" وهو القسم الثاني وذكر معه بيان ما يفعل عن الميت وما ينفعه مبتدئا ذلك بالقسم الثاني فقال " تصح " الوصية " بمنافع عبد " ونحوه من الدواب " ودار " ونحوها من العقارات " و " نحو " غلة حانوت " كثمرة بستان مؤقتة ومؤبدة والإطلاق يقتضي التأبيد لأنها أموال مقابلة بالأعواض فكانت كالأعيان .
وضبط الإمام المنافع بما يملك بالإجارة وغلة عطف على منافع وهو مشعر بمغايرتها لها .
قال السبكي والمنافع والغلة متقاربان وكل عين فيها منفعة فقد يحصل منها شيء غير تلك المنفعة إما بفعله كالاستغلال أو بعوض عن فعل غيره أو من عند الله تعالى وذلك الشيء يسمى غلة فالموصى له به يملكه غير ملك العين ولأن المنفعة كأجرة العبد والدار والحانوت وكسب العبد وما ينبت في الأرض كله غلة تصح الوصية به كما تصح بالمنفعة .
تنبيه : .
قد ذكر المصنف في أول الباب الوصية بالمنافع وإنما أعادها ليرتب عليها قوله " ويملك الموصى له منفعة العبد " الموصى بها وليست مجرد إباحة خلافا الأبي حنيفة .
لنا أن الوصية بذلك تلزم بالقبول بخلاف العارية فله أن ( 3 / 65 ) يؤجر ويعير ويورث عنه ويوصي بها ولهذا عبر المصنف بالمنفعة دون أن ينتفع فإنه لو قال أوصيت لك بأن تنتفع به حياتك أو بأن تسكن هذه الدار أو بأن يخدمك هذا العبد إباحة لا تمليك فليس له الإجارة ولا الإعارة في أصح الوجهين ويفارق ما مر بأنه هنا عبر بالفعل وأسنده إلى المخاطب فاقتضى قصوره على مباشرته بخلافه ثم .
تنبيه : .
إطلاقه المنفعة يقتضي عدم الفرق بين المؤبدة والمقيدة وهو كذلك كما قطعا به في باب الإجارة خلافا لما مشينا عليه هنا من أن الوصية المؤقتة إباحة فلا يؤجر .
و .
يملك أيضا " أكسابه المعتادة " كاحتطاب واصطياد وأجرة حرفة ونحوها لأنها أبدال المنافع الموصى بها بخلاف النادرة كالهبة واللقطة لأنها لا تقصد بالوصية .
وعن ابن عبد السلام أنه قال ما زلت أستشكل ملك الرقبة دون المنفعة وأقول هذا إنما ينتفع ويملك المنافع فما الذي بقي لمالك الرقبة حتى رأيت في المنام قائلا يقول لو ظهر في الأرض معدن ملكه مالك الرقبة دون المنفعة اه " .
وله أيضا عتقه وبيعه من الموصى له .
وكذا مهرها .
أي الأمة الموصى بمنفعتها لشخص إن زوجت أو وطئت بشبهة مثلا يملكه الموصى له " في الأصح " لأنه من فوائد الرقبة كالكسب وهذا ما في الروضة وأصلها عن العراقيين والبغوي وجزم به الأكثرون .
والثاني وهو الأشبه في الروضة وأصلها أن مهرها لوارث الموصي .
أما أرش البكارة إذا لم نقل بالاندراج فهو للوارث لأنه بدل جزء من البدن .
ويحرم على الوارث وطء الأمة الموصى بمنفعتها إن كانت ممن يحبل لما فيه من خوف الهلاك بالطلق والنقصان والضعف بالولادة والحمل بخلاف ما إذا كانت ممن لا يحبل وقيل يحرم مطلقا كما في المرهونة .
وفرق الأول بأن الراهن هو الذي حجر على نفسه وبأنه متمكن من رفع العلقة بأداء الدين بخلاف الوارث فيهما ولا بد على الأول أن لا يعطل زمن الوطء ما يستحقه الموصى له من المنفعة كما قاله الأذرعي فإن وطىء فأولدها فالولد حر نسيب ولا حد عليه للشبهة .
وعليه قيمته ويشترى بها مثله لتكون رقبته للوارث ومنفعته للموصى له كما لو ولدته رقيقا وتصير أمه أم ولد للوارث تعتق بموته مسلوبة المنفعة ويلزمه المهر للموصى له .
