بتثليث الجيم كما قاله ابن مالك وغيره واقتصر المصنف في تحريره كالجوهري على الكسر و ابن الرفعة في كفايته على الفتح .
وهي .
لغة اسم لما يجعل للإنسان على فعل شيء .
وكذا الجعل والجعيلة .
وشرعا التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه .
كقوله .
أي مطلق التصرف " من " خاط ثوبي هذا قميصا فله كذا أو " رد آبقي " أو آبق زيد " فله كذا " فعرفه المصنف بالمثال وذكرها تبعا للجمهور بعد باب اللقيط لأنها طلب التقاط الضالة ومنهم من ذكرها عقب الإجارة كصاحب التنبيه : و الغزالي وتبعهم في الروضة لأنها عقد على عمل .
والأصل فيها قبل الإجماع خبر الذي رقاه الصحابي بالفاتحة على قطيع من الغنم كما في خبر الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وهو الرقى كما رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والقطيع ثلاثون رأسا من الغنم .
ويستأنس لها بقوله تعالى " ولمن جاء به حمل بعير " وكان معلوما عندهم كالوسق ولو استدل بالآية لما قدمته في غير هذا الباب أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره .
قال الزركشي ويستنبط من هذا الحديث جواز الجعالة على ما ينتفع به المريض من دواء أو رقية ولم يذكروه اه .
وهو ظاهر إن حصل فيه تعب وإلا فلا كما يعلم مما يأتي ولأن الحاجة تدعو إليها في رد ضالة وآبق وعمل لا يقدر عليه ولا يجد من يتطوع برده ولا تصح الإجارة على رده للجهل بمكانه فجازت كالقراض واحتمل إبهام العامل فيها لأن القائل ربما لا يهتدي إلى الراغب في العمل .
وأركانها أربعة صيغة وعاقد وعمل وجعل وقد بدأ بالأول منها معبرا عنه بالشرط كما مر له في غير هذا المحل فقال " ويشترط " فيها لتحقق " صيغة " من الجاعل من الصيغ السابقة ونحوها " تدل على " إذن في " العمل " بطلب كقوله رد عبدي أو عبد فلان ولك كذا أو بشرط كقوله إن رددت عبدي فلك كذا .
والصيغة المذكورة في المتن لا دلالة فيها على الإذن في الرد إلا من جهة العرف لا الوضع .
بعوض .
معلوم مقصود " ملتزم " بما مر من الصيغ ونحوها لأنها معاوضة فافتقرت إلى صيغة تدل على المطلوب وقدر المبذول .
وإشارة الأخرس المفهمة تقوم مقام الصيغة .
فلو .
رده من علم بإذنه قبل رده استحق الجعل الملتزم سواء أعلمه بواسطة أم بدونها .
نعم إن قال إن رد عبدي من سمع ندائي فله كذا فرده من علم نداءه ولم يسمعه لم يستحق شيئا وإن عمل طامعا كما قاله الماوردي .
وإن " عمل بلا إذن " كأن عمل قبل النداء فلا شيء له لأنه عمل متبرعا وإن كان معروفا برد الضوال ودخل العبد مثلا في ضمانه كما جزم به الماوردي .
أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شيء له .
أي لواحد ممن ذكر .
أما العامل بغير إذن فلما مر وأما المعين فلم يعمل .
نعم إن كان الغير رقيق المأذون له ورد بعد علم سيده بالإلتزام استحق المأذون له الجعل لأن يد رقيقه كيده .
ولو قال من رد آبقي فله كذا فرده من لم يبلغه نداؤه أو قال إن رده زيد فله كذا فرده زيد غير عالم بإذنه أو أذن له في الرد ولم يشرط عوضا أو شرط عوضا غير مقصود كالذم فلا شيء للراد .
تنبيه : .
أطلق المصنف أنه إذا لم يذكر عوضا عدم الاستحقاق من غير تفصيل وأجرى جماعة فيه خلاف الغسال ونحوه وقد استحسن المصنف التفصيل السابق في الإجارة .
