ومن سننه : " السواك " وهو لغة : الدلك وآلته .
و شرعا : استعمال عود أو نحوه كأشنان في الأسنان وما حولها .
والأصل في ذلك : قوله A : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ) أي أمر إيجاب رواه البخاري تعليقا بصيغة الجزم وتعليقاته هكذا صحيحة .
ومحله في الوضوء - على ما قاله ابن الصلاح و ابن النقيب في " عمدته " : بعد غسل الكفين وكلام الإمام وغيره يميل إليه وينبغي اعتماده . وقال الغزالي كالماوردي و القفال : محله قبل التسمية . قال ابن النقيب في " نكته " : أو معها مخالفا لما في " عمدته " . قال الأذرعي : وإذا تركه أوله أرى أن يأتي به في أثنائه كالتسمية وأولى قال : ولم أره منقولا ا . ه وهو حسن .
وقضية تخصيصهم الوضوء بالذكر أنه لا يطلب السواك للغسل وإن طلب بكل حال . قيل : ولعل سبب ذلك الاكتفاء باستحبابه في الوضوء المسنون فيه . " .
وسن كونه " عرضا " أي في عرض الأسنان ظاهرا وباطنا في طول الفم لخبر : ( إذا استكتم فاستاكوا عرضا ) رواه أبو داود في مراسيله . ويجزئ طولا لكن مع الكراهة لأنه يدمي اللثة ويفسد لحم الأسنان . وقيل : إن الشيطان يستاك طولا . أما اللسان فيسن أن يستاك فيه طولا كما ذكره ابن دقيق العيد واستدل له بخبر في سنن أبي داود .
ويحصل " بكل خشن " مزيل للقلح طاهر كعود من أراك أو غيره أو خرقة أو أشنان لحصول المقصود بذلك لكن العود أولى من غيره والأراك أولى من غيره من العيدان . قال ابن مسعود : ( كنت أجتني لرسول الله A سواكا من أراك ) رواه ابن حبان . وما أحسن قول القائل : .
تالله إن جزت بوادي الأراك وقبلت أغصانه الخضر فاك .
فابعث إلى المملوك من بعضها فإنني والله ما لي سواك .
وقال آخر : .
طلبت منك سواكا وما طلبت سواكا .
وما أردت أراكا لكن أردت أراكا .
واليابس المندى بالماء أولى من الرطب ومن اليابس الذي لم يند ومن اليابس المندى بغير الماء كماء الورد وعود النخل أولى من غير الأراك - كما قاله في " المجموع " . وقيل : الأولى بعد الأراك قصبان الزيتون .
ويسن غسله للاستياك ثانيا إذا حصل عليه وسخ أو ريح أو نحوه كما قاله في " المجموع " .
ويكره غمسه في ماء وضوئه كما قاله الصيمري .
ويستحب أن يمر السواك على سقف فمه بلطف وعلى كراسي أضراسه ولا بأس بالاستياك بسواك غيره بإذنه . وحرم بدونه كالاستياك بما فيه سم .
ويكره بعود وريحان يؤذي .
وخرج بمزيل للقلح المبرد فلا يجزئ فإنه يزيل جزءا من السن وبطاهر النجس فلا يجزئ لخبر : ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) رواه ابنا خزيمة وحبان في صحيحيهما والمطهرة بفتح الميم وكسرها : كل إناء يتطهر به أي منه فشبه السواك به لأنه يطهر الفم . قاله في " المجموع " أي فهو آلة تنظفه من الرائحة الكريهة .
وقوله : " بكل خشن " من زيادته بغير تمييز وكذا قوله : " لا أصبعه " أي المتصلة به ولو كانت خشنة فلا تكفي " في الأصح " لأنه لا يسمى استياكا أما المنفصلة الخشنة فتجزيء إن قلنا بطهارتها وهو الأصح ودفنها مستحب لا واجب وإن قلنا بنجاستها لم يجز كسائر النجاسات خلافا للإسنوي كما لا يجزئ الاستنجاء بها وقيل : يجزئ ويجب غسل الفم للنجاسة وعلى هذا يفرق بينه وبين الاستنجاء بأن الاستنجاء بالحجر رخصة وهي لا تناط بالمعاصي مع أن الغرض منه الإباحة وهي لا تحصل بالنجاسة بخلاف الاستياك فإنه عزيمة من أن الغرض منه إزالة الرائحة الكريهة وهو حاصل .
ويسن أن يستاك باليمين من يمنى فمه قال الزنكلوني : إلى الوسط ويفعل بالأيسر مثل ذلك لشرف الأيمن ولأنه A ( كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله وسواكه ) رواه أبو داود .
وقيل : إن كان المقصود به العبادة ( 1 / 56 ) فباليمين أو إزالة الرائحة فباليسار . وقيل : باليسار مطلقا لأنه إزالة مستقذر فكان كالحجر في الاستنجاء ولينو به السنة كما أنه ينوى بالجماع النسل إن لم يكن للوضوء وإلا فنيته تشمله .
ويسن أن يعوده الصغير ليألفه .
ولو قال : ومن سننه السواك كما قدرته وعبر به في " المحرر " لكان أولى لئلا يوهم الحصر فإن له سننا لم يذكرها وسأذكر شيئا منها إن شاء الله تعالى . " .
