تقال لما يعم الهدية والصدقة ولما يقابلهما واستعمل الأول في تعريفها والثاني في أركانها وسيأتي .
والأصل فيها على الأول قبل الإجماع قوله تعالى " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " وقوله " وآتى المال على حبه " الآية وقوله تعالى " وإذا حييتم بتحية " الآية قيل المراد منها الهبة .
وأخبار كخبر الصحيحين لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها .
وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها قال الله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " والهبة بر ولأنها سبب التواد والتحاب قال A تهادوا تحابوا .
وقبل A هدية المقوقس الكافر وتسر من جملتها بمارية القبطية وأولدها وقبل هدية النجاشي المسلم وتصرف فيها وهاداه أيضا .
وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك منها الهبة لأرباب الولايات والعمال فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية كما هو محرر في محله .
ومنها ما لو كان المتهب يستعين بذلك على معصية .
وصرفها في الأقارب والجيران أفضل من صرفها في غيرهم لما في الأول من صلة الرحم ولما روي في الثاني من قوله A من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره .
والصرف إلى الأول أفضل .
ثم شرع المصنف في تعريفها بالمعنى الأول فقال " التمليك " لعين " بلا عوض " في حال الحياة تطوعا " هبة " فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف وبالعين الدين والمنفعة وسيأتي حكمهما وبنفي العوض ما فيه عوض كالبيع ولو بلفظ ( 2 / 397 ) الهبة وبالحياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت وبالتطوع الواجب من زكاة وكفارة ونحوهما .
وكان الأولى في تعريف الهبة كما في الحاوي الصغير الهبة تمليك إلخ فإن الهبة هي المحدث عنها .
فإن قيل يرد على حصر الهبة في التمليك ما لو أهدى إلى غني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا تمليك فيه وما لو وقف شيئا فإنه تمليك بلا عوض وليس بهبة .
أجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه بل فيه تمليك لكن يمنع من التصرف فيه بالبيع ونحوه كما يعلم من باب الأضحية وعن الثاني بأنه تمليك منفعة وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به الأعيان .
تنبيه : .
قضية كلامه أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود العوضية وبه صرح الزبيري .
ثم قسم التمليك المذكور إلى الصدقة والهدية بقوله " فإن ملك " بلا عوض " محتاجا " شيئا " لثواب الآخرة " أي لأجلها " فصدقة " أي فلا بد من اجتماع الأمرين .
والتحقيق كما قال السبكي أخذا من كلام المجموع وغيره أن الحاجة غير معتبرة قال السبكي فينبغي أن يقتصر على أحد الأمرين إما الحاجة أو قصد ثواب الآخرة فإن الصدقة على الغنى جائزة ويثاب عليها إذا قصد القربة فخرج بذلك ما لو ملك غنيا من غير قصد ثوب الآخرة .
فإن نقله .
بنفسه أو بغيره مع قصد الثواب " إلى مكان الموهوب له إكراما له فهدية " أيضا أو بدون قصد الثواب فهدية فقط ولهذا قال في المحرر وإن نقله بالواو وهي أولى فإن الفاء توهم لولا ما قدرته أن الهدية قسم من الصدقة وليس مرادا بل هي قسيمها .
وإذا انضم إلى تمليك المحتاج بقصد ثواب الآخرة النقل إلى مكانه فتكون هدية وصدقة وقد تجتمع الأنواع الثلاثة فيما لو ملك محتاجا لثواب الآخرة بلا عوض ونقله إليه إكراما بإيجاب وقبول .
قال السبكي والظاهر أن الإكرام ليس شرطا فالشرط هو النقل .
قال الزركشي وقد يقال احترز به عن الرشوة ولا يقع اسم الهدية على العقار .
فإن قيل قد صرحوا في باب النذر أن الشخص لو قال لله علي أن أهدي هذا البيت مثلا صح وباعه ونقل ثمنه .
أجيب بأنهم توسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم وتعميمه في المنقول وغيره .
وأما تعريفها بالمعنى الثاني وهو المراد عند الإطلاق فأركانها ثلاثة عاقد وصيغة وموهوب .
وقد أخذ المصنف في بيان بعض ذلك فقال " وشرط الهبة " لتتحقق عاقدان كالبيع وهذا هو الركن الأول ولهما شروط فيشترط في الواهب الملك وإطلاق التصرف في ماله فلا تصح من ولي في مال محجورة ولا من مكاتب بغير إذن سيده .
ويشترط في الموهوب له أن يكون فيه أهلية الملك لما يوهب له من تكليف وغيره وسيأتي أن غير المكلف يقبل له وليه فلا تصح لحمل ولا لبهيمة ولا لرقيق نفسه فإن أطلق الهبة له فهي لسيده .
و " إيجاب وقبول لفظا " من الناطق مع التواصل المعتاد كالبيع وهذا هو الركن الثاني .
ومن صريح الإيجاب وهبتك و منحتك و ملكتك بلا ثمن ومن صريح القبول قبلت و رضيت .
ويستثنى من اعتبارهما مسائل منها الهبة الضمنية كأن يقول لغيره أعتق عبدك عني ففعل فيدخل في ملكه هبة ويعتق عليه ولا يحتاج للقبول .
ومنها ما لو وهبت المرأة نوبتها من ضرتها لم يحتج لقبولها على الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في القسم والنشوز .
ومنها ما يخلعه السلطان على الأمراء والقضاءة وغيرهم لا يشترط فيه القبول كما بحثه بعض المتأخرين لجريان العادة بذلك .
ومنها ما لو اشترى حليا لولده الصغير وزينه به فإنه يكون تمليكا له بخلاف ما لو اشتراه لزوجته فإنه لا يصير ملكا لها كما قاله القفال والفرق بينهما أن له ولاية على الصغير بخلاف الزوجة كذا ذكره السبكي وتبعه ابن الملقن .
ويرد هذا قول الشيخين وغيرهما فإن وهب للصغير ونحوه ولي غير الأب والجد قبل له الحاكم وإن كان أبا أو جدا تولى الطرفين فلا بد من الإيجاب والقبول .