ويشترط في الصيغة عدم التأقيت كالقراض فلو قال من رد آبقي اليوم فله كذا لم يصح لأنه ربما لا يظفر به في ذلك اليوم .
ويؤخذ من التشبيه بالقراض أنه لا يصح تعليقا وهو ظاهر وإن لم أر من تعرض له .
و .
لا يشترط في الجاعل كونه مالكا وحينئذ " لو قال أجنبي " ليس ( 2 / 430 ) من عادته الاستهزاء والخلاعة كما بحثه الزركشي " من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبي " لأنه التزمه .
وليس الجعل عوض تمليك وبهذا خالف الثمن في البيع حيث لا يجوز إلا ممن يقع المالك له .
فإن قيل إنه لم يلتزمه بقوله علي ويحتمل أنه يريد فله كذا على مالكه فيكون فضوليا محضا فلا يصح ولا يلزم واحدا منهما .
أجيب بأنهم جعلوه التزاما عند الإطلاق لأنه سابق إلى الفهم .
وصور ابن يونس المسألة بما إذا قال فله علي ثم قال وألحق الأئمة به قوله فله كذا وإن لم يقل علي لأن ظاهره التزام .
فإن قيل لا يجوز لأحد بهذا القول وضع يده على الآبق بل يضمن فكيف يستحق الأجرة أجيب بأنه لا حاجة إلى الإذن في ذلك لأن المالك راض به قطعا أو بأن صورة ذلك أن يأذن المالك لمن شاء في الرد أو يكون للأجنبي ولاية على المالك ولو صدق الراد المنادي على أمر السيد لم يرجع على المنادي قاله الماوردي .
تنبيه : .
قد يفهم تعبير المصنف كغيره بالأجنبي أنه لو قال الولي ذلك عن محجوره على وجه المصلحة بحيث يكون الجعل قدر أجرة مثل ذلك العمل أن الراد يستحقه في مال المالك بمقتضى قول وليه قال بعض المتأخرين وهو واضح ولم أر من تعرض له اه .
فإن ثبت هذا لم يصح الجواب الأخير عن السؤال الثاني .
وإن قال .
الأجنبي " قال زيد من عبدي فله كذا وكان " الأجنبي " كاذبا لم يستحق " العامل " عليه " أي الأجنبي لعدم التزامه " ولا على زيد " إن كذب القائل وإن صدقه استحق العامل على زيد إن كان القائل ثقة وإلا فهو كما لو رد عبد زيد غير عالم بإذنه والتزامه فلا شيء له على زيد وإن صدقة كما في أصل الروضة فإن أنكر المالك الخبر لم تقبل شهادة القائل الثقة عليه لأنه متهم في ترويج قوله .
ولا يشترط قبول العامل .
لفظا " وإن عينه " الجاعل أما في غير المعين فلاستحالة طلب جوابه وأما في المعين فلما فيه من التضييق في محل الحاجة وعليه قال القمولي لو قال لغيره إن رددت عبدي فلك دينار فقال أرده بنصف دينار فالوجه القطع باستحقاق الدينار .
فإن قيل قياس ما في الروضة وأصلها في باب الخلع أنه لو قالت له زوجته طلقني بألف فطلق بخمسمائة فإنه يقع بها أنه يستحق هنا نصف الدينار .
أجيب بأن الخلع لما كان فيه شوب معاوضة من جهة الزوج وقد رضي ببعض ما شرط له اعتبر .
وأما الركن الثاني هو العاقد فيشترط في الملتزم للجعل مالكا كان أو غيره أن يكون مطلق التصرف فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور سفه .
وأما العامل فإن كان معينا اشترط فيه أهلية العمل فيدخل فيه العبد وغير المكلف بإذن وغيره كما قاله السبكي خلافا لابن الرفعة في العبد إذا لم يأذن له سيده .
