للقرب وفيه إشارة إلى الشرط الرابع وهو حصول المنفعة للمستأجر .
والقرب على قسمين ما يحتاج إلى نية وما لا يحتاج والقسم الثاني إن كان فرض كفاية فإما أن يكون شائعا في الأصل أو لا .
وقد شرع فيما هو شائع في الأصل فقال " لا تصح " من إمام وغيره " إجارة مسلم " ولو عبدا " لجهاد " لأنه يقع عنه ولأنه إذا حضر للصف تعين عليه .
واحترز بالمسلم عن الذمي وهو صحيح بالنسبة إلى الإمام أما الآحاد فيمتنع على الأصح كما ذكره في كتاب السير .
ثم شرع فيما يحتاج إلى نية فقال " ولا عبادة " أي لا تصح إجارته لعباده " تجب لها نية " كالصلاة والصوم إذ القصد منها امتحان المكلف بكسر نفسه بفعلها ولا يقوم الأجير مقامه في ذلك .
وهل يستحق الأجير أجرة ما عمل لم يصرحوا به لكن قضية قولهم في النفقات إن كان كل ما لا يصح الاستئجار عليه لا يستحق فاعله أجره للعمل وإن عمل طامعا في الأجرة عدم الاستحقاق .
إلا .
الاستئجار لقربة من " حج " أو عمرة وركعتي طواف تبعا لهما عن ميت أو عاجز كما مر في كتابه .
وتفرقة زكاة .
وصوم عن ميت وذبح هدي وأضحية ونحوها فيجوز .
وضابط هذا أن كل ما تدخله النيابة من العبادة يجوز الاستئجار عليه وما لا فلا .
ثم شرع فيما هو فرض كفاية غير شائع في الأصل فقال " وتصح " الإجارة " لتجهيز ميت " كغسله وتكفينه " ودفنه وتعليم القرآن " أو بعضه ونحو ذلك مما هو فرض كفاية وليس بشائع في الأصل وإن تعين على الأجير في الأصح قال الرافعي لأنه غير مقصود بفعله حتى يقع عنه ولا يضر عروض تعينه عليه كالمضطر فإنه يتعين إطعامه مع تغريمه البدل .
وروى البخاري خبر إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله .
ومعنى عدم شيوع فرض الكفاية في الأصل في تجهيز الميت أن تجهيز الميت يختص بالتركة ثم بمال من تلزمه نفقته فإن لم يكن فعلى أغنياء المسلمين القيام بها وفي تعليم القرآن أن التعليم بالمؤمن يختص بمال من تلزمه ثم بمال نفقته فإن لم يكن فعلى أغنياء المسلمين القيام بها .
تنبيه : .
احتج بعضهم على جواز أخذ الأجرة على فرض الكفاية بعامل الصدقة فإنها أجرة على الأصح .
وذكر الدفن بعد التجهيز من ذكر الخاص بعد العام لدخوله فيه كما يعلم مما قدرته .
ولا تكرار في ذكر التعليم لأنه هنا من حيث أنه عبادة وفيما مر من حيث التقدير .
وقد مر عن النص أن القرآن بالتعريف لا يطلق إلا على جميعه وحينئذ فكان ينبغي تنكيره فإن بعضه كذلك كما قدرته في كلامه .
وتقييده التعليم بالقرآن قد يفهم امتناع الاستئجار لتدريس العلم وهو كذلك نعم إن عين أشخاصا ومسائل مضبوطة يعلمها لهم جاز وإن تعين على الأجير كنظيره فيما مر وينبغي كما قال شيخنا أن يأتي مثله في الاستئجار للقضاء .
ويصح الاستئجار لشعار غير فرض كالأذان كما مر في بابه مع زيادة والأجرة تؤخذ عليه بجميع صفاته ولا يبعد استحقاقها على ذكر الله تعالى كتعليم القرآن لا على رفع الصوت ولا على رعاية الوقت ولا على الحيلتين كما قيل بكل منهما .
ولا يصح الاستئجار للإمامة ولو نافلة كالتراويح لأن فائدتها من تحصيل فضيلة الجماعة لا تحصل للمستأجر بل للأجير .
ويصح الاستئجار للمباحات كالاصطياد كما جزم به الإمام .
