" له " أي الموصي " الرجوع عن الوصية " أي عن التبرع المتعلق بالموت بالإجماع كما حكاه الأستاذ أبو منصور ولأنه عطية لم يزل عنها ملك معطيها فأشبعت الهبة قبل القبض .
وعن بعضها .
كمن أوصى بشيء ثم رجع عن بعضه لما روى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه .
يغير الرجل من وصيته ما شاء أما المنجز في المرض فلا يجوز الرجوع عنه وإن كان يعتبر من الثلث إلا فيما لفرعه كالهبة .
ويحصل الرجوع بالقول بأمور منها ما أشار إليه المصنف " بقوله " أي الموصي " نقصت الوصية أو أبطلتها " أو رفعتها أو رددتها " أو رجعت فيها أو فسختها " أو أزلتها ونحو ذلك من الصرائح وكذا لو قال هو حرام على الموصى له على المذهب .
أو هذا لوارثي .
بعد موتي مشيرا إلى الموصى به أو هو ميراث عني لأنه لا يكون لوارثه إلا إذا انقطع تعلق الموصى له عنه .
فإن قيل يجوز أن يقال ببطلان نصف الوصية حملا على التشريك بين الوارث والموصى له كما سيأتي فيما لو أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو أن الوصية الثانية تشريك .
أجيب بأنها إنما كانت تشريكا ثم لمشاركتها الأولى في التبرع بخلاف ما هنا المعتضد بقوة الإرث الثابت قهرا وبان قوله هذا لوارثي مفهوم صفة أي لا لغيره وأما قوله هو لعمرو بعد قوله هو لزيد فمفهوم لقب والصحيح أنه ليس بحجة فلذلك قيل فيه بالتشريك دون تلك .
ولو قال هو تركتي لم يكن رجوعا لأن الوصية من التركة .
ولو سئل عن الوصية فأنكرها قال الرافعي فهو على ما مر في جحد الوكالة أي فيفرق فيه بين أن يكون لغرض فلا يكون رجوعا أو لا لغرض فيكون رجوعا وهذا هو المعتمد ووقع في أصل الروضة هنا أنه رجوع وفي التدبير أنه ليس برجوع ويمكن حمل ذلك على ما مر .
و .
يحصل الرجوع أيضا عن الوصية لا بصيغة رجوع بل يتصرف الموصي فيها " ببيع " وإن حصل بعده فسخ ولو بخيار المجلس " و " نحو " إعتاق إصداق " من التصرفات الناجزة اللازمة في الحياة بالإجماع كما نقله ابن المنذر لأنه يدل على الإعراض عن الوصية وتنفذ هذه التصرفات ولا تعود الوصية لو عاد الملك .
قال الزركشي ولا يجيء فيه الخلاف في نظيره من الفلس والهبة للولد لأن للبائع والوالد حقا ليس للمشتري والوالد إبطاله وأما الموصي فله إبطال الوصية .
وكذا هبة أو رهن مع قبض .
في كل منهما رجوع جزما لزوال الملك في الأولى وتعريضه للبيع في الثانية ولكن في الرهن وجه أنه ليس برجوع لأنه لا يزيل الملك .
وكذا دونه .
أي يكون ذلك رجوعا من غير قبض فيهما " في الأصح " لأنه عرضة لزوال الملك وذلك يدل على الإعراض عن الوصية .
والثاني لا لبقاء ملكه .
تنبيه : .
ما ذكر في الهبة محله في الصحيحة وأما الفاسدة فحكى الماوردي فيها ثلاثة أوجه ثالثها إن اتصل بها القبض كانت رجوعا وإلا فلا .
قال في الكفاية وكلامه يفهم طردهما في الرهن الفاسد .
والأوجه كما قال شيخنا أنه رجوع فيهما مطلقا كالعرض على ما يأتي بل أولى .
و .
يحصل الرجوع أيضا " بوصية بهذه التصرفات " فيما أوصى به كبيع وهبة وما عطف عليهما لإشعاره بالرجوع .
وكذا توكيله في بيعه .
أي الموصى به " وعرضه عليه " أو على الرهن أو الهبة يكون رجوعا " في الأصح " لأنه توسل إلى أمر يحصل به الرجوع .
والثاني يكون رجوعا في النصف فقط كما ( 3 / 72 ) صرح به في الروضة بالنسبة للوصية والتوكيل لا مطلقا كما يوهمه .
إطلاق المتن في الجميع والروضة في العرض .
ولو أجر الموصى به أو أعاره أو استخدمه أو ركب المركوب أو لبس الثوب أو أذن للرقيق في التجارة أو كانت جارية فزوجها أو وطئها وإن أنزل أو علمها صنعة أو عبدا فزوجه أو علمه صنعة أو سئل عن الوصية فقال لا أدري لم يمكن رجوعا لأن هذا لا ينافي الوصية بل هي إما انتفاع وله المنفعة والرقبة قبل موته وإما استصلاح قصد به إفادة الموصى له .
