباهاة والفخر قاله في الإحياء .
ومنها أن لا يتعين على المدعو حق كأداء شهادة وصلاة جنازة .
و .
منها " أن لا يكون ثم " أي في موضع الدعوة " من يتأذى " المدعو " به .
أو لا يليق به مجالسته " كالأراذل فإن كان فهو معذور في التخلف لما فيه من التأذي في الأول والعضاضة في الثاني ولا أثر لعداوة بينه وبين الداعي وأن لا يكون في الوليمة عدو له لا يتأذى به كما قاله الماوردي وبحث الزركشي أن العداوة الظاهرة عذر .
و .
منها أن " لا " يوجد ثم " منكر " كخمر أو ملاه محرمة لحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار ( 3 / 247 ) عليها الخمر رواه الترمذي وقال حسن غريب وصححه الحاكم وقال إنه على شرط مسلم .
تنبيه : .
يشمل إطلاقه ما لو كان هناك داعية إلى بدعة ولا يقدر المدعو على رده وما إذا كان هناك من يضحك بالفحش والكذب وبه صرح في الإحياء وما إذا كان هناك آنية نقد وبه صرح في شرح مسلم .
فإن كان .
المنكر " يزول بحضوره فليحضر " حتما إجابة للدعوة وإزالة للمنكر فإن لم يزل بحضوره حرم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر فإن لم يعلم به حتى حضر نهاهم فإن لم ينتهوا وجب الخروج إلا إن خاف منه كأن كان في ليل وخاف وقعد كارها بقلبه ولا يسمع لما يحرم استماعه وإن اشتغل بالحديث والأكل جاز له ذلك كما لو كان ذلك في جوار بيته لا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت .
ولو كان المنكر مختلفا فيه كشرب النبيذ والجلوس على الحرير حرم الحضور على معتقد تحريمه قاله الشارح ناقلا له نقل المذهب .
وهذه المسألة مما يغفل عنها كثير من طلبه العلم .
وقد قلتها في مجلس فيه جماعة من علمائنا فأنكرها بعضهم فقلت له هذه المسألة قالها الجلال المحلي فسكت .
ويؤيد هذه المسألة قول المصنف " ومن المنكر فراش " أي فرش " حرير " للنهي عن افتراشه كما مر في بابه .
فإن قيل هذا يخالف قولهم في كتاب السير لا ينكر إلا المجمع على تحريمه أجيب بأن الخلاف إنما يراعى إذا لم يخالف سنة صحيحة .
والسنة قد صحت بالنهي عن الافتراش فلا عبرة بخلاف يصادم النص ولهذا حد الشافعي رضي الله تعالى عنه شارب النبيذ المختلف فيه .
ومن ذلك يؤخذ ما أفنى به ابن الرفعة من أن الفرجة على الزينة حرام أي لما فيها من المنكرات .
تنبيه : .
محل ما ذكره المصنف في دعوة اتخذت للرجال فأما دعوة النساء خاصة فينبني على افتراشهن للحرير فإن منعناه لهن فلا فرق وإن جوزناه وهو الأصح كما مر في بابه فليس بمنكر .
والتقييد بالافتراش يخرج ستر الجدار به مع أنه حرام على الرجال والنساء .
ولو حذف الحرير وقال ك الغزالي وفرش غير حلال كان أولى ليشمل فرش المغصوب والمسروق وفرش جلود النمور فإنها حرام كما قاله الحليمي وابن المنذر وغيرهما ولينبه على أن المحرم المصدر أعني الفرش لا الفراش لأنه قد يكون مطويا ولا حرمة فيه .
و .