وكذا يحرم وطؤها على الموصى له بمنفعتها فلو وطئها فالولد حر نسيب ولا حد كما جزم به في أصل الروضة هنا وقال ابن الرفعة إنه الصحيح و الإسنوي إنه أوجه مما جزم به في الوقف أنه يحد كما يحد الموقوف عليه .
والفرق أن ملك الموصى له بالمنفعة أتم من ملك الموقوف عليه بدليل أنها يورث عنه كما مر ولا كذلك الموقوف عليه .
قال الأذرعي وهذا كله فيما لو أوصى له بمنفعتها أبدا أما لو أوصى له بهامدة فالوجه وجوب الحد عليه كالمستأجر اه " .
والمعتمد كما قال شيخي أنه لا حد مطلقا .
ولو أحبلها الموصى له لم يثبت استيلادها لأنه لا يملكها وعليه قيمة الولد بناء على الأصح الآتي من أن الولد المملوك ليس كالكسب ويشترى بها رقيق ويكون مثل الأمة رقبته للوارث ومنفعته للموصى له وقيل القيمة للوارث .
ويجوز تزويج الموصى بمنفعته ومن يزوجه .
قال في الوسيط أما العبد فيظهر استقلال الموصى له به لأن منع العقد للتضرر بتعلق الحقوق بالأكساب وهو المتضرر .
وأما الأمة فيزوجها الوارث على الأصح لملكه الرقبة لكن لا بد من رضا الموصى له لما فيه من تضرره اه " .
وهذا الذي قاله في الأمة يأتي في العبد أيضا فالوجه أنه لا بد من رضا الموصى له والوارث في الحالين كما قاله شيخي .
ولا ولدها .
من نكاح أو زنا فلا يملكه الموصى له بمنفعة أمه " في الأصح بل هو كالأم منفعته له ورقبته للوارث " لأنه جزء من الأم فيجري مجراها .
والثاني يملكه الموصى له كالموقوفة .
وفرق الأول بأن الملك في الموقوفة أقوى بدليل أنه يملك الرقبة على قول فقوي الاستتباع بخلافه هنا كذا قيل .
وهو كما قال شيخنا مردود بأن الموصى له بالمنفعة أبدا قيل فيه إنه يملك الرقبة أيضا حكاه الماوردي وغيره .
فالأولى أن يفرق بأن الواقف أخرج العين عن ملكه بالوقف على الأصح والموصي لم يخرجها وإنما أخرج المنفعة لكن المنفعة استتبعت العين في القول المذكور .
وله .
أي الوارث " إعتاقه " أي العبد الموصى بمنفعته ولو مؤبدا لأنه مالك لرقبته وتبقى الوصية بحالها ولا يرجع العتيق عليه بقيمة المنفعة لأنه ملك الرقبة مسلوبة المنفعة ولا يصح أن يكاتبه ولا أن يعتقه عن كفارته لعجزه عن ( 3 / 66 ) الكسب .
قال الزركشي وينبغي أن يكون إجراؤه عن النذر على الخلاف في أنه يسلك به مسلك الواجب أو الجائز اه " .
ويؤخذ من ترجيح المصنف في باب النذر أن المعيب يجزىء أن هذا يجزىء أيضا .
ولو ملك هذا العتيق رقيقا بالإرث أو الهبة أو بغير ذلك فاز بكسبه .
وله أن يستعير نفسه من سيده قياسا على ما لو أجر الحر نفسه وسلمها ثم استعارها .
وعليه .
أي الوارث " نفقته " وكسوته وفطرته " إن أوصى بمنفعته مدة " لأنه ملكه كما إذا أجره " وكذا " إن أوصى بها " أبدا في الأصح " بأن يقول أبدا أو مدة حياة العبد أو يطلق لما مر وهو متمكن من دفع الضرر عنه بإعتاقه .
والثاني أنها على الموصى له لأنه مستوفي المنفعة فهو كالزوج وعلف الدابة كنفقة الرقيق .
وأما سقي البستان الموصى بثمره فإن تراضيا عليه أو تبرع به أحدهما فظاهر وليس للآخر منعه وإن تنازعا لم يجبر واحد منهما بخلاف النفقة لحرمة الروح .
و .