ومنها ما لو قال اشتري لي بدراهمك لحما فاشتراه وصححناه للسائل فإن الدراهم تكون هبة لا فرضا .
ويقبل الهبة للصغير ونحوه ممن ليس أهلا للقبول الولي فإن لم يقبل انعزل الوصي ومثله القيم وأثما لتركهما الأحظ بخلاف الأب والجد لكمال شفقتهما .
ويقبلها السفيه نفسه وكذا الرقيق لا سيده وإن وقعت له أما الأخرس فيكفيه الإشارة المفهمة .
وفي الذخائر أن انعقاد الهبة بالكناية مع النية وبالاستيجاب على الخلاف في البيع أي فتصح .
ومن ( 2 / 398 ) الكناية الكتابة واختار في المجموع صحتها بالمعاطاة .
وقوله لغيره كسوتك هذا الثوب كناية في الهبة فإن قال الواهب لم أردها صدق لأنه يصلح للعارية فلا يكون صريحا في الهبة كالبيع .
ولا يصح قبول بعض الموهوب أو قبول أحد شخصين نصف ما وهب لهما وجهان أوجههما كما قال شيخ تبعا لبعض اليمانيين الصحة بخلاف البيع فإنه لا يصح لأنه معاوضة بخلاف الهبة فاغتفر فيها ما لم يغتفر فيه وإن قال بعض المتأخرين إن هذا الفرق بين بقادح .
ولا يشترطان .
أي الإيجاب والقبول " في الهدية على الصحيح " ولو في غير المطعوم " بل يكفي البعث من هذا " أي المهدي ويكون كالإيجاب " والقبض من ذاك " أي المهدى إليه ويكون كالقبول كما جرى عليه الناس في الأعصار وقد أهدى الملوك إلى رسول الله A الكسوة والدواب والجواري كما مر .
وفي الصحيحين كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها ولم ينقل إيجاب ولا قبول .
والثاني يشترطان كالهبة وحمل ما جرى عليه الناس على الإباحة رد بتصرفهم في المبعوث تصرف الملاك والفروج لا تباح بالإباحة .
تنبيه : .
سكوت المصنف عن احتياج الصدقة إلى الصيغة يشعر بعدم افتقارها إليها قطعا وقال الإمام إنه الظاهر لكن قال في الروضة وأصلها إن الصدقة كالهدية بلا فرق .
فإن قيل بل كلامه إنما يشعر باشتراط الإيجاب والقبول فيها لأنه اعتبر الإيجاب والقبول ولم يستثن إلا الهدية .
أجيب بأن المراد الهبة في قوله وشرط الهبة إيجاب وقبول الهبة الخاصة المقابلة للهدية والصدقة كما مرت الإشارة إليه لا الهبة العامة المرادة أول الباب .
وقوله لفظا تأكيد ونصبه بنزع الخافض الياء .
فرع لو ختن شخص ولد .
ه واتخذ دعوة فأهدي إليه ولم يسم أصحاب الهدايا الابن ولا الأب حكي في المسألة وجهان أحدهما أنها للابن وصححه العبادي وصاحب الكافي وجزم به القاضي حسين .
والثاني ويحكى عن الشيخ أبي إسحاق وقال المصنف إنه أقوى وأصح أنها للأب .
ولو غرس شجرا وقال عند غرسه غرسته لطفلي لم يملكه فإن قال جعلته له صار ملكه أي إذا قبله له مما مر .
ولا يصح تعليق الصفة ولا توفيتها إلا ما استثناه بقوله " ولو قال أعمرتك هذه الدار " مثلا أي جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما عشت أو حييت أو نحو ذلك " فإذا مت " بفتح التاء " فهي لورثتك " أو لعقبك كما في الروضة " فهي هبة " حكما ولكنه طول العبارة فيعتبر الإيجاب والقبول وتلزم بالقبض فإذا مات كانت لورثته فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا تعود للواهب بحال لخبر مسلم أيما رجل أعمر عمري فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها .
ولو اقتصر على " قوله " أعمرتك " هذه الدار مثلا ولم يتعرض لما بعد موته " فكذا " هي هبة " في الجديد " لحديث الصحيحين العمري ميراث لأهلها وليس في جعلها له مدة حياته ما ينافي انتقالها إلى ورثته فإن الأملاك كلها مقدرة بحياته .
والقديم بطلانه كما لو قال أعمرتك سنة .
و .
على الجديد " لو قال " مع قوله أعمرتكها " فإذا مت عادت إلي " أو إلى وارثي " فكذا " هي هبة وإعمار صحيح " في الأصح " وبه قطع الأكثرون كما في الروضة ويلغو ذكر الشرط لإطلاق الأحاديث الصحيحة .
فإن قيل هذا شرط فاسد فهلا بطلت العمري كالبيع أجيب بأن شروط البيع تقابل ببعض الثمن فإذا بطلت يسقط ما يقابلها فيصير الثمن مجهولا فيبطل والعمري لا ثمن فيها فلذلك صحت وبأن هذا الشرط يقتضي فسخا منتظرا ولا يضر الهبة بدليل هبة الأب لإبنه ويضر البيع .
قال السبكي وقضية الجواب الأول أنه لو قيد الهبة بالشرط المذكور صحت كالعمري وهو كذلك .
فائدة : .
قال البلقيني ليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه إلا هذا .
والثاني يبطل العقد لفساد الشرط وعلى القديم يبطل من باب أولى كما ذكره في المحرر .
تنبيه : .
قد يقتضي كلام المصنف أنه لو قال جعلتها لك عمرى أو عمر زيد فإنه يبطل وهو الأصح لخروجه عن اللفظ المعتاد لما فيه من تأقيت الملك فإن الواهب أو زيدا قد يموت أولا بخلاف العكس فإن الإنسان لا يملك إلا مدة حياته ( 2 / 399 ) فكأن لا توقيت .
