هي فعيلة من ودع إذا ترك ومنه قوله A لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات والجماعات رواه مسلم وفي النسائي دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم وجمعها ودائع قال الشاعر إذا أنت لا تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أثقلتك الودائع وهي لغة الشيء الموضوع عند غير صاحبه للحفظ وشرعا تقال على الإيداع وعلى العين المودعة من ودع الشيء يدع إذا سكن لأنها ساكنة عند المودع وقيل من قولهم فلان في دعة أي راحة لأنها في راحة المودع ومراعاته وحفظه قال الشاعر استودع العلم قرطاسا فضيعه وبئس مستودع العلم القراطيس والأصح أنها عقد فحقيقتها شرعا توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على وجه مخصوص فدخل في ذلك صحة إيداع الخمر المحترمة وجلد ميتة يطهر بالدباغ وزبل وكلب معلم .
وخرج ب مختص ما لا اختصاص فيه كالكلب الذي لا يقتنى وب توكيل العين في يد ملتقط وثوب طيرته ريح ونحوه لأنه مال ضائع مغاير لحكم الوديعة .
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " فهي وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة فهي عامة في جميع الأمانات .
قال الواحدي أجمعوا على أن الآية نزلت بسبب مفتاح الكعبة ولم ينزل في جوف الكعبة آية سواها وقوله تعالى " فليؤد الذي ائتمن أمانته " وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك رواه الحاكم وقال على شرط مسلم .
وروى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو يخطب للناس لا يعجبنكم من الرجل طنطنته ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل .
ولأن بالناس حاجة بل ضرورة إليها ولكن " من عجز عن حفظها حرم عليه قبولها " لأنه يعرضها للتلف قال ابن الرفعة ومحله إذا لم يعلم المالك بحاله وإلا فلا تحريم .
وقال الزركشي في ذلك نظر والوجه تحريمه عليهما .
أما على المالك فلإضاعته ماله وأما على المودع فلإعانته على ذلك ممنوع لأن الشخص إذا علم أن غيره يأخذ ماله لينفقه أو يعطيه لغيره لا يحرم عليه ولا على الآخذ إذا علم رضاه بذلك .
والإيداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الآثم لكن لو كان المودع وكيلا أو ولي يتيم حيث يجوز له الإيداع فهي مضمونة بمجرد الأخذ قطعا .
ومن قدر .
على حفظها وهو في الحال أمين " و " لكن " لم يثق بأمانته " بل خاف الخيانة من نفسه في المستقبل " كره " له قبولها وهو المعتمد خشية الخيانة فيها .
قال ابن الرفعة .
ويظهر أن هذا إذا لم يعلم المالك الحال وإلا فلا تحريم ولا كراهة وفيه ما مر .
تنبيه : .
جزمه بالكراهة لا يطابق كلام المحرر فإنه قال لا ينبغي أن يقبل ومخالف لما في الروضة وأصلها من حكاية وجهين بالحرمة والكراهة بلا ترجيح .
قال الأذرعي وبالتحريم أجاب الماوردي وصاحب المهذب والروياني وغيرهم وهو المختار .
قال ولكن محل الوجهين فيما إذا أودع مطلق التصرف مال نفسه وإلا فيحرم قبولها منه جزما .
فإن .
قدر على حفظها و " وثق " بأمانة نفسه فيها " استحب " له قبولها لأنه من التعاون المأمور به .
هذا إذا لم يتعين عليه فإن لم يكن ثم غيره وجب عليه كأداء الشهادة لكن بالأجرة قال الرافعي وهو محمول على أصل القبول كما بينه السرخسي دون إتلاف منفعته ومنفعة حرزه في الحفظ بلا عوض وقضيته أن له أن يأخذ أجرة الحفظ كما يأخذ ( 3 / 80 ) أجرة الحرز .
ومنعه الفاروقي وابن أبي عصرون لأنه صار واجبا عليه فأشبه سائر الواجبات والمعتمد الأول كما هو ظاهر كلام الأصحاب .
وقد تؤخذ الأجرة على الواجب كما في سقي اللبأ .
وأركان الوديعة بمعنى الإيداع أربعة وديعة بمعنى العين المودعة ومودع ووديع وصيغة وقد تقدم الكلام على شرط الركن الأول وهو الوديعة .
ثم شرع في شرط الركن الثاني والثالث وهما العاقدان فقال " وشرطهما شرط موكل ووكيل " لأنها استنابة في الحفظ فمن صحت وكالته صح إيداعه ومن صح توكيله صح دفع الوديعة إليه فخرج استيداع محرم صيدا أو كافر مصفحا ونحوه .
ثم شرع في بيان الركن الرابع وهو الصيغة فقال " ويشترط صيغة المودع " الناطق باللفظ وهي إما صريح " كاستودعتك هذا " أو أودعتك أو هو وديعة عندك " أو استحفظتك أو أنبتك في حفظه " أو احفظه .
وإما كناية تنعقد بها مع النية كخذه أو مع القرينة كخذه .
أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة .
ولو علقها كأن قال إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا لم يصح كالوكالة كما بحثه في أصل الروضة وجرى عليه ابن المقري وقطع الروياني بالصحة .
وعلى الأول يصح الحفظ بعد وجود الشرط كما يصح التصرف في الوكالة حينئذ ففائدة البطلان سقوط المسمى إن كان والرجوع إلى أجرة المثل .
تنبيه : .
ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لو دخل شخص الحمام ولم يستحفظ الحمامي لم يجب عليه الحفظ وهو كذلك فلو ضاعت لم يضمنها وإن نام أو قام من مكانه ولا نائب له فإن استحفظه وقيل منه لزمه حفظها .
وعن القاضي حسين أنه يجب عليه حفظها مطلقا للعادة .
والأصح أنه لا يشترط .
في الوديع " القبول " للوديعة " لفظا ويكفي القبض " لها كما في الوكالة بل أولى عقارا كانت أو منقولا فإذا قبضها تمت الوديعة .
وظاهر كلام المصنف أنه لا بد في المنقول من النقل ولكن الذي قاله البغوي أنه لو قال هذا وديعتي عندك أو احفظه فقال قبلت أو ضعه موضعه كان إيداعا كما لو قبضه بيده وصححه الرافعي في الشرح الصغير ونقل الأذرعي عن فتاوى القفال ما يوافقه وهذا هو الظاهر وإن قال المتولي لا حتى يقبضه .
والثاني يشترط القبول لفظا .
والثالث يفرق بين صيغة الأمر كما في الوكالة وعلى عدم اشتراط القبول يشترط عدم الرد كما قاله البغوي .
قال الماوردي وغيره ولا تفتقر الوديعة إلى علم الوديع بما فيها بخلاف اللقطة لما يلزمه من تعريفها .
فإن لم يوجب المالك له بل وضع ماله بين يديه سواء أقال له قبل ذلك أريد أن أودعك أم لا أو أوجب له ووضعه بين يديه ورد لم يصح فإن ذهب وتركها لم يضمن وإن أثم به بأن كان ذهابه بعد غيبة المالك وإن قبضها صار ضامنا إلا إن كانت معرضة للضياع فقبضها حسبة صونا لها عن الضياع فلا يضمن .
وذهاب الوديع مع ترك الوديعة والمالك حاضر كردها .
تنبيه : .
قضية كلام الشيخين أنه لا بد من لفظ ائتمان من المودع الناطق .
قال الأذرعي ولم يبعد أن يقال الشرط وجود اللفظ من أحد الجانبين والفعل من الآخر للعلم بحصول المقصود بذلك فلو قال الوديع أودعنيه مثلا فدفعه له ساكتا كفى كالعارية وعليه فالشرط اللفظ من أحدهما وهو حسن ولو قال له خذ هذا يوما وديعة ويوما غير وديعة فوديعة أبدا أو خذه يوما وديعة ويوما عارية فوديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني ولم يعد بعد يوم العارية وديعة ولا عارية بل تصير يده يد ضمان .
قال الزركشي فلو عكس الأولى فقال خذه يوما غير وديعة ويوما وديعة فالقياس أنها أمانة لأنه أخذها بإذن المالك وليست عقد وديعة وإن عكس الثانية فالقياس أنها في اليوم الأول عارية وفي الثاني أمانة .
ولو أودعه صبي أو مجنون مالا لم يقبله .
لأن إيداعه كالعدم لعدم أهليته .
فإن قبل .
المال وقبضه " ضمن " لعدم الإذن المعتبر كالغاصب ولهذا التعليل لا يقال الوديعة لا ضمان فيه فكذا فاسدها .