للوارث " بيعه " أي الموصى بمنفعته للموصى له قطعا ولغيره على الراجح " إن لم يؤبد " الموصى بمنفعته " كالمستأجر " والجامع استحقاق المنفعة مدة مؤقتة .
ويؤخذ من ذلك أن المدة لا بد أن تكون معينة أما إذا كانت مجهولة كحياة زيد فيتعين القطع بالبطلان كما في المطلب .
وإن أبد .
الموصي المنفعة أو كانت مجهولة " فالأصح أنه يصح بيعه للموصى له " لاجتماع الرقبة والمنفعة له " دون غيره " إذ لا فائدة لغيره فيه أي فائدة ظاهرة تقصد بالبيع ولا عبرة باحتمال أنه قد يجد كنزا أو نحوه .
والثاني يصح مطلقا لكمال الرقبة فيه .
والثالث لا يصح مطلقا لاستغراق المنفعة بحق الغير أي في الأولى ولجهل المدة في الثانية .
وعلى الأول لو اجتمعا على بيعه فالقياس كما قال الزركشي الصحة ولو أراد صاحب المنفعة بيعها قال الزركشي فقياس ما سبق الصحة من الوارث دون غيره وجزم به الدارمي والظاهر كما قال شيخي الصحة مطلقا لأن علة المنع المتقدمة لا تأتي هنا وسيأتي تصوير بيع المنفعة .
ولو قتل الموصى بمنفعته قتلا يوجب القصاص فاقتص الوارث من قاتله انتهت الوصية كما لو مات أو انهدمت الدار وبطلت منفعتها .
فإن وجب مال يعفو على القصاص أو بجناية توجبه اشتري به مثل الموصى بمنفعته ولو كانت الجناية من الوارث أو الموصى له .
ولو قطع طرفه فالأرش للوارث لأن الموصى به باق منتفع به ومقادير المنفعة لا تنضبط ولأن الأرش بدل بعض العين .
وإن جنى عمدا اقتص منه أو خطأ أو شبه عمد أو عفا على مال تعلق برقبته وبيع في الجناية إن لم يفدياه .
فإن زاد الثمن على الأرش اشتري بالزائد مثله .
وإن فدياه أو أحدهما أو غيرهما عاد كما كان .
وإن فدى أحدهما نصيبه فقط بيع في الجناية نصيب الآخر .
فإن قيل إذا فديت الرقبة كيف تباع المنافع وحدها أجيب بأن بيعها وحدها معقول فقد قالوا به في بيع حق البناء على السطح ونحوه بأنها تباع وحدها بالإجارة .
و .
الأصح أيضا " أنه تعتبر قيمة العبد كلها " رقبته ومنفعته " من الثلث إن وصى بمنفعته أبدا " ولو بحياة الموصى له لتفويت اليد كما لو باع بثمن مؤجل ولأن المنفعة المؤبدة لا يمكن تقويمها ولأن مدة عمره غير معلومة فتعين تقويم الرقبة بمنافعها ويؤخذ من ذلك أن المدة المجهولة كذلك .
والثاني وخرجه ابن سريج أنه يعتبر ما نقص من قيمته إذ لا بد أن يبقى له قيمة طمعا في إعتاقه مثاله أوصى بمنفعة عبد قيمته بمنافعه مائة وبدونها عشرة فالمعتبر من الثلث على الأول المائة لا التسعون فيعتبر في نفوذ الوصية أن يكون له مائتان والمعتبر على الثاني تسعون فقط فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين .
وعلى الأول لو أوصى برقبته دون منفعته لم يحسب العبد من الثلث لجعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة .
وإن أوصى بها .
أي منفعة العبد " مدة " معلومة " قوم بمنفعته ثم " قوم " مسلوبها تلك المدة ويحسب الناقص من الثلث " لأن الحيلولة معرضة للزوال فلو قوم بمنفعته بمائة وبدونها تلك المدة بثمانين فالوصية بعشرين .
ولو أوصى ببعض المنفعة قال ابن الصلاح ينبغي أن يقوم الموصى به دون العين لأنه لم يوص له بجميع منافعها .
ولو أوصى لزيد بمنفعة عبد ولآخر ( 3 / 67 ) برقبته فرد الموصى له بالمنفعة الوصية عادت إلى الوارث كما اختاره السبكي .
تنبيه : .