ولا يصح تعليق العمرى ك إذا مت أو جاء فلان أو رأس الشهر فهذه الدار لك عمرك فلو قال إن مت فهي لك عمرك فوصية يعتبر خروجها من الثلث .
ولو قال أرقبتك .
هذه الدار مثلا " أو جعلتها لك رقبي " وفسر المصنف مدة طول ذلك بقوله أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين الجديد " وهو الصحية ويلغو الشرط .
والقديم .
وهو عدم الصحة ومقابل المذهب القطع بالبطلان .
ولا يحتاج للتفسير في عقد الرقبى بل يكفي الاقتصار على أرقبتك .
نعم إن عقدها بلفظ الهبة ك وهبتها لك عمرك احتيج للتفسير المذكور .
والعمرى والرقبى كالعقدين في الجاهلية في عطيتين مخصوصتين فالعمرى من العمر لأنها يجعلها عمره والرقبى من الرقوب لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه .
قال السبكي وصحة العمرى والرقبى بعيد عن القياس لكن الحديث مقدم على كل أصل وكل قياس وقد ورد فيهما أمر ونهي فلو قيل بتحريمهما للنهي وصحتهما للحديث كما قلنا في طلاق الحائض لم يبعد وبسط ذلك ولا بد في الرقبى من القبول والقبض كما مر في العمرى .
ولو جعل رجلان كل منهما داره للآخر رقبى على أن من مات قبل الآخر عادت للآخر فرقبى من الجانبين .
ثم شرع في الركن الثالث ضابطا له بضابط فقال " و " كل " ما جاز بيعه جاز هبته " بالأولى لأن بابها أوسع .
فإن قيل لم حذف المصنف التاء من جاز هبته أجيب بأن تأنيث الهبة غير حقيقي أو لمشاكلة جاز بيعه .
تنبيه : .
يستثنى من هذا الضابط مسائل منها الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن أو أعتقها وهو معسر فإنه يجوز بيعها للضرورة ولا يجوز هبتها لا من المرتهن ولا من غيره .
ومنها بيع الموصوف سلما في الذمة جائز ويمتنع هبته ك وهبتك دينارا في ذمتي ثم يعينه في المجلس .
ومنها المكاتب يصح بيعه ما في يده ولا تصح هبته .
ومنها القيم والوصي على مال الطفل يصح منهما بيع ما له لا هبته .
ومنها هبة المنافع فإنها تباع لإجارة وفي هبتها وجهان أحدهما أنها ليست بتمليك بناء على أن ما وهب منافعه عارية وهو ما جزم به الماوردي وغيره ورجحه الزركشي والثاني أنها تمليك بناء على أن ما وهب منافعه أمانة وهو ما رجحه ابن الرفعة و السبكي وغيرهما وهو الظاهر .
و .
كل " ما لا " يجوز بيعه " كمجهول ومغصوب " لغير قادر على انتزاعه " وضال " وآبق " فلا " تجوز هبته بجامع أنها تمليك في الحياة .
تنبيه : .
يستثنى من هذا الضابط مسائل منها ما استثناه المصنف بقوله " إلا حبتي حنطة ونحوهما " من المحقرات كشعير فإنهما لا يجوز بيعهما كما مر في البيع وتجوز هبتهما لانتفاء المقابل فيهما وهذا الإستثناء مما زاده على المحرر ولم يذكره في الروضة وقال ابن النقيب إنه سبق قلم ففي الرافعي في تعريف اللقطة أن ما لا يتمول كحبة حنطة وزبيبة لا يباع ولا يوهب لكن قال الأذرعي وغيره إن الصحيح المختار ما في المتن وهو كذلك .
ومنها ما إذا لم تعلم الورثة مقدار ما لكل منهم من الإرث كما لو خلف ولدين أحدهما خنثى وقد ذكر الرافعي في الفرائض أنه لو اصطلح الذين وقف المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز قال الإمام ولا بد أن يجري بينهم تواهب وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة ولكنها تحتمل للضرورة .
ومنها ما إذا اختلط حمام برجين فوهب صاحب أحدهما نصيبه للآخر فإنه يصح على الصحيح وإن كان مجهول القدر والصفة للضرورة ومثل ذلك ما لو اختلطت حنطته بحنطة غيره أو مائعه بمائع غيره أو ثمرته بثمرة غيره .
ومنها ما لو قالا أنت في حل مما تأخذ من مالي أو تعطي أو تأكل فإنه يجوز له الأكل دون الأخذ والإعطاء لأن الأكل إباحة وهي تصح مجهولة بخلافهما .
ومنها صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها كما قاله الروياني .
ومنها الطعام المغنوم من دار الحرب تجوز هبته للمسلمين بعضهم من بعض ما داموا في دار الحرب كما يجوز لهم أكله هناك ولا يصح لهم تبايعه قاله الزركشي وهذه في الحقيقة لا تستثنى لأن الآخذ لا يملك المأخوذ حتى يملكه لغيره وإنما هو مباح للغانم غير مملوك .
ومنها الثمار قبل بدو الصلاح تجوز هبتها من غير شرط القطع بخلاف البيع وكذا الزرع الأخضر ( 2 / 400 ) قبل اشتداد الحب .
ومنها ما لو وهب الأرض مع بذر أو زرع لا يفرد بالعقد فإن الهبة تصح في الأرض وتفرق الصفقة هنا على الأرجح والجهالة في البذر لا تضر في الأرض إذ لا ثمن ولا توزيع .
ومنها ما لو باع المتحجر ما تحجره لم يصح على الأصح لأن حق التملك لا يباع وتجوز هبته قال الدارمي ولو وهب مرهونا أو كلبا ولو معلما أو خمرا ولو محترمة أو جلد ميتة قبل الدباغ أو دهنا نجسا لم يصح كالبيع وما قاله في الروضة في باب الأواني من أن جلد الميتة قبل الدباغ تصح هبته محمول على نقل اليد لا على التمليك كما صرح هنا بأن هبته لا تصح .
وهبة الدين للمدين إبراء .