قال السبكي ولا يحتاج أن يقال هو باطل ويفرق بين الفاسد والباطل ولا يبرأ إلا بالرد إلى وليه ( 3 / 81 ) .
تنبيه : .
استثنى من تضمنه ما لو خيف هلاكه فأخذه حسبة صونا له فإنه لا يضمنه وما لو أتلف الصبي وديعة نفسه بلا تسليط من الوديع فإنه يبرأ كما صرح به الرافعي في الجراح قبيل الفصل الثاني في المماثلة ولو أودعه عبد بغير إذن سيده لم يبرأ إلا بالرد إلى سيده .
ولو أودع صبيا .
أو مجنونا " مالا فتلف عنده " ولو بتفريط " لم يضمن " كل منهما ما تلف عنده إذ ليس عليه حفظه فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ .
وإن أتلفه ضمن .
ما أتلفه " في الأصح " لعدم تسليطه عليه .
والثاني لا كما لو باعه شيئا وسلمه إليه .
وأجاب الأول بأن البائع أذن في الاستهلاك بخلاف الإيداع .
تنبيه : .
المرجح في الروضة كأصلها أن الخلاف قولان .
والمحجور عليه بسفه .
في إيداعه والإيداع عنده والأخذ منه وعدم تضمينه بالتلف عنده وتضمينه بإتلافه " كصبي " فيما ذكر .
تنبيه : .
قضية تقييده بالحجر أن السفيه إذا لم يحجر عليه بخلافه قال الزركشي ويشبه أن يكون على الخلاف في سائر تصرفاته ولو أودع عند رقيق بغير إذن سيده فتلف عنده ما أودعه لم يضمنه كذا أطلقاه وقيده الجرجاني بعدم التفريط .
قال ولا يفارق الرقيق الصبي إلا في هذه الحالة فإن الصبي لا يضمن ولو فرط .
وأورد على حصره أن الصبي لا يودع عنده أصلا ويودع عند الرقيق بإذن سيده وكلاهما محمول على ما قيد به .
وولد الوديعة وديعة كأمه بناء على أنها عقد وقيل إنها أمانة شرعية .
فإن قيل لا فائدة لهذا الخلاف .
أجيب بأن له فائدة وهي أن العين على الأول إنما يجب ردها بعد الطلب ويجب ردها على الثاني حالا .
تنبيه : .
أحكام الوديعة ثلاثة الأول الجواز والثاني الأمانة والثالث الرد .
وقد شرع في الحكم الأول .
فقال " وترتفع " الوديعة أي ينتهي حكمها " بموت المودع " بكسر الدال " أو المودع " بفتحها وحجر سفه عليه " وجنونه وإغمائه " وبعزل الوديع نفسه وبالجحود المضمن وبالإقرار بها لآخر وبنقل المالك الملك فيها ببيع ونحوه ونحو ذلك كالوكالة .
ويجب على الوديع الرد إلى الولي في مسألة الجنون وإلى الوارث في مسألة الموت وإلا فيضمن لزوال الائتمان .
ولو وكل المالك الوديع في إجارتها فأجرها وانقضت مدة الإجارة عادت وديعة عند عامة الأصحاب " ولهما الاسترداد والرد " أي للمودع بكسر الدال الاسترداد وللمودع بفتحها الرد " كل وقت " لأن لكل منهما الأمرين كما توهمه عبارة المصنف والمحرر .
وللمودع أن يسترد متى شاء وللمودع الرد كذلك فهي أوضح من عبارة المصنف .
أما المودع فلأنه المالك وأما المودع فلأنه متبرع بالحفظ .
قال ابن النقيب وينبغي أن يقيد جواز الرد للمودع بحالة لا يلزمه فيها القبول وإلا حرم الرد فإن كان بحالة يندب فيها القبول فالرد خلاف الأولى إن لم يرض به المالك .
تنبيه : .
أفرد المصنف الضمير أولا لأن العطف ب أو ثم ثناء ثانيا .
قال الزركشي ولا وجه لذلك .
ثم شرع في الحكم الثاني وهو الأمانة فقال " وأصلها الأمانة " أي موضوعها على ذلك يعني أن الأمانة ليست فيها تبعا كالرهن بل هي مقصودة فيها سواء أكانت تجعل أم لا كالوكالة ولأن المودع يحفظها لمالك فيده كيده ولو ضمن لرغب الناس عن قبول الودائع فلو أودعه بشرط أن تكون مضمونة عليه أو أنه إذا تعدى فيها لا ضمان عليه لم يصح فيهما .
تنبيه : .
قضية إطلاقهم أنه لا فرق في عدم الضمان بين الصحيحة والفاسدة وهو كذلك كما هو مقتضى القاعدة قال في الكالي ولو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها أو ثوبا وأذن له في لبسه فهو إيداع فاسد لأنه شرط فيه ما ينافي مقتضاه فلو ركب أو لبس صارت عارية فاسدة فإذا تلف قبل الركوب والاستعمال لم يضمن كما في صحيح الإيداع أو بعده ضمن كما في صحيح العارية .
وقد تصير .
الوديعة " مضمونة " على الوديع بالتقصير فيها وله أسباب عبر عنها المصنف " بعوارض منها أن يودع غيره " ولو ولده أو زوجته أو عبده أو قاضيا " بلا إذن " من المودع " ولا عذر ( 3 / 82 ) له " فيضمن " لأن المودع لم يرض بأمانة غيره ولا يده .
نعم استثنى السبكي ما لو طالت غيبة المالك أي وتضجر من الحفظ كما في التتمة فأودعها الوديع القاضي .
تنبيه : .
قول المصنف فيضمن أي صار طريقا في الضمان لأن للمالك أن يضمن من شاء من الأول أو الثاني فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول بخلاف العالم لأنه غاصب لا مودع أما إذا أودعها لعذر كمرض أو سفر فإنه لا يضمن ولا فرق بين سفر الضرورة وغيره على الصحيح .
نعم قال الأذرعي ينبغي أن يكون مباحا .
وقيل إن أودع القاضي .
الأمين " لم يضمن " لأن أمانة القاضي أظهر من أمانته " وإذا لم يزل " بضم أوله وكسر ثانيه " يده " ولا نظره " عنها جازت الاستعانة بمن يحملها " معه ولو أجنبيا " إلى الحرز أو يضعها في خزانة " بكسر الخاء بخطه موضع يخزن فيه " مشتركة " بينه وبين الغير كالعارية لجريان العادة بذلك كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها فإن كانت بمخزنه فخرج لحاجته واستحفظ عليها ثقة يختص به وهو يلاحظها في عوداته لم يضمن وإذا قطع نظره عنها ولم يلاحظها فكذلك كما صرح به الفوراني وقال إنه الذي أشعر به فحوى كلام الأئمة .
قال السبكي والمتبع في ذلك العرف فالملوك والأمراء أموالهم في خزائنهم بأيدي خزان لهم والعرف قاض بأنها في أيديهم .
وإن كانت في غير مسكنه ولم يلاحظها ضمن لتقصيره أما إذا استحفظ غير ثقة أو من لا يختص به فعليه الضمان .
وإذا أراد .
الوديع " سفرا " ولو قصيرا وقد أخذ الوديعة حضرا " فليرد " ما " إلى المالك أو وكيله " مطلقا أو وكيله في استرداد هذه خاصة ليخرج من العهدة فإن دفع لغيره ضمن في الأجنبي قطعا وفي القاضي على الأصح لأنه لا ولاية للحاكم عليه .
تنبيه : .
لا يخفى أن له دفعها إلى ولي المحجور عليه لجنون أو سفه طرأ لأنه قائم مقامه .
فإن فقدهما .
أي المالك ووكيله لغيبة أي لمسافة قصر كما بحثه ابن الرفعة أخذا من كلامهم في عدل الراهن " فالقاضي " أي يردها إليه أي إذا كان أمينا كما نقله الأذرعي عن تصريح الأصحاب .
ويلزمه القبول في الأصح وإن كان سفره لا لحاجة لأنه نائب الغائبين وكذا الإشهاد على نفسه بقبضها كما قاله الماوردي .
قال الشيخ أبو حامد وإنما يحملها إلى الحاكم بعد أن يعرفه الحال ويأذن له فلو حملها ابتداء قبل أن يعرفه ضمن .
ولا شك أنه لو أمره القاضي بدفعها إلى أمين كفى كما قاله الزركشي ولا يتعين عليه أن يتسلمها بنفسه .