تنبيه : .
هذا كله في وصية بمعين فإن أوصى بثلث ماله ثم هلك أو تصرف في جميعه ببيع أو غيره لم يمكن رجوعا لأن الثلث مطلق لا يختص بما ملكه وقت الوصية بل العبرة بما ملكه عند الموت زاد أو نقص أو تبدل كما جزم به في الروضة وأصلها وغيرهما .
وخلط حنطة معينة .
وصى بها بحنطة أخرى " رجوع " سواء أخلطها بمثلها أم بغيره لتعذر التسليم بما أحدثه في العين .
تنبيه : .
المراد بالخلط ما لا يمكن تمييزه فإن أمكن فلا رجوع كما صرح به في الكفاية وتعليلهم .
مصرح به وكان الأولى أن يقول كالروضة وخلطه أي الموصي لأنها لو اختطلت بنفسها أو خلطها غيره بغير إذنه لم يؤثر ولو كان الموصى به صاعا مثلا من الحنطة بغير تعيين فحكمه مذكور في قوله " ولو وصى بصاع من صبرة " معينة " فخلطها " الموصي " بأجود منها فرجوع " لأنه أحدث بالخلط زيادة لم يرض بتسليمها ولا يمكن بدونها .
واحترز ب خلطها عما لو اختلطت بنفسها أو خلطها لأنه كالتعييب .
والثاني رجوع لأنه غيره فأشبه الخلط بالأجود .
فإن أوصى بصاع من حنطة ولم يصفها ولم يعين الصاع فلا أثر للخلط ويعطيه الوارث ما شاء من حنطة التركة .
فإن قال من مالي حصله الوارث فإن وصفها وقال من حنطتي الفلانية فالوصف مرعي فإن بطل بخلطه بطلت الوصية .
وطحن حنطة وصى بها وبذرها .
بمعجمة بخطه أي حنطة وصى بها وكذا يقدر في بقية المعطوفات .
وعجن دقيق .
وخبز عجين وذبح شاة وإحضان بيض لنحو دجاج لينفرخ ودبغ جلد وطبخ لحم " وغزل قطن ونسج غزل وقطع ثوب قميصا " وصبغه أو قصارته وجعل الخشب بابا " وبناء وغراس في عرصة رجوع " عن الوصية لمعنيين أحدهما زوال الاسم قبل استحقاق الموصى له فكان كالتلف .
والثاني الإشعار بالإعراض عن الوصية .
ويعزى الأول منهما إلى النص والثاني إلى أبي إسحاق وعليهما ينبني ما لو حصل ذلك بغير إذنه فقياس الأول أنه رجوع وقياس الثاني المنع .
هذا والأوجه كما قال شيخنا أن كلا منهما تعليل مستقل فإن الأصحاب يعللون بكل منهما فلو طبخ الوصي اللحم أو شواه أو جعله وهو لا يفسد قديدا أو جعل الخبز فتيتا أو حشا القطن فراشا أو جبة كان رجوعا لإشعار ذلك بالصرف عن الوصية ولأن القديد لا يسمى لحما على الإطلاق وإنما يسمى لحم قديد بخلاف ما لو جفف رطبا أو قدد لحما قد يفسد فإنه ليس برجوع لأن ذلك صون للرطب واللحم عن الفساد فلا يشعر بتغير القصد .
فإن قيل خبز العجين للصون عن الفساد أيضا مع أنه رجوع أجيب بأن فيه مع صونه تهيئته للأكل بخلاف ما هنا .
وقيل إن ذلك رجوع لزوال الاسم .
وبخلاف ما لو خاط الثوب وهو مقطوع حين الوصية أو غسله أو نقل الموصى به إلى مكان آخر ولو بعيدا عن محل الوصية فلا يكون ذلك رجوعا إذ لا إشعار لكل منها بالرجوع .
وخرج ببناء و غراس الزرع في العرصة فلا يكون رجوعا كلبس الثوب .
نعم إن كان المزروع مما تبقى أصوله فالأقرب كما قال الأذرعي إلى كلامهم في بيع الأصول والثمار أنه كالغراس لأنه يراد للدوام .
ولو عمر بستانا أو أوصى به لم يكن رجوعا إلا إن غير اسمه كأن جعله خانا أو لم يغيره لكن أحدث فيه بابا من عنده فيكون رجوعا .
وهدم الدار المبطل لاسمها رجوع في النقض من طوب وخشب وفي العرصة أيضا لظهور ذلك في الصرف عن جهة الوصية .