له منه لا يحتاج قبولا نظرا للمعنى .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف أن هبة الدين صريح في الإبراء وهو كذلك وإن قال في الذخائر إنه كناية وترك الدين للمدين كناية إبراء .
و .
هبته " لغيره " وهو من لا دين عليه " باطلة في الأصح " وعبر في الروضة بالمذهب لأنه غير مقدور على تسليمه وإنما يقبض من الديون عين لا دين والقبض في الهبة إنما يكون فيما ورد العقد عليه .
والثاني صحيحة ونقل عن نص الأم وصححه جمع تبعا للنص كما مر في بيعه على ما صححه في الروضة قيل بل أولى .
ووجه الأول وهو المعتمد أن هبة ما في الذمة غير صحيح بخلاف بيع ما في الذمة فإنه يصح ولهذا لم يختلف ترجيح الشيخين في بطلان هبة الدين لغير من هو عليه واختلف في ترجيح البيع له وعلى هذا يستثنى من طرد القاعدة لأنه يجوز بيعه ولا تجوز هبته .
فرع تمليك المسكين الدين .
الذي عليه أو على غيره عن الزكاة لا يصح لأن ذلك فيما عليه إبدال وهو لا يجوز وفيما على غيره تمليك وهو لا يجوز أيضا .
ولا يملك موهوب .
بالهبة الصحيحة غير الضمنية وذات الثواب الشاملة للهدية والصدقة " إلا بقبض " فلا يملك بالعقد لما روى الحاكم في صحيحه أنه A أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا ثم قال لأم سلمة إني لا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى الهدية التي قد أهديت إليه إلا تسترد فإذا ردت إلي فهي لك فكان كذلك لأنه عقد إرفاق كالقرض فلا يملك إلا بالقبض .
وخرج بالصحيحة الفاسدة فلا تملك بالقبض والمقبوض بها غير مضمون كالهبة الصحيحة إذ الأصل أن فاسد كل عقد كصحيحه وبغير الضمنية الضمنية كما لو قال أعتق عبدك عني مجانا فإنه يعتق عنه ويسقط القبض في هذه الصورة كما يسقط القبول إذا كان التماس العتق بعوض كما ذكروه في باب الكفارة وبغير ذات الثواب ذاته فإنه إذا سلم الثواب استقل بالقبض لأنها بيع .
تنبيه : .
شمل كلامه هبة الأب لإبنه الصغير أنها لا تملك إلا بالقبض وهو كذلك كما هو مقتضى كلامهم في البيع ونحوه خلافا لما حكاه ابن عبد البر .
ولا بد أن يكون القبض " بإذن الواهب " فيه إن لم يقبضه الواهب سواء أكان في يد المتهب أم لا فلو قبض بلا إذن ولا إقباض لم يملكه ودخل في ضمانه سواء أقبضه في مجلس العقد أم بعده ولا بد من إمكان السير إليه إن كان غائبا وقد سبق بيان القبض في باب البيع قبل قبضه إلا أنه لا يكفي الإتلاف ولا الوضع بين يديه بغير إذنه لأنه غير مستحق القبض فإن أذن له في الأكل أو العتق عنه فأكله أو أعتقه كان قبضا بخلاف البيع والزيادة الحادثة من الموهوب قبل قبضه للواهب لبقائه عن ملكه .
وقبض المشاع بقبض الجميع منقولا كان أو غيره فإن كان منقولا ومنع من القبض شريكه ووكيله الموهوب له في قبض نصيبه صح فإن لم يوكله الموهوب له قبض له الحاكم ويكون في يده لهما ويصح بيع الواهب للموهوب قبل قبضه وإن ظن لزوم الهبة بالعقد .
وليس الإقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بقبض الموهوب لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد والإقرار يحمل على اليقين إلا إن قال وهبته له وخرجت منه إليه وكان في يد المتهب وإلا فلا وقوله وهبته وأقبضته له إقرار بالهبة والقبض .
ولو اختلفا في الإذن في القبض صدق الواهب فإن اتفقا عليه وقال الواهب رجعت قبل أن يقبضه وقال المتهب بل بعده صدق المتهب بيمينه لأن الأصل عدمه .
ولو أقبضه وقال قصدت به الإيداع أو العارية وأنكر المتهب صدق الواهب كما في الاستقصاء ( 2 / 401 ) فلو مات أحدهما " أي الواهب أو الموهوب له " بين الهبة والقبض " لم ينفسخ العقد و " قام وارثه مقامه " أي وارث الواهب في الإقباض والإذن في القبض ووارث المتهب في القبض .
وقيل ينفسخ العقد .
لجوازه كالوكالة .
وأجاب الأول بأنها تؤول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع الجائز بخلاف الوكالة .
ويجري الخلاف في الجنون والإغماء ويقبضان إذا أفاقا ولولي المجنون قبضها قبل الإفاقة .
فرع لو رجع الواهب .
الشامل لمهدي والمتصدق أو وارثه في الإذن في القبض أو مات هو أو المتهب قبل القبض فيهما بطل الإذن فليس للرسول إيصال الهبة إلى المتهب أو وارثه إلا بإذن جديد وينبغي كما قال الزركشي أن يكون جنون الواهب وإغماؤه والحجر عليه كذلك .
ويسن للوالد .
وإن علا " العدل في عطية أولاده بأن يسوي بين الذكر والأنثى " لخبر الصحيحين عن النعمان بن بشير Bهما أنه قال وهبني أبي هبة فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله A فأتى رسول الله A فقال يا رسول الله إن أم هذا أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لإبنها فقال A يا بشير ألك ولد سوى هذا قال نعم قال كلهم وهبت له مثل هذا قال لا قال فارجعه وفي رواية للبخاري اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وفي لفظ مسلم قال فأشهد على هذا غيري وفي لفظ لأحمد لا تشهدني على جور إن لبنيك من الحق أن تعدل بينهم ولئلا يفضي بهم الأمر إلى العقوق أو التحاسد .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف أن ترك هذا خلاف الأولى والمجزوم به في الرافعي الكراهة وهو المعتمد قال ابن حبان في صحيحه إن تركه حرام ويؤيده رواية لا تشهدني على جور وأكثر العلماء على أنه لا يجب وحملوا الحديث على الاستحباب لرواية فأشهد على هذا غيري ولأن الصديق رضي الله تعالى عنه فضل عائشة Bها على غيرها من أولاده وفضل عمر رضي الله تعالى عنه إبنه عاصما بشيء وفضل عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما بعض ولده على بعض .