ويخرج عنه العاجز عن العمل كصغير لا يقدر عليه لأن منفعته معدومة فأشبه استئجار الأعمى للحفظ قاله ابن العماد .
وإن كان مبهما كفى علمه بالنداء .
قال الماوردي هنا لو قال من جاء بآبقي فله دينار فمن جاء به استحق من رجل أو امرأة أو صبي أو عبد عاقل أو مجنون إذا سمع النداء أو علم به لدخولهم في عموم قوله من جاء .
وهذا هو المعتمد خلافا لما قاله في السير من عدم استحقاق الصبي والعبد إذا قام به بغير إذن سيده .
ثم شرع في الركن الثالث وهو العمل فقال " وتصح " الجعالة " على عمل مجهول " كرد آبق للحاجة ولأن الجهالة إذا احتملت في القرض لحصول زيادة فاحتمالها في رد الحاصل أولى .
فإن قيل إن هذا قد علم من تمثيله أول الباب برد الآبق .
أجيب بأن ذكره هنا لضرورة التقسيم وأطلق تبعا للرافعي صحتها على المجهول وهو مخصوص كما قال ابن الرفعة تبعا للقاضي حسين بما عسر علمه كما مر فإن سهل تعين ضبطه إذ لا حاجة إلى احتمال الجهالة ففي بناء حائط يبين طوله وعرضه وارتفاعه وموضعه وما يبنى عليه وفي الخياطة يعتبر وصف الثوب والخياطة .
وكذا .
كل عمل " معلوم " يقابل بأجرة كالخياطة والبناء تصح الجعالة عليه " في الأصح " لأنه إذا جاز مع الجهالة فمع العلم أولى .
والثاني المنع استغناء بالإجارة .
وسواء في العمل الواجب وغيره فلو حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم ( 2 / 431 ) في خلاصه بجاهه أو بغيره جاز كما نقله المصنف في فتاويه عن جماعة وإن كان هذا العمل فرض كفاية .
تنبيه : .
يشترط في العمل كونه فيه كلفة وعلى هذا لو سمع النداء من المطلوب في يده فرده وفي الرد كلفة كالآبق استحق الجعل وإلا فلا يستحق شيئا لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض .
وشمل كلامهم ما لو كان المال في يده بجهة توجب الرد كالغصب والعارية وقضيته الاستحقاق بالرد إن كان فيه كلفة ولكن تعليلهم عدم استحقاق من دل على ما في يده أنه لا يستحق شيئا لأن ذلك واجب عليه شرعا يقتضي خلافه وهذا هو الظاهر كما قاله بعض شراح الكتاب .
ولو جعل لمن أخبره بكذا جعلا فأخبره به لم يستحق شيئا لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل فإن تعب وصدق في أخباره وكان للمستخبر غرض في المخبر به كما صرح به الرافعي في آخر الباب استحق الجعل .
ثم شرع في الركن الرابع وهو الجعل فقال " ويشترط " لصحة الجعالة " كون الجعل " مالا " معلوما " لأنه عوض كالأجرة ولأنه عقد جوز للحاجة ولا حاجة لجهالة العوض بخلاف العمل والعامل .
فلو .
كان مجهولا كأن " قال من رده " أي عبدي مثلا " فله ثوب أو أرضيه " أو نحوه أو كان الجعل خمرا أو مغصوبا " فسد العقد " لجهل الجعل أو نجاسة عينه أو عدم القدرة على تسليمه " وللراد أجرة مثله " كالإجارة الفاسدة .
واستثني من هنا صورتان الأولى ما إذا قال حج عني وأعطيك نفقتك فإنه يجوز مع جهالتها كما جزم به الرافعي في الشرح الصغير والمصنف في الروضة وقيل إن هذه أزراق لا جعالة وإنما يكون جعالة إذا جعله عوضا فقال حج عني بنفقتك وقد صرح الماوردي في هذه الصورة بأنها جعالة فاسدة ونص عليه في الأم .
الثانية مسألة العلج وستأتي في السير إن شاء الله تعالى .