وانهدامها ولو بهدم غير يبطلها في النقض لبطلان الاسم لا في العرصة والأس إن بقي لبقائهما بحالهما هذا إن بطل الاسم وإلا بطل ( 3 / 73 ) في نقض المنهدم منها فقط كما نقله ابن الرفعة عن النص وقطع به الجمهور ولا أثر لانهدامها بعد الموت وقبل القبول وإن زال اسمها بذلك لاستقرار الوصية بموت وبقاء اسم الدار يومئذ .
فروع لو أوصى بمنفعة رقيق مثلا سنة ثم أجره سنة ومات عقب الإجارة بطلت وصيته لأن المستحق للموصى له السنة الأولى فإذا انصرفت إلى جهة أخرى بطلت الوصية أو مات بعد ستة أشهر بطلت في النص الأول .
ولو حبس الرقيق الوارث السنة بلا عذر غرم للموصى له الأجرة ولا أثر لانقضاء مدة الإجارة قبل موته .
ولو أوصى بخدمة عبد لشخص سنة غير معينة صح ذلك ويعين الوارث ذلك .
قال الأذرعي ويشبه أن يقال يحمل الإطلاق على سنة متصلة بموته لاسيما إذا كان الموصى له مضطرا إلى من يخدمه لمرض أو زمانة وعلم الموصي حاله وقصد إعانته وأما إحالة الأمر على تعيين الوارث فليس بالواضح قال لكن يشهد له قول القاضي لو أوصى بثمرة هذا البستان سنة ولم يعينها فتعيينها إلى الوارث اه " .
وقد يدل للبحث المسألة الأولى فإن الوصية حملت فيها على السنة الأولى وقد يفرق بأن الوصية بالمنافع تقتضي تمليكه بجميع منافعه فكان المناسب لذلك الحمل على السنة الأولى وهناك خصه بنوع منها وهو الخدمة فجعلت الخيرة في زمنه للوارث ولو أوصى لزيد بمائة معينة ثم بمائة أخرى معينة استحقهما وإن أطلقهما أو إحداهما فمائة لأنها المتيقنة المنفعة .
ولو أوصى له بمائة ثم بخمسين فخمسون فقط لأنه ربما قصد تقليل حقه فيؤخذ باليقين .
وإن أوصى له بخمسين ثم بمائة فمائة لأنها المتيقنة فلو وجدنا الوصيتين ولم نعلم المتأخرة منهما أعطي المتيقن وهو خمسون لاحتمال تأخر الوصية بها .
ولو أوصى لزيد بمائة ولعمرو بمائة ثم قال لآخر أشركتك معهما أعطي نصف ما بيدهما ولو أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو لم يكن رجوعا عن وصيته لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما كما لو قال دفعة واحدة أوصيت بها لكما .
لكن لو رد أحدهما الوصية في الأولى كان الكل للآخذ بخلافه في الثانية فإنه يكون له النصف فقط لأنه الذي أوجبه الموصي صريحا بخلافه في الأولى .
ولو أوصى بعين لزيد ثم بنصفها لعمرو وقبلا اقتسماها أثلاثا ثلثاها للأول وثلثها للثاني فإن رد الأول فنصفها للثاني أو الثاني فكلها للأول كذا قالاه .
قال في المهمات وهو غلط بل الصواب أن يقال للأول ثلاثة أرباعه وللثاني الربع إذ النصف للأول وقد شركه مع الثاني في النصف الآخر .
واعترضه البلقيني بأن الطريقة التي أشار إليها طريقة ضعيفة والصواب المعتمد المنقول في المذهب ما ذكراه عملا بطريقة العول التي نص عليها الشافعي في الأم واختارها ابن الحداد وتقريرها أن يقال معنا مال ونصف مال فنضيف النصف على الكل فتكون الجملة ثلاثة تقسم على النسبة فيكون لصاحب المال ثلثاه ولصاحب النصف الثلث .
وإن أوصى بعبد لزيد ثم أوصى بعتقه أو أوصى بعتقه ثم أوصى به لزيد كان رجوعا عن الوصية الأولى في أحد وجهين مقتضى كلام أصل الروضة ترجيحه لأن الثانية ليست من جنس الأولى وبهذا فارق ما لو أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو .
ولو قال أوصيت لزيد بثلث مالي مثلا إلا ثلث مالي كان استثناء مستغرقا وهل يلغو الاستثناء كما في الطلاق والإقرار ونحوهما أو يكون رجوعا عن الوصية كما يؤخذ من قول ابن الرفعة في الاستثناء المستغرق في الإقرار أن قوله له علي عشرة إلا عشرة بمنزلة قوله له علي عشرة ماله علي شيء اه " .
فكأنه قال في الوصية أوصيت له بكذا ما أوصيت له بشيء وهذا رجوع وظاهر كلام الشيخين كأكثر الأصحاب الأول وصرح المارديني بتصحيح الثاني وبرهن عليه بأشياء كثيرة في كشف الغوامض وشرحه وهذا هو الذي يظهر