ولو كان المالك محبوسا بالبلد وتعذر الوصول إليه فكالغائب كما قاله القاضي أبو الطيب ويقاس بالحبس التواري ونحوه وبالمالك عند فقده وكيله ولا يلزم القاضي قبول الدين ممن هو عليه ولا المغصوب من غاصبه للغائب فيهما لأن بقاء كل منهما أحفظ لمالكه لأنه يبقى مضمونا له ولأن الدين في الذمة لا يتعرض للتلف وإذا تعين تعرض له ولأن من في يده العين يثقل عليه حفظها .
فإن فقده .
أي القاضي أو كان غير أمين " فأمين " يردها إليه يأتمنه المودع وغيره لئلا يتضرر بتأخير السفر .
ويجب عليه الإشهاد في أحد وجهين رجحه ابن الملقن فإن الأمين قد ينكر فإن ترك هذا الترتيب ضمن لعدوله عن الواجب عليه .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف أنه لا رتبة في الأشخاص بعد الأمين وهو كذلك .
وأغرب في الكافي فقال فإن لم يجده وسلمها إلى فاسق لا يصير ضامنا في الأصح .
فإن دفنها بموضع .
ولو حرزا " وسافر ضمنها " لأنه عرضها للأخذ .
هذا إذا لم يعلم بها من ذكره في قوله " فإن أعلم بها أمينا " يجوز الإيداع عنده كما في الروضة " يسكن الموضع " الذي دفنت فيه وهو حرز مثلها " لم يضمن في الأصح " لأن ما في الموضع في يد ساكنة فكأنه أودعه إياها فشرطه فقد القاضي الأمين .
وقد علم من ذلك أن المراد الدفع إلى القاضي أو إعلامه به أو الدفع إلى الأمين أو إعلامه به .
والثاني يضمن لأن هذا إعلام لا إيداع لعدم التسليم .
فإن أعلم أمينا لا يجوز الإيداع عنده ضمن كما في الروضة وهذا ( 3 / 83 ) الإعلام ليس بإشهاد على الأصح بل ائتمان حتى تكفي فيه امرأة .
تنبيه : .
قوله .
أعلم بها يشعر أنه لا يشترط رؤية الأمين لها وبه صرح الماوردي .
وقوله يسكن ليس بقيد فإن مراقبة الحارس لها كالسكنى .
وخرج بقولي وهو حرز مثلها ما لم يكن كذلك فإنه يضمنها جزما وإن أعلم بها غيره كما قاله الماوردي .
ومن عوارض الضمان السفر كما قال " ولو سافر بها " من حضر " ضمن " وإن كان الطريق آمنا وتلفت بسبب آخر كتقصيره بالسفر الذي حرزه دون حرز الحضر .
أما لو أودعها المالك مسافرا فسافر بها أو منتجعا فانتجع بها فلا ضمان لرضا المالك به .
وله إذا قدم من سفره أن يسافر بها ثانيا لرضا المالك به ابتداء إلا إذا دلت قرينة على أن المراد إحرازها بالبلد فيمتنع ذلك كما ذكره القاضي وغيره .
ثم استثنى من الضمان بالسفر قوله " إلا إذا " أراد سفرا و " وقع حريق " أو نهب " أو غارة وعجز " عند ذلك " عمن يدفعها إليه كما " أي بالترتيب الذي " سبق " فلا يضمن لقيام العذر بل يلزم السفر بها في حالة الخوف عليها فإن لم يسافر بها كان مضيعا لها " .
وللمودع أن يسترد متى شاء وللمودع الرد كذلك فهي أوضح من عبارة المصنف .
وللمودع أن يسترد متى شاء وللمودع الرد كذلك فهي أوضح من عبارة المصنف .
وللمودع أن يسترد متى شاء وللمودع الرد كذلك فهي أوضح من عبارة المصنف .
وللمودع أن يسترد متى شاء وللمودع الرد كذلك فهي أوضح من عبارة المصنف .
وللمودع أن يسترد متى شاء وللمودع الرد كذلك فهي أوضح من عبارة المصنف .
قال الشيخان ويجوز أن يقال إن كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر فله السفر بها ونقل الأذرعي عن الدارمي ما يؤيده وهو حسن .
تنبيه : .
مقتضى كلام المصنف أنه لا بد في نفي الضمان من اجتماع الأمرين العذر المذكور والعجز عمن يدفعها إليه وليس مرادا بل العجز كاف فلو سافر بها عند العجز من غير عذر من حريق ونحوه لم يضمن على الأصح لئلا ينقطع عن مصالحه وتنفر الناس عن قبول الودائع فإن حدث له في الطريق خوف أقام بها فإن هجم عليه قطاع الطريق فطرحها بمضيعة ليحفظها فضاعت ضمن وكذا لو دفنها خوفا منهم عند إقبالهم ثم أضل موضعها كما قاله القاضي وغيره إذ كان من حقه أن يصبر حتى تؤخذ منه فتصير مضمونة على آخذها .
والحريق والغارة في البقعة وإشراف الحرز على الخراب .
ولم يجد حرزا هناك ينقلها إليه ونحو ذلك من سائر الأعذار " أعذار كالسفر " في جواز الإبداع عند غيره من غير ضمان عليه .
تنبيه : .
الغارة لغة قليلة والأفصح الإغارة .
ومن عوارض الضمان ترك الإيصاء كما يعلم من قوله " وإذا مرض مرضا مخوفا فليردها إلى المالك أو وكيله " المطلق أو في قبضها .
قال الأذرعي والظاهر أن كل حالة تعتبر فيها الوصية من الثلث كما سبق كالمرض المخوف فيما ههنا اه " .
وفي الشرح والروضة وفي معنى المرض هنا الحبس ليقتل .
وقد مر في الوصية أن الحبس للقتل ليس بمخوف وتقدم الفرق هناك بين البابين فليراجع .
وإلا .
بأن يمكنه ردها إلى أحدهما " فالحاكم " الأمين يردها إليه إن وجده أو يوصي بها إليه " أو " يردها إن لم يجد الحاكم إلى " أمين أو يوصي بها " إليه كما لو أراد سفرا .
تنبيه : .
قضية كلامه لولا ما قدرته التخيير بين الأمور الثلاثة وليس مرادا وحاصل ذلك أنه مخير عند القدرة على الحاكم بين الدفع إليه والوصية له وعند العجز بين الدفع لأمين والوصية له ولعله إنما أطلق استغناء بما قدمه في أنه لا يودعها عند أمين إلا عند فقد القاضي .
والمراد بالوصية الإعلام بها ووصفها بما يميزها أو يشير لعينها من غير أن يخرجها من يده ويأمر بالرد إن مات ولا بد مع ذلك من الإشهاد كما في الرافعي عن الغزالي وأسقطه من الروضة وجزم به في الكفاية فإن اقتصر على عندي وديعة فكما لو لم يوص فإن ذكر الجنس فقال عندي ثوب لفلان ضمن إن وجد في تركته أثواب لتقصيره في البيان وإن وجد ثوب واحد ضمن أيضا في الأصح ولا يدفع إليه الثوب الموجود وقيل يتعين الثوب الموجود .
فإن لم يفعل .
شيئا مما ذكر في محله " ضمن " لتقصيره فإنه عرضها للفوات لأن الوارث يعتمد يده ويدعيها لنفسه .
وكذا لو أوصى إلى فاسق أو أودعه .
تنبيه : .
محل الضمان بغير إيصاء وإيداع إذا تلفت الوديعة بعد الموت لا قبله على ما صرح به الإمام ومال إليه ( 3 / 84 ) السبكي لأن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به وهذا هو المعتمد .
وقال الإسنوي إنه بمجرد المرض يصير ضامنا لها حتى لو تلفت بآفة في مرضه أو بعد صحته ضمنها كسائر أسباب التقصيرات .
ومحله أيضا في غير القاضي أما القاضي إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته فلا يضمنه وإن لم يوص به لأنه أمين الشرع بخلاف سائر الأمناء ولعموم ولايته قاله ابن الصلاح قال وإنما يضمن إذا فرط .
قال السبكي وهذا تصريح منه بأن عدم إيصائه ليس تفريطا وإن مات عن مرض وهو الوجه .
وظاهر أن الكلام في القاضي الأمين ونقل التصريح به عن الماوردي أما غيره فيضمن قطعا .
والضمان فيما ذكر ضمان التعدي بترك المأمور لا ضمان العقد كما اقتضاه كلام الرافعي .