وقيل كقسمة الإرث .
فيضعف حظ الذكر كالميراث كما أعطاهم الله تعالى وهو خير الحاكمين .
وأجاب الأول بأن الوارث رضي بما فرض الله له بخلاف هذا بل قيل إن الأولى أن تفضل الأنثى حكاه ابن جماعة المقدسي في شرح المفتاح لأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة فأما إذا كان بالرحم فهما سواء كالإخوة والأخوات من الأم .
ولو كان في أولاده خنثى فحكمه حكم الذكر لا الأنثى حتى يجري فيه الوجهان قاله في المجموع في نواقض الوضوء قال الزركشي وهو خلاف قياس الميراث من وقف المشكوك فيه .
تنبيه : .
محل الكراهة عند الإستواء في الحاجة أو عدمها وإلا فلا كراهة وعلى ذلك يحمل تفصيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيما مر ويستثنى العاق والفاسق إذا علم أنه يصرفه في المعاصي فلا يكره حرمانه .
ويسن أيضا أن يسوي الولد إذا وهب لوالديه شيئا ويكره له ترك التسوية كما مر في الأولاد فإن فضل أحدهما فالأم أولى لخبر إن لها ثلثي البر والإخوة ونحوهم لا يجري فيهم هذا الحكم ولا شك أن التسوية بينهم مطلوبة لكن دون طلبها في الأصول والفروع .
روى البيهقي في الشعب عن سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي A قال حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده وفي رواية الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب .
وللأب الرجوع .
على التراخي " في هبة ولده " الشاملة للهدية والصدقة وكذا لبعضها كما فهم بالأولى من دون حكم حاكم .
وكذا لسائر الأصول .
من الجهتين ولو مع اختلاف الدين " على المشهور " سواء أقبضها الولد أم لا غنيا كان أو فقيرا صغيرا أو كبيرا لخبر لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده .
رواه الترمذي والحاكم وصححاه .
والوالد يشمل كل الأصول إن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وإلا ألحق به بقية ( 2 / 402 ) الأصول بجامع أن لكل ولادة كما في النفقة وحصول العتق وسقوط القود .
والثاني لا رجوع لغير الأب مستدلا بالحديث المتقدم وقصر الوالد على الأب وعممه الأول .
وعبد الولد غير المكاتب كالولد لأن الهبة لعبد الولد هبة للولد بخلاف عبده المكاتب لأنه كالأجنبي .
ومنها ما لو قالا أنت في حل مما تأخذ من مالي أو تعطي أو تأكل فإنه يجوز له الأكل دون الأخذ والإعطاء لأن الأكل إباحة وهي تصح مجهولة بخلافهما .
نعم انفسخت الكتابة فقد بان بآخر الأمر أن الملك للولد فهو كهبة اثنين لو تنازعا فيه ثم ألحق بأحدهما فإنه يرجع لثبوت بنوته وهبته لمكاتب نفسه كالأجنبي .
ولو وهب شيئا لولده ثم مات ولم يرثه الولد لمانع قام به ورثه جد الولد ولم يرجع في الهبة الجد الحائز للميراث لأن الحقوق لا تورث وحدها إنما تورث بتبعية المال وهو لا يرثه .
ويكره للوالد أن يرجع في هبته لأولاده إن عدل بينهم إلا لمصلحة كأن يستعينوا بما أعطاه لهم على معصية وأصروا عليها بعد إنذاره بالرجوع من غير سبب كالهبة ولا لأن الخبر ورد في الإعطاء وجهان حكاهما في البحر أوجههما الكراهة .
تنبيه : .
محل الرجوع فيما إذا كان الولد حرا أما الهبة لولده الرقيق فهبة لسيده كما علم مما مر ومحله أيضا في هبة الأعيان .
أما لو وهب ولده دينا له عليه فلا رجوع له جزما سواء أقلنا إنه تمليك أم إسقاط إذ لا بقاء للدين فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف .
وشرط رجوعه .
أي الأب أو أحد سائر الأصول " بقاء الموهوب في سلطنة " أي ولاية " المتهب " وهو الولد ويدخل في السلطنة ما لو أبقى الموهوب أو غصب فيثبت الرجوع فيهما ويخرج بها ما لو جنى الموهوب أو أفلس المتهب وحجر عليه فيمتنع الرجوع فيهما .
نعم إن قال أنا أؤدي أرش الجناية وأرجع مكن في الأصح .
فإن قيل سيأتي أنه لو رهنه وقبضه المرتهن وقال أنا أبذل قيمته وارجع لم يمكن فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه لا يؤمن من خروج دراهمه مستحقة فيفوت الرهن لأنه فسخ العقد ولا يقع موقوفا بخلاف بذل الأرش لأنه ليس بعقد فجاز أن يقع موقوفا فإن سلم ما بذله وإلا رجع إليه وأيضا لما في الرجوع بعد الرهن إبطال تصرف المتهب نعم له أن يفديه بكل الدين لأن له أن يقضي دين الأجنبي لكن بشرط رضا الغريم .
وخرج بحجر الفلس حجر السفه فلا يمنع الرجوع لأنه لم يتعلق به حق غيره .
ويمتنع أيضا الرجوع في صور ذكر المصنف بعضها في قوله " فيمتنع " الرجوع في الموهوب بزوال السلطنة سواء أزالت بزوال ملكه عنه " ببيعه " كله " ووقفه " وعتقه ونحو ذلك أم لا كأن كاتب الموهوب أو استولد الأمة أما لو خرج عن ملكة بعضه فله الرجوع في الباقي .
تنبيه : .