من المنكر أن في موضع الدعوة " صورة حيوان " آدميا كان أو غيره كبيرا أو صغيرا على صورة حيوان معهود كفرس أم لا كآدمي بجناحين مرفوعة كأن كانت " على سقف أو جدار أو وسادة " منصوبة كما في المحرر والروضة وأصلها " أو ستر " بكسر المهملة بخطه معلق لزينة أو منفعة " أو " على " ثوب ملبوس " لأنه A امتنع من الدخول على عائشة رضي الله تعالى عنها من أجل النمرقة التي عليها التصاوير فقالت أتوب إلى الله ورسوله مما أذنبت فقال ما بال هذه النمرقة فقالت اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها فقال A إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم وإن البيت الذي فيه هذه الصور لا تدخله الملائكة متفق عليه وقال أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ولأنها شبيهة بالأصنام .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف تحريم دخول البيت المشتمل على هذه الصور وكلام أصل الروضة يقتضي ترجيح عدم تحريمه حيث قال وهل دخول البيت الذي فيه الصور المصنوعة حرام أو مكروه وجهان وبالتحريم قال الشيخ أبو محمد وبالكراهة قال صاحب التقريب والصيدلاني ورجحه الإمام والغزالي في الوسيط اه " .
وفي الشرح الصغير عن الأكثرين أنهم مالوا إلى الكراهة وصوبه الإسنوي وهذا هو الراجح كما جزم به صاحب الأنوار ولكن حكى في البيان عن عامة الأصحاب التحريم وبذلك علم أن مسألة الدخول غير مسألة الحضور خلافا لما فهمه الإسنوي .
وكصور الحيوان في ذلك فرش الحرير كما يومىء إليه كلام الروضة .
وخرج بكون الصورة في موضع الدعوة إذا كانت في الممر فلا بأس بدخول الحمام الذي على بابه صور كما في الشرح والروضة وبالوسادة المنصوبة وغير المنصوبة وسيأتي في كلامه التجويز في المخدة والوسادة والمخدة لفظان مترادفان وجمع بين كلاميه بأن مراده بالجواز في المخدة ( 3 / 248 ) الصغيرة التي يتكأ عليها وبالمنع في الوسادة الكبيرة المنصوبة كما عبر به في الروضة وتعبير الكتاب لا يدل عليه وإنما يحمل عليه عناية به .
وقول المصنف وثوب ملبوس يقتضي أنه إنما يكون منكرا في حال كونه ملبوسا قال الأذرعي ويجوز أن يكون المراد ما يراد للبس سواء كان ملبوسا في تلك الساعة أم معلقا أم موضوعا على الأرض اه " .
والأوجه ما في الكتاب " .
فائدة : .
يستثنى من صورة الحيوان لعب البنات فلا تحرم كما في شرح مسلم للمنصف تبعا للقاضي عياض في نقله ذلك عن العلماء ولأن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تلعب بها عند رسول الله A رواه مسلم .
وحكمته تدريبهن أمر التربية وقد علم مما تقرر أن ما تركه المصنف من الشروط أكثر مما ذكره والمرأة إن دعت نساء فكما في الرجال .
ويجوز ما .
أي صورة حيوان كائنة " على أرض وبساط " يوطأ " ومخدة " يتكأ عليها وآنية تمتهن الصور باستعمالها كطبق وخوان وقصعة والضابط في ذلك إن كانت الصورة على شيء مما يهان جاز وإلا فلا لما رواه مسلم عن عائشة Bها أن النبي A قدم من سفر وقد سترت على صفة لها سترا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمر بنزعها وفي رواية قطعنا منها وسادة أو وسادتين وكان رسول الله A يرتفق بهما وكذا استدلوا به .
قال السبكي وفيه نظر إذ يحتمل كون القطع في موضع الصورة فزالت وجعلت وسادة اه " .
وقد يجاب بأن الأصل عدم ذلك ولأن ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل وأما الصورة المنقوشة على دينار أو درهم فالقياس كما قال الزركشي إلحاقها بالثوب أي غير الملبوس لامتهانه بالاستعمال .
تنبيه : .
أشعر كلامه وجوب الإجابة مع وجود هذه الأشياء وتجويز استعمالها وهو كذلك في الأول دون الثاني فإن الصحيح تحريم التصوير على الأرض وغيرها كما سيأتي وتعبيره أولا بالوسادة وثانيا بالمخدة يقتضي المغايرة بينهما وقد تقدم ما فيه .
و .
يجوز مرتفع " مقطوع الرأس وصورة شجر " ونحوه مما لا روح فيه كشمس وقمر لما روى البخاري عن ابن عباس لما قال له المصور لا أعرف صنعة غيرها قال إن لم يكن فصور من الأشجار وما لا نفس له .