إلا إذا لم يتمكن بأن .
أي كأن " مات فجأة " أو قتل غيلة فلا يضمن لعدم تقصيره .
تنبيه : .
هذا الاستثناء منقطع فإنه لم يدخل في قوله وإذا مرض مرضا مخوفا ولو لم يوص فادعى صاحبها أنه قصر وقال الوارث لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى تقصير فالظاهر كما قال الإمام وأقراه براءة ذمته .
قال الإسنوي وهذا إنما قاله الإمام عند جزم الوارث بالتلف فأما عند ذكره له احتمالا فإنه صحح الضمان اه " .
لكن شيخنا جعل هذا من الجزم وصور عدم الجزم بقوله بأن قال عرفت الإيداع لكن لم أدر كيف كان الأمر وأنا أجوز أنها تلفت على حكم الأمانة فلم يوص بها لذلك فيضمنها لأنه لم يدع مسقطا .
وصحح السبكي أنه لا يقبل قولهم في دعوى التلف والرد إلا ببينة وسائر الأمناء كالمودع في هذا الحكم وقد أفتى ابن الصلاح بأن العامل إذا مات ولم يوجد مال الفراض بعينه في يده ضمن وهو أولى بالتضمين من المودع لأن الوديعة ليس له التصرف فيها بخلاف القراض .
ومنها .
أي عوارض الضمان " إذا نقلها من محلة " إلى محلة أخرى " أو " من " دار " إلى دار أخرى " دونها في الحرز " ولو كان حرز مثلها " ضمن " لأنه عرضها للتلف سواء أنهاه عن النقل أم عين له تلك المحلة أم أطلق بعيدتين كانتا أم قريبتين لا سفر بينهما ولا خوف كما يؤخذ ذلك من إطلاق المصنف لكن يستثنى من إطلاقه ما لو نقلها بظن الملك فلا يضمن كما قاله في الكفاية بخلاف ما لو انتفع بها ظانا أنها ملكه فتلفت فإنه يضمن كما نقلاه في أول باب الغصب عن الإمام وأقراه .
وإلا .
بأن تساويا في الحرز أو كان المنقول إليه أحرز " فلا " يضمن لعدم تفريطه .
وخرج ب دار ما لو نقلها من بيت إلى آخر في دار واحدة أو خان واحد فلا ضمان وإن كان الأول أحرز كما قاله البغوي ونقلها من كيس أو صندوق إلى آخر إن كان ذلك للمودع فحكمه كالبيت في النقل وإن كان للمالك فتصرفه فيها بالنقل المجرد ليس بمضمن إلا إن فض الختم أو فتح القفل فيضمن في الأصح .
تنبيه : .
يستثنى من عدم الضمان مسائل منها ما لو نقلها والطريق مخوف .
ومنها ما لو نهاه المالك عن النقل ونقل بلا ضرورة .
ومنها ما لو تلفت بسبب النقل كانهدام الدار المنقول إليها قال الرافعي والسرقة من المنقول إليه كالانهدام قاله البغوي و المتولي ومنها ما لو كان الحرز المنقول منه لمالك الوديعة ملكا أو إجارة أو إعارة وإن كان المنقول إليه أحرز إذا لم يخفف الهلاك فإنه يضمن في هذه المسائل كلها .
ومنها .
أي عوارض الضمان " أن لا يدفع متلفاتها " لوجوب الدفع عليه مع القدرة لأنه من حفظها .
تنبيه : .
يستثنى من ذلك ما لو وقع في خزانة الوديع حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمن كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فبادر لنقل بعضها فاحترق ما تأخر نقله كما نقله في الروضة كأصلها آخر الباب عن فتاوي القفال .
فلو أودعه دابة فترك علفها .
بإسكان اللام على المصدر أو سقيها مدة يموت مثلها فيها بترك ذلك " ضمنها " وإن لم تمت كما صرح به في الروضة كأصلها ونقله المصنف في نكتة عن البغوي سواء أمره المالك بعلفها وسقيها أم سكت لتعديه فإنه يلزمه ذلك لحق الله تعالى وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبولها .
وتختلف المدة باختلاف الحيوانات والمرجع إلى أهل الخبرة بها فإن ماتت دون المدة لم يضمنها إلا إذا كان بها جوع أو عطش سابق وعلمه فيضمنها كما هو قضية ( 3 / 85 ) كلام الروضة وأصلها وقيل يضمن القسط .
ورجحه ابن المقري لأنها تلفت بالأمرين .
ويؤيد الأول ما لو جوع إنسانا وبه جوع سابق ومنعه الطعام أو الشراب مع علمه بالحال فإنه يضمن الجميع .
فإن نهاه عنه .
أي عن الطعام أو الشراب فمات بسبب ترك ذلك " فلا " يضمن " على الصحيح " للإذن في إتلافه فهو كما لو قال اقتل دابتي فقتلها .
والثاني يضمن إذ لا حكم لنهيه عما أوجبه الشرع .
تنبيه : .
لو كانت الدابة ملكا لغيره كأن أودع الولي حيوان محجور قال الزركشي فيشبه أن نهيه كالعدم وسبقه إليه الأذرعي وقيده بعلم الوديع بالحال أي لقرار الضمان وإلا فيضمن مطلقا وهذا ظاهر .
والخلاف المذكور في المتن في التضمين وعدمه كما ذكر أما التأثيم فلا خلاف فيه لحرمة الروح فعليه أن يأتي الحاكم ليجبر المالك على علفها وسقيها إن كان حاضرا أو يأذن له في النفقة ليرجع عليه إن كان غائبا .
هذا إذا نهاه لا لعلة فإن كان كقولنج أو تخمة لزمه امتثال نهيه فلو خالف وفعل قبل زوال العلة ضمن كذا أطلقاه .
قال ابن شهبة وينبغي أن يقيد الضمان بما إذا علم بعلتها .
وإن أعطاه المالك علفا .
بفتح اللام اسم للمأكول ولم ينهه " علفها " في الأصح ويجوز علفها " منه وإلا فيراجعه أو وكيله " ليستردها أو يعطي علفها أو يعلفها .
فإن فقدا .
بالتثنية بخطه أي المالك أو وكيله " فالحاكم " يراجعه ليقترض على المالك أو يؤجرها ويصرف الأجرة في مؤنتها أو يبيع جزءا منها أو جميعها إن رآه .
قال الإمام والقدر الذي يعلفها على المالك هو الذي يصونها عن التلف والتعييب لا ما يحصل به السمن فإن فقد الحاكم تعاطى ذلك بنفسه وأشهد ليرجع فإن لم يشهد لم يرجع في أحد وجهين هو المعتمد كما في هرب الجمال .
نعم لو كانت راعية قال الزركشي فالظاهر وجوب تسريحها مع ثقة فلو اتفق عليها لم يرجع أي إذا لم يتعذر عليه من يسرحها معه وإلا فيرجع .
ولو بعثها .
أي الدابة " مع من " أي أمين " يسقيها " أو يعلفها حيث يجوز إخراجها لذلك " لم يضمن في الأصح " لجريان العادة بذلك .
والثاني يضمن لإخراجها من حرزها على يد من لم يأتمنه المالك .
تنبيه : .
محل الخلاف إذا كان المبعوث معه أمينا كما مر ولا خوف والوديع لا يخرج دوابه للسقي أو كونه لا يسقي وعادته سقي دوابه فمع غير الأمين والخوف يضمن قطعا ومع إخراج دوابه للسقي أو كونه لا يسقي دوابه بنفسه لا يضمن قطعا .
وقول المصنف دابة قد يفهم أنه لو أودعه نخلا ولم يأمره بسقيه فتركه لا يضمن وهو أحد الوجهين في الروضة وأصلها بلا ترجيح صححه الأذرعي وفرق بحرمة الروح قال والظاهر أن محل الوجهين فيما لا يشرب بعروقه وفيما لم ينهه عن سقيه .
وإن أودعه حنطة أو أرزا أو نحو ذلك فوقع فيه السوس لزمه الدفع فإن تعذر باعه الحاكم فإن لم يجد تولاه بنفسه وأشهد كما قاله في الأنوار .
ولو ترك شخص عند صاحب الخان مثلا حمارا وقال له احفظه كيلا يخرج فلاحظه فخرج في بعض غفلاته لم يضمنه لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد .
وعلى المودع .