قضية كلامهم امتناع الرجوع لبيع وإن كان البيع من أبيه الواهب وهو كما قال شيخنا ظاهر " لا برهنه و " لا " هبته قبل القبض " فيهما لبقاء السلطنة .
وقياس هذا أنه لو باعه بشرط الخيار له أولهما ثبوت الرجوع لبقاء سلطنته لأن الملك له وهو ظاهر أما بعد القبض فلا رجوع له لزوالها .
و .
لا " تعليق عتقه " ولا تدبيره " و " لا " تزويجها " الجارية " و " لا " زراعتها " أي الأرض فلا يمتنع الرجوع بكل منها لبقاء السلطنة .
وكذا الإجارة .
لا تمنع الرجوع " على المذهب " لأن العين باقية بحالها ومورد الإجارة المنفعة وعلى هذا فالإجارة بحالها يستوفي المستأجر المنفعة ومقابل المذهب قول الإمام لم يصح بيع المؤجر ففي الرجوع تردد .
تنبيه : .
يستثنى من الرجوع مع بقاء السلطنة ما إذا منع مانع من الرجوع وذلك في صور منها لما لو جن الأب فإنه لا يصح رجوعه حال جنونه ولا رجوع لوليه بل إذا أفاق كان له الرجوع ذكره القاضي أبو الطيب .
ومنها ما لو أحرم والموهوب صيد فإنه لا يرجع في الحال لأنه لا يجوز إثبات يده على الصيد في حال الإحرام .
ومنها ما لو ارتد الولد وفرعنا على وقف ملكه فإنه لا يرجع لأن الرجوع لا يقبل الوقف كما لا يقبل التعليق فلو حل أي من إحرامه أو عاد إلى الإسلام والموهوب باق على ملك الولد رجع ولو وهب لولده شيئا ووهبه الولد لولده لم يرجع الأول في الأصح لأن الملك غير مستفاد منه ولو باعه من إبنه أو انتقل بموته إليه لم يرجع الأب قطعا لأنه لا رجوع له فالأب ( 2 / 403 ) أولى ولو وهبه لولده فوهبه الولد لأخيه من أبيه لم يثبت للأب الرجوع لأن الواهب لا يملك الرجوع فالأب أولى ولو وهبه الولد لجده ثم الجد لولد ولده فالرجوع للجد فقط .
ولو زال ملكه .
أي الولد عن الموهوب " وعاد " إليه بإرث أم لا " لم يرجع " أي الأصل من الجهتين فيه " في الأصح " لأن الملك غير مستفاد من الأصل حتى يرجع فيه .
والثاني يرجع نظرا إلى ملكه السابق .
تنبيه : .
شمل كلامه ما لو عاد ملك الموهوب للولد بالإقالة والرد بالعيب وهو كذلك وإن الملك قد زال عنه ثم عاد إليه .
نعم يستثنى من ذلك ما لو وهب له عصيرا ثم تخمر ثم تخلل فله الرجوع على المذهب لأن الملك الكائن في الخل سببه ملك العصير وما لو كاتبه ثم عجز فله الرجوع واستثنى الدميري ما لو وهبه صيدا فأحرم الولد ولم يرسله ثم تحلل .
وهذا ممنوع لأن ملك الولد قد زال عنه بالإحرام ولم يعد بالتحلل فإنه يجب عليه إرساله بعد التحلل على الأصح المنصوص .
ولو زرع الولد الحب أو فرخ البيض لم يرجع الأصل فيه كما جزم به ابن المقري وإن جزم البلقيني بخلافه لأن الموهوب صار مستهلكا .
ولو زاد .
الموهوب " رجع " الأصل " فيه بزيادته المتصلة " كسمن وحرث أرض لزراعة لأنها تتبع الأصل .
تنبيه : .
يستثنى من إطلاقه صورتان الأولى ما لو وهب أمة أو بهيمة حائلا ثم رجع فيها وهي حامل لم يرجع إلا في الأم دون الحمل بناء على أن الحمل يعلم وهو الأصح ويرجع في الأم ولو قبل الوضع في أحد وجهين صححه القاضي وهو المعتمد كما أجاب به ابن الصباغ وغيره .
الثانية ما وهبه نخلا فأطلعت تمرا غير مؤبر فلا يرجع فيه على المذهب لأنه لا معاوضة ولا تراض كالصداق قاله الحاوي في باب بيع الأصول والثمار .
لكن في الروضة في التفليس عن الشيخ أبي حامد ما يقتضي ترجيح التبعية أي تبعية الطلع واقتصر عليه والأول أوجه قياسا على الحمل .
لا .
الزيادة " المنفصلة " كالولد الحادث والكسب فلا يرجع الأصل فيها بل تبقى المتهب لحدوثه على ملكه بخلاف الحمل المقارن للهبة فإنه يرجع فيه وإن انفصل لأنه من جملة الموهوب .
ولو كان الحمل مقارنا للهبة ثم رجع في الأم فقط كان رجوعا في الحمل أيضا كما هو ظاهر كلامهم .
ولو صبغ الولد الثوب أو قصره أو طحن الحنطة أو نسج الغزل شارك والده بعد والده الرجوع في الثوب بما زاد على قيمته فإن لم تزد فلا شركة .
تنبيه : .
قضية كلامه أن الموهوب لو تعلم عند الولد صنعة فزادت قيمته يفوز بها الوالد وبه صرحا هنا في الروضة وأصلها فذكر من الزيادة المتصلة تعلم الحرفة وحرث الأرض لكن ذكرا نفي باب التفليس أن تعلم الحرفة كالعين وقضيته أن الولد يكون شريكا فيها بما زاد كالقصارة .
وأجاب عن ذلك الزركشي بأن ما هنا تعلم لا معالجة للسيد فيه وما هناك تعلم فيه معالجة منه ولو رجع الأصل في الأرض التي وهبها للولد وقد غرس الولد أو بنى تخير الأصل بعد رجوعه في الغرس أو البناء بين قلعه بأرش نقصه أو تملكه بقيمته أو تبقيته بأجرة كالعارية ولو نقص الموهوب رجع فيه من غير أرش نقص .