تنبيه : .
لو وصف الجعل بما يفيد العلم استحقه العامل كما جزم به في الأنوار ونقله في أصل الروضة عن المتولي .
فإن قيل قد تقرر في البيع والإجارة وغيرهما أن الشيء المعين لا يغني وصفه عن رؤيته وحينئذ فله أجرة المثل هنا .
أجيب بأن تلك العقود عقود لازمة بخلاف الجعالة فاحتيط لها ما لم يحتط للجعالة .
ولو قال من رد رقيقي مثلا فله ثيابه أو ربعه استحق المشروط إن علمه وإلا فأجرة المثل .
وهل يكفي الوصف في الرقيق أو لا لتفاوت الأغراض فيه خلاف والذي ينبغي أنه إن وصفه مما يفيد العلم الصحة .
فائدة : .
الإعتبار بأجرة المثل بالزمان الذي حصل فيه كل العمل لا بالزمان الذي حصل فيه التسليم كما قالوه في المسابقة .
ولو قال .
شخص بناء على صحة الجعالة على عمل معلوم من رد عبدي مثلا " من بلد كذا " فله كذا " فرده " العامل " من " مكان " أقرب منه فله قسطه " أي الأقرب " من الجعل " لأنه جعل كل الجعل في مقابلة العمل فبعضه في مقابلة البعض فإن رده من نصف الطريق مثلا استحق نصف الجعل ويجب فرضه كما قال ابن الرفعة فيما إذا تساوت الطريق سهولة وحزونة فإن تفاوتت بأن كانت أجرة نصف المسافة ضعف أجرة النصف الآخر فيقابله ثلثا الجعل .
تنبيه : .
شمل قوله أقرب تلك البلدة وغيرها وهو كذلك وإن نظر في ذلك السبكي .
فلو قال مكي من رد عبدي من عرفة فله كذا فرده من منى أو من التنعيم استحق بالقسط لأن التنصيص على المكان إنما يراد به الإشارة إلى موضع الآبق أو مظنته لا أن الرد منه شرط في أصل الاستحقاق إذ لو أريد حقيقة ذلك المكان لكان إذا رده من دونه لا يستحق شيئا لأنه لم يرده منه .
وخرج ب أقرب ما لو رده من أبعد فلا يستحق للزيادة شيئا .
ولو .
عمم المالك النداء كأن قال من رد عبدي فله كذا و " اشترك " حينئذ " اثنان " مثلا غير معينين " في رده اشتركا في الجعل " لحصول الرد منهما والاشتراك فيه على عدد الرؤوس وإن تفاوتا في العمل لأنه لا ينضبط أي غالبا حتى يقع التوزيع عليه .
وخالف هذا ما لو قال من دخل داري فأعطه درهما فدخل جمع استحق كل واحد درهما لأن كل واحد دخل وليس كل واحد يراد وما لو قال من حج عني فله دينار فحج عنه اثنان معا لم يستحق واحد منهما شيئا لأن أحدهما ليس أولى من الآخر كالوليين ( 2 / 432 ) في عقد النكاح كما ذكروه في كتاب الحج فإن سبق أحدهما استحق .
ولو قال من رد العبدين من كذا فله دينار فردهما سامع من نصف المسافة أو رد أحدهما من جميعها استحق النصف عملا بالتوزيع على العمل أو قال لاثنين إن رددتما العبدين فلكما كذا فردهما واحد منهما فله النصف أو رد أحدهما واحدا من العبدين فله الربع لذلك فيهما .
قال السبكي ولو قال أي رجل رد عبدي فله درهم فرده اثنان اقتسما الدرهم بينهما على الأقرب عندي .
ولو كان عبد بين اثنين لأحدهما ثلثه فقالا لرجل إن رددت عبدنا فلك دينار فرده فالدينار بينهما أثلاثا على قدر الملك في أصح الوجهين كما قاله القاضي .
ولو التزم جعلا لمعين .