ويحرم تصوير حيوان .
للحديث المار ولما فيه من مضاهاة خلق الله تعالى .
قال المتولي وسواء أعمل لها رأسا أم لا خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه .
وقال الأذرعي إن المشهور عندنا جواز التصوير إذا لم يكن له رأس لما أشار إليه الحديث من قطع رؤوسها اه " .
وهذا هو الظاهر .
تنبيه : .
قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في تصويره على الحيطان أو الأرض أو نسج الثياب وهو الصحيح في زيادة الروضة .
ولا تسقط إجابة بصوم .
لخبر مسلم إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل والمراد بالصلاة الدعاء بدليل رواية ابن السني فإن كان صائما دعا له بالبركة ولا يلزمه الأكل إذا كان مفطرا لخبر مسلم إن النبي A قال إذا دعي أحدكم إلى طعام " فليجب " فإن شاء طعم وإن شاء ترك .
وقيل يلزمه لما في رواية لمسلم وإن كان مفطرا فليطعم وجرى عليه في التنبيه وصححه المصنف في شرح مسلم واختاره في تصحيح التنبيه .
وعلى الأول يسن له الأكل كما صرح به في الروضة وأقله على الوجوب والندب لقمة .
فإن شق على الداعي صوم نفل .
من المدعو " فالفطر " له " أفضل " من إتمام الصوم ولو آخر النهار لجبر خاطر الداعي لأنه A لما أمسك من حضر معه وقال إني صائم قال له يتكلف لك أخوك المسلم وتقول إني صائم أفطر ثم اقض يوما مكانه رواه البيهقي وغيره فإن لم يشق عليه ذلك فالإمساك أفضل ولا يكره أن يقول إني صائم حكاه القاضي أبو الطيب عن الأصحاب .
أما صوم الفرض فلا يجوز الخروج منه ولو موسعا كنذر مطلق .
ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ .
من مالك الطعام اكتفاء بالقرينة العرفية كما في الشرب من السقايات في الطرق .
قال المصنف وما ورد في الأحاديث الصحيحة من لفظ الإذن في ذلك محمول على الاستحباب نعم إن كان ينتظر حضور غيره فلا يأكل إلا بإذن ( 3 / 249 ) لفظا أو بحضور الغير لاقتضاء القرينة عدم الأكل بدون ذلك .
تنبيه : .
أفهم قوله مما قدم له أنه ليس للأراذل أن يأكلوا مما بين أيدي الأماثل من الأطعمة النفيسة المخصوصة بهم وبه صرح الشيخ عز الدين قال إذ لا دلالة على ذلك بلفظ ولا عرف بل العرف زاجر عنه .
وأن الضيف لا يأكل جميع ما قدم له وبه صرح ابن الصباغ قال ابن شهبة وفيه نظر إذا كان قليلا يقتضي العرف أكل جميعه اه " .
وهذا ظاهر إذا علم رضا مالكه بذلك .
وصرح الماوردي بتحريم الزيادة على الشبع أي إذا لم يعلم رضا مالكه وأنه لو زاد لم يضمن قال الأذرعي وفيه وقفة اه " .
وحد الشبع أن لا يعد جائعا وأما الزيادة على الشبع من مال نفسه الحلال فمكروه وكذا من مال غيره إذا علم رضا مالكه .
قال ابن عبد السلام ولو كان الضيف يأكل كعشرة مثلا ومضيفه جاهلا بحاله لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في المقدار .
قال ولو كان الطعام قليلا فأكل لقما كبارا مسرعا حتى يأكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه لم يجز له ذلك .
ويحرم التطفل وهو حضور الوليمة من غير دعوة إلا إذا علم رضا المالك به لما بينهما من الانس والانبساط وقيد ذلك الإمام بالدعوة الخاصة أما العامة كأن فتح الباب ليدخل من شاء فلا تطفل .
والتطفيل مأخوذ من التطفل وهو منسوب إلى طفيل رجل من أهل الكوفة كان يأتي الولائم بلا دعوة فكان يقال له طفيل الأعراس .
ولا يتصرف فيه .