ويصح استئجار بيت ليتخذه مسجدا يصلي فيه وصورته كما قال صاحب الانتصار أن يستأجر للصلاة أما إذا استأجره ليجعله مسجدا بلا يصح فلا بخلاف .
والشرط الخامس في المنفعة أن لا يتضمن عقد الإجارة استيفاء عين قصدا فاستئجار البستان لثمرته والشاة لصوفها أو نتاجها أو لبنها لا يصح لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة ( 2 / 345 ) قصدا بخلاف ما إذا تضمن استيفاءها تبعا للضرورة أو حاجة كما يشير إليه قوله " و " تصح الإجارة ولو من زوج كما سبق " لحضانة " أي حضانة امرأة لولد " وإرضاع " له " معا " نصب على الحال للحاجة إليهما " ولأحدهما فقط " أما الحضانة فلأنها نوع خدمة وهي نوعان صغرى وكبرى وسيأتي بيانهما .
وأما الإرضاع فلقوله تعالى " فإن أرضعن لكم " الآية .
وإذا جاز الاستئجار على الإرضاع وحده فله مع الحضانة أولى .
فالحاجة داعية إلى ذلك ومر أن الاستئجار على الإرضاع يقدر بالمدة فقط .
ويجب تعيين الرضيع قال في البحر وإنما يعرف بالمشاهدة أي أو بالوصف كما يؤخذ من كلام الحاوي لاختلاف شربه باختلاف سنه وتعيين موضع الإرضاع أهو بيته أو بيتها لأنه في بيته أشد توثقا به وفي بيتها أسهل عليها .
قال الرافعي وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب كل ما يكثر به اللبن وللمكتري تكليفها بذلك .
وقال ابن الرفعة الذي قاله المارودي أي و الصيمري و الروياني إن له منعها من أكل ما يضر بلبنها اه .
وهذا أظهر ويوافقه قولهم في النفقات للزوج منع زوجته من تناول ما يضر بها .
وإذا لم يقبل الرضيع ثديها ففي انفساخ الإجارة وجهان في تعليق القاضي وينبغي عدم الانفساخ وثبوت الخيار ففي الحاوي والبحر أن الطفل إذا لم يشرب لبنها لقلة في اللبن فهو عيب يثبت للمستأجر الفسخ ولو سقته لبن غيرها استحقت الأجرة إن كانت إجارة ذمة وإلا فلا .
تنبيه : .
ظاهر كلام المصنف صحة الاستئجار على إرضاع اللبأ وهو كذلك وإن كان إرضاعه واجبا على الأم كما يعلم من باب النفقات خلافا للزركشي .
ويشترط في الإجارة للرضاع بلوغ المرضعة تسع سنين كما في البيان .
وخرج بالمرأة البهيمة كاستئجار الشاة لإرضاع سخلة أو طفل فلا يصح لعدم الحاجة كما صرح به في الروضة في الأولى و البلقيني في الثانية قال بخلاف استئجار المرأة لإرضاع السخلة فالظاهر صحته .
والأصح أنه لا يستتبع أحدهما الآخر .
في الإجارة لأنهما منفعتان يجوز إفراد كل منهما بالعقد فأشبه سائر المنع .
والثاني نعم للعادة بتلازمهما .
ثم شرع في بيان الحضانة فقال " والحضانة " الكبرى " حفظ صبي " أي جنسه الصادق بالذكر والأنثى " وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه " وتطهيره من النجاسات " ودهنه " بفتح الدال اسم للفعل وأما بالضم ففي الروضة كأصلها أنه على الأب فإن جرى عرف البلد بخلافه فوجهان اه .
والظاهر منهما اتباع العرف .
وكحله .
وإضجاعه " وربطه في المهد " وهو سرير الرضيع " وتحريكه " على العادة " لينام ونحوها " مما يحتاج إليه الرضيع لاقتضاء اسم الحضانة عرفا لذلك ولحاجة الرضيع إليها .
واشتقاقها من الحضن بكسر الحاء وهو ما تحت الإبط وما يليه لأن الحاضنة تجعل الولد هنالك .