بفتح الدال " تعريض ثياب الصوف " ونحوه كشعر ووبر وخز مركب من حرير وصوف ولبد وكذا بسط وأكسية وإن لم تسم ثيابا عرفا " للريح كيلا يفسدها الدود وكذا " عليه أيضا " لبسها " بنفسه إن لاق به " عند حاجتها " لتعبق بها رائحة الآدمي فتدفع الدود فإن لم يفعل ففسدت ضمن سواء أمره المالك أم سكت فإن نهاه المالك عن ذلك أو لم يعلم بها الوديع كأن كانت في صندوق مقفل فلا ضمان .
أما ما لا يليق به لبسه لضيقه أو صغره أو نحو ذلك فالظاهر كما قاله الأذرعي أنه يلبسه من يليق به لبسه بهذا القصد قدر الحاجة ويلاحظه .
ولو كان لا يجوز له لبسه كأن كان خزا مركبا من صوف وحرير والأكثر حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجد ولم يرض إلا أجرة هل يجوز له لبسه لم أر من ذكره والظاهر الجواز .
ولو كانت ثياب الصوف كثيرة يحتاج لبسها إلى طول زمن يقابل بأجرة هل ( 3 / 86 ) له أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجعل له أجرة في مقابل لبسها لم أر من ذكره أيضا والظاهر أن له ذلك إذ لا يلزمه أن يبذل منفعته مجانا كالحرز .
قال الأذرعي وكنشر الصوف تمشية الدابة وتسييرها المعتاد عند الخوف عليها من الزمانة لطول وقوفها .
وجعل الزركشي هذا مثلا وجعل الضابط خوف الفساد .
ومنها .
أي عوارض الضمان " أن يعدل " في الوديعة " عن الحفظ المأمور " به فيها " وتلفت بسبب العدول " عنه إلى الوجه المعدول إليه " فيضمن " لأن التلف حصل من جهة المخالفة .
فلو .
عدل كأن " قال " له " لا ترقد " أي لا تنم " على الصندوق " الذي فيه الوديعة " فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه " بانكساره " ضمن " لمخالفته المؤدية إلى التلف .
وإن تلف بغيره .
أي بسبب غير الانكسار كسرقة " فلا " يضمن " على الصحيح " لأنه زاد خيرا ولم يأت التلف مما جاء به والثاني يضمن لأن رقوده عليه يوهم السارق نفاسة ما فيه فيقصده .
تنبيه : .
صورة المسألة إذا كان في بيت محرز وأخذه السارق أما لو سرق ما فيه من الصحراء من جانب كأن يرقد فيه إن لم يرقد عليه فإنه يضمن لأنه رقد عليه فقد أخلى جانب الصندوق وربما لا يتمكن السارق من الأخذ إذا كان بجانبه بخلاف ما لو سرق من غير الجانب المذكور .
وكذا .
لا يضمن " لو قال " له " لا تفعل " بمثناة مضمومة وفاء مكسورة " عليه " أي الصندوق أصلا فأقفل عليه أو أقفل عليه قفلا فقط فأقفل عليه " قفلين " أو لا تفعل عليه قفلين أو لا تغلق باب البيت " فأقفلهما " أو أغلق الباب لم يضمن في هذه الصور على الأصح لأنه زاد احتياطا والثاني يضمن لأنه أغرى السارق به .
تنبيه : .
محل الخلاف في بلد لم تجر عادتهم بذلك كما قاله صاحب المعين وإلا فلا ضمان جزما .
ولو قال له اربط الدراهم .
بكسر الموحدة في المشهور وحكي ضمها " في كمك " أي شدها فيه وجمعه أكمام " فأمسكها في يده فتلفت فالمذهب أنها إن ضاعت بنوم ونسيان " أي أو نسيان كما في المحرر " ضمن " لحصول التلف من جهة المخالفة لأنها لو كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب .
أو .
تلف " بأخذ غاصب " لها من يده " فلا " يضمن لأن اليد أمنع للغصب حينئذ .
والطريق الثاني إطلاق قولين .
والطريق الثالث إن اقتصر على الإمساك ضمن وإن أمسك بعد الربط لم يضمن .
وعلى الأول إذا امتثل أمره وربطها في الكم لم يكلف معه إمساكها باليد بل إن كان الربط من خارج الكم فأخذها القاطع ضمن لأن فيه إظهارها وتنبيه القاطع وإغراءه عليها لسهولة قطعه أو حله عليه حينئذ لا إن استرسلت بانحلال العقد وضاعت وقد احتاط في الربط فلا ضمان لأنها إذا انحلت بقيت الوديعة في الكم .
أو كان الربط من داخله فبالعكس فيضمنها إن استرسلت لتناثرها بانحلال لا إن أخذها القاطع لعدمتنبيه : ه .
فإن قيل المأمور به مطلق الربط وقد أتى به فلا ينظر إلى جهة التلف بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف .
أجيب بأن الربط ليس كافيا على أي وجه فرض بل لا بد من تضمنه الحفظ ولهذا لو ربط غير محكم ضمن وإن كان لفظ الربط يشمل المحكم وغيره .
فإن قيل لو قال احفظ الوديعة في هذا البيت فوضعها في زاوية منه فانهدمت عليه لا يضمن ولا يقال لو كانت في زاوية أخرى لسلمت .
أجيب بأن لفظ البيت متناول لكل من زواياه والعرف لا يخصص موضعا منه .
ولو كان عليه قميصان فربط في التحتاني منهما لم يضمن سواء أربطها داخل الكم أم خارجه كما بحثه الزركشي لانتفاء المعنى المذكور .
ولو جعلها في جيبه .
الذي في جنب قميصه أو لبته أو غير ذلك " بدلا عن الربط في الكم لم يضمن " على الأصح لأنه أحرز إلا إذا كان واسعا غير مزرور فيضمن لسهولة تناولها باليد منه ( 3 / 87 ) وقيل يضمن لمطلق المخالفة .
وبالعكس .
أي أمره بوضعها في الجيب فربطها في الكم " يضمن " قطعا لأن الجيب أحرز منه لأنه قد يرسل الكم فتسقط .
ولو أعطاه دراهم بالسوق ولم يبين كيفية الحفظ .
فيها " فربطها في كمه " نحو كعلى تكته كما قاله القاضي حسين أو على طرف ثوبه " وأمسكها بيده أو " لم يربطها بل " جعلها في جيبه " الضيق أو الواسع المزرور " لم يضمن " لأنه احتاط في الحفظ .
أما إذا كان الجيب واسعا غير مزرور فإنه يضمن كما مر لسهولة أخذها منه باليد .
قال الماوردي وكذا لو كان الجيب مثقوبا ولم يعلم به فسقطت أو حصلت بين ثوبيه ولم يشعر بها فسقطت ضمنها وفي الكافي في باب الغصب إذا كان الثقب موجودا عند جعلها فيه ضمن وإن حدث بعده فلا .
تنبيه : .
أفهم كلامه أنه لو اقتصر على الربط من غير إمساك أنه يضمن قال في الروضة كأصلها وقياس ما سبق النظر لكيفية الربط وجهة التلف .
ولو وضعها في كمه ولم يربطها فسقطت فإن كانت خفيفة لا يشعر بها ضمن لتفريطه في الإحراز وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمن قاله الماوردي .
هذا إذا لم يكن بفعله فلو نفض كمه فسقطت ضمن وإن كان سهوا قاله القاضي .
ولو وضعها في كور عمامته ولم يشدها ضمن .
وخرج بالسوق ما لو أعطاه دراهم في البيت وقال احفظها فيه فإنه يلزمه الحفظ فيه فورا فإن أخر بلا مانع ضمن وإن لم يحفظها فيه وربطها في كمه أو شدها في عضده لا مما يلي أضلاعه وخرج بها أو لم يخرج وأمكن إحرازها في البيت ضمن لأن البيت أحرز من ذلك بخلاف ما إذا شدها في عضده مما يلي أضلاعه لأنه أحرز من البيت .
قال الأذرعي ويجب تقييده بما إذا حصل التلف في زمن الخروج لا من جهة المخالفة وإلا فيضمن .
قال الرافعي وفي تقييدهم الصورة بما إذا قال احفظها في البيت إشعار بأنه لو لم يقل ذلك جاز له أن يخرج بها مربوطة ويشبه أن يكون المرجع فيه إلى العادة اه " .
وهذا هو الظاهر .
وإن أمسكها بيده لم يضمن إن أخذها غاصب ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم .
لتقصيره .
وإن .