ببيع ولا غيره " إلا بالأكل " لأنه المأذون فيه عرفا فلا يطعم سائلا ولا هرة إلا إن علم رضا مالكه به .
وللضيف تلقيم صاحبه إلا أن يفاضل المضيف طعامهما فليس لمن خص بنوع أن يطعم غيره منه وظاهره المنع سواء أخص بالنوع العالي أم بالسافل وهو محتمل ويحتمل تخصيصه بمن خص بالعالي ونقل الأذرعي هذا عن مقتضى كلام الأصحاب قال وهو ظاهر .
ويكره لصاحب الطعام أن يفاضل بين الضيفين في الطعام لما في ذلك من كسر الخاطر .
تنبيه : .
يملك المضيف ما التقمه بوضعه في فمه على ما اقتضى كلام الشرح الصغير ترجيحه وجزم به ابن المقري وصرح بترجيحه القاضي والإسنوي وإن كان قضية كلام المتولي أنه يتبين بالازدراد أنه ملكه قبله وقيل يملكه بالوضع بين يديه .
وحيث قلنا يملك بالأخذ أو بالوضع في الفم فهل له أن يبيحه لغيره أو يتصرف فيه بغير الأكل وجهان الصحيح قول الجمهور لا يجوز كما لا يعير المستعير فالمراد أنه يملك أن ينتفع بنفسه كالعارية لا أنه ملك العين كما توهمه بعضهم وفرع عليه جواز تصرفه فيه بالبيع وغيره نعم النازل بأهل الذمة إذا شرط الإمام عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين فإنهم إذا قدموا للضيف شيئا يملكه بلا خلاف وكان له أن يرتحل به كما ذكره الرافعي في كتاب الجزية .
وله .
أي الضيف " أخذ ما يعلم رضاه " أي المضيف " به " والمراد بالعلم ما يشمل الظن لأن مدار الضيافة على طيب النفس فإذا تحقق ولو بالقرينة رتب عليه مقتضاه .
ويختلف ذلك باختلاف الأحوال وبمقدار المأخوذ وبحال المضيف وبالدعوة فإن شك في وقوعه في محل المسامحة فالصحيح في أصل الروضة التحريم قال في الإحياء وإذا علم رضاه ينبغي له مراعاة النصفة مع الرفقة فلا ينبغي أن يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طوع لا عن حياء .
ويحل نثر سكر .
وهو رميه مفرقا " وغيره " كدنانير ودراهم وجوز ولوز " في الإملاك " على المرأة للنكاح وفي الختان وكذا في سائر الولائم كما بحثه بعض المتأخرين عملا بالعرف .
ولا يكره .
النثر " في الأصح " ولكن تركه أولى لأنه سبب إلى ما يشبه النهبة وقد ورد في الصحيح النهي عنها وقيل يستحب لما فيه من البر وقيل يكره للدناءة في التقاطه بالانتهاب .
ويحل التقاطه .
لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه " و " لكن " تركه أولى " كالنثر هذا ما في الروضة ولا يخالفه نص الشافعي .
والجمهور على كراهة النثر والالتقاط إن حملت الكراهة على خلاف الأولى نعم إن علم أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولم يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط لم يكن الترك أولى .
ويكره أخذه من الهواء بإزار أو غيره فإن أخذه منه أو التقطه أو بسط حجره له فوقع فيه ملكه وإن لم يبسط حجره له لم يملكه لأنه لم ( 3 / 250 ) يوجد منه قصد تملك ولا فعل لكن هو أولى به من غيره .
فلو أخذه غيره قال في أصل الروضة ففي ملكه وجهان جاريان فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره وفيما إذا دخل السمك مع الماء حوضه وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره لكن الأصح أن المحيي يملك وفي هذه الصور ميلهم إلى المنع أكثر لأن المتحجر غير مالك فليس الإحياء تصرفا في ملك غيره بخلاف هذه الصور اه " .
والمعتمد في مسألة النثار أن من أخذه لا يملكه كما رجحه الشارح بخلافه في غيرها كما هو مصرح به في أبوابها .