ذكر المصنف العبد مثال فإن منفعة الدار وثمرة البستان كذلك .
ولو انهدمت الدار الموصى بمنافعها فأعادها الوارث بآلتها عاد حق الموصى له كما صححه المصنف .
ولو غصب الموصى بمنافعه فأجرته عن مدة الغصب للموصى له لا للوارث بخلاف نظيره في المؤجر لأنها هنا بدل حقه بخلافها ثم فإن الإجارة تنفسخ في تلك المدة فتعوذ المنافع إلى مالك الرقبة .
وتصح .
الوصية " بحج " وعمرة " تطوع في الأظهر " بناء على الأظهر من جواز النيابة فيه لأنها عبادة تدخل النيابة في فرضها فتدخل في نفلها كأداء الزكاة .
فإن قيل قد نقض هذا في المجموع بالصوم فإنه لا نيابة في نقله قطعا .
أجيب بأن النيابة تصح في فرض الزكاة وفرض الحج في الحياة بشرطه وبعد الممات وهو المراد فصحت النيابة في نفلهما .
وأما فرض الصوم فلم تصح النيابة فيه في الحياة بحال فلم تقع المشابهة بينه وبينهما فلا ينقض به ذلك .
فإن قيل ذكروا هنا في الصوم عن المريض المأيوس وجهين من غير ترجيح قال الرافعي تشبيها بالحج وقضيته الجواز فلا يصح الجواب المذكور .
أجيب بأنهم صرحوا في باب الصوم بأنه لا يصح الصوم عن حي بلا خلاف معذورا كان أو غيره ولا يلزم من التشبيه الاتحاد في الترجيح .
قال الزركشي ويجيء الخلاف في حج الوارث أو الأجنبي عمن مات ولم يجب عليه الحج لفقد الاستطاعة ومنهم من قطع بالصحة لأنه يقع عن الواجب فيها ولهذا لو تكلف في الحياة وقع عن فرضه اه " .
والقطع أظهر والثاني المنع لأن الضرورة في الفرض منتفية في التطوع .
وعلى الأول تحسب من الثلث فتبطل إن عجز الثلث أو ما يخص الحج منه عن أجرة الحج ويرجع للوارث كما قاله القاضي حسين في باب الحج وفرق بينه وبين ما لو أوصى بالعتق ولم يف ثلثه بجميع ثمن الرقبة حيث يعتق بقدره على وجه بأن عتق البعض قربة كالكل والحج لا يتبعض .
ثم شرع فيما يفعل عن الميت فقال " ويحج " بضم أوله " من بلده أو الميقات كما قيد " عملا بوصيته هذا إن وسعه الثلث وإلا فمن حيث أمكن نص عليه في عيون المسائل .
وإن .
لم يقيد بل " أطلق " الحج " فمن الميقات " يحج عنه " في الأصح " حملا على أقل الدرجات .
والثاني من بلده لأن الغالب التجهيز للحج منه .
وأجاب الأول بأن هذا ليس بغالب .
تنبيه : .
هذا إذا قال حجوا عني من ثلثي فإن قال حجوا عني بثلثي فعل ما يمكن به ذلك من حجتين فأكثر فإن فضل ما لا يمكن أن يحج به كان للوارث كما مر .
وحجة الإسلام .
وإن لم يوص بها تحسب على المشهور " من رأس المال " كسائر الديون وأولى وكذا كل واجب بأصل الشرع كالعمرة والزكاة والكفارة سواء أوصى به في الصحة أم في المرض .
وحجة النذر كحجة الإسلام على الأصح كذا قالاه قال ابن الرفعة ومحله إذا التزمه في الصحة فإن التزمه في المرض فمن الثلث قطعا قاله الفوراني ونقله البلقيني عن الإمام وقال ينبغي الفتوى به .
فإن أوصى بها من رأس المال أو .
من " الثلث عمل به " وهو في الأولى تأكيد لأنه المعتبر بدونها وفي الثانية قصد الرفق بالورثة لتوفير الثلثين فتزاحم الوصايا بخلاف ما لو أوصى بعتق أم الولد من الثلث فإنها تعتق من رأس المال لأن الاستيلاد إتلاف فلم تؤثر فيه الوصية فإن لم يف الثلث بما ذكر لم يقدم الحج بل يوزع عليها وعلى الحج بالحصة ويكمل الواجب من رأس المال كما لو قال اقضوا ديني من ثلثي فلم يف الثلث به وحينئذ تدور المسألة لتوقف معرفة ما تتم به على معرفة ثلث الباقي .