ويسن للصلاة " ولو نفلا ولكل ركعتين من نحو التراويح أو لمتيمم أو فاقد الطهورين أو صلاة جنازة ولو لم يكن الفم متغيرا أو استاك في وضوئها لخبر الصحيحين : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) أي أمر إيجاب ولخبر : ( ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك ) رواه الحميدي بإسناد جيد .
واستشكل : بأن صلاة الجماعة بخمس أو سبع وعشرين مع أنها فرض كفاية على الأصح . وأجبت عن ذلك في " شرح التنبيه " بأجوبة بعضها لشيخنا .
وللطواف ولو نفلا ولسجدة تلاوة أو شكر . ولو نسي أن يستاك قبل تحرمه ثم تذكره بعده هل يسن أن يتداركه كما قيل به في الوضوء أو لا ؟ أفتى بعض المتأخرين بأنه يتدارك بأفعال خفيفة والظاهر عدم الاستحباب لأن الكفء مطلوب في الصلاة فمراعاته أولى . " .
وتغير الفم " بتثليث فائه أو الأسنان بنوم أو أكل أو جوع أو سكوت طويل أم كلام كثير أو نحو ذلك لخبر الصحيحين : ( كان النبي A إذا قام من النوم يشوص فاه ) أي يدلكه بالسواك وقيس بالنوم غيره بجامع التغير .
وكما أنه يتأكد فيما ذكر يتأكد أيضا لقراءة قرآن أو حديث ولعلم شرعي - كما بحثه بعضهم - ولذكر الله تعالى ولنوم وليقظة - كما مر - ولدخول منزله وعند الاحتضار - ويقال : إنه يسهل خروج الروح - وفي السحر وللأكل وبعد الوتر وللصائم قبل وقت الخلوف . كما يسن التطيب قبل الإحرام . " .
ولا يكره " بحال " إلا للصائم بعد الزوال " ولو نفلا لخبر الصحيحين : ( لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) والخلوف بضم الخاء : تغير رائحة الفم . والمراد الخلوف بعد الزوال لخبر : ( أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا ) ثم قال : ( وأما الثانية : فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك ) والمساء بعد الزوال وأطيبية الخلوف تدل على طلب إبقائه فكرهت إزالته وتزول الكراهة بالغروب لأنه ليس بصائم الآن . ويؤخذ من ذلك أن من وجب عليه الإمساك لعارض كأن نسي نية الصوم لا يكره له السواك بعد الزوال وهو كذلك لأنه ليس بصائم حقيقة والمعنى في اختصاصها بما بعد الزوال : أن تغير الفم بالصوم إنما يظهر حينئذ قاله الرافعي . ويلزم من ذلك - كما قال الإسنوي - أن يفرقوا بين من تسحر أو تناول في الليل شيئا أو لا فيكره للمواصل قبل الزوال وأنه لو تغير فمه بأكل أو نحوه ناسيا بعد الزوال أنه لا يكره له السواك وهو كذلك .
ولا يتوهم أنه يستاك لنحو الصلاة بعد الزوال لأنه يلزم منه أن لا يبقى خلوف غالبا إذ لا بد بعد الزوال من الصلاة وأما هذه الأمور فعارضة فلا يؤخذ منها ما ذكر . فإن قيل : لم حرم إزالة دم الشهيد مع أن رائحته كريح المسك كما ورد في الخبر إنهم : ( يأتون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك ) وكره إزالة الخلوف مع كونه أطيب من ريح المسك ؟ أجيب : بأن في إزالة دم الشهيد تفويت فضيلة على الشهيد لم يؤذن في إزالتها فإن فرض أن شخصا سوك صائما بغير إذنه حرم عليه كما هنا أو أن شهيدا أزال الدم عن نفسه في مرض يغلب على ظنه الموت فيه سبب القتال كره فتفويت المكلف الفضيلة على نفسه جائز وتفويت غيره لها عليه لا يجوز إلا بإذنه . قال أبو الخير القزويني في كتاب " خصائص السواك " وغيره : فلا يجب السواك على من أكل الميتة عند الاضطرار لإزالة الدسومة النجسة . ويؤخذ من تعليله أن الواجب إزالتها بسواك أو غيره فلا يجب السواك عينا وهو ظاهر .
قال الترمذي الحكيم : يكره أن يزيد طول السواك على شبر . وفي البيهقي عن جابر قال : ( كان موضع سواك رسول الله A موضع القلم من أذن الكاتب ) واستحب بعضهم أن يقول في أوله : " اللهم بيض به أسناني وشد به لثاتي وثبت به لهاتي وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين " . قال المصنف : وهذا لا بأس به وإن لم يكن له أصل فإنه دعاء حسن .
فائدة : .
قوله في الحديث " وخلوف " إلخ جملة حالية مقيدة لعاملها فيفهم منه أن ذلك في الدنيا وهو الأصح عند ابن الصلاح و السبكي وخصصه ابن عبد السلام بالآخرة ولا مانع أن يكون فيهما .
فرع : .
من فوائد السواك : أنه يطهر الفم ويرضي الرب كما مر ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويسوي ( 1 / 57 ) الظهر ويشد اللثة ويبطئ الشيب ويصفي الخلقة ويذكي الفطنة ويضاعف الأجر ويسهل النزع كما مر ويذكر الشهادة عند الموت .
ويسن التخليل قبل السواك وبعده ومن أثر الطعام وكون الخلال من عود السواك ويكره بنحو الحديد