فرع لو وهب لولده عينا .
وأقبضه إياها في الصحة فشهدت بينة لباقي الورثة أن أباه رجع فيما وهبه له ولم نذكر ما رجع فيه لم تسمع شهادتها ولم تنزع العين منه لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه .
ويحصل الرجوع برجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي أو نقضت الهبة .
أو نحو ذلك كأبطلتها وفسختها وكل هذه صرائح .
ويحصل بالكناية مع النية كأخذته وقبضته وكل ما يحصل به رجوع البائع بعد فلس المشتري يحصل به الرجوع هنا .
تنبيه : .
الموهوب بعد الرجوع فيه من غير استرداد له أمانة في يد الولد بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ البيع لأن المشتري أخذه بحكم الضمان .
ولا يصح الرجوع إلا منجزا فلو قال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت لم يصح لأن الفسوخ لا تقبل التعليق كالعقود .
و " لا " يحصل الرجوع " ببيعه " أي ما وهبه الأصل لولده " و " لا " وقفه ( 2 / 404 ) و " لا " هبته و " لا " إعتاقه و " لا " وطئها " لكمال ملك الولد ونفوذ تصرفه فلا يؤثر فيه ما ذكر وقوله " في الأصح " راجع للخمس صور .
والثاني يحصل الرجوع بكل منها كما يحصل به من البائع في زمن الخيار .
وفرق الأول بأن الملك هناك ضعيف بخلاف ما نحن فيه وعلى الأول يلزم الوالد بالإتلاف والإستيلاد القيمة وبالوطء المهر وتلغو البقية وتحرم به الأمة على الولد لأنها موطوءة والده وتحرم موطوءة الولد التي وطئها الوالد عليهما معا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موانع النكاح .
ولو تفاسخ المتواهبان الهبة أو تقايلا حيث لا رجوع لم تنفسخ كما جزم به صاحب الأنوار .
فروع أحدها لو باع الولد العين الموهوبة من أبيه ثم ادعى الأب أنه رجع فيها قبل البيع لم يقبل إلا ببينة .
ثانيها لو جهز شخص إبنته بأمتعة لم تملكها إلا بإيجاب وقبول إن كانت بالغة ويصدق بيمينه أنه لم يمكلها وكذا لو اشترى أمتعة بيتها لم تملكها بذلك بخلاف ما لو كانت صغيرة واشترى بنيتها فتملك بذلك ثم إن أنقد الثمن بنية الرجوع رجع وإلا فلا .
ثالثها لو كان في يد الوالد عين وأقر بأنها في يده أمانة وهي ملك ولده ثم ادعى بعد ذلك أن المقر به كان هبة منه وأنه رجع فيه وكذبه الولد صدق عند الأكثرين ولا رجوع للأب والمعتمد ما أفتى به القضاة الثلاثة أبو الطيب و الماوردي و الهروي من أن الأب هو المصدق بيمينه وصححه المصنف .
رابعها لو تصدق على غير بثوب فظن أنه أودعه أو أعار له ملكه اعتبارا بنية الدافع فلو رده عليه المدفوع له لم يحل له أخذه لزوال ملكه عنه .
ولا رجوع لغير الأصول في هبة مقيدة بنفي الثواب .
أي العوض للحديث المار ولأنه بذل ماله مجانا كالمتصدق .
تنبيه : .
أفهم كلامه صحة الهبة إذا قيدت بنفي الثواب وهو الأصح لأنه حقه فله إسقاطه .
ومتى وهب .
شيئا " مطلقا " عن تقييده بثواب وعدمه " فلا ثواب " أي لا عوض " إن وهب لدونه " في المرتبة كالملك لرعيته والأستاذ لغلامه إذ لا تقتضيه لفظا ولا عادة .
تنبيه : .
ألحق الماوردي بذلك سبعة أنواه هبة الأهل والأقارب لأن القصد الصلة وهبة العدو لأن القصد التآلف وهبة الغني للفقير لأن المقصود نفعه والهبة للعلماء والزهاد لأن القصد القربة والتبرك وهبة المكلف لغيره لعدم صحة الإعتياض منه والهبة للأصدقاء والإخوان لأن القصد تأكد المودة والهبة لمن أعان بجاهه أو ماله لأن المقصود مكافأته .
وزاد الدارمي هدية المتعلم لمعلمه وهو داخل في عموم كلام الماوردي .
وكذا .
إن وهب مطلقا الدون " لأعلى منه " كهبة الغلام لأستاذه فلا ثواب " في الأظهر " كما لو أعاره دارا لا يلزمه شيء إلحاقا للأعيان بالمنافع .
والثاني يجب الثواب لإطراد العادة بذلك .
و .
كذا إن وهب مطلقا " لنظيره " فلا ثواب أيضا " على المذهب " المقطوع به لأن القصد من مثله الصلة وتأكد الصداقة والطريق الثاني طرد القولين السابقين .
والهدايا في ذلك كالهبة كما قاله المصنف تفقها ونقله في الكفاية عن تصريح البندنيجي .
وأما الصدقة فثوابها عند الله تعالى فلا يجب العوض فيها مطلقا قال في زيادة الروضة ونقل عن تصريح البغوي وغيره .
فإن وجب .
في الهبة مطلقا ثواب على المرجوح وهو مقابل الأظهر " فهو قيمة الموهوب " أي قدرها " في الأصح " لأن العقد إذا اقتضى العوض ولم يسم فيه شيء تجب فيه القيمة وعلى هذا فالأصح اعتبار قيمة وقت القبض لا وقت الثواب .
والثاني يلزمه ما يعد ثوابا لمثله عادة .
فإن لم يثبه .
هو ولا غيره " فله " أي الواهب " الرجوع " في الموهوب إن بقي وببدله إن تلف .
ولو أهدى شخص لآخر على أن يقضي له حاجة أو يخدمه فلم يفعل وجب عليه ردها إن بقيت وبدلها إن تلفت كما قاله الإصطخري .
ولو وهب .