وطريق استخراجه فيما لو أوصى بحجة الإسلام من الثلث والأجرة لها مائة وأوصى لزيد بمائة والتركة ثلاثمائة أن يفرض ما يتم به الحج شيئا يبقى ثلاثمائة إلا شيئا انزع منها ثلثها وهو مائة إلا ثلث شيء اقسمه بين الحج وزيد نصفين فنصيب الحج خمسون إلا سدس شيء فيضم إلى ذلك الشيء مبلغ خمسين وخمسة أسداس تعدل مائة وذلك تمام الأجرة فأسقط خمسين بخمسين يبقى خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسين وإذا كان خمسة أسداس الشيء خمسين كان الشيء ستين فانزع الستين من رأس المال ثم خذ ثلث الباقي وهو ثمانون اقسمه بين الوصيين يحصل لصاحب الوصية أربعون وللحج ( 3 / 68 ) أربعون فهي مع الستين اللاتي نزعتها من رأس المال تمام أجرة الحج .
وإن أطلق الوصية بها .
أي بحجة الإسلام بأن لم يقيدها برأس مال ولا ثلث " فمن رأس المال " كما لو لم يوص وتحمل الوصية على التأكيد والتذكار بها .
وقيل من الثلث .
لأنه مصرف الوصايا فيحمل ذكر الوصية عليه .
وقوله " ويحج " عنه " من الميقات " لبلده مفرع على القولين لكن على الأول جزما وعلى الثاني على الأصح لأنه لو كان حيا لم يلزمه سواه .
ولا يخرج من ماله إلا ما كان مستحقا عليه فإن أوصى أن يحج عنه من دويرة أهله امتثل نعم إن أوصى بذلك من الثلث وعجز عنه فمن حيث أمكن ولو قال أحجوا عني زيدا بخمسين دينارا مثلا لم يجز أن ينقص منها شيء مع خروجها من الثلث وإن وجد من يحج بدونها فإن لم تخرج من الثلث فمقدار أجرة حجه من الميقات من رأس المال والزائد معتبر من الثلث كسائر التبرعات قال ابن شهبة وينبغي أن يتفطن لذلك فإنه يقع كثيرا .
وإن لم يعين أحدا فوجد من يحج بأقل من ذلك صرف إليه ذلك القدر إذا خرج من الثلث وكان الباقي للورثة كما أفتى به ابن عبد السلام وقيل يجب صرف الجميع ورجحه الأذرعي .
ولو قال أحجوا عني زيدا بكذا ولم يعين سنة فامتنع زيد من حج عام الوصية هل يؤخر الحج لأجله أو يستأجر غيره في عام الوصية والحج حجة الإسلام لا نقل في ذلك قال الأذرعي ويظهر أنه إن كان قد تمكن من الحج في حياته وأخر تهاونا حتى مات لا تؤخر عن عامها لأنه مات عاصيا بالتأخير على الأصح فيجب أن يكون الإحجاج عنه على الفور قطعا وإن لم يكن استقر عليه في حياته ولا تمكن أخره المعين إلى اليأس من حجه عنه لأنها كالتطوع قال وفيه احتمال لما في التأخير من التغرير اه " .
وهذا أظهر .
ولو امتنع المعين من الحج عنه أحج غيره بأجرة المثل أو أقل إن كان الموصى به حجة الإسلام وإن كان تطوعا فهل تبطل الوصية فيه وجهان أصحهما لا تبطل .
وللأجنبي أن يحج .
حجة الإسلام وكذا عمرته وحجة النذر وعمرته " عن الميت " من مال نفسه وإن لم تجب عليه حجة الإسلام وعمرته قبل موته لعدم استطاعته " بغير إذنه في الأصح " كقضاء الدين .
والثاني لا بد من إذنه للافتقار إلى النية وصححه المصنف في نظيره من الصوم في كتاب الصيام .
وفرق الأول بأن للصوم بدلا وهو الإمداد .
تنبيه : .
قوله بغير إذنه ظاهره إذن الميت قبل وفاته وهو ظاهر إذا كان إذنه في حال جواز الاستنابة .