ك إن رددت عبدي فلك دينار " فشاركه غيره في العمل إن قصد " الغير " إعانته " بعوض أو بغيره " فله " أي المعني " كل الجعل " لأن رد غير المعين بقصد الإعانة له واقع عنه ومقصود المالك رد الآبق بأي وجه أمكن فلا يحمل لفظه على قصر العمل على المخاطب .
وإن قصد .
المشارك " العمل " لنفسه أو " للمالك " أو مطلقا كما بحثه شيخنا " فللأول " أي المعين " قسطه " وهو النصف إذ القسمة على عدد الرؤوس كما مر وإن أفهمت عبارته أنها على قدر العمل .
ولو قصد العمل لنفسه والعامل أو للعامل والملتزم أو للجميع فللمعين في غير الأخيرة ثلاثة أرباع الجعل وفيها ثلثاه .
ولو شاركه اثنان في الرد فإن قصدا إعانته فله تمام الجعل أو العمل للمالك فله ثلثه أو واحد إعانته والآخر العمل للمالك فله ثلثاه .
ولا شيء للمشارك بحال .
في أي حال مما قصده لأن المالك لم يلتزم له شيئا نعم إن التزم له العامل بشيء لزمه .
ولو قال لزيد رد عبدي مثلا ولك دينار فأعانه آخر فالكل لزيد فقد يحتاج للمعاونة وغرض الملتزم العمل بأي وجه أمكن فلا يحمل على قصر العمل على المخاطب .
ويجوز للعامل أن يستعين بغيره إذا لم يكن معينا وإن لم يعجز لأن الجعالة خفف فيها وإن كان معينا فهو كالوكيل فيجوز أن يستعين به فيما يعجز عنه أو لا يليق به كما يوكل فيه وتوكيل غير المعين بعد سماعه النداء غيره كالتوكيل في الإحتطاب ونحوه فيجوز .
فائدة : .
استنبط السبكي C تعالى من استحقاق المجعول له تمام الجعل إذا قصد المشارك إعانته ومن استحقاق العامل في المساقاة نصيبه إذا تبرع عنه المالك أو أجنبي في العمل جواز الإستنابة في الإمامة .
وكل وظيفة تقبل الإستنابة كالتدريس بشرط أن يستنيب مثله أو خيرا منه ويستحق كل المعلوم قال وإن أفتى ابن عبد السلام و النووي بعدم استحقاق واحد منهما قالا أما المستنيب فلعدم مباشرته وأما النائب فلعدم ولايته إلا أن يأذن له الناظر في المباشرة .
قال الزركشي ومدركهما في ذلك أن الريع ليس من باب الإجارة ولا الجعالة لأن شرطهما أن يقع العمل فيهما للمستأجر والجاعل والعمل هنا لا يمكن وقوعه للجاعل فلم يبق إلا الإباحة بشرط الحضور ولم يوجد فلا يصح إلحاقه بهذه المسألة .
وقال الأذرعي وما ذكره C تعالى فتح باب لأرباب الجهات والجهالات في تولي المناصب الدينية واستنابة من لا يصلح أو يصلح بنزر يسير من المعلوم ويأخذ ذلك المستنيب مال الوقف على ممر الأعصار اه .
وقال الغزي بعد تمثيل السبكي بالإمامة وهذا بخلاف الفقهاء .
قال ابن شهبة وهو واضح لأنه لا يمكن أن يستنيب من يتفقه عنه اه .
واعلم أن الجعالة إذا وردت على بذل المنافع في تحصيل الشيء فلها صورتان إحداهما أن يكون الجعل على شيء واحد كقوله من بنى لي حائطا أو خاط لي ثوبا فله كذا فخاط بعض الثوب أو بنى بعض الحائط وسيأتي الكلام على ذلك .
الثانية أن يكون على تحصيل شيئين ينفك أحدهما عن الآخر كقوله من رد العبدين فله كذا فرد أحدهما استحق نصف الجعل .