شخصا شيئا " بشرط ثواب معلوم " عليه كوهبتك هذا على أن تثيبني كذا " فالأظهر صحة " هذا " العقد " نظرا للمعنى فإنه معاوضة بمال معلوم فصح كما لو قال بعتك .
والثاني بطلانه نظرا إلى اللفظ لتناقضه فإن لفظ ( 2 / 405 ) الهبة يقتضي التبرع " ويكون بيعا على الصحيح " نظرا إلى المعنى فعلى هذا تثبت فيه أحكام البيع من الشفعة والخيارين وغيرهما .
قال في التنقيح بلا خلاف وغلط الغزالي في إشارته إلى خلاف فيه اه .
وما صححاه في باب الخيار من أنه لا خيار في الهبة ذات الثواب مبني على أنها ليست ببيع كما مرت الإشارة إليه هناك .
والثاني يكون هبة نظرا إلى اللفظ فلا يلزم قبل القبض .
أو .
بشرط ثواب " مجهول " كوهبتك هذا العبد بثوب " فالمذهب بطلانه " أي العقد لتعذر صحته بيعا لجهالة العوض ولتعذر صحته هبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه وقيل يصح هبة بناء على أنها تقتضيه .
تنبيه : .
لو قال المتهب للواهب وهبتني بلا ثواب وقال الواهب بل بثواب صدق المتهب لأنهما اتفقا على أنه ملكه والأصل عدم ذكر البدل .
ولو بعث .
شخص لآخر " هدية في ظرف " وهو الدعاء " فإن لم تجر العادة برده كقوصرة تمر " وهي بتشديد الراء على الأفصح وعاء التمر ولا تسمى بذلك إلا وفيها التمر وإلا فهي زنبيل .
فهو .
أي الظرف " هدية أيضا " تحكيما للعرف المطرد ومثله علب الحلواء والفاكهة ونحوهما .
وإلا .
بأن جرت العادة برد الظرف أو اضطربت كما هو قضية كلام ابن المقري " فلا " يكون هدية بل أمانة في يده كالوديعة .
قال الأذرعي ويشبه أن تختلف العادة في رد الظروف باختلاف طبقات الناس وعادة البلاد وما يحمل منها إلى البلاد البعيدة دون مهاداة أهل البلد وكذا الإهداء إلى الملوك ولا سيما ما يحمل إليهم من النواحي البعيدة فإن العادة أن لا ترد ظروفه .
والحاصل أنه يعتبر في كل ناحية عرفها وفي كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم .
تنبيه : .
ألحق المتولي بذلك الكتاب الذي يكتبه الإنسان لصاحبه أي سواء كان غائبا أم حاضرا فإن المكتوب إليه يملكه فإنه هدية إلا أن يكتب فيه أن اكتب لي الجواب على ظهره فإنه لا يملكه ويلزمه رده إليه .
و .
إذا لم يكن الظرف هدية " يحرم استعماله " لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه " إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة " عملا بها ويكون عارية حينئذ .
قال القاضي ويستحب له رده حالا لخبر استبقوا الهدايا برد الظروف .
قال الأذرعي والاستحباب المذكور حسن وفي جواز حبسه بعد تفريغه نظر إلا أن يعلم رضا المهدى به .
وهل يكون إبقاؤها فيه مع إمكان تفريغه على العادة مضمنا لأنه استعمال غير مأذون فيه لا لفظا ولا عرفا أم لا في كلام القاضي ما يفهم الأول وهو محل نظر .
وأما الخبر المذكور فلا أعرف له أصلا .
ولو خلص شخص آخر من يد ظالم ثم أنفذ إليه شيئا هل يكون رشوة أو هدية قال القفال في فتاويه ينظر إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشيء لنقض جميع ما فعله كان رشوة وإن كان يأمن خيانته بأن لا ينقض ذلك بحال كان هبة .
خاتمة أفضل البر بر الوالدين بالإحسان إليهما وفعل ما يسرهما من الطاعة لله تعالى وغيرها مما ليس بمنهي عنه قال تعالى " وبالوالدين إحسانا " ومن برهما الإحسان إلى صديقهما لخبر مسلم إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه .
ومن الكبائر عقوق كل منهما وهو أن يؤديه أذى ليس بالهين ما لم يكن ما أذاه به واجبا .
قال الغزالي وإذا كان في مال أحد أبويه شبهة ودعاه للأكل منه فليتلطف في الإمتناع فإن عجز فليأكل ويقلل بتصغير اللقمة وتطويل المضغة قال وكذا إذا ألبسه ثوبا من شبهة وكان يتأذى برده فليقبله وليلبسه بين يديه وينزعه إذا غاب ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرته .
وصلة القرابة وهي فعلك مع قريبك ما تعد به وأصلا مأمور بها وتحصل بالمال وقضاء الحوائج والزيارة والمكاتبة والمراسلة بالسلام ونحو ذلك ويتأكد استحباب وفاء العهد كما يتأكد كراهة إخلافه .
ويكره للإنسان أن يشتري ما وهبه من الموهوب له قال في الإحياء لو طلب إنسان من غيره أن يهبه مالا في ملأ من الناس فاستحيا منهم ولو كان في خلوة ما أعطاه له فوهبه منه على ذلك لم يحل كالمصادر وكذا كل من وهب له شيء لاتقاء شره أو سعايته .
قال البيهقي في شعبه عن عمار بن ياسر كان النبي A إليه يعني المسمومة بخيبر وهذا أصل لما يفعله الملوك في ذلك ويلحق بهم من في معناهم .
فإن قيل كيف كان النبي A يفعل ذلك وقد قال الله تعالى " والله يعصمك من الناس " لا يأكل من هدية ( 2 / 406 ) حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت .
أجيب بأن ذلك كان قبل نزول الآية أو أن العصمة لا تنافي تعاطي الأسباب كما أن إخباره تعالى بأنه يظهره على الدين كله لا ينافي جهاده وأمره بالقتال فمن تمام التوكل كما قاله بعض السلف سلوك الأسباب والإعتماد على رب الأرباب