وقال ابن الملقن بعد قول المصنف بغير إذنه أو بغير إذن الوارث كذا صوراها في الروضة وأصلها .
وهو صحيح أيضا فإنه إذا أذن الوارث صح قطعا .
قال الأذرعي وحينئذ فينبغي أن يقال بغير إذن ليشمل إذنه وإذن الوارث والحاكم حيث لا وارث أو كان الوارث الخاص طفلا ونحوه اه " .
وإذا عين الميت شخصا تعين وارثا كان أو غيره .
وقوله للأجنبي قد يفهم أن للقريب أن يحج عنه جزما وإن لم يكن وارثا ويؤيده ما سبق في الصوم عنه لكن قيده في الشرح والروضة بالوارث وهو المعتمد وفي معنى الوارث الوصي كما قاله الدارمي والسيد .
فلو كان على العبد حجة نذر ومات ولم يوص بها فوجهان فإن جوزنا فحج السيد عنه أو غيره بإذن السيد صح أو بغير إذنه فوجهان حكاهما الروياني عن والده وقال إنهما مبنيان على الوجهين هنا .
أما حج التطوع فقال العراقيون إن لم يوص به لم يصح عنه ونقل المصنف في المجموع في كتاب الحج الاتفاق عليه مع حكايته هنا تبعا للرافعي عن السرخسي أن للوارث الاستنابة وأن الأجنبي لا يستقل به على الأصح .
وما ذكر في كتاب الحج هو المعتمد وجرى عليه ابن المقري في روضه هنا وعبارته مع الشرح ولو حج عنه الوارث أو الأجنبي تطوعا بلا وصية لم يصح لعدم وجوبه على الميت وفي كلام الشارح ما يوهم اعتماد الثاني .
ويجوز أن يكون أجير المتطوع عبدا أو صبيا بخلاف حجة الإسلام وفي النذر خلاف مبني على ما إذا يسلك به وقد مر الكلام على ذلك في كتاب الحج .
ويجوز للأجنبي أن يؤدي عن الميت زكاة الفطر وزكاة المال على الأصح المنصوص كما قالاه في الروضة وأصلها .
وهل يثاب الميت عليه قال القاضي أبو الطيب إن كان قد امتنع بلا عذر له في التأخير لم يثب وإلا أثيب .
ويؤدي الوارث عنه .
أي الميت من التركة " الواجب المالي " كعتق وإطعام وكسوة " في ( 3 / 69 ) كفارة مرتبة " وهي كفارة وقاع رمضان والظهار والقتل ويكون الولاء للميت في العتق .
وخرج بالمال البدني كالصوم وقد مر الكلام عليه في بابه " ويطعم ويكسو " الوارث أيضا من التركة " في " الكفارة " المخيرة " وهي كفارة اليمين ونذر اللجاج وتحريم عين الأمة أو الزوجة والواو في ويكسو بمعنى أو .
والأصح أنه .
أي الوارث " يعتق أيضا " في المخيرة كالمرتبة لأنه نائبه شرعا فإعتاقه كإعتاقه .
والثاني قال لا ضرورة هنا إلى العتق .
تنبيه : .
أطلق المصنف التخيير هنا بين الثلاث والواجب عليه كما قال الرافعي في كتاب الأيمان أقلها قيمة .
و .
الأصح " أن له " أي الوارث " الأداء من ماله إذا لم تكن تركة " سواء العتق وغيره كقضاء الدين .
والثاني لا لبعد العبادة عن النيابة .
والثالث يمنع الإعتاق فقط لتعذر إثبات الولاء للميت .
تنبيه : .
قوله إذا لم تكن تركة قد يفهم منه منعه عند وجود التركة وفي كلام الرافعي ما يوافقه بحثا فإنه قال يشبه أنه قال كالأجنبي ونازعه السبكي فيه وقال الذي يظهر جواز الأداء من ماله مع وجود تركته قال ثم رأيت في البيان ما يوافقه .
وقال البلقيني ما اقتضاه مفهوم كلام الكتاب وغيره من المنع عند وجود تركة بعيد من النظر لأن للوارث إمساك التركة وقضاء حق الآدمي المبني على المضايقة من غيرها فحق الله تعالى أولى اه " .
وهو ظاهر .
ولعل تقييد المصنف لإثبات الخلاف لا للمنع .
و .