قال الزركشي وعلى هذا يتخرج غيبة الطالب عن الدرس بعض الأيام إذا قال الواقف من حضر شهر كذا فله كذا فإن الأيام كمسألة العبيد فإنها أشياء متفاصلة فيستحق قسط ما حضر قال فتفطن لذلك فإنه مما يغلط فيه .
قال الدميري ولذلك كان الشيخ تقي الدين القشيري إذا بطل يوما غير معهود البطالة في درسه لا يأخذ لذلك اليوم معلوما .
قال وسألت شيخنا عن ذلك مرتين فقال إن كان الطالب في حال انقطاعه مشتغلا بالعلم ( 2 / 433 ) استحق وإلا فلا قال يعني شيخه ولو حضر ولم يكن بصدد الإشتغال لم يستحق لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الإرصاد اه .
قال الزركشي ولو تولى وظيفة وأكره على عدم مباشرتها أفتى الشيخ تاج الدين الفزاري باستحقاقه المعلوم والظاهر خلافه لأنها جعالة وهو لم يباشر اه .
والظاهر ما أفتى به الشيخ تاج الدين .
والذي ينبغي أن يقال في ذلك أن هذه الوظائف إن كانت من بيت المال وكان من هي بيده مستحقا فهو يستحق معلومها سواء أحضر أم لا استناب أم لا .
وأما النائب فإن جعل له معلوما في نيابته استحق وإلا فلا فإن لم تكن من بيت المال أو كانت ولم يكن مستحقا فيه فما قاله المصنف هو الظاهر .
يشترط في العمل كونه فيه كلفة وعلى هذا لو سمع النداء من المطلوب في يده فرده وفي الرد كلفة كالآبق استحق الجعل وإلا فلا يستحق شيئا لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض .
ولكل منهما .
أي المالك والعامل " الفسخ قبل تمام العمل " لأنه عقد جائز من الطرفين .
أما من جهة الملتزم فلأنها تعليق استحقاق بشرط فأشبهت الوصية .
وأما من جهة العامل فلأن العمل فيها مجهول فأشبهت القراض .
ثم شرع في الركن الرابع وهو الجعل فقال " ويشترط " لصحة الجعالة " كون الجعل " مالا " معلوما " لأنه عوض كالأجرة ولأنه عقد جوز للحاجة ولا حاجة لجهالة العوض بخلاف العمل والعامل .
تنبيه : .
إنما يتصور الفسخ ابتداء من العامل المعين وأما غيره فلا يتصور الفسخ منه إلا بعد الشروع في العمل وتقدم أنه لا يشترط قبول العامل فيؤول الفسخ في حقه بالرد .
وخرج بقوله قبل تمام العمل ما بعده فإنه لا أثر للفسخ حينئذ للزوم الجعل .
فإن فسخ .
بضم أوله بخطه أي فسخ المالك أو العامل المعير " قبل الشروع " في العمل " أو فسخ العامل بعد الشروع " فيه " فلا شيء له " في الصورتين .
أما الأولى فلأنه لم يعمل شيئا وأما في الثانية فلأنه لم يحصل غرض المالك سواءا وقع العمل مسلما أم لا كما جزم به ابن الرفعة .
نعم لو زاد المالك في العمل ولم يرض العامل بالزيادة ففسخ لذلك فله أجرة المثل كما ذكره في أصل الروضة في آخر المسابقة لأن المالك هو الذي ألجأه لذلك .
وقول الإسنوي وقياسه إذا نقص من الجعل ممنوع وإن كان الحكم صحيحا لأن النقص فسخ كما سيأتي فهو فسخ من المالك لا من العامل .
ولو فسخ العامل والملتزم معا لم أر من ذكره وينبغي عدم الاستحقاق لاجتماع المقتضي والمانع .
وإن عمل العامل شيئا بعد الفسخ قال في أصل الروضة لم يستحق شيئا إن علم بالفسخ فإن لم يعلم بنى على الخلاف في نفوذ عزل الوكيل في غيبته قبل علمه اه .