دفع إليه دراهم بالسوق و " قال احفظها في البيت فليمض إليه " فورا " ويحرزها فيه " عقب وصوله " فإن أخر بلا عذر ضمن " لتفريطه .
قال السبكي وينبغي أن يرجع فيه إلى العرف وهو يختلف باختلاف نفاسة الوديعة وطول التأخير وضدهما .
وقال الفارقي إن كان ممن عادته القعود بالسوق إلى وقت معلوم لاشتغاله بتجارة وغيرها فأخرها إلى ذلك الوقت لم يضمن فإن لم تجر عادته بالقعود ولا له وقت معلوم في المضي إلى البيت فأخرها ضمن هذا عند الإطلاق فأما إذا قال أحرزها الآن في البيت فقبل وأخرها ضمن مطلقا اه " .
قال الأذرعي وهذا متجه من جهة العرف لكن المنقول في الشامل وحلية الروياني وغيرهما عن النص من غير مخالفة يرده فإنهم قالوا لو قال له وهو في حانوته احملها إلى بيتك لزمه أن يقوم في الحال ويحملها إليه فلو تركها في حانوته ولم يحملها إلى البيت مع الإمكان ضمن اه " .
وهذا هو المعتمد ولا نظر إلى عادته لأنه هو الذي ألزم نفسه ذلك ولذلك قال بعضهم ثلاثة أحرف شنيعة ضاد الضمان وطاء الطلاق وواو الوديعة ولو قال احفظ هذا في يمينك فجعله في يساره ضمن وبالعكس لا يضمن لأن اليمين أحرز لأنها تستعمل أكثر غالبا .
قال الأذرعي لكن لو هلك للمخالفة ضمن .
وقضية التعليل أنه لو كان أعسر انعكس الحكم وأنه لو كان يعمل بهما على السواء كانا سواء .
ومنها .
أي عوارض الضمان " أن يضيعها بأن يضعها " بغير إذن مالكها " في غير حرز مثلها " ولو قصد بذلك إخفاءها لأن الودائع مأمور بحفظها في حرز مثلها .
أو يدل .
بضم الدال " عليها سارقا " بأن يعين له مكانها وتضيع بالسرقة كما في الروضة وأصلها .
أو .
يدل عليها " من يصادر المالك " فيها بأن عين له ( 3 / 88 ) موضعها فضاعت بذلك لمنافاة ذلك للحفظ بخلاف ما إذا أعلمه بها غيره لأنه لم يلتزم حفظها وبخلاف ما إذا ضاعت بغير ذلك أو به ولم يعين موضعها .
ولو أعلمه بها هو وغيره لا شيء على غيره وعليه هو الضمان لما مر .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف أنه يضمن ولو أعلم المصادر بها مكرها وهو كذلك .
قال السبكي وهذا يجب القطع به .
وفرق بينه وبين المحرم إذا دل على صيد حيث لم يضمنه بأن الوديع التزم الحفظ بخلاف المحرم .
وحمل الزركشي نقل الماوردي عن مذهب الشافعي أنه لا يضمن على قرار الضمان لا أنه لا يكون ضامنا .
وقضية كلامه أيضا حصر التضييع فيما ذكره وليس مرادا بل منه الضياع بالنسيان .
ومنه دفنها في حرز ثم ينساه .
ومنه ما لو قعد في الطريق ثم قام ونسي الوديعة .
ولو عين المالك للوديعة ظرفا من ظروفه فنقلها الوديع منه إلى غيره منها وهو مساو له أو أعلى منه فلا يضمن لأن الظرف والمظروف وديعتان وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والآخر في آخر وإن كان الثاني دون المعين ضمن وإن كانت الظروف للوديع فكالبيوت فيما مر فيها .
ولو نهاه عن دخول أحد عليها أو عن الاستعانة على حفظها بحارث أو عن الإخبار بها فخالفه فيه ضمن إن كان أخذها الداخل عليها أو الحارس لها أو تلفت بسبب الإخبار وإن لم يعين موضعها .
وإن أخذها غير من ذكر أو تلفت لا بسبب الإخبار فلا ضمان فقول العبادي ولو سأله رجل هل عندك لفلان وديعة وأخبره ضمن لأن كتمانها من حفظها محمول على الضمان بالأخذ لا بسبب آخر .
فلو أكرهه .
أي الوديع " ظالم " على تسليم الوديعة " حتى سلمها إليه فللمالك تضمينه " أي الوديع " في الأصح " لتسليمه والضمان يستوي فيه الاختيار والاضطرار .
ثم يرجع .
الوديع " على الظالم " لاستيلائه عليها .
والثاني ليس له تضمينه للإكراه ويطالب الظالم وعلى الأول مطالبة الظالم أيضا .
وخرج بقوله سلمها إليه ما لو أخذها الظالم بنفسه قهرا من غير دلالة فالضمان عليه فقط جزما .
فإن قيل رجح المصنف فيما لو أكره الصائم حتى أكل عدم الفطر مع موافقته على ترجيح التضمين هنا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هنا استيلاء على ملك الغير فضمناه وفي الصوم فعله كلا فعل لأن الحق فيه لله تعالى .
ويجب على الوديع إنكار الوديعة عن الظالم والامتناع من إعلامه بها جهده فإن ترك ذلك مع القدرة عليه ضمن وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها قال الأذرعي ويتجه وجوب الحلف إذا كانت الوديعة رقيقا والظالم يريد قتله أو الفجور به .
ويجب أن يوري في يمينه إذا حلف وأمكنته التورية وكأن يعرفها لئلا يحلف كاذبا فإن لم يور كفر عن يمينه لأنه كاذب فيها فإن حلف بالطلاق أو العتق مكرها عليه أو على اعترافه فحلف حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه وإن اعترف بها وسلمها ضمنها لأنه فدى زوجته أو رقيقه بها ولو أعلم اللصوص بمكانها فضاعت بذلك ضمن لمنافاة ذلك للحفظ لا إن أعلمهم بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك .
ومنها .
أي عوارض الضمان " أن ينتفع بها بأن يلبس " الثوب مثلا " أو يركب " الدابة " خيانة " بخاء معجمة أي لا لعذر فيضمن لتعديه .
قال المتولي ومنه القراءة في الكتاب .
وخرج بقوله خيانة ركوب الجموح للسقي أو خوف الزمانة عليها ولبس الصوف ونحوه لدفع الدود ونحوه وما لو أودعه خاتمه وأمره بلبسه في خنصره فجعله في بنصره فإنه لا يضمن لأنه أحرز لكونه أغلظ إلا إن جعله في أعلاه أو في وسطه أو انكسر وإن قال له اجعله في البنصر فجعله في الخنصر فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر فالذي فعله أحرز فلا ضمان وإلا ضمن .
ولو لم يأمره بشيء فوضعه في الخنصر لا غيرها ضمن لأنه استعمله بلا ضرورة بخلاف ما لو وضعه في غيرها لأن ذلك لا يعد استعمالا نعم إن قصد بلبسه فيها الحفظ لم يضمن .
وغير الخنصر للمرأة في حفظها للخاتم كالخنصر لأنها قد تتختم في غيره .
قال الإسنوي والخنثى يحتمل إلحاقه بالرجل إذا لبس الخاتم في غير خنصره لأن الأصل عدم الضمان ويحتمل مراعاة الأغلظ هنا وهو التحاقه بالمرأة كما غلظنا في إيجاب الزكاة فألحقناه بالرجل اه " .
وهذا الثاني هو المتجه ( 3 / 89 ) .
تنبيه : .
يستثنى من مفهوم قول المصنف خيانة ما لو استعمل الوديعة ظانا أنها ملكه فيضمن مع أنه لا خيانة كما في الروضة وأصلها في باب الغصب عن جزم الإمام .
أو يأخذ الثوب .
من محله " ليلبسه أو الدراهم " من محلها " لينفقها " غير ظان أنها ملكه " فيضمن " بما ذكروا إن لم يلبس ولم ينفق لاقتران الفعل بنية التعدي فإن تلف المأخوذ في يده ضمنه فإن مضت في يده مدة بعد التعدي وجب عليه أجرة مثل تلك المدة .
فيحمل قول المصنف فيضمن على أن ذلك صار مضمونا عليه كالمغصوب حتى يتناول ضمان العين في صورة التلف والأجرة عند مضي المدة وعلى ذلك حمل المصنف في نكته كلام التنبيه .
أفهم كلامه أنه لو اقتصر على الربط من غير إمساك أنه يضمن قال في الروضة كأصلها وقياس ما سبق النظر لكيفية الربط وجهة التلف .