الأصح " أنه " أي كلا من الإطعام والكسوة " يقع عنه " أي الميت " ولو تبرع أجنبي " هو غير الوارث عنه " بطعام أو كسوة " كقضاء دينه .
والثاني لا لبعد العبادة عن النيابة .
لا إعتاق .
تبرع به أجنبي عن الميت فلا يقع عنه " في الأصح " لاجتماع بعد العبادة على النيابة وبعد الولاء للميت .
والثاني يقع عنه كغيره .
وهذا التصحيح في المخيرة والمرتبة أخذا من الإطلاق ولا ينافي ذلك كما قال الشارح ما في الروضة كأصلها في كتاب الأيمان من تصحيح الوقوع في المرتبة بناء على تعليل المنع في المخيرة بسهولة التكفير بغير إعتاق لأنه مبني على مرجوح فالمعتمد ما هنا وإن خالف في ذلك الإسنوي وغيره .
ولو مات وعليه دين ولا تركة فأداه الوارث من ماله وجب على المستحق القبول بخلاف ما إذا تبرع به أجنبي لأن الوارث قائم مقام مورثه .
ثم شرع فيما ينفع الميت فقال " وتنفع الميت صدقة " عنه ووقف وبناء مسجد وحفر بئر ونحو ذلك " ودعاء " له " من وارث وأجنبي " كما ينفعه ما فعله من ذلك في حياته وللإجماع والأخبار الصحيحة في بعضها كخبر إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له وخبر سعد بن عبادة قال يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قال أي الصدقة أفضل قال سقي الماء رواهما مسلم وغيره .
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال إن الله يرفع الدرجة للعبد في الجنة فيقول يا رب أنى لي هذا فيقال بإسقاء ولدك لك .
وقال تعالى " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " أثنى عليهم بالدعاء للسابقين .
وأما قوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " فعام مخصوص بذلك .
وقيل منسوخ به .
وكما ينتفع الميت بذلك ينتفع به المتصدق ولا ينقص من أجر المتصدق شيء ولهذا يستحب له أن ينوي بصدقته عن أبويه .
تنبيه : .
كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك كالصلاة عنه قضاء أو غيرها وقراءة القرآن وهو المشهور عندنا ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي Bه والأكثرين .
واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف وقال يأتي بهما الأجير عن المحجوج عنه تبعا للطواف وصححاه .
وقال ابن عبد السلام في بعض فتاويه لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع .
وحكى القرطبي في التذكرة أنه رؤي في المنام بعد وفاته فسئل عن ذلك فقال كنت أقول ذلك في الدنيا والآن بان لي أن ثواب القراءة يصل إلى ( 3 / 70 ) الميت .
وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت كمذهب الأئمة الثلاثة واختاره جماعة من الأصحاب منهم ابن الصلاح والمحب الطبري وابن أبي الدم وصاحب الذخائر وابن أبي عصرون وعليه عمل الناس وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن .
وقال السبكي والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارىء نفع الملدوغ نفعته وأقره النبي A بقوله وما يدريك أنها رقية وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه " .
وقد جوز القاضي حسين الاستئجار على قراءة القرآن عند الميت وقال ابن الصلاح وينبغي أن يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان فيجعله دعاءه ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد .
وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي فلأن يجوز بماله أولى وهذا لا يختص بالقراءة بل يجري في سائر الأعمال .
وكان الشيخ برهان الدين الفزاري ينكر قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة .
لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه كما لو قال خصصتك بهذه الدراهم لا يصح أن يقول وهي عامة للمسلمين قال الزركشي والظاهر خلاف ما قاله فإن الثواب قد يتفاوت فأعلاه ما خص زيدا وأدناه ما كان عاما والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء .
وقد أشار الروياني في أول الحلية إلى هذا فقال صلاة الله تعالى على نبينا محمد A خاصة وعلى النبيين عامة اه " .
وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله A فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه ولم يؤذن إلا في الصلاة عليه A وسؤال الوسيلة قال الزركشي ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء له بالرحمة وإن كانت بمعنى الصلاة لما في الصلاة من معنى التعظيم بخلاف الرحمة المجردة .
وجوزه بعضهم واختاره السبكي واحتج بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يعتمر عن النبي A عمرا بعد موته من غير وصية .
وحكى الغزالي في الإحياء عن علي بن الموفق وكان من طبقة الجنيد أنه حج عن النبي A حججا وعدها الفقاعي ستين حجة .
وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أنه ختم عن النبي A أكثر من عشرة آلاف ختمة وضحى عنه مثل ذلك اه " .
ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون فإن مذهب الشافعي أن التضحية عن الغير بغير إذنه لا تجوز كما صرح به المصنف في باب الأضحية وعبارته هناك ولا تضحية عن الغير بغير إذنه ولا عن الميت إذا لم يوص بها .
واعلم أنه قد تقدم أن المصنف أسقط القسم الثالث من أقسام الوصية وهو ما يتعلق بالحساب ولا بأس بذكر طرق منه فنقول لو أوصى لزيد بمثل نصيب ابنه الحائز وأجاز الوصية أعطي النصف لاقتضائها أن يكون لكل منهما نصيب وأن يكون النصيبان مثلين وإن ردت الوصية ردت إلى الثلث .
وإن أوصى له بنصيب كنصيب أحد أبنائه وله ابنان فهو كابن آخر معهم فلو كانوا ثلاثة كانت الوصية بالربع وهكذا .
وضابطه أن تصحح الفريضة بدون الوصية .
وتزيد فيها مثل نصيب الموصي بمثل نصيبه فإن كان له بنت وأوصى بمثل نصيبها فالوصية بالثلث فإن الفريضة من اثنين لو لم تكن وصية فيزاد عليهما سهم للموصى له .
أو كان له بنتان فأوصى بمثل نصيب إحداهما فالوصية بالربع لأن الفريضة كانت من ثلاثة لولا الوصية لكل واحدة منهما سهم فتزيد للموصى له سهما تبلغ أربعة .
وإن أوصى بمثل نصيب بنت وله ثلاث بنات فالوصية بسهمين من أحد عشر لأنها من تسعة لولا الوصية فتزيدهما على التسعة تبلغ أحد عشر .
ولو أوصى بمثل نصيب ابنه ولا ابن له وارث بطلت وصيته إذ لا نصيب للابن بخلاف ما لو أوصى بمثل نصيب ابن ولا ابن له تصح الوصية كما في الكافي وكأنه قال بمثل نصيب ابن لي لو كان .
ولو أوصى وله ثلاثة بنين بمثل نصيب بنت لو كانت فالوصية بالثمن لأنها من سبعة لولا الوصية ونصيب البنت منها سهم فتزيد على السبعة واحدا تبلغ ثمانية .
وإن أوصى لزيد بمثل نصيب أحد أولاده أو ورثته أعطي كأقلهم نصيبا لأنه المتيقن فزد على مسألتهم لولا الوصية مثل سهم أقلهم فلو كان له ابن وبنت فالوصية بالربع فيقسم المال كما يقسم بين ابن وبنتين .
ولو أوصى بنصيب من ماله أو بجزء أو حظ أو قسط أو بشيء قليل أو كثير أو عظيم أو سهم أو نحو ذلك رجع إلى الوارث في تفسيره ويقبل تفسيره بأقل متمول كما في الإقرار فإن ادعى الموصى له زيادة حلف الوارث أنه لا يعلم إرادتها .
ولو أوصى بالثلث إلا شيئا قبل تفسيره بأقل متمول وحمل الشيء المستثنى على الأكثر ليقع التفسير بالأقل .
وإن قال ( 3 / 71 ) أعطوه من واحد إلى عشرة أو واحدا في عشرة فكما في الإقرار أو أعطوه أكثر مالي أو معظمه أو عاملته فالوصية بما فوق النصف لأن اللفظ ظاهر فيه .
وإن قال أعطوه زهاء ألف بضم الزاي والمد فيما فوق نصفه فإن قيل معنى زهاء ألف لغة قدره فينبغي أن يلزمه ألف أجيب بأن معناه قدره تقريبا لا تحديدا من زهوته بكذا أي حرزته حكاه الصغاني قلبت الواو همزة لتطرفها إثر ألف زائدة كما في كساء .
أو أعطوه دراهم أو دنانير حمل على ثلاثة لأنها أقل الجمع من غالب البلد فإن لم يكن غالب نقد فسره الوارث .
وفي هذا الدر كفاية لأولي الألباب فإن الحساب فن طويل ولذا جعلوه علما برأسه وأفردوه بالتصنيف فالحوالة على مصنفاته