والإرضاع ويسمى الحضانة الصغرى أن تلقمه بعد وضعه في حجرها مثلا الثدي وتعصره .
عند الحاجة .
تنبيه : .
إذا استأجر للحضانة والإرضاع فالأصح أن المعقود عليه كلاهما لأنهما مقصودان وقيل اللبن والحضانة تابعة وقيل عكسه .
وإذا استأجر للرضاع فقط فالأصح أن المعقود عليه الحضانة الصغرى واللبن تابع لقوله تعالى " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " علق الأجرة بفعل الإرضاع لا باللبن ولأن الإجارة موضوعة للمنافع كما مر وإنما الأعيان تبع للضرورة .
ولو استأجر لهما .
أي الحضانة والإرضاع " فانقطع اللبن فالمذهب انفساخ العقد في الإرضاع " ويسقط قسطه من الأجرة " دون الحضانة " فلا ينفسخ العقد فيها بناء على الراجح من خلاف تفريق الصفقة ولو أتى باللبن من محل آخر ولم يتضرر الولد جاز .
ويصح استئجار القناة وهي الجدول المحفور للزراعة بمائها الجاري إليها من النهر للحاجة لا استئجار قرارها دون الماء بأن استأجرها ليكون أحق بمائها الذي يتحصل فيها بالمطر والثلج في المستقبل لأنه استئجار لمنفعة مستقبلة بخلاف ما لو استأجرها ليجري فيها الماء أو ليحبس الماء فيها حتى يجتمع فيها السمك .
ويصح استئجار البئر للاستقاء من مائها للحاجة لا استئجار الفحل للضراب كما مر في باب ( 2 / 346 ) البيوع المنهي عنها .
والأصح .
وعبر في المحرر بالمشهور وفي الروضة كأصلها بالمذهب " أنه لا يجب حبر " بكسر الحاء اسم للمداد " و " لا " خيط و " لا " كحل " ولا ذرور ولا صبغ ولا طلع نخل " على وراق " أي ناسخ وفي الصحاح أنه الذي يورق ويكتب أما بياع الورق فيقال له كاغدي .
و .
لا على " خياط و " لا " كحال " وصباغ وملقح في استئجارهم لذلك اقتصارا على مدلول اللفظ والأعيان لا تستحق بالإجارة وأمر اللبن على خلاف القياس للضرورة .
قلت صحح الرافعي في الشرح الرجوع فيه .
أي المذكور " إلى العادة " للناس إذ لا ضبط في الشرع ولا في اللغة ولم يعبر الرافعي بالأصح بل بالأشبه .
ثم قال " فإن اضطربت " أو لم يكن عادة كما فهم بالأولى " وجب البيان وإلا " أي وإن لم يبين " فتبطل " أي لم تنعقد " الإجارة والله أعلم " لأن اللفظ عند تردد العادة وعدم التقييد يلتحق بالمجملات .
تنبيه : .
قضية كلام الإمام أن التردد في ذلك إذا كان العقد على الذمة فإن كان على العين لم يجب غير نفس العمل وهذا هو الظاهر .
ولا يؤخذ من كلام المتن ترجيح في هذه المسألة بل فائدته أنه نقل اختلاف ترجيح الرافعي في المحرر والشرح اللهم إلا أن يقال إن إيراد كلام الشرح على جهة الاستدراك يشعر بترجيحه بدليل أنه لما ذكر في الروضة تصحيحه لم يتعقبه بما في المحرر وقد يقال بترجيح ما في المحرر لأنه لما استدرك عليه بما في الشرح لم يرجحه والأوجه الأول .
وإذا أوجبنا الحبر ونحوه على الوراق ونحوه لم يجب تقديره وإن لم نوجبه عليه وشرط عليه فسد العقد .
ويلحق بما ذكر قلم النساخ ومرود الكحال وإبرة الخياط وأما الاستئجار على عمل النعال فإن ابتاع النعال النعلين والشراكين ثم استأجره بأجرة معلومة على العمل صح وإلا فلا كما نقل عن نص الأم وصوبه الزركشي .
ولقائل أن يقول ما الفرق بين هذا وبين الصباغ والخياط مع أن العادة جارية بذلك ولا يبعد أن يقال فيه باطراد العادة ولم أر من ذكره