أما إذا أخذها ظانا أنها ملكه فإنه لا يضمنها إلا إن انتفع بها كما مر .
تنبيه : .
احترز بقوله الدراهم عما لو أخذ بعضها كأن أخذ منها درهما لينتفع به فإن رد بدله إليها لم يملكه المالك إلا بالدفع إليه ولم يبرأ عن ضمانه ثم إن لم يتميز عنها ضمن الجميع لخلط الوديعة بمال نفسه وإن تميز عنها فالباقي غير مضمون عليه وإن تميز عن بعضها لمخالفته له بصفة كسواد وبياض وسكة ضمن ما لا يتميز خاصة وإن رده بعينه إليها لم يضمن غيره من بقية الدراهم وإن تلفت كلها أو لم يتميز هو عنها لاختلاطه بها لأن هذا الخلط كان حاصلا قبل الأخذ وإن تلف نصفها ضمن نصف الدراهم فقط هذا كله إذا لم يفتح قفلا عن صندوق أو ختما عن كيس فيه الدراهم فإن فتحه أو أودعه دراهم مثلا مدفونة فنبشها ضمن الجميع وإن لم يأخذ شيئا لأنه هتك الحرز .
وفي ضمان الصندوق والكيس وجهان أوجههما كما قاله شيخنا الضمان لأنهما من الوديعة .
ولو فتح الربط الذي يشد به رأس الكيس لم يضمن لأن القصد منه منع الانتشار إلا أن يكون مكتوما عنه فيضمن .
ولو خرق الكيس من فوق الختم لم يضمن إلا نقصان الخرق نعم إن خرقه معتمدا ضمن جميع الكيس .
ولو عد الدراهم المودوعة أو وزنها أو ذرع الثوب كذلك ليعرف قدر ذلك لم يضمنه كما جزم به صاحب الأنوار لأن الشرع ورد بذلك في اللقطة وهي أمانة شرعية فهذه أولى .
ولو نوى الأخذ للوديعة جنانة أو نوى تعييبها " ولم يأخذ " ولم يعيب لم " يضمن على الصحيح " المنصوص لأنه لم يحدث فعلا .
والثاني يضمن كما لو نواه ابتداء .
وأجاب الأول بأن النية في الابتداء اقترنت بالفعل فأثرت ولا كذلك هنا .
تنبيه : .
محل الخلاف في التضمين أما التأثيم فلا خلاف أنه يأثم بنية الأخذ .
وأفهم كلامه أنه إذا أخذها يضمن من وقت نية الأخذ حتى لو نوى يوم الخميس وأخذ يوم الجمعة يضمن من يوم الخميس .
والمراد بالنية كما قال الإمام تجريد القصد لأخذها فأما ما يخطر بالبال وداعية الدين تمنعه فلا حكم له .
وإن تردد الرأي ولم يجز قصدا فالظاهر عندنا أنه لا حكم له حتى يجرد قصد العدوان .
ولو خلطها .
أي الوديعة " بماله " وإن قل كما قاله الإمام " ولم تتميز ضمن " لأن المودع لم يرض بذلك .
فإن تميزت بسكة أو عتق أو حداثة أو كانت دراهم فخلطها بدنانير لم يضمن .
نعم إن حدث بالخلط نقص ضمنه .
قال الزركشي وليس الضابط التمييز بل سهولته حتى لو خلط حنطة بشعير مثلا كان مضمنا فيما يظهر اه " .
وهذا ظاهر إذا عسر التمييز .
تنبيه : .
قوله ضمن أي الوديعة بالمثل إن كانت مثلية وبأقصى القيم إن كانت متقومة كالمغصوب .
ويملك الوديعة كما صرحا به في باب الغصب فيما إذا خلط الحنطة والزيت ونحوهما بمثلهما له إذ الذي لا يتميز هالك حتى ينتقل ذلك إليه ويترتب في ذمته الغرم .
ولو خلط دراهم كيسين .
مثلا غير مختومين " للمودع " ولم تتميز بسهولة " ضمن في الأصح " لتعديه .
والثاني لا لأن كلا لمالك واحد .
أما إذا كانا مختومين أو أحدهما فإنه يضمن بالفض وإن لم يخلط كما مر وإن كانت لمودعين فأولى بالضمان .
ولو قطع الوديع يد الدابة المودعة أو أحرق بعض الثوب المودع عنده خطأ ضمن المتلف فقط دون الباقي لعدم تعديه فيه أو شبه عمد أو عمدا ضمنهما جميعا لتعديه .
فإن قيل هذا يخالف تسويتهم الخطأ بالعمد في الضمان .
أجيب بأن التسوية في ضمان الإتلاف كما في بعض المتلف في مسألتنا لا في ( 3 / 90 ) ضمان التعدي كما في الباقي فيها إذ لا تعدي فيه .
ومتى صارت .
أي الوديعة " مضمونة بانتفاع وغيره " مما مر " ثم ترك الخيانة لم يبرأ " من الضمان ولا يجوز له بعد التعدي حفظها كما في فتاوي البغوي بل عليه ردها بخلاف المرهون في يد المرتهن والمال في يد الوكيل بعد تعديهما .
فإن أحدث له المالك استئمانا .
كقوله استأمنتك عليها أو أبرأتك من ضمانها أو أمره بردها إلى الحرز " برىء في الأصح " لأنه أسقط حقه .
والثاني لا يبرأ حتى يردها إليه أو إلى وكيله لخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه .
تنبيه : .
احترز بقوله أحدث عما لو قال له في الابتداء أودعتك فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينا فخان ثم ترك الخيانة فلا يعود أمينا قطعا كما نقلاه عن المتولي وأقراه لأنه إسقاط ما لم يجب وتعليق للوديعة .
قال الأذرعي ولا خفاه أن هذا الاستئمان إنما هو للمالك خاصة لا للولي والوكيل ونحوهما بل لا يجوز لهم ذلك ولو فعلوه لم يعد أمينا قطعا .
ولو أتلف الوديع الوديعة ثم أحدث له المالك استئمانا في البدل لم يبرأ بلا خلاف لأن الواجب عليه أن يرد البدل إلى المالك .
ثم شرع في الحكم الثالث وهو ردها عند بقائها على مالكها إذا طلبها فقال " ومتى طلبها " أي الوديعة " المالك " أو وارثه بعد موته وهو أهل للقبض " لزمه " أي الوديع " الرد " لقوله تعالى " إن الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها " .
أما إذا لم يكن أهلا للقبض كمحجور عليه فلا يلزمه الرد إليه بل يحرم فإن رد عليه ضمن .
ولو رد على المالك في حال سكره قال القفال في فتاويه يحتمل أن يقال لا ضمان لأن السكران مخاطب بخلاف الصبي اه " .
وهذا ظاهر .
وليس المراد برد الوديعة حملها إلى مالكها بل يحصل " بأن يخلي بينه وبينها " فقط وليس له أن يلزم المالك الإشهاد وإن كان أشهد عليه عند الدفع فإنه يصدق في الدفع بخلاف ما لو طلبها وكيل المودع لأنه لا يقبل قوله في دفعها إليه .
ولو كان الذي أودعه حاكما ثم طلبه فعليه أن يشهد له بالبراءة لأنه لو عزل لم يقبل قوله قاله الاصطخري في أدب القضاء .
قال الزركشي ويجيء مثله إذا كان المودع ينوب عن غيره بولاية أو وصية .
ولو أودع شخص يعرف باللصوصية وديعة عند آخر وغلب على ظن الوديع أنها لغيره ثم طالبه بالرد هل يلزمه أو يتوقف فيه ويطلب صاحبها فإذا لم يظهر مع امتداد الزمان رده احتمالان في البحر والذي يظهر أنه ليس له امتناع لظاهر اليد .
ولو بعث شخص رسولا لقضاء حاجة وأعطاه خاتمه أمارة لمن يقضي له الحاجة وقال رده علي بعد قضائها فوضعه بعد قضائها في حرز مثله لم يضمن إذ لا يجب عليه إلا التخلية لا النقل .
ولو قال من عنده وديعة لمالكها خذ وديعتك لزمه أخذها كما في البيان وعلى المالك مؤنة الرد .
تنبيه : .
ما ذكره المصنف حيث لا شريك للمودع فلو أودعه اثنان وجاء أحدهما يسترد نصيبه لم يدفعه إليه كما جزم به الرافعي لأنهما أنفقا في الإيداع فكذا في الاسترداد بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه .
واحترز بتفسير الرد بالتخلية عن رد الأمانات الشرعية كثوب طيرته الريح في داره فإن ردها بالإعلام بحصولها في يده .
فإن أخر .
رد الوديعة بالمعنى المذكور " بلا عذر ضمن " لتعديه فإن تأخر لعذر كصلاة وطهارة وملازمة غريم وأكل لم يضمن .
هذا إن كان العذر لا يطول زمنه فإن كان يطول كنذر اعتكاف شهر مثلا أو إحرام يطول زمنه قال الأذرعي فينبغي أن يقال إن تمكن من توكيل أمين متبرع يخلي بينها وبين ربها لزمه ذلك فإن أخر ضمن فإن لم يمكن ذلك فليرفع المالك الأمر إلى الحاكم ليبعث إليه بعد ثبوت الإيداع عنده أن يبعث معه من يخلي بينه وبينها فإن أبى بعث معه الحاكم أمينا يسلمها إليه كما لو كان الوديع غائبا اه " .
ولو قال له المالك أعط وكيلي فلانا وتمكن ضمن بالتأخير ولو لم يطالبه الوكيل وكذا من يعرف مالك الضالة وما طيرته الريح .
وإن أخر عن وكيل حتى يشهد عليه لم يضمن لما مر أنه لا يقبل قوله في الرد إليه أو ليعطي آخر وقد قال له أعطها أحد وكلائي ضمن فإن قال مع ذلك ولا تؤخر فأخر عصى أيضا فإن قال أعط من شئت منهم لم يعص بالتأخير ولم يضمن في أحد وجهين ( 3 / 91 ) رجحه الأذرعي .
إن ادعى تلفها ولم يذكر .
له " سببا أو ذكر " له سببا " خفيا كسرقة صدق " في ذلك " بيمينه " بالإجماع كما قاله ابن المنذر لأنه ائتمنه فليصدقه ولا يلزمه بيان السبب في الأولى نعم يلزمه أن يحلف له أنها تلفت بغير تفريط .
وإذا نكل عن اليمين عند ذكر السبب الخفي حلف أي المالك على نفي العلم وقيل على البت والغصب كالسرقة كما قاله البغوي وقال الرافعي إنه الأقرب وقيل كالموت ورجحه المتولي .
وقال الأذرعي إن ادعى وقوعه في مجمع طولب ببينة وإلا فلا اه " .
وينبغي حمل الكلامين على ذلك .
تنبيه : .
شمل إطلاق دعوى السرقة ما لو طلبها المالك فقال أردها ولم يخبره بالسرقة ثم طالبه فأخبره .
وقال العبادي إن كان يرجو وجودها فلا ضمان وإن أيس منها ضمن نقله عنه الزركشي وأقره والإطلاق أظهر .
وإن ذكر .
سببا " ظاهرا كحريق فإن عرف الحريق وعمومه " ولم يحتمل سلامة الوديعة كما قاله ابن المقري " صدق بلا يمين " لأن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين .
أما إذا احتمل سلامتها بأن عم ظاهرا لا يقينا فيحلف لاحتمال سلامتها كما قاله البلقيني .
وإن عرف .
الحريق " دون عمومه صدق بيمينه " لاحتمال ما ادعاه من السبب الظاهر " طولب ببينة " عليه " ثم يحلف على التلف به " لاحتمال أنها لم تتلف به ولا يكلف البينة على التلف به لأنه مما يخفى فإن لم تقم بينة أو نكل عن اليمين حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق .
نعم إن حدث بالخلط نقص ضمنه .
وإن ادعى .
وهو مستمر على أمانته " ردها على من ائتمنه " من مالك وحاكم وولي ووصي وقيم " صدق بيمينه " وإن أشهد عليه بها عند دفعها لأنه ائتمنه أما لو ضمنها بتفريط أو عدوان فإنه لا يقبل دعواه ردها .
تنبيه : .
ما ذكره المصنف يجري في كل أمين كوكيل وشريك وعامل قراض وجاب في رد ما جباه على الذي استأجره للجباية كما قاله ابن الصلاح وأمين ادعى الرد على الوديع إذا أودعه عند سفره لأنه ائتمنه بناء على أن للوديع الاسترداد إذا عاد من سفره وهو المعتمد بخلاف ما إذا ادعى الرد على المالك فإنه لا يصدق كما سيأتي لأنه لم يأتمنه ولا يصدق ملتقط الشيء ولا من ألقت عليه الريح ثوبا في الرد إلى المالك لأنه لم يأتمنهما .
وضابط الذي يصدق بيمينه في الرد هو كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه إلا المرتهن والمستأجر فإنهما يصدقان في التلف لا في الرد لأنهما أخذا العين لغرض أنفسهما .
وقال ابن القاص وغيره كل مال تلف في يد أمين من غير تعد لا ضمان عليه إلا فيما إذا استسلف السلطان لحاجة المساكين زكاة قبل حلولها فتلفت في يد فيضمنها لهم أي في بعض صورها المقررة في محلها وقول الزركشي ويلحق بها ما لو اشترى عينا وحبسها البائع على الثمن ثم أودعها عند المشتري فتلفت فإنها من ضمانه ويتقرر عليه الثمن ممنوع بل الراجح أنه لا يتقرر عليه فهو كما لو تلف في يد البائع كما هو مذكور في باب المبيع قبل قبضه .
أو .
ادعى الرد " على غيره " أي غير من ائتمنه " كوارثه " أي المالك " أو ادعى وارث المودع " بفتح الدال " الرد " للوديعة منه لا من مورثه " على المالك أو أودع عند سفره أمينا فادعى الأمين الرد على المالك طولب " كل ممن ذكر " ببينة " بالرد على من ذكر إذ الأصل عدم الرد ولم يأتمنه .
أما إذا ادعى الوارث الرد من مورثه فإنه يصدق بيمينه لدخول ذلك في الضابط المتقدم وصرح به اللغوي وقال الرافعي وهو الوجه لأن الأصل عدم حصولها في يده وقال ابن أبي الدم إنه الأصح وخالف في ذلك المتولي وقال يطالب بالبينة .
وجحودها .
بلا عذر " بعد طلب المالك " لها " مضمن " كخيانته .
أما لو جحدها بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطلب المالك ( 3 / 92 ) الوديع بها فجحدها دفعا للظالم أو جحدها بلا طلب من مالكها وإن كان الجحد بحضرته كقوله ابتداء لا وديعة عندي لأحد فإنه لا يضمن لأن إخفاءها أبلغ في حفظها ولو لم يطلبها المالك ولكن قال لي عندك وديعة فأنكر لم يضمن أيضا على الأصح لأنه قد يكون في الإخفاء غرض صحيح ولو جحدها بعد الطلب ثم قال كنت غلطت أو نسيت لم يبرأ إلا أن يصدقه المالك " .
فائدة : .
سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة مضت عليها مدة طويلة ولم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام فقال يصرفها في أهم مصالح المسلمين ويقدم أهل الضرورة ومسيس الحاجة ولا يبني بها مسجدا ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه وإن جهله فليسأل أورع العلماء بالمصالح الواجبة التقديم .
خاتمة لو تنازعا الوديعة إثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه فإن حلف سقطت دعوى الآخر وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما وإن قال هي لأحدكما ونسيته وكذباه في النسيان ضمن كالغاصب والغاصب إذا قال المغصوب لأحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين .
ولو ادعى الوارث علم الوديع بموت المالك وطلب منه الوديعة فله تحليفه على نفي العلم بذلك فإن نكل حلف الوارث وأخذها وإن قال الوديع حبستها عندي لأنظر هل أوصى بها مالكها أم لا فهو متعد ضامن ولو أودعه ورقة مكتوبا فيها الحق المقر به وتلفت بتقصير ضمن قيمتها مكتوبة وأجرة الكتابة كذا قالاه .
فإن قيل هذا الأوجه له فإن الورقة المكتوبة متقومة فإذا تلفت لزمه قيمتها ولا نظر لأجرة الكتابة ولو صح هذا للزم أنه لو أتلف على غيره ثوبا مطرزا غرم قيمته وأجرة التطريز وهذا لا يقوله أحد والغاصب إنما يغرم القيمة فقط كما أجاب به الماوردي وغيره فالصواب لزومها فقط .
أجيب بأن التطريز يزيد قيمة الثوب غالبا ولا كذلك الكتابة فإنها قد تنقصها وعلى هذا لا فرق بين الكتاب الكامل وغيره