والفرق أن الاستيلاء في هذه المسألة أقوى لأنه وقع فيما هو ملابس له بخلاف غيرها والصبي يملك ما التقطه والسيد يملك ما التقطه رقيقه .
خاتمة في آداب الأكل تسن التسمية قبل الأكل والشرب ولو من جنب وحائض للأمر بها في الأكل ويقاس به الشرب .
ولو سمى مع كل لقمة فهو حسن وأقلها بسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم وهي سنة كفاية للجماعة ومع ذلك تسن لكل منهم فإن تركها أوله أتى بها في أثنائه فإن تركها في أثنائه أتى بها في آخره فإن الشيطان يتقايأ ما أكله أو شربه .
ويسن الحمد بعد الفراغ من ذلك ويجهر بهما ليقتدى به فيهما .
ويسن غسل اليد قبله وبعده لكن المالك يبتدىء به فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس إلى كرمه .
ويسن أن يأكل بثلاث أصابع للاتباع .
وتسن الجماعة والحديث غير المحرم كحكاية الصالحين على الطعام وتقليل الكلام أولى .
ويسن لعق الإناء والأصابع وأكل ساقط لم يتنجس أو تنجس ولم يتعذر تطهيره وطهره .
ويسن مواكلة عبيده وصغاره وزوجاته وأن لا يخص نفسه بطعام إلا لعذر كدواء بل يؤثرهم على نفسه ولا يقوم المالك عن الطعام وغيره يأكل ما دام يظن به حاجة إلى الأكل ومثله من يقتدي به وأن يرحب بضيفه ويكرمه وأن يحمد الله على حصوله ضيفا عنده .
ويكره الأكل متكئا وهو الجالس معتمدا على وطاء تحته كقعود من يريد الإكثار من الطعام قاله الخطابي وأشار غيره إلى أنه المائل إلى جنبه ومثله المضطجع كما فهم بالأولى .
ويكره الأكل مما يلي غيره ومن الأعلى والوسط ونص الشافعي على تحريمه محمول على المشتمل على الإيذاء ويستثنى من ذلك نحو الفاكهة مما يتنقل به فيأخذ من أي جانب شاء .
ويكره تقريب فمه من الطعام بحيث يقع من فمه إليه شيء وذمه لا قوله لا أشتهيه أو ما اعتدت أكله .
ويكره نفض يده في القصعة والشرب من القربة والأكل بالشمال والتنفس والنفخ في الإناء والبزاق والمخاط حال أكلهم وقرن تمرتين ونحوهما كعنبتين بغير إذن الشركاء .
ويسن للضيف وإن لم يأكل أن يدعو للمضيف كأن يقول أكل طعامكم الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وذكركم الله فيمن عنده ويسن قراءة سورة الإخلاص وقريش ذكره الغزالي وغيره .
ويندب أن يشرب بثلاثة أنفاس بالتسمية في أوائلها وبالحمد في أواخرها ويقول في آخر الأول الحمد لله ويزيد في الثاني رب العالمين وفي الثالث الرحمن الرحيم وأن ينظر في الكوز قبل الشرب ولا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسمية والشرب قائما خلاف الأولى .
ومن آداب الأكل أن يلتقط فتات الطعام وأن يقول المالك لضيفه ولغيره كزوجته وولده إذا رفع يده من الطعام كل ويكرره عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه ولا يزيد على ثلاث مرات .
وأن يتخلل ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه ويتمضمض بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فإنه يبلعه .
وأن يأكل قبل أكله اللحم لقمة أو لقمتين أو ثلاثة من الخبز حتى يسد الخلل .
وأن لا يشم الطعام ولا يأكله حارا حتى يبرد .
ومن آداب الضيف أن لا يخرج إلا بإذن صاحب المنزل وأن لا يجلس في مقابلة حجرة النساء وسترتهن وأن لا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام .
ومن آداب المضيف أن يشيع الضيف عند خروجه إلى باب الدار .
وينبغي للآكل أن يقدم الفاكهة ثم اللحم ثم الحلاوة وإنما قدمت الفاكهة لأنها أسرع استحالة فينبغي أن تقع أسفل المعدة .
ويندب أن يكون على المائدة بقل وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ذلك في باب الأطعمة ( 3 / 251 )