وقضية البناء عدم الاستحقاق وهو المعتمد كما جزم به ابن المقري وإن قال الماوردي و الروياني إن له المسمى إذا كان جاهلا وهو معين أو لم يعين المالك بالفسخ .
قال ابن شهبة ولعل ما قاله الماوردي والروياني مبني على أن الوكيل لا ينعزل إلا بالعلم وينفسخ أيضا بموت أحد المتعاقدين وبجنونه وإغمائه .
وإن مات المالك بعد الشروع في العمل فرده إلى وارثه وجب قسط ما عمله في الحياة من المسمى .
قال الماوردي ولو مات العامل فرده وارثه استحق القسط أيضا اه .
وهذا إذا كان العامل معينا أما غير المعين فيظهر أنه يستحق الجميع بعمله وعمل مورثه كما لو رده اثنان وهذا ظاهر ولم أر من ذكره .
وإن فسخ المالك بعد الشروع .
في العمل " فعليه أجرة المثل " لما عمله العامل " في الأصح " لأن جواز العقد يقتضي التسليط على رفعه وإذ ارتفع لم يجب المسمى كسائر الفسوخ لكن عمل العامل وقع محترما فلا يفوت عليه فرجع إلى بدله وهو أجرة المثل كالإجارة إذا فسخت بعيب .
وربما عبر معظم الأصحاب عن ذلك بأنه ليس له الفسخ حتى يضمن أي يلتزم للعامل أجرة مثل ما عمل وجرى عليه صاحب التنبيه : .
والثاني لا شيء عليه كما لو فسخ العامل بنفسه .
والفرق ظاهر وعلى الأول لا فرق بين أن يكون ما صدر من العامل لا يحصل به مقصود أصلا كرد العبد إلى بعض الطريق أو يحصل به بعضه كما لو قال إن علمت إبني يالقرآن فلك كذا فعلمه بعضه ثم منعه من تعليمه كما جزم به في أصل الروضة ووقع للأذرعي في شرحه هنا خلاف ذلك فليحذر .
فإن قيل قياس ما لو مات المالك في أثناء المدة حيث تنفسخ ويستحق القسط من المسمى أن يكون هنا كذلك وأي فرق بين الفسخ والإفساخ أجيب بأن العامل ثم تمم العمل بعد الإفساخ ولم يمنعه المالك منه بخلافه هنا .
وللمالك أن يزيد وينقص ( 2 / 434 ) أي يتصرف .
في الجعل " أي الذي شرطه للعامل بزيادة أو نقص أو يعتبر جنسه " قبل الفراغ " من عمل العامل سواء أكان قبل الشروع أم بعده كما يجوز في البيع في زمن الخيار بل أولى كأن يقول من رد عبدي فله عشرة ثم يقول فله خمسة أو عكسه أو يقول من رده فله دينار ثم يقول فله درهم .
وإن سمع العامل ذلك قبل الشروع في العمل اعتبر النداء الأخير وللعامل ما ذكر فيه وإن لم يسمعه العامل أو كان بعد الشروع فهو ما ذكره بقوله " وفائدته بعد الشروع " في العمل أو قبله ولم يسمعه العامل " وجوب أجرة المثل " لأن النداء الأخير فسخ للأول والفسخ من المالك في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل فلو عمل من سمع النداء الأول خاصة ومن سمع الثاني استحق الأول نصف أجرة المثل والثاني نصف المسمى الثاني .
والمراد بالسماع العلم وأجرة المثل فيما ذكر لجميع العمل لا للماضي خاصة ولا ينافيه ما مر من أنه لو عمل شيئا بعد الفسخ لا شيء له لأن ذلك فيما فسخ بلا بدل بخلاف هذا .
ولو .
تلف المرود قبل وصوله كأن " مات الآبق " بغير قتل المالك له " في بعض الطريق " ولو بقرب دار سيده " أو " غصب أو تركه العامل أو " هرب " ولو في دار المالك قبل تسليمه له " فلا شيء للعامل " وإن حضر الآبق لأنه لم يرده بخلاف ما لو اكترى من يحج عنه فأتى ببعض الأعمال ومات حيث يستحق من الأجرة بقدر ما عمل .
وفرقوا بينهما بأن المقصود من الحج الثواب وقد حصل ببعض العمل وهنا لم يحصل شيء من المقصود وبأن الإجارة لازمة تجب الأجرة فيها بالعقد شيئا فشيئا والجعالة جائزة لا يثبت فيها شيء إلا بالشرط ولم يوجد .
ولو خاط نصف الثوب فاحترق أو تركه أو بنى بعض الحائط فانهدم أو تركه أو لم يتعلم الصبي لبلادته فلا شيء له كما لو طلب الآبق فلم يجده .
هذا إذا لم يقع العمل مسلما وإلا فله أجرة ما عمل بقسطه من المسمى كما لو مات الصبي في أثناء التعليم لوقوعه مسلما بالتعليم مع ظهور أثر العمل على المحل ومحله إذا كان حرا كما قيده به في الكفاية فإن كان رقيقا لم يستحق إلا إذا سلمه السيد أو حصل التعليم بحضرته أو في ملكه .
ولا يشكل هذا بما تقدم في الفسخ من أنه لا يستحق مطلقا لأن التقصير بالفسخ جاء من جهته مع تمكنه من تمام العمل بخلاف ما هنا .
ولو منع الصبي أبوه من تمام التعلم أو المالك من تمام العمل وجب له أجرة المثل لما عمله لأن المنع فسخ أو كالفسخ .
أما إذا قتله المال فيستحق العامل القسط كما لو فسخ المالك .
ولو أعتق المالك رقيقه قبل رده قال ابن الرفعة يظهر أن يقال لا أجرة للعامل إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم لحصول الرجوع ضمنا أي فلا أجرة لعمله بعد العتق تنزيلا لإعتاقه منزلة فسخه .
وإذا رده .
أي الآبق العامل على سيده " فليس له حبسه لقبض الجعل " لأن الاستحقاق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك .
ويصدق المالك .
بيمينه " إذا أنكر شرط الجعل " للعامل بأن اختلفا فيه فقال العامل " شرطت لي جعلا " وأنكر المالك " أو " أنكر " سعيه " أي العامل " في رده " أي الآبق بأن قال لم ترده وإنما رجع بنفسه لأن الأصل عدم الشرط والرد .
ولو اختلف المالك والعامل في بلوغه النداء فالقول قول الراد بيمينه كما لو اختلفا في سماع ندائه .
فإن اختلفا .
أي الملتزم والعامل " في قدر الجعل " بعد فراغ العمل أو بعد الشروع وقلنا للعامل قسط عمله " تحالفا " وفسخ العقد ووجب للعامل أجرة المثل كما لو اختلفا في الإجارة أما قبل الشروع فلا استحقاق له فلا تخالف ومثله الإختلاف في قدر العمل كقوله شرطت له مائة على رد عبدين فقال بل على عبد ( 3 / 1 ) خاتمة يد العامل على ما يقع في يده إلى أن يرده يد أمانة فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره وإن أنفق عليه مدة الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن له الحاكم أو يشهد عند فقده ليرجع .
ومن وجد مريضا عاجزا عن السير بنحو بادية لزمه المقام معه إلا إن خاف على نفسه أو نحوها وإذا أقام معه فلا أجر له .
ولو مات المريض لزمه إن كان أمينا حمل ماله إلى ورثته وإلا فلا يلزمه وإن جاز له وإلا يضمنه في الحالين لو تركه .
وحكم المغشي عليه حكم المريض كما أفاده كلام الروضة لا حكم الميت كما قاله ابن المقري .
ولو سرق الآبق قطع كغيره ويحفظه الحاكم إذا وجده انتظارا لسيده فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن والله سبحانه وتعالى أعلم ( 